إسبانيا.. التحرر من سطوة الجيل الذهبي

الإثنين، 07 مايو 2018 - 15:18

كتب : زكي السعيد

إسبانيا

في نوفمبر 2012، جلس اللاعب الباسكي ماركل سوسايتا للحديث عن تجربة انضمامه الأول لمنتخب إسبانيا خلال إحدى المؤتمرات الصحفية قبل مباراة بنما الودية.

سوسايتا لاعب أتلتيك بلباو لم يذكر اسم بلاده "إسبانيا" أثناء حديثه للصحفيين، وقال: "نحن نمثَل شيئا".

اللاعب شارك في 18 دقيقة خلال تلك المباراة، ولم يتلق الاستدعاء الدولي مجددا لبلادٍ يستحي أن يمثلها، لأنه لا يعترف بسيادتها من الأساس.

وسوسايتا ليس أول أو آخر انفصالي يرتدي قميص المنتخب الإسباني؛ فبلاد تمتلأ بالقوميات واللغات والثقافات المختلفة مع العديد من مناطق الحكم الذاتي، من الطبيعي أن يحتوي منتخبها القومي على لاعبين لا يتشرفون كثيرا بوضع شعار التاج الملكي على صدورهم.

جيرارد بيكيه هو الحالة الأحدث، فاللاعب جاهر بآرائه السياسية الانفصالية في أكثر من مناسبة، وأظهر مساندة كبيرة لاستفتاء الانفصال الذي طُرح في منطقة كتالونيا قبل عدة أشهر.

مدافع برشلونة تلقى صافرات الاستهجان من الجمهور الإسباني في أغلب الملاعب، وهي حالة فريدة من نوعها لعلها لم تتكرر مع أي منتخب آخر- أن يكون أحد أفراده مستهدفا من قبل جماهيره.

هذا الصراع القومي الذي يطفو كثيرا على سطح الصحف والبرامج، لا يبدو تأثيره كبيرا على منتخب اعتاد اللعب كجسد واحد.

المدرب الحالي جولين لوبيتيجي مولود في مدينة أستياسو الباسكية، ولكنه يظل وفيا لكرة إسبانيا الأنيقة القائمة على الاستحواذ، بالطبع لن يفرض على لاعبيه الأسلوب الباسكي الممتاز بالاندفاع البدني واللعب المباشر، وعندما تنتصر إسبانيا، سيكون العلم ذو اللونين الأحمر والأصفر والتاج الملكي الإسباني هو المرفرف أثناء احتفالات اللاعبين.

في روسيا، ستكون إسبانيا مرشحة قوية للظفر باللقب، بعد أن نجحت في تغيير جلدها وانسلخت من سيطرة الحرس القديم الذي لم يقدر فيسنتي ديل بوسكي على تعويضه في يوما ما.

تاريخ حديث لإسبانيا في المونديال

إسبانيا شاركت في 14 نسخة مونديالية سابقة من أصل 20، ورفعت الكأس مرة واحدة عام 2010.

خاضت إجمالا 59 مباراة، فازت في 29، تعادلت في 12، وخسرت 18.

سجلت إسبانيا في كأس العالم تاريخيا 92 هدفا، وتحتاج إلى 8 أهداف للوصول للهدف المئوي في المونديال، الأمر الوارد تحقيقه بالنسخة الحالية. فيما استقبلت 66 هدفا.

المباراة الأولى لإسبانيا في كأس العالم لُعبت بنسخة 1934 أمام البرازيل، وانتصرت إسبانيا 3-1، وجاء هدفهم الأول بواسطة الباسكي خوسيه إيراراجوري من علامة الجزاء.

ودعت إسبانيا من الدور الأول للبطولة في 4 مناسبات، آخرها نسخة 2014 التي تجردت فيها من لقبها.

أول المشاركات المونديالية الناجحة لإسبانيا حدثت في العام 1950، عندما وقعت إسبانيا في مجموعة تضم تشيلي، الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا المرشحة الأولى للظفر باللقب حينها، نظام البطولة نص على تأهل متصدر المجموعة فقط للدور التالي، وإسبانيا احتاجت إلى الفوز على إنجلترا في الجولة الأخيرة، وهو ما حدث بهدف تيلمو زارا الذي أدخل إسبانيا للمربع الذهبي.

وفي 1982، استضافت إسبانيا كأس العالم بكثير من الطموحات تحت قيادة المدرب خوسيه سانتاماريا.

أصحاب الأرض تعشموا في بطولة قوية من منتخبهم الذي امتلك تشكيلة مدججة بالأسماء التي تعد من بين الأفضل في تاريخ إسبانيا.

افتتحت إسبانيا مبارياتها في البطولة بتعادل كارثي أمام هندوراس، لتتأهل بصعوبة إلى دور المجموعات الثاني بحلولها ثانية خلف أيرلندا.

في الدور الثاني خسرت إسبانيا أمام ألمانيا، وتعادلت أمام إنجلترا، وودعت البطولة بكثير من المرارة.

