كتب : أبانوب صفوت | الإثنين، 05 مارس 2018 - 13:59

مقال رأي - يورجن كلوب ومثلث "التحليق فوق برمودا"

ماني - فيرمينو - صلاح

عند الحديث عن التدريبات في كرة القدم تحديدا فلا يوجد شخص مؤمن بها أكثر من يورجن كلوب مدرب ليفربول والذي صّرح مرارا وتكرارا أنه يثق بها أكثر من التعاقدات وبدا وكأنها مذهبه لتحقيق النجاح ليس في كرة القدم ولكن في حياته كلها تقريبا، لأنها ليست مجرد تكتيك يتغير من المباراة إلى أخرى ولكن أسلوب يساعد على تغيير كل الأمور ومنها التكتيك إلى الأفضل.

ثلاثي "نورمال وان" سابقا

لقياس مدى التطور الرهيب للشق الهجومي لفريق ليفربول مع كلوب مؤخرا دعونا نلقي نظرة غاضبة وليست راضية بطبيعة الحال على كل ما قيل عن هذا الثلاثي قبل بداية الموسم والذي كان محوره محاولات فاشلة للتفسير وعدم تبرير صفقة التعاقد مع النجم المصري محمد صلاح، فما هذه التعليقات؟

لماذا تم ضم صلاح؟ لم تشمل عودة محمد صلاح إلى الدوري الإنجليزي هذه المرة أي محاولة للتشكيك في قدراته على التأقلم في الدوري الإنجليزي فحسب، وذلك للتخوف الشديد من تعامله مع ضغوطات فترته السلبية مع تشيلسي، بل كان التساؤل الأبرز هو لماذا اتجه يورجن كلوب لضمه من الأساس ؟ خاصة وأنه يلعب كجناح أيمن وذلك برغم التألق الكبير لجناح ساوثامبتون السابق ساديو ماني والذي بدونه كان الفريق في خبر كان في أثناء خوض المنتخب السنغالي لبطولة أمم إفريقيا.

ما تلك الإضافة الكبيرة التي سيضيفها صلاح لليفربول خاصة بعد أن سجل 15 هدفا في الدوري الإيطالي مع روما – وكان ذلك أفضل مواسم صلاح التهديفية على الإطلاق - مقابل 13 هدفا لماني مع ليفربول في الموسم الماضي؟

لماذا لم يتم ضم مهاجم بدلا من فيرمينو؟ أغلب أراء التحليل كانت تتجه إلى الإشارة بأن صفقة صلاح برغم تطوره مع روما تحت قيادة لوتشيانو سباليتي إلا أنها غير مُجدية ، الفريق بحاجة إلى مهاجم هداف ، لأن فيرمينو وبرغم دوره التكتيكي الواضح وملائمته لأسلوب يورجن كلوب ولكن خلق الكثير من الفرص دون تسجيلها لا يعد نجاحا ولن يجلب المديح . فكيف للمهاجم الأساسي والوحيد الذي يعتمد عليه في فريق بحجم ليفربول – في ظل إصابات دانييل ستوريدج وداني إنجز وعدم الاقتناع بديفوك أوريجي – أن يسجل 12 هدف فقط في الموسم في كل المسابقات؟

ليست الإحصائيات وحدها هي الغريبة ولكن لطالما اعتاد ليفربول على أن يملك واحد من أفضل مهاجمي العالم ، كيف اختفت تلك الميزة مع مدرب ذو طابع هجومي مثل كلوب؟

لماذا تم تغيير مركز ماني ؟ استمرارا للتساؤلات .. كانت هناك حيرة عن ماهية توظيف ماني بعد قدوم صلاح. أين سيلعب ؟ لماذا لا يستمر باللعب في مركزه الذي أبدع فيه وكان أكبر مصادر الخطورة في فريقه؟ هل لعب على اليسار سابقا مع سالزبورج مثلا؟ ولماذا كل هذه المخاطرة وهو أهم لاعب في هجوم الفريق في الموسم الماضي ، ألم يكن من الأفضل إن لم يتم ضم مهاجم أن يتعاقد كلوب مع جناح يمكنه اللعب على الجهة اليسرى ليظل ماني بنفس قوته وفعاليته ؟ أن يعود ليفربول للتفاوض مع جوليان دراكسلر مثلا ، ما الذي يدور في عقل كلوب؟ هل يدرك ما يفعله أم لا يدري أنه يشتت مراكز قوى الفريق وذلك بدلا من التدعيم في مراكز آخرى لها الأولوية يبدو أنه كما يُحب وجود السرعة في الفريق لذا يتسرع أيضا في اختياراته؟

