أسرار المونديال - أبناء زائير "اللقطاء"

الثلاثاء، 08 مايو 2018 - 19:02

كتب : إسلام مجدي

زئير

يقولون إنه من رحم المعاناة تولد الإنجازات، وكرة القدم ذات مرة كانت قادرة على تحرير الشعوب بل ولها دور في تحرير بعضها من العبودية. لكن مع زائير كان الوضع مختلفا للغاية، ما بين الكثير من الوعود والخيانة والإضراب والنتائج الكارثية ولقطة شهيرة ضد البرازيل، لم تكن أحلاما.

وصول زائير والتي عرفت فيما بعد بالكونغو الديموقراطية إلى كأس العالم كان رسالة للعالم أجمع بأن محور العبودية وهي مدينة ليوبولدسفيل والتي عرفت فيما بعد بكينشاسا لم تعد كالماضي بل لها حق المشاركة وسط العالم ولون البشرة لن يفرقهم.

تم إرجاع الفضل فيما عرف بعصر بداية نهضة كرة القدم بزائير إلى جوزيف ديزي موبوتو الذي كان يتمتع بقوة كبيرة واهتم للغاية بمنتخب كرة القدم لديه، خاصة وأنه تولى رئاسة الدولة بعد مساندة من الاستخبارات الأمريكية في 1965 وكان مدعوما بقوة.

زائير كانت قد عانت حتى عام 1965 من العبودية والصراعات من أجل الاستقلال عن بلجيكا حتى عام 1960 قبل تدخل الاستخبارات الأمريكية لوضع موبوتو في الحكم.

كان ينظر إلى كرة القدم على أنها طريقة لتوحيد الشعوب وإزالة يأسهم، كان يعلم تمام العلم أنها الحل لكل مشاكله مع دولته.

قال موبيو إيلونجا ظهير منتخب زائير عن تلك الحقبة :"التفكير في كينشاسا دائما كان يتمحور حول أمر واحد، أنها مصدر بؤس لكل الكونغوليين، قبل أن تحدث المعجزة، ليتحول الأمر إلى ذكرى لن تفارقنا جميعا، وكانت بداية شعلة النهضة".

موبوتو رئيس زائير كان ينظر إلى نموذج غانا، ذلك المنتخب الذي توج بطلا للأمم الإفريقية عامي 1963 و1965، ودعم ذلك من قوة وقدرة كوامي نكروماه رئيس غانا في ذلك الوقت، تلك القوة التي بحث عنها موبوتو كثيرا.

كان يعلم أيضا أن تلك دعاية ذهبية له، إن تواجد منتخبا قويا فسيعني ذلك أن دولته قوية، لذا كان الحل هو التأهل لكأس العالم 1974.

في خلال سعي منتخب زائير للوصول إلى كأس العالم، منع موبوتو اللاعبين من التوقيع مع أي أندية أجنبية، على الرغم من اهتمام عدد كبير من الأندية وقال :"لن أفرط في كنوز دولتي الثمينة مهما حدث".

وشدد على أن زائير لن تخضع مجددا ولن تتحول إلى مرتزقة من أجل أوروبا وجعل ذلك شعار المرحلة.

قال إيلونجا عن تلك الفترة وذلك القرار :"كان كارثة على الفريق، افتقر العديد من اللاعبين للخبرة المطلوبة".

ثم أضاف "بعد التأهل أرسل لنا خطابا قال فيه، لكل المحاربين الأقوياء الذين أظهروا رغبة في الفوز، إلى كل الفهود المنتصرة أدعوكم إلى منزلي لنحتفل بإنجازكم الرائع".

وواصل "بالنسبة لنا ومعظمنا ترعرع في بيئة فقيرة للغاية، كان أمرا عظيما أن نقابل موبوتو، لقد كان خارقا بالنسبة للبعض، كنا نشعر أن زائير معه ستصبح قوة ودولة متطورة، لقد أظهر أن الرجل الإفريقية قادر على القيادة بعيدا عن تأثير الرجل الأوروبي الأبيض".

واستطرد "عند لقاءنا قال لنا، أولادي انضموا إلي من فضلكم واسمحوا لنا أن نتحدث سويا".

وتم التشديد على لاعبي المنتخب ألا يصافحوا يد موبوتو مهما حدث، ولا يتحدثون إلا حينما يسمح لهما مهما قال، ولا يتحركون فجأة في حضوره، لأنه كان مهووسا بأنه سيتم اغتياله، وعوضا عن ذلك تجمعوا حوله في دائرة أثناء ثنائه عليهم.

