حكاية واين روني.. قصة صعود الفتى الخجول إلى لقب هداف انجلترا التاريخي

الأربعاء، 19 يوليه 2017 - 13:11

كتب : علي أبو طبل

روني

"رأيت ذلك الفتى للمرة الأولى على ملاعب جيفري هامبل بمقاطعة والتون. لقد كان في التاسعة من عمره ولكنه بدا وكأنه يعيش من أجل تسجيل الأهداف. لم أكن أعتقد حينها أن ذلك الفتى الصغير الخجول سيصبح الهداف الأفضل في تاريخ إنجلترا، ولكن بعدها بعامين أصبحت متيقنا من حدوث ذلك".

واين روني

النادي : دي سي يونايتد

بهذه الكلمات، يفتتح بوب بيندلتون، كشاف اللاعبين السابق بنادي إيفرتون ومكتشف الفتى الذهبي منذ صغره حكاية روني منذ كان طفلا في مسابقات المقاطعات للناشئين.

قضى بوب عمره في متابعة مثل هذه المنافسات لالتقاط المواهب الناشئة وضمها لأكاديمية إيفرتون، وكان روني أحدها وبقصة تحمل تفاصيلها الخاصة.

في أحد أيام الأحد، حين تقام تلك المنافسات أسبوعيا، كان بوب محظوظا بمتابعة الطفل واين ذو الـ9 أعوام، والذي يلعب مبكرا بعامين مع فريق أقل من 11 عاما.

بسهولة يستطيع الوصول لمرمى المنافس، وتبدو معاملته للكرة وكأنه يمررها لشباك الخصم بأريحية. كل شئ يتم بأريحية والأمر يتكرر عدة مرات. إنه هداف بالفطرة.

والكلمات التالية على لسان مكتشف روني في حواره مع شبكة BBC البريطانية، والذي بدا سعيدا بـ "يوم حظه".

"أتابع عملي في مثل تلك المنافسات منذ عام 1948 ولأعوام عديدة عملت على جلب المواهب إلى أكاديمية إيفرتون، لكن ذلك اليوم تحديدا كان الأفضل في مسيرة عملي".

"لم يكن مدرب فريق الناشئين الذي لعب له روني حينها راضيا عن اهتمامي به. لقد أخبرني أنه بالكاد قد قام بضمه، وإذا انضم لأكاديمية إيفرتون فإنهم سيفتقدون جهوده في الفريق".

"تطور الأمر. بعد ذلك عقدت محادثة مع أسرة الطفل واللذان أبديا حماسا كبيرا بانضمامه إلى إيفرتون".

حتى تلك النقطة يمكنك أن تظن أن الأمر تم بسلاسة. لكن لم يكن الوضع كذلك حقا، فقد اهتم الغريم ليفربول بمتابعة اللاعب.

"لقد ذهب روني بالفعل للتدرب مع ليفربول، ولكن لسبب غير معلوم الأمر لم يستمر. ومع ذلك، استمر اهتمامهم به، وعلمنا أنهم بصدد محادثته في مساء يوم ثلاثاء، قبل يومين من مساء الخميس الذي حددناه لزيارته لأكاديمية إيفرتون".

"كان يجب أن نتصرف بسرعة. قدمنا موعد زيارته ليومين واستقطبناه إلى بيلفيلد –مركز تدريب نادي إيفرتون-".

يستمر بوب بيندلتون في وصف الفتى الاستثنائي.

"عندما تقوم بجلب الأطفال الصغار إلى بيلفيلد، فإنهم ينبهرون بالتسهيلات وأدوات التدريب وكل ما هو محيط. روني لم يكن كذلك. كل تركيزه كان على أخذ الكرات وتصويبها بقوة في المرمى".

"كان راي هول هو مدير فرق الناشئين بالنادي حينها. وأخبرني بأنه يجب أن نوقع معه".

"لقد كان فتى خجولا في الجلسات التي عقدناها مع أسرته. يتعلق فقط بكل ما يشبه شكل الكرة. ولكن كل ذلك الخجل كان يتبخر حين تلمس قدماه أرض الملعب".

هكذا تم الأمر. روني أصبح ملكا لإيفرتون، وزالت مخاوف بوب من اهتمامات ليفربول.

"الجميع هنا يتذكر حين بدا متوهجا في عمر الـ11 والـ12. نتذكر هدفا رائعا سجله في تلك المرحلة في شباك مانشستر يونايتد، وكان حارس مرماهم كاسبر شمايكل. لقد كان هدفا رائعا من ضربة مقصية، كل أولياء الأمور الحاضرين في المباراة صفقوا من روعة الهدف".

