باولينيو.. فرصة تغيير الانطباع أم صفقة على طريقة برشلونة؟

الإثنين، 14 أغسطس 2017 - 17:51

كتب : زكي السعيد

باولينيو

تعمل الأندية الكبرى بشكل شبه دائم على التعاقد مع لاعبين صغار السن، لضمان الاستفادة منهم لأطول وقت ممكن، النظرية التي تخالفها إدارة برشلونة في السنوات الأخيرة.

جيريمي ماثيو، توماس فيرمايلين، كلاوديو برافو، أردا توران، لويس سواريز، جميعها أسماء انضمت لبرشلونة وهم في نهاية العقد الثالث، وإن كان أخرهم الأكثر إفادة للفريق، ولكنها صفقات أثارت الكثير من علامات الاستفهام، بالأخص أن أغلبهم ظهروا بشكل شاحب، قضوا أغلب الوقت في العيادة الطبية، جُمَدوا لستة أشهر في انتظار فتح القيد، أو أُجبروا على الرحيل لأنهم كبار السن والأفضية للشباب!

صفقة باولينيو تبدو مماثلة في إطارها العام، 29 عامًا وبمبلغ ليس بصغير لدرجة تسمح بالمخاطرة في انتداب لاعب لم يسجل أي نجاح بالقارة الأوروبية من قبل، بل أنه بصم على تجربة فاشلة في توتنام، نادي صاحِب طموحات وضغوطات أقل بكثير من برشلونة.

عودة من تحت الأنقاض

وليس خفيًا أن عودة باولينيو الانفجارية مع منتخب البرازيل كانت سببًا رئيسًا في رجوعه للصورة، فالمدرب تيتي وضعه حجر أساس في تشكيلته التي أزالت عبث كارلوس دونجا، ووصلت بالبرازيل مباشرة لمونديال روسيا كأول المتأهلين عن التصفيات، وهاتريك باولينيو في شباك أوروجواي، لم يكن إلا غلافًا لمستوياته الرفيعة بصحبة كاسيميرو -غريمه الجديد- وريناتو أوجستو في خط وسط راقصي السامبا.

اللاعب قدّم أوراق اعتماده رفقة كورينثيانز الذي انضم له عام 2010، وتحت قيادة تيتي، المدرب الحالي لمنتخب البرازيل، صنع كورينثيانز التاريخ بالتتويج بكوبا ليبارتادورس 2012 للمرة الوحيدة في تاريخهم. المعجزات تواصلت في العام نفسه بالتتويج بكأس العالم للأندية على حساب تشيلسي.

وكان باولينيو محط الأنظار بأدواره المتكاملة في خط الوسط، والتي شفعت له بمركز أساسي في تشكيلة لويس فيليبي سكولاري مدرب البرازيل بكأس القارات 2013.. وتواصلت النجاحات بتتويج البرازيل بالبطولة التي سجل فيها باولينيو هدفين، أحدهما هدف الفوز المتأخر على الأوروجواي بنصف النهائي.

"تيتي يقول دائمًا إنه يولي اهتمامه لمستوانا بغض النظر عن المكان الذي نلعب فيه".. باولينيو تعليقًا على عودته للمنتخب من بوابة الدوري الصيني.

الانتقال لتوتنام كان فوضويًا في غمرة الصفقات العديدة التي حُسمَت بأموال جاريث بيل، ولم يمنع ذلك انطلاقة جيدة للاعب بموسم 2013\14 تحت قيادة المدرب البرتغالي أندري فيلاش بواش الذي تكفّل بإحضاره وداوم الاعتماد عليه.

وبمجرد إقالة بواش في منتصف الموسم، بدأت مسيرة باولينيو في إنجلترا في الانحدار بشكل مباشر.