"يجب أن يكون مستواكم في كأس العالم مرآة تعكس إفريقيا الجديدة، وكم نحن فخورين أن يكون منتخب زائير هو أول منتخب أسمر البشرة يظهر في نهائيات كأس العالم".

بطريقة ما أقنع موبوتو اللاعبين أنهم سيؤدون بطريقة جيدة للغاية بل وربما يتوجون باللقب، قال إيلونجا :"لقد كان لديه تأثيرا غريبا".

وأخبرهم أنهم سيصبحون أثرياء إن شرفوا زائير في كأس العالم، لكنه لم يكن يعلم ما الذي سيحدث في البطولة.

يتابع إيلونجا :"بعدما تأهلنا إلى كأس العالم أغدق علينا موبوتو بالهدايا، وكانا يقول عننا أننا أبناؤه، قبل أن تتحول الأمور إلى كارثة في ألمانيا".

العلامات لم تبد جيدة المنتخب خاض مباريات ودية قدم فيها مستوى كارثيا، ضد أندية سويسرية وإيطالية.

في ذلك الوقت كان موبوتو يمتلك مبلغ 50 مليون دولار في حسابات بنكية بسويسرا، ووقتها سافر منتخب زائير بطريقة بدا عليها الثراء، ووصلوا إلى مطار فرانكفورت كما الملوك، حتى أن اللاعبون وصفوا الطعام في الطائرة بـ"طعام الملوك".

قال إيلونجا :"كان هناك الكثير من السيجار والمقبلات والويسكي، كانت رحلة رائعة لم نرها طيلة حياتنا".

لم يعلم منتخب زائير ما ينتظره، على الرغم من ذلك كانت الصحف متفائلة للغاية بالمنتخب وبما سيقدمه قبل مواجهة إسكتلندا.

قال إيلونجا :"الأجواء قبل مواجهة اسكلتندا كانت تملؤها الحماسة والوطنية، كنا نشعر وكأننا في مهمة كبيرة من أجل إفريقيا ولأنفسنا ولموبوتو".

وصلت برقية من موبوتو قبل المباراة تقول :"ادخلوا إلى الملعب وتحركوا بسرعة وخفة مثل الفهود، اخرجوا واجلبوا النصر لدولتكم لتصبحوا أبطالا وأساطير".

ويلي أورموند مدرب إسكتلندا قال قبل مواجهة زائير :"إن خسرنا منهما فسأرسل فريقي إلى المنزل".

في أول نصف ساعة من مواجهة إسكتلندا وبتمريرة ساحرة فشل منتخب زائير في التسجيل، فيما بعد جاءت اللحظة وسجل كل من بيتر لورمير وجو جوردان هدفي إسكتلندا مقابل لا شيء من زائير. رغم ذلك صفقت الجماهير للفهود على ما قدموه وكانت لحظات جيدة للغاية لهم.

في تلك المباراة اشتكى لاعبو زائير من العنصرية التي تعرضوا لها من نجم استكلندي كان يعد من نجوم البطولة، والذي لقبهم بأفظع الألقاب خلال المباراة وكلها تخص لون بشرتهم.

كل وعود موبوتو بالثراء السريع للاعبي المنتخب الزائيري كانت خالية الوفاض، لم يحول لهم الأموال المتفق عليها لم يمنحهم مالا وهم هناك اكتفى بإيصالهم إلى ألمانيا فقط وبالتالي كان لابد من وجود بعض العواقب لخيبة الأمل.

"بعد المباراة أراد بعضنا أن نخرج ليلا ونسهر في بعض الأماكن، طلبنا من المدرب إن كان بإمكانه منحنا بعض المال الذي يخصنا والذي وعدنا به موبوتو، لكن الإجابة كانت: انسوا الأمر، ظلوا في غرفكم وتصرفوا كمحترفين".

ليلاحظ اللاعبون بعد ذلك أن أفراد الأمن الذين جاءوا مع المنتخب احتفظوا بأموال موبوتو له ولم يمنحوها للاعبين وأعادوهم لغرفهم وشددوا على أنهم ليسوا في ألمانيا للترفيه.

الفهود شعروا وكأنهم في مقر إقامة جبرية، شاهدوا التلفاز في غرفهم وبلغة لم يفهموها قط، ودخنوا وشربوا الكثير من الخمور أكثر مما يجب، فقط قبل يومين من مواجهة يوغوسلافيا حدث كل ذلك، وأكثر قام الحارس كازادي بإخبار زملائه على العشاء بالإضراب عن المشاركة في المباراة، وبالفعل قرر 8 لاعبين المشاركة من ضمنهم كازادي، خاصة وأنهم شعروا بأن وطنهم يخونهم، لذا بإمكاننا تخيل الحالة قبل مواجهة يوغوسلافيا.