"كنت أجلب التذاكر الموسمية له لنحضر مباريات الفريق الأول لإيفرتون سويا. كان يتأخر بعض الشئ بسبب انشغاله بمباريات يخوضها في نفس اليوم. وبسبب انتظاري له كان يفوتني 10 دقائق على الأقل من بداية المباراة".

"أقوم بسؤاله: "هل سجلت أهدافا اليوم؟ .. وبخجله المعتاد يجيب: "نعم".. أعود لسؤاله: "كم من الأهداف سجلت؟ .. ليجيب هذه المرة بثبات: "ستة أهداف".

لقد أصبح لاعبا مهما بين جدران إيفرتون، وبحلول العام الـ16 من عمره، بدأ في الحصول على فرصته مع الفريق الأول بالنادي.

"واين روني .. تذكروا هذا الإسم!"

كان تعليقا عفويا للمعلق البريطاني كلايف تيلدسلي خلال تعليقه على هدف فوز إيفرتون في شباك أرسنال في عام 2002.

الهدف جاء بأقدام الصاعد واين روني، لينهي سلسلة لاهزيمة للمدفعجية استمرت لـ30 مباراة متتالية.

بوب بيدلتون كان حاضرا في أرض الملعب ويحكي معايشته مع أحداث ذلك الهدف.

"الكرة سقطت أمام واين في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة، وكان في الـ16 فقط من عمره. إبني روبرت كان جالسا بجواري، وحينها أخبرته أنه سيقوم بتسجيلها".

أنا رجل عاطفي بطبعي. لقد كنت سعيدا للغاية لأجل تلك اللحظة. والدته كانت حاضرة أيضا في ذلك اليوم ويمكنك أن تلاحظ مدى فرحتها في أعينها بسهولة".

6 أشهر فقط بعد ذلك الهدف كانت كافية ليحصل على استدعائه الدولي الأول تحت قيادة السويدي زفان جوران إريكسن، المدير الفني لانجلترا في ذلك الوقت، لتبدأ رحلة 119 مباراة دولية و53 هدفا دوليا كرقم وضعه في مقدمة هدافي المنتخب الإنجليزي على مدار التاريخ.

"لقد حدث كل ذلك بسرعة" يقول بوب.

موهبة بهذا الحجم كان من الصعب الاحتفاظ بها في إيفرتون، وهنا جاءت مرحلة اهتمام السير أليكس فيرجسون ومانشستر يونايتد.

السطور التالية على لسان سير أليكس فيرجسون في كتابه "أليكس فيرجسون: سيرتي الذاتية" والذي خصص في أواخره فصلا خاصا للحديث عن قائد منتخب انجلترا الحالي وهدافها التاريخي.

"كنت مجتمعا في مكتبي مع ديفيد جيل –المدير التنفيذي لمانشستر يونايتد في ذلك الوقت- وديفيد مويس –المدير الفني لإيفرتون حينها- وبيل كينرايت –رئيس نادي إيفرتون-"

"لقد كنا نتفاوض حول إتمام انتقال روني إلينا. بيل كان حزينا للغاية، وفجأة قال: "أحتاج إلى الاتصال بوالدتي".

"إنهم يسرقون ولدنا.. إنهم يسرقونه!" كانت تلك هي كلمات بيل منفعلا في الهاتف قبل أن يمرر الهاتف إلى سير أليكس".

"ألا تظن أنك ستحصل على ذلك الفتى بلا مقابل تقريبا؟ إنه يساوي 50 مليون جنيه على الأقل!" سمع سير أليكس تلك الكلمات من صوت أنثوي في الهاتف".

يقول سير أليكس أنه ظن في بداية الأمر أنها خدعة أو ما شابه، لكن بعد ذلك اكتشف أن الأمر حقيقي.

حصل مانشستر يونايتد على خدمات واين روني من إيفرتون مقابل 25 مليون جنيه إسترليني زائد إضافات، وكانت صفقة هامة ليونايتد الذي حصل على "أفضل موهبة إنجليزية صاعدة منذ فترة طويلة في ذلك الوقت" حسب وصف سير أليكس.

ليبدأ فصل جديد في قصة الفتى الذهبي، ويحكي فيرجسون بداياتاها في سطوره التالية.

"حين انضم إلينا، لم يكن قد لمس الكرة في مباراة رسمية منذ 40 يوما، وتدرب معنا في حصتين فقط".

"رأيت أن مباراة دوري أبطال أوروبا ضد فينارباخشه فرصة جيدة لتقديمه إلى الجمهور. وقد استغل الفرصة بالشكل الأمثل وسجل –هاتريك- في انتصار عريض بنتيجة 6-2".

"بعد ذلك رأيت أنه غير جاهز بدنيا للاستمرار في المشاركة وأنه يحتاج للمزيد من التدريبات والعمل".