تجميده في توتنام والهزيمة السباعية الكارثية أمام ألمانيا في كأس العالم 2014، ظروف أعدمت المسيرة الكروية لباولينيو بشكل إكلينيكي. وهروبه لأقصى الشرق الآسيوي والتحاقه بجوانزو إيفرجراند الصيني اعتبره الكثيرون تقاعد مبكر، لكن نظرة باولينيو للصفقة كانت مختلفة، حيث اجتمع بواحد من ضحايا كارثة بيلو هوريزونتي: لويس فيليبي سكولاري المدير الفني للفريق الصيني.

مع سكولاري، صنع باولينيو التاريخ وبات أول لاعب يتوَج بكوبا ليبارتادورس ودوري أبطال آسيا، ودخل قائمة اللاعبين الفائزين ببطولتين قاريتين للأندية في قارتين مختلفتين. وإن فعلها مع برشلونة وحصد دوري أبطال أوروبا، سيكون إنجازًا غير مسبوق ولعله لا يتكرر مجددًا.

"باولينيو لم يكن في قائمة المنتخب البرازيلي، لكنه قاتل لأجل العودة. ولذلك أنا فخور بالدوري الصيني".. لويس فيليبي سكولاري (مدرب جوانزو إيفرجراند).

اللاعب المناسب لبرشلونة؟

يُعتبَر باولينيو لاعب "بوكس تو بوكس" يشغل المركز 6 في الملعب، ويتميز باندفاع بدني وقدرة على المساندة المتوازنة للدفاع والهجوم، لعله لا يمتلك الأسلوب الأصيل لبرشلونة في التمريرات القصيرة السريعة تحت الضغط، ولكن الفريق فقد هويته بأي حال من الأحوال، والتأمل في تعويض شابي هرنانديز بلاعب يشبهه ليس منطقيًا أو منتظرًا.

باولينيو سيصنع عمقًا في تشكيلة برشلونة، ولكن آخر صفقة عقدها برشلونة في خط الوسط (أندري جوميش) ستلقي بظلالها على مدى سلاسة تأقلم اللاعبين من خارج لاماسيا في وسيط ميدان البلوجرانا. وباولينيو سيحتاج لانطلاقة صاروخية سريعة لأجل الدخول مباشرة في طريق إفادة النادي الذي ينتظر مقابلًا فوريًا من لاعب سيبلغ الثلاثين بعد وقت ليس بطويل.

باولينيو يقول بعد انتقاله للدوري الصيني: "أرى أنه كان التصرف المثالي. إن شعرت بضرورة عودتي (لأوروبا)، إن كان هنالك فرصة مناسبة وستجعلني سعيدًا، فسأنتهزها".

لم يعتقد باولينيو بالتأكيد وقت تصريحه ذلك أن تلك الفرصة التي ستجعله سعيدًا، ستكون من برشلونة!

الإعلام ربط اهتمام برشلونة بباولينيو بالرغبة في إغراء نيمار بالاستمرار مع برشلونة، لاحقًا ومع رحيل نيمار صوب باريس وإتمام صفقة باولينيو، اتضح أن اهتمام برشلونة كان حقيقيًا، لعله مؤشر لجدية نوايا النادي الكتالوني وتطلعاته الفنية الكاملة في انتداباته، أو ربما تكون إشارة لارتعاش الإدارة في صفقاتها غريبة الأطوار.

وعلى الرغم من الضغوطات الكبيرة التي ستوضع على كاهل باولينيو، كأي صفقة يوقع معها برشلونة؛ إلا أنه قد يستفيد من ميزة انخفاض التوقعات وتوقع فشله من قبل الجماهير، حتى يصنع إعجابًا سهلًا بأي لمحة جيدة يقدّمها.

السؤال الآن.. لماذا لم يرحل عن توتنام لناد آخر أقل في أوروبا؟

اللاعب اعتاد على التتويج بالبطولات الكبرى في الأماكن التي لعب فيها ما بين أمريكا الجنوبية وآسيا والمستوى الدولي رفقة البرازيلي، يمتلك إذًا شخصية انتصارية اكتسبها من المواعيد الكبرى التي خاضها بالنظر لطموحات الأندية التي مثلها.