مواجهة يوغوسلافيا ضد زائير اكتسبت شعبية كبيرة لطبيعة حالة الدولتين بجانب أداء الفهود في المواجهة الأولى.

موبوتو كان يشاهد المباراة في حلقة سيرك مغلقة في دولته لأنه نادرا ما يحضر أحداثا في الأماكن المفتوحة خوفا من الاغتيالات، وشاهد مباشرة كازادي وهو يسمح باستقبال 3 أهداف في أول 15 دقيقة من المباراة، الحارس لم يكن ملاما على أي منها، لكن المدرب اليوغوسلافي بلاجوي فيدنيتش قرر استبداله وتحميله الخطأ، وصرح بعد ذلك عن سبب التبديل إنه يجب أن يظل سرا عقب المباراة.

وقالت شائعات إن ديمبي توبيلاندو الحارس البديل كان من اختيار موبوتو الذي قرر معاقبة كازادي على الأهداف الثلاثة، لكن بعد ذلك سجلت يوغوسلافيا الهدف الرابع، ثم أهدى دفاع زائير خمسة أهداف للخصم، لينتهي اللقاء بنتيجة 9-0.

غضب شديد عانى منه موبوتو بعد المباراة، ليس لفضيحة النتيجة فحسب، الكاميرات كانت قد صورت دكة البدلاء وفيها مشهدا غريبا، إذ أن لاعبي مازيمبي لوبومباشي وفيتا كينشاسا لم يتفقوا سويا أبدا إلا أنهم اتفقوا معا على تدخين السجائر غير مكترثين لنتيجة المباراة.

ثم اتجه لاعبين إلى مدربهم واتهموه بتلقي رشوة من أجل دولته، واستمرت تلك القصة قائمة لسنوات، لكن لم يعترف أحد أن زائير لعبت بطريقة سيئة للغاية والأحداث المحيطة تسببت فيما حدث.

"لا أعتقد أن المدرب كان ليفعل أمرا كهذا أبدا، لم نكن نلعب كرة القدم، فقط كنا نخشى موبوتو، لكن لم تكن تلك الحالة ضد يوغوسلافيا، ما حدث لا يمكن وصفه تعرفون الأحداث". إيلونجا.

تم إخبار اللاعبين بعد المباراة أن ينتظروا في غرفة تناول العشاء، وتم التأكد من إخلاء المكان تماما من الصحفيين، وعلم اللاعبون في قرارة أنفسهم أن هناك أمرا ما سيحدث، ثم دخل 3 مسؤولين بدوا غاضبين وجادين للغاية يحملون رسالة من موبوتو.

"كلكم جلبتم العار إلى زائير، أنتم فضيحة وحثالة، وأبناء عاهرات، إن استقبلتم أكثر من 3 أهداف ضد البرازيل في المباراة الأخيرة فلن تروا زائير أو عائلاتكم مجددا، أشعر بالخجل منكم لستم أبنائي أنتم لقطاء جميعا".

لمدة نصف ساعة خيم الصمت على الأجواء بين اللاعبين، جميعهم يحدق في خوف ورعب، لم تكن تلك الجنة التي ظنوا أنهم دخلوها، لم تعد الأمور بهذه البساطة، أرواحهم وعائلاتهم مهددة ولم يشكك أحد في كلمة من الخطاب.

حينما دخل منتخب زائير مباراته الأخيرة ضد البرازيل جميعهم علموا أن حياتهم ترتبط بهذه المباراة ونتيجتها، بعضهم تمنى لو ترجى نجوم البرازيل أن يفوزا فقط بنتيجة 1-0 لكن ذلك لن يحدث.

على الجانب الآخر كانت الأمور شائكة بالنسبة للبرازيل، احتاج المنتخب الفوز بنتيجة 3-0 ليضمن التأهل من دور المجموعات.

قال إيلونجا عن تلك اللحظات :"دخلنا المباراة ونظرنا للاعبين مثل ريفيلينو وجاريزينو كنا متوترين للغاية يمكنك أن تتخيل المشهد، علمنا أننا سنخسر لكن كان يجب أن نتأكد من أننا سنقاتل من أجل حياتنا وحياة أسرنا". فعليا هذا ما حدث، قاتلت زائير في المباراة وتحولوا من منتخب كارثي ضد يوغوسلافيا إلى آخر يضغط البرازيل، لينتهي الشوط الأول بنتيجة 1-0.