وفي نسخة 2002 امتلكت إسبانيا منتخبا قادرا على الوصول لبعيد، إلا أن المباراة الجدلية أمام كوريا الجنوبية صاحبة الأرض في ربع النهائي أطاحت بلاروخا.

أخيرا في 2010 تمكنت إسبانيا من الوصول للمربع الذهبي للمرة الثانية في تاريخها، بل وفاقت الإنجاز بالتتويج بالبطولة على حساب هولندا بهدف أندرس إنيستا الشهير في الأوقات الإضافية.

أما أكثر اللاعبين الإسبان مشاركة في نسخ مونديالية، فهم الثلاثي إيكر كاسياس، أندوني زوبيزاريتا، شابي هيرنانديز، بواقع 4 نسخ.

فيما يمتلك كاسياس رقم الإسباني الأكثر مشاركة في المونديال منفردا برصيد 17 مباراة، الرقم مرشح للتحطم هذه النسخة على يد الثنائي سيرخيو راموس صاحب الـ13 مباراة، ودافيد سيلفا صاحب الـ12 مباراة.

الهداف التاريخي لإسبانيا في كأس العالم هو دافيد فيا برصيد 9 أهداف سجلها في 3 نسخ مختلفة، وهو بالمناسبة الهداف التاريخي إجمالا لإسبانيا برصيد 59 هدفا، وأقرب اللاعبين له من أبناء الجيل الحالي هو دافيد سيلفا صاحب الـ35 هدفا الرابع على القائمة.

تأهل سلس من مجموعة صعبة

ضمت المجموعة الأوروبية السابعة لتصفيات كأس العالم 2018 منتخبين سبق لهما الفوز بكأس العالم، وهي الوحيدة من نوعها بين كل المجموعات الأخرى.

وجود إسبانيا وإيطاليا في المجموعة عينها كان يعني أن أحد المنتخبين سيضطر إلى خوض الملحق للوصول إلى روسيا، مع ما يحمله الملحق من شرور وأخطار.

إسبانيا لعبت تصفيات أقرب للكمال، وانتصرت في 9 من أصل 10 مباريات، فقط التعادل أمام إيطاليا بأرض الأخيرة ما منع إسبانيا من تحصيل العلامة الكاملة.

المباراة الحاسمة في التصفيات كانت على ملعب سانتياجو برنابيو أمام إيطاليا، والتي انتهت بفوز إسبانيا بثلاثية نظيفة، مباراة لم تعن فقط أن إسبانيا آمنة من خوض الملحق، بل كانت أيضا بمثابة إنذار شديد اللهجة للمنافسين المحتملين في المونديال.

دي خيا.. نجم بقفازيه

على غير العادة، يبرز حارس المرمى دافيد دي خيا كأهم لاعب في المنتخب الإسباني، إذ يعد نجم فريقه مانشستر يونايتد والمتسبب الأبرز في حصدهم النقاط بتصدياته الإعجازية.

دي خيا (27 عاما) يمتلك 27 مباراة دولية مع لاروخا، وتواجد على دكة بدلاء إسبانيا خلال كأس العالم 2014، إلا أن خروج إيكر كاسياس من حسابات لوبيتيجي فتح لدي خيا الطريق على مصرعيه ليكون حارس إسبانيا الأوحد في الفترة الماضية.

دي خيا خرج بشباك نظيفة في 17 مباراة من أصل 28 مباراة خاضها في الدوري هذا الموسم.

كما يحضر في الخط الخلفي القائد سيرخيو راموس الذي يلعب بطولته الدولية الأولى كقائد لإسبانيا بعد ابتعاد كاسياس، فيما يخوض نائبه في قيادة المنتخب، أندرس إنيستا، مبارياته الدولية الأخيرة على أرض روسيا قبل مغادرته برشلونة واتجاهه إلى الدوري الصيني.

ومن بين عديد اللاعبين الآخرين أصحاب الجودة العالية في وسط وهجوم إسبانيا، يبرز المخضرم دافيد سيلفا الذي قاد فريقه مانشستر سيتي للتتويج بالدوري الإنجليزي، ويعتمد عليه لوبيتيجي في الثلاثي الأمامي.

لوبيتيجي.. الوفي لأطفاله

على الرغم من تمثيله لفريقي ريال مدريد وبرشلونة خلال مسيرته، إلا أن جولين لوبيتيجي لم يكن حارسا عظيما.. تواجَد كحارس ثالث في قائمة إسبانيا المشاركة بنهائيات كأس العالم 1994، ويمتلك إجمالا مباراة دولية وحيدة.

المدرب الباسكي صاحب الـ51 عاما، لم يمتلك تاريخا تدريبيا حافلا عند توليه مهمة تدريب إسبانيا في يوليو 2016 عقب انتهاء حقبة فيسنتي ديل بوسكي الذهبية، مما أثار اندهاش البعض من ثقة الاتحاد الإسباني بشخصه.

ولكن مسيرته مع الفئات العمرية الصغرى للمنتخبات الإسبانية تبدو مثيرة للانتباه بفوزه ببطولة أوروبا تحت 19 عاما في 2012، وبطولة أوروبا تحت 21 عاما في 2013.