لكنه وعلى جانب آخر، لا يبدو مقاتلًا عندما تطارده التهديدات، فتجربته بتوتنام لم تكن الأولى بأوروبا كما يعتقد البعض، بل لعب في عمر التاسعة عشر بصفوف فريق من ليتوانيا يُدعى فيلنيوس، هناك تعرض لإهانات عنصرية شرسة تركته متسائلًا عن جدوى ممارسة كرة القدم من الأساس.

مسألة التأقلم مع الأجواء الإسبانية لن تكون عقبة على لاعب برازيلي، بالأخص أنه لم يواجه مشاكل في هذا الخصوص في إنجلترا، فوجد مدربًا يحدثه البرتغالية، ووجد زميلًا برازيليًا يدعى ساندرو مد له يد العون وعرّفه على خبايا النادي اللندني. باولينيو كان متحدثًا للإنجليزية بدرجة مقبولة، يفهم كل ما يُقال أمامه، ويتقاضى 55 ألف جنيه استرليني أسبوعيا، مبلغ لم يكن ليفهمه إذا ذُكر أمامه قبلها بسنوات وقت أن أنهى تجربته الفاشلة في أوروبا مع فريق بولندي يدعى لودز عام 2008.

الحكم عليه وتقييمه بشكل كامل من خلال تجربة توتنام لن يكون عادلًا، فمستوياته بالنصف موسم الأول كانت معقولة مع الثقة الكاملة التي أولاه فيلاش بواش إياها، وهدفه القاتل بكعب القدم في شباك كارديف عبّر عن استقرار مستوياته بتلك الفترة.

في ديسمبر 2013، خسر توتنام بخماسية نظيفة أمام ليفربول، وتم الإعلان عن المدان الذي كان بالطبع المدرب المُقال فورًا فيلاش بواش، ولم يكن المجرم الوحيد في نظر جماهير توتنام، بل أُضيف إليه باولينيو الذي تلقى البطاقة الحمراء في تلك الليلة الكارثية بعد تدخل عنيف في حق لويس سواريز.

بعد أن قضى عقوبته وعاد ليشارك لأول مرة منذ بداية المباراة أمام ستوك سيتي، تعرض لإصابة أبعدته شهرًا عن الملاعب.

في الموسم الجديد عاد باولينيو محطَمًا بعد تجربة كأس العالم، لم يشارك في فترة الإعداد، ووجد مدربًا جديدًا لا يؤمن بقدراته، ماوريسيو بوتشتينو اعتقد في داخله أن لا فرصة لباولينيو، ولم يشركه أساسيًا سوى في 3 مباريات بذلك الموسم، وقام بإشراكه مرارًا في مراكز لا يفضّلها باولينيو.

"كنت عالقًا.. فقدت الأمل والثقة"

بدلًا من أن يجد باولينيو المدرب القادر على احتضانه في أعقاب تجربة المونديال المريرة، وجد مدربًا أطاح به من مخططاته، وقضى على مسيرته في إنجلترا.

تسديدة باولينيو الفكاهية أمام بيرنلي تجسد حالته بفترة المدرب بوتشتينو

المال هو السبب الوحيد لرحيله صوب الصين وهجره للمستوى الأول من كرة القدم؟

لعله سبب منطقي، لكنه ليس السبب الوحيد، بل الدعم الذي تلمسه من لويس فيليب سكولاري يصلح لأن يكون سببًا رئيسًا، ذلك الدعم الذي لم يجده في ناديه الإنجليزي، وذلك الدعم الذي من المفترض أن يجده في بيئة برشلونة الداخلية المشهورة باحتضان الوافدين.

لا يُعتقَد أن باولينيو نال فرصة عادلة في أوروبا رفقة توتنام، ولكن هل النادي الذي سيصلح معه تلك الصورة يمكن أن يكون في حجم برشلونة؟!

التعليقات