"روني فتى مذهل فيما يتعلق بلعب كرة القدم. إنه يمتلك موهبة فطرية. ولكنه يحتاج للتدريب باستمرار حتى يقدم أفضل مستوى. إذا غاب فترة للإصابة فيمكنك أن تلاحظ عند عودته مدى تأثر لياقته بسبب عدم تدربه لفترة. إنها طبيعته".

"لقد كان تطوره مذهلا. خلال مسيرتي قمت بالتوقيع مع لاعبين في سن الـ24 ظنا مني أنهم سيصلون لأفضل مستوياتهم في سن الـ26. روني حقق ذلك التطور ووصل لقمة مستوياته في سن مبكرة للغاية".

إعجاب فيرجسون بروني لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتيجة متابعة لسنوات.

"

حاولنا ضمه حين كان في الـ14 من عمره إلى أكاديميتنا في تلك الفترة السنوية التي يسمح بتنقل الشبان الصغار بين أكاديميات الأندية. لكنه أراد البقاء في إيفرتون حينها".

"حين كان لاعبا في إيفرتون حصل على فرصة المشاركة مع انجلترا لمدة 90 دقيقة كاملة، وكان الأصغر في تاريخ المنتخب تحقيقا لذلك. كما أنه سجل هدفه الدولي الأول بعمر الـ17 عاما و317 يوما. لذا رغم صغر عمره، فإننا في ذلك الوقت حصلنا على لاعب يمتلك ظهورا دوليا جيدا".

توالت سنوات تألق روني رفقة مانشستر يونايتد. يزداد في العمر ويزداد بريقه.

رحل كريستيانو رونالدو إلى ريال مدريد في صيف 2008، لتزداد المسؤولية على الفتى الذهبي في قيادة الشياطين الحمر. ولكنه أبلى بلاء حسنا.

في صيف 2010، كانت الأمور تسير بشكل جيد. حصل مانشستر يونايتد على لقب الدوري. وكان روني هدافا للمسابقة كما حصل على جائزة النقاد لأفضل لاعب في الموسم.

ما حدث بعد ذلك كان أول صدام ما بين روني وفيرجسون.

قدمت انجلترا أداء سيئا في كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا. تعادلان أمام الولايات المتحدة والجزائر، وفوز صعب أمام سلوفينيا منح الفريق التأهل إلى ثمن النهائي، حيث انتهت الرحلة بهزيمة قاسية أمام ألمانيا بنتيجة 1-4.

لم يسجل روني في أي من هذه المباريات ولم يقدم فيها ما يستحق الذكر.

ثم جاءت صدمة من روني إلى فيرجسون شخصيا.

"في الـ14 من أغسطس، أخبرني ديفيد جيل أن واين روني ووكيله قد أخبراه بأنه لن يوقع عقدا جديدا مع الفريق".

"ديفيد أخبرني أن روني أراد مقابلتي. عقدنا مقابلة كانت جميع كلماته فيها بدت وكأنها مبرمجة. لقد أخبرني أنه يريد الرحيل لأنه يرى أن الفريق لا يمتلك الطموح الكافي".

"لقد ربحنا الدوري وكأس الرابطة في العام الماضي ووصلنا إلى نهائي دوري أبطال أوروبا. لا أعلم مدى الطموح الذي يتحدث عنه".

"أخبرني أنه كان يتوجب علينا ضم ذلك الفتى الألماني ميسوت أوزيل من فيردر بريمن، والذي نجح ريال مدريد في ضمه حينها. أخبرته أن ذلك الأمر ليس من شأنه. واجبه هو تقديم مجهوداته في أرض الملعب، أما اختيار اللاعبين وتكوين الفريق فهو مسؤوليتي فقط".

لم يصل روني إلى نتيجة مجدية في الأيام التالية فبدأ في التراجع في تصريحاته، وبدا وكأنه يفتح الطريق بينه وبين فيرجسون والإدارة من جديد للتفاوض.

الجليزرز ملاك النادي قدموا فيما بعض عرضا للاعب جعله في ذلك الوقت الأعلى راتبا في انجلترا، ليوافق عليه.

يتحدث فيرجسون عن اليوم التالي لتجديد روني لتعاقده.

"حضر إلى التدريب في اليوم التالي وأخبرني بأنه يريد أن يعتذر. أخبرته بأنه لا يجب أن يعتذر لي بل لجماهير النادي".

"لاعب بقيمة روني عندما يسجل الأهداف باستمرار فإن الأمور تصبح جيدة مع الجماهير. ولكن حين يتذكرون من جديد ذلك الموقف وأن كمية إضافية من الأموال هي من عدلت موقفه في البقاء، فإنهم لا ينسون ذلك".