"بين شوطي المباراة كنا في مزاج رائع، نحن خاسرون من البرازيل بنتيجة 1-0 فقط".

أعتقد منتخب زائير أن أكبر إنجازاته ستكون خروج البرازيل من البطولة معهم، ثم جاء هدفا رائعا من مسافة 30 ياردة وأخيرا هدف ثالث.

ثم احتسب الحكم ركلة حرة مباشرة لمنتخب البرازيل، واصطف لاعبو زائير في حائط للتصدي للكرة، ثم يخرج أحد اللاعبين هو إيلونجا ليسدد الكرة بعيدا عن ريفيلينو وجاريزينو.

لم يفهم أحد ماذا حدث، إلا إيلونجا الذي قال :"رأيت ريفيلنو يستعد وسيفعل ما هو قادر عليه دائما، خمسة خطوات للخلف والكرة من هذه المسافة تعني هدفا، وكنا متأخرين فعليا بنتيجة 3-0، كنا في مشكلة لأن هدفا إضافيا يعني مقتلنا جميعا، فكرت في أمر يضيع بعض الوقت، لذا قمت بالخروج من الحائط وركلها بعيدا، شعرت بالغباء لأن الجماهير بدأت في الضحك من حولي ولاعبي البرازيل، صفرت على الجماهير وسببتهم لأنه من الصعب أن تتذكر كم كنت غبيا، لكنها فضيحة للبراءة الإفريقية".

أصبح سجل زائير في كأس العالم صفر من الأهداف وصفر فوز وصفر تعادل و3 خسائر واستقبل 14 هدفا.

عاد المنتخب إلى كينشاسا في ليلة هادئة للغاية لم يحتفل بهم أحد فقط موبوتو كان ينتظرهم. ووعود الثراء؟ ليست موجودة.

اللاعبون خشوا من العودة مجددا إلى بلادهم بعدما تحولت دعاية موبوتو إلى أضحوكة، اثنان منهم قد هربا إلى أوغندا لكنهما قتلا هناك وأحدهما كان المدافع كاباسو، ثم مات 3 لاعبين آخرين أحدهم لاعب الوسط كيلاسو وعاش كازادي حارس مرمى المنتخب آنذاك في فقر مدقع.

ليصرح إيلونجا بعد ذلك "والدنا قرر استعادة كل الهدايا التي منحها لنا، وتم إخبارنا أن حراسه كانوا يغارون بشدة من وعوده لنا مما أجبره على استعادة السيارات والمنازل والأموال كل شيء ذهب مع الريح، انتهينا من دون أي شيء وأغلقت كافة الأبواب في وجهونا بسبب ما حدث في كأس العالم، موبوتو بدأ في تدمير مسيرتنا كلاعبي كرة قدم".

فشلت محاولة موبوتو لرفع قيمته وقيمة دولته من خلال كرة القدم، لكنه كان يخطط لخطط أكبر لإظهار زائير بمظهر قوي، وأقام مباراة الملاكمة الشهيرة بين محمد علي كلاي وجورج فورمان عام 1975، وحاول أن يستقطب رواد الرياضة لزائير.

وانسحب المنتخب من تصفيات كأس العالم 1978 بعدما قرر موبوتو رفع الدعم تماما عن كرة القدم، خاصة وأن ما حدث في 74 تسبب في معاملة سيئة للغاية لكل لاعبي كرة القدم في الدولة.

لم يتشارك العديد من اللاعبين الذين خاضوا البطولة ما اختبروه في ذلك الوقت وخشوا كثيرا من بطش موبوتو وتابعيها لتندثر الكثير من الكواليس حول تلك الحقبة. خاصة وأن هناك تقارير قالت إن لوبيلو مدافع ذلك المنتخب قتل خلال حكم موبوتو بسبب مستواه السيء في ألمانيا. لكن ذلك لم يتم تأكيده.

موبوتو حسب حكايات للذين عاشوا في عهده كانت لديه جملة واحدة "الكونغو دولة كبيرة والناس تختفي ببساطة لا مشكلة". خاصة وأنه كان قد قرر تطبيق سياسة "الدعم الإفريقية" في ذلك الوقت ونصت على تحويل أي اسم أو ثقافة أوروبية دخيلة إلى إفريقية وتحول إلى ديكتاتور أكثر من أي وقت مضى. واستمرت قصة زائير في 1974 قائمة بعد 44 عاما لكن لم يبق الكثيرون ليقصوها.

التعليقات