ثلاثي "سوبر مان" حاليا

ولكن الآن .. أعتقد أن كل المتسرعين بتخيل شكل ليفربول الهجومي بعد ضم صلاح اكتشفوا أنهم أخطأوا بالحكم الفاشل على اللاعب وعلى زملائه وعلى حتى مدربهم يورجن كلوب، لأن بفضل كلوب أولا وصلاح ثانيا أصبح هذا الثلاثي الكروي حديث العالم والخط الهجومي الأكثر تعاطفا معه من قبل كل المشجعين وبالأخص المحايدين لأنه الأكثر تطورا. برغم الاختلاف التكتيكي في تركيبته من الاعتماد على مهاجم مثل فيرناندو توريس في فترة رافائيل بينيتث إلى ثنائية متمثلة في ستوريدج ولويس سواريز إبان تواجد بريندن رودجرز، وأخيرا مع الثلاثي الحالي الذي يتم تخليد فترته الحالية ليس بلقب للاعب مثل النينو أو اثنين مثل SAS، ولكن بأغنية نالت الإعجاب تماما كالإعجاب بمستواهما. ولكن لماذا نال الفتية الثلاثة بدون استثناء كل هذا الثناء وكيف جعلهم كلوب من الأفضل في أوروبا إن لم يكونوا الأفضل بالفعل؟

ملك الرقم 11

لم يكن أشد المتفائلين يتوقع تلك الانطلاقة الأكثر من ممتازة لمحمد صلاح لليفربول. أيهما أسرع محمد صلاح نفسه أم تطوره كلاعب ؟ حتى وإن كان الجميع يعلم كم يعتبر محمد صلاح مناسبا جدا بل مثاليا لطريقة لعب كلوب في الضغط المرتد بسبب سرعته الفائقة فإن كلوب نجح في تحقيق أقصى استفادة منه في أقل وقت ممكن باستغلال سرعته وكذلك نضجه التكتيكي وقدرته على التحرك خلف المدافعين في أن يتواجد في العمق وليس على الأطراف ، والتي أصبحت سلاحا قويا بعد منحه كامل الثقة وتطور لمسته الأخيرة ضاربا بعرض الحائط كل الشكوك حول قدراته التهديفية بسبب إضاعة بعض الفرص السهلة في بداية الموسم.

يمكن لأي متابع أن يلمس مدى الثقة التي بات يتمتع بها محمد صلاح أمام المرمى في الوقت الراهن. نتيجة لذلك كسر محمد صلاح العديد من الأرقام القياسية أولها رقمه الشخصي في موسمه الأخير مع روما. صلاح تخطى ذلك وبات ينافس على صدارة هدافي الدوري الإنجليزي مع الكثير من الأرقام الأخرى، كل ذلك برغم أن الموسم لم ينتهِ بعد لذا من المؤكد أن صلاح الذي يُقارن بليونيل ميسي في بعض الأحيان بسبب سرعته في التحرك بالكرة ودونها وبنفس الخطورة -ستستمر أرقامه لفترة ليست بالقليلة ليتم تحطيمها.

اليساري غير المُتطرف

برغم كل ما يُثار على غيرة ماني من صلاح أو ما شابه من أجل البحث عن سبب منطقي لهبوط مستوى اللاعب لفترة من الوقت بالرغم أن ذلك طبيعي وقد يحدث لأي لاعب فقط لأنه تصادف مع بداية ازدهار صلاح ، إلا أن ماني تحديدا هو الدليل الأبرز على الروح الرائعة بين هذا الثلاثي - والتي تعتبر سببا بارزا لنجاح المنظومة - أكثر من أي ثلاثي آخر مثل لاعبي باريس سان جيرمان مثلا والتي تتصدر تقارير المشاكل في ما بينهم العناوين أكثر من الحديث عن أدائهم أو غيرهم ، وذلك يظهر في العلاقة التي تجمع بين ماني وصلاح خارج الملعب وفي محاولة تقليد ماني لكل احتفالات فيرمينو بالأهداف أو في تلك اللقطة التي ترك فيها فيرمينو كرة ماني تدخل إلى الشباك دون أن يلمسها في مباراة ستوك سيتي في بريطانيا ستاديوم لأنه كان الهدف الأول الذي يسجله ماني آنذاك منذ أغسطس وهدفه الرابع في الدوري هذا الموسم وحتى في لقطة الجزاء التي طلب محمد صلاح تسديدها ضد هادرسفيلد لأنه أضاع واحدة ضد نفس الفريق في مباراة الذهاب على أنفيلد.

تواجد ماني على اليسار لم يقلل من خطورته أو مستواه أبدا بل يمكن القول أنه تلقى أكبر إشادة من جمهور ليفربول ولاعبيه عندما غنت له الجماهير في مباراة الملحق المؤهل للأبطال ضد هوفنهايم وبادلهم ماني توجيه التحية لهم بالتصفيق وعّبر جيرارد عن إعجابه بأدائه بالغناء له في ستوديو قنوات BT أثناء تحليل الشوط الأول للقاء. بعيدا عن بدايته الرائعة للموسم قبل الإصابة والطرد الشهير ضد مانشستر سيتي ، تواجد ماني على اليسار وقدرته على المساهمة الدفاعية بصورة أكبر من صلاح كان لها دور في لجوء كلوب إلى طريقة 4-4-2 والاعتماد على المرتدات في بعض المباريات خارج الأرض مع وجود أليكس تشامبرلين على الجهة اليُمنى.