منذ انتقال روني إلى مانشستر يونايتد وحتى اليوم الأخير لسير أليكس في مسيرته التدريبية، لم يتوقف الفتى الذهبي عن المشاغبات، والتي يظن المدير الفني الأسطوري أنه تحكم فيها بفضل شخصيته الصارمة لأنه "يعلم أنه دائما على صواب" كما كان يخبر روني دائما في أي جدال.

انتهت مسيرة فيرجسون التدريبية في 2013، في الوقت الذي تصاعدت فيه فكرة رحيل روني إلى تشيلسي بعد طلب من جوزيه مورينيو لضمه. والأمر حينها كان مسؤولية ديفيد مويس.

تصاعدت التقارير في ذلك الوقت عن اقتراب روني من الرحيل للعب بقميص البلوز، ولكن فيما بعد اقتنع روني بالبقاء براتب أسبوعي أكبر، وبعقد طويل المدى وضمان ارتداء شارة القيادة بالإضافة إلى امتيازات كونه سيصبح سفيرا للنادي بعد الاعتزال.

لكن أسهم مانشستر يونايتد كانت قد بدأت في الانخفاض، وكذلك وهج الفتى الذهبي.

يقول فيرجسون عن روني في كتابه: "مع تطوره المذهل في سن مبكرة كنت أتساءل دوما كيف سيؤدي حين يصبح في متوسط الثلاثينات من عمره. هل يستمر مثل جيجز وسكولز؟ ولكني قدمت توقعا حينها أن المطاف سينتهي به كلاعب في وسط الملعب".

هذا ما حدث حقا.عانى يونايتد كثيرا لسبب أو لآخر مع تولي ديفيد مويس ومن بعده لويس فان خال في مركز وسط الملعب. المدير الفني الهولندي اضطر لأسابيع متتالية لإشراك روني كلاعب ارتكاز نتيجة لإصابة أسماء عديدة تشغل هذا المركز.

أبلى روني بلاء حسنا، ولكنه فقد امتيازاته وتوهجه كلاعب هداف بالفطرة.

قلت أهداف روني بالتدريج موسم بعد الآخر، وكان موسمه الأخير تحت قيادة جوزيه مورينيو هو الأسوأ تهديفيا حين سجل 8 أهداف.

عاد روني إلى فريق طفولته، إيفرتون، ولكنه تحدث عن موسمه الأخير رفقة مانشستر يونايتد، والذي حقق فيه الفريق لقب كأس الرابطة ولقب الدوري الأوروبي، واللذان رفع روني كأسيهما كونه قائد للفريق.

"الأمر كان محبطا وصعبا بأن ترفع كؤوس لقبين وتشعر أنك لا تستحقهما لأنك لم تشارك في المباراة".

"كنت أعلم أنني سأغادر الفريق منذ شهر نوفمبر الماضي، ولكن مورينيو أخبرني أنه يريد مني البقاء حتى نهاية الموسم لمساعدة الفريق فيما تبقى منه. وهذا ما حدث".

"فكرة المغادرة كانت حزينة. لقد قضيت 13 عاما مع النادي، ولكن كان على المضي قدما في مسيرتي".

بين كلمات روني، يظهر بعض مما يدور في أفكار جماهير مانشستر يونايتد، وهي مدى أهمية استمرار روني.

في رصيد الفتى الذهبي الكثير من الذكريات السعيدة، وكان آخرها كونه هدافا تاريخيا للنادي برصيد 253 هدفا، متجاوزا الأسطوري بوبي شارلتون.

ولكنهم يعلمون أنه حان وقت الرحيل وبداية قصة جديدة بأسماء جديدة في النادي.

هو نفسه علم أنه وقت رحيل لإنقاذ ما تبقى من مسيرته وإحياء فرص مشاركته مع منتخب بلاده في المونديال القادم، وهو أمر لم يكن ليتحقق لو استمر في مانشستر يونايتد.

عاد روني إلى إيفرتون، وحقق ظهوره الأول في تنزانيا مسجلا هدفا رائعا في شباك جور ماهيا.

يقول مكتشفه بوب بيندلتون: "حين كان لاعبا صاعدا في إيفرتون. كان يقدس لاعب الفريق السابق والمدرب كولين هارفي. إن لم يكن يطع الأوامر، كنا نهدده بأننا سنخبر كولين هارفي. لقد كان نموذجا بالنسبة له".

ويضيف "على جماهير إيفرتون أن تحظى ببعض المتعة خلال عودته لصفوف الفريق. على اللاعبين الصغار في القائمة أن يستفيدوا من وجوده وخبراته. يمكن أن يكون بالنسبة لهم بمثابة ما كان كولين هارفي بالنسبة له".

سيقضي روني موسمه القادم في "جوديسون بارك" مستعيدا ذكريات طفولته، دون أن ينسى 13 عاما رائعة قضاها بين جدران "أولد ترافورد"، ولن ينساها كذلك كل من هتفوا باسمه هناك.

التعليقات