لاحقا وبين العامين 2014 و2016 خاض لوبيتيجي تجربة سريعة مع فريق بورتو البرتغالي، اشتهر خلالها باعتماده المكثف على اللاعبين الإسبان، إذ لعب 7 لاعبين إسبان بقميص بورتو في تلك الفترة القصيرة، وقادهم نحو ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.

مع توليه مهمة تدريب إسبانيا قبل عامين، اعترف الجميع بصعوبة مهمته في تعويض الجيل الذهبي الذي جلب لإسبانيا 3 بطولات كبرى، فحتى المخضرم ديل بوسكي لم يقدر على استبدال إيكر كاسياس ودافيد فيا وفرناندو توريس وكارلس بويول وشابي هيرنانديز وشابي ألونسو.

إلا أن لوبيتيجي كان الرجل الأنسب لتلك المهمة العسيرة، استطاع إنقاذ مصير محتمل لإسبانيا بالضياع لسنوات على صدى إنجازات الجيل السابق –الذي لن يتكرر-.

لوبيتيجي استفاد من احتكاكه بكافة المواهب الإسبانية الشابة في السنوات الماضية بمنتخبات الشباب والناشئين، واعتمد على 18 لاعبا في ظرف عامين لعبوا معه من قبل في منتخب الشباب، وأغلب هؤلاء اللاعبين لم يكن لهم حضور بارز مع إسبانيا قبل لوبيتيجي.

ويتجسد إيمان المدرب الباسكي بقدرات شبانه الذين عرفهم في مراهقتهم، من خلال مواصلته ضم إيسكو آلاركون على الرغم من عدم مشاركته باستمرار مع فريقه ريال مدريد، حدث هذا الأمر في نوفمبر 2016 عندما ظهر اسم إيسكو في قائمة إسبانيا بالرغم من مشاركته في 505 دقيقة فقط مع فريقه منذ مطلع الموسم.. إيسكو ذهب إلى التجمع الدولي وسجل هدفا جميلا في شباك إنجلترا، وشكل هذا الاستدعاء نقطة تحوّل في موسمه الذي انتهى على كونه ركيزة أساسية في تشكيلة زين الدين زيدان التي حصدت ثنائية الدوري ودوري الأبطال بمساهمات مباشرة للاعب.

مثال آخر على ميل لوبيتيجي لأطفاله وتفضيلهم عن آخرين إذا ما تساوت الرؤوس يتجسد في رودريجو مورينو مهاجم فالنسيا الذي خاض 8 دقائق دولية عام 2014 وابتعد من حينها عن المنتخب، قبل أن يجد نفسه المهاجم الأول لإسبانيا مع نهاية تصفيات المونديال الحالي، خصوصا مع ابتعاد ألفارو موراتا عن مستواه، وعدم مشاركة دييجو كوستا طوال النصف الأول من الموسم.

وعلى الرغم من خبرات ألفارو موراتا الدولية، واستعادة كوستا لكثير من مستواه مع الروخيبلانكوس، وانفجار إياجو أسباس مع سيلتا فيجو، فسيظل رودريجو هو الخيار الأقرب والمحبب لقلب لوبيتيجي.

لوبيتيجي ينتهج طريقة 4-3-3، وهي الطريقة التي اعتمد عليها أيضا في بطولة أوروبا للشباب 2013.

المنتخب الإسباني واصل عقيدة الاستحواذ تحت إمرة لوبيتيجي، إلا أنه بات مباشرا أكثر بنمط أسرع من سابقه.

توقع FilGoal.com لمشوار إسبانيا

إسبانيا وقعت في المجموعة الثانية رفقة جارتها في شبهة الجزيرة الإيبيرية: البرتغال، وجارتها من الجنوب: المغرب، بالإضافة إلى المنتخب الآسيوي: إيران.

مجموعة قوية بوجود بطل يورو 2016، مع منتخبي المغرب وإيران صاحبي الدفاع الحديدي، إلا أن إسبانيا تبقى مرشحة لتصدر المجموعة ومواجهة ثاني المجموعة الأولى الذي ستمتلك أمامه لاروخا أسبقية بغض النظر عن هويته.

ولكن ستواجه إسبانيا اختبارا حقيقيا في الدور ربع النهائي إن سارت الأمور بشكل طبيعي دون مفاجآت، وستصطدم بالمنتخب الأرجنتيني في تكرار للودية التي جمعت المنتخبين بشهر مارس الماضي وانتهت على انتصار ساحق للإسبان بسداسية، الأمر الذي قد يعطيهم أسبقية معنوية أمام راقصي التانجو.

وبرغم امتلاك ليو ميسي، فالأرجنتين ظهرت بوجه شاحب في الفترة الماضية، مما قد يدفع بإسبانيا للمرور إلى نصف النهائي، وهنا سيكون صدام عملاق آخر مع ألمانيا –أيضا إن خرجت نتائج منتخب الماكينات دون مفاجآت-، في تكرار لنصف نهائي 2010، مباراة خارج التوقعات بكل تأكيد.

التعليقات