رقميا : نجح ماني في معادلة سجله التهديفي في الموسم الماضي قبل نهاية فبراير بعد هدفه في وست هام ، والعدد قابل للزيادة بالطبع ، ليثبت كلوب أن وجود ماني على الجهة اليسرى لم يكن بسبب مجاملة صلاح ولكن لأن ماني قادر على التطور أكثر واللعب في أكثر من مركز ، مثلما فوجئ الجميع بالاعتماد على صلاح كمهاجم ثانٍ بجانب فيرمينو.

مهاجم الكونغ فو

لم يعد فيرمينو بحاجة إلى من يدافع عنه ، بل أصبح جديرا بالدفاع عن نفسه ضد كل شئ حتى تهم العنصرية ، ليس لأنه يحتفل بطريقة الكونغ فو ولكن لأن سجله التهديفي في تطور مستمر – هو يعيش أفضل موسم تهديفي له في مسيرته بعد أن تخطى حاجز العشرين هدفا في كل البطولات - ولأنه أيضا نجح في لفت الأنظار على طريقته سواء بسبب احتفالاته المميزة بالأهداف أو تعمد تسجيل بعض الأهداف دون النظر إلى المرمى الخالي والتي باتت ماركة مسجلة لروبرتو فيرمينو ، ربما لو لم يكن يفعل ذلك لما خطف بعض الأضواء من زميله محمد صلاح والذي ينال الإشادة بصورة أكبر منه بسبب تحطيم الكثير من الأرقام في أول موسم له مع فريقه الجديد ولكن وجهة نظر يورجن كلوب في من هو الأهم على الإطلاق للفريق من بين هذا الثلاثي لم تتغير بعد ، دائما وأبدا فيرمينو.

السبب واضح جدا ، فيرمينو حتى الآن لا يوجد له بديل في ليفربول أو حتى في أي نادي آخر في أوروبا ، لا يوجد مهاجم أكثر منه في الدوريات الكبرى صناعة للفرص أو قطعا للكرة ، إضافة إلى ذكائه في التحركات بدون كرة والتي أشاد بها جيرارد بعد اللعب بجواره في مباراة ودية عقب نهاية الموسم الماضي وطريقة إتخاذه لبعض القرارات مثل تمريره للكرة لصلاح في هدف ليفربول الثاني في مرمى ساوثهامبتون ، ليس لأنه قد مررها بالكعب ولكن لأن فيرمينو عمل على إعلاء الكرة قليلا حتى تكون صعبة على مدافع ساوثامبتون لقطعها وهي النقطة التي أشاد بها هنري كثيرا.

حتى يظهر لاعب آخر قادر على صناعة الفرص وقطع الكرة بهذا الشكل ، سيظل فيرمينو لاعب من عالم آخر بالنسبة للمدرب يورجن كلوب ، لأن القتال على الكرة بهذا الشكل من مهاجم ، شئ لا يجيده سوى فيرمينو ، احتفاله يبدو مثاليا جدا له لأنه لاعب مُقاتل بالكرة وبدونها.

فقط بالتدريبات ، وبهجوم خلفه خط وسط لا يملك نصف موهبة لاعبي سيتي أو نابولي أو بقية الفريق الهجومية الممتعة لأن لاعبي وسط ليفربول جميعهم يلعب في غير مركزه سواء كان أو هندرسون في المركز رقم 6 وهما في الأساس لاعبي Box to Box فينالدوم أو تشامبرلين الأجنحة. دون أن يدفع ليفربول مائة مليون في لاعب واحد ، وباستغلال وتطوير أكبر ميزة لصلاح ، فيرمينو وماني .. نجح كلوب في خلق شراكة هجومية جديدة تنال تقدير الجميع ، شراكة ممتعة بدون ميسي وفعالة للغاية بدون الحاجة إلى لاعب مثل كريستيانو رونالدو ، ذلك الخط الذي سيكون عدم تحقيقه للألقاب مُحبطا مثل عدم تحقيق جيرارد للدوري الإنجليزي ويوصف فقط بسوء الحظ .. وبعيدا عن أي شراكة يوجد بها الخيال العلمي " ليونيل ميسي " يُعد ثلاثي ليفربول هو الأخطر دون شك ، لأنه يملك عناصر ذات ميزات مختلفة ما بين سرعة صلاح ، القوة البدنية لماني وذكاء فيرمينو ، إجادة في كل مراكز الهجوم المختلفة بنفس الجودة ، ولأنهم جميعا لديهم القدرة بنفس الكفاءة على صناعة الأهداف وتسجيلها ، الأهم هو مشاركة كلوب لنفس إيمانه بأنهم بإمكانهم التطور أكثر وأكثر خاصة وأن أكبرهم في السادسة والعشرين من عمره.

برغم ما أُثير مؤخرا أن لغز مثلث برمودا هو أكذوبة لأن عدد الحوادث مقارنة بعدد الرحلات فوق تلك المنطقة هي إحصائية عادية وليست مفزعة ، حتى وإن كان اللغز مستمرا، فإن قدرة هذا المثلث وأي ثلاثي هجومي يعمل مع كلوب على التحليق فوق برمودا تبدو ممكنة لطالما كان كلوب يؤمن أن بعض التدريبات قد تفي بالغرض.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات