كتب : عمر زعزوع | الثلاثاء، 04 أكتوبر 2016 - 17:51

تحليل - كيف أصبح بوتشيتينو من "أفضل مدربي العالم"

توتنام ومانشستر سيتي

"واجهته كلاعب ثم كمدرب، لا أعتقد أن بوتشيتينو من أفضل المدربين في انجلترا فقط، بل في العالم".

هكذا صرح جوارديولا قبل يومين من مواجهة بوتشيتينو في الدوري، المباراة التي انتهت بفوز توتنام على متصدر الدوري مانشستر سيتي 2-0، والتي وضح فيها مدى تفوق الأرجنتيني على نظيره الإسباني.

من الطبيعي أن يتحيز جوارديولا بعض الشيء لبوتشيتينو، ففكر كلاهما ينتمي لمدرسة "بييلسا"، مدرب الأرجنتين الأسبق، تلك المدرسة التي يرتبط بها فكريا أيضا لويس فان جال وخورخي سامباولي مدرب إشبيلية الحالي.

هناك فروق بين استراتيجية كل مدير فني منهم بالطبع، ولكن يبقى هناك أساسيات مشتركة كالضغط العالي من الأمام وخط الدفاع شديد التقدم كمثال.

فان جال وسامباولي مثلا، ظهر تقارب فكريهما خلال مواجهة هولندا وتشيلي في كأس عالم 2014، حينما لعب الاثنان بأسلوب الرقابة اللصيقة في وسط الميدان، فكان كل لاعب مكلف برقابة نظيره في حالة عدم امتلاك الأول الكرة، وكلا الفريقين لعب بثلاثة مدافعين في القلب.

الضغط الشديد في وسط الميدان (لحد الرقابة اللصيقة) واللعب بثلاثة مدافعين سمتان لفكر بييلسا، ولذلك لا يعد غريبا أن ينتهج جوارديولا أو بوتشيتينو هذا الأسلوب حتى لو بدا كلاهما يعتمد في أغلب مبارياته على أربعة في الخط الخلفي بدلا من خمسة.

لكن رغم التغيير الكامل الذي أحدثه جوارديولا هذا الموسم ودخوله اللقاء في "وايت هارت لين" بنسبة 100% فوز في الدوري، ظهر سيتي غير قادر على قتل شراسة خصمه وضغطه الشديد، وخصوصا في شوط المباراة الأول.

فماذا فعل بوتشيتينو بتوتنام ليجعله بهذا الشكل؟

رحلة بوتشيتينو مع توتنام - البدايات

تدرج توتنام مع بوتشيتينو الذي تولى قيادة الفريق مطلع 2014-2015، ومباراتان فقط في الدوري ووضح اعتماد بوتشتينو على الضغط من الأمام وكسب الكرة سريعا في مناطق الخصم الخلفية قبل بدء المرتدة.

كان أريك لاميلا أفضل مثال يلخص بوتشيتينو وفكره، فقد حول مدربُ إسبانيول السابق هذا اللاعب المهاري، الذي اعتبره البعض صفقة فاشلة بعد موسم ناجح مع روما سجل فيه وصنع 20 هدفا في 30 مباراة بدأها بالدوري، إلى لاعب آخر تماما؛ ملتزم إلى أقصى درجة ومن أميز لاعبي فريقه في الضغط.

ولعل هدف ناصر الشادلي ضد أرسنال في ملعب الإمارات في أول موسم لبوتشيتينو في شمال لندن، يبرز التحول الكامل في شخصية لاميلا، حينما بدأ الضغط على فلاميني ليكسب الكرة أمام منطقة جزائه قبل لعب البينية للجناح البلجيكي ليتقدم لفريقه.

لكن تطور توتنام العظيم وتنظيم الفريق الشديد ظهر بوضوح الموسم التالي، والذي ظل فيه الفريق ينافس ليستر على اللقب إلى أن تعادل مع تشيلسي.

بالتأكيد وصل بوتشيتينو بفريقه إلى حد بعيد مكنه من المنافسة على لقب لم يفز به توتنام من 1961.

ومباراة أخرى ضد أرسنال انتهت 1-1 في ملعب الإمارات أيضا في الدور الأول من الموسم المنصرم، أظهرت كيف أصبح فريق دانييل ليفي – رئيس النادي - متعبا للآخرين ويصعب التغلب عليه.

حينها لعب الفريقان بـ4-2-3-1، لكن تنفيذ كل منهما للطريقة كان مختلفا بشدة، ذلك الاختلاف هو نفسه الفرق بين فينجر وبوتشتينو – والذي يلخصه صانع ألعاب كل فريق في هذا اللقاء: أوزيل وديمبيليه (بالتبادل مع ديلي ألي).

عند بوتشتينو، مهمة صانع الألعاب كمهمة "الجناحين" كمهمة ارتكازي الوسط عند فقد الكرة، يهبط اللاعب رقم 10 ليكون قريبا من ثنائي وسطه، يدخل لاعبي الطرف إلى الداخل ليصبحوا خمسة لاعبين في وسط الملعب.

يتواجد الخماسي بالقرب من بعضه البعض بشدة ليضغط على الخصم ويحاصره، حينما تراه تحسبه خماسي وسط ميدان دفاعي!

واجباتهم جميعا الضغط وافتكاك الكرة قبل التمرير إلى زميل – القريب جدا بطبيعة الحال – قبل ضرب الخصم بالمرتدة.

ولذلك لم يفرق كثيرا تبديل ديمبيليه وألي مكانيهما أثناء سير المباراة، فكما قلنا الفريق يعمل كمنظومة واحدة تضغط على المنافس، تترك أقل مساحات طولية بينها بانضمام الجناحين إلى الداخل، وأقل مساحات بين خطوطها بفضل خط الدفاع المتقدم واقتراب لاعبي الخطوط الأربع من بعضهما البعض.

في تلك المباراة عانى كازورلا وكوكويلين بشدة أمام هذا الحصار والضغط الرهيب فاضطر فينجر وهو متأخر بهدف أن يدفع بفلاميني مكان سانتي ليزيد من صلابة وسط الميدان – في لقاء احتاج قلبي وسط أرسنال معاونة ثلاثي خط الوسط المهاجم بشدة.

لكن بالطبع هناك فرق بين بوتشيتينو وفينجر، والذي أصبح يتنامى الإحساس لدينا أن الزمن قد تجاوزه بالفعل رغم الثورة التي أحدثها في الكرة الإنجليزية بمجيئه قبل عشرين عاما.

ورغم ذلك، ظهرت مشاكل لتوتنام في خلق الفرص عند امتلاكه الكرة، فلم يهدد مرمى بتر تشك حينها كما هو متوقع من فريق مسيطر تماما على وسط الميدان، ولعل نتيجة التعادل عكست تلك الأزمة.

تطوير الهجوم

وتظهر براعة بوتشيتينو مع الوقت في تغلب فريقه على مشكلة عدم الوصول المرمى بشكل كاف، والتي برزت في فوز فريقه الكبير على ستوك خارج الأرض 4-0 الموسم المنصرم، حينها كان توتنام قد أصبح أعلى فريق تصويبا على المرمى بين الثلاث خشبات بمعدل 6.8 تصويبة في المباراة بحلول منتصف مارس الماضي.

هذا إلى جانب تقدمه إحصائيات الاستخلاص الناجح للكرة بمعدل 73.4% متفوقا على جميع فرق الدوري حينها والتي كانت معدلاتها تتراوح بين 61.5% و70.9% شهرين تقريبا قبل انتهاء المسابقة.

الأعلى تسديدا بين الثلاث خشبات والأفضل في الاستخلاص الناجح للكرة.. يقول ذلك كثيرا عن بوتشيتينو.

بالعودة إلى اللقاء، برز جانب آخر من براعة الفريق التنظيمية، حينما كان ارتكازي الوسط ديمبيليه وداير يسقطون بين قلبي الدفاع ألدرفايرلد وفيرتونجن – اللذان كانا بدورهما يتحركان إلى الطرفين ليكونا ظهيري جنب – كما تعودا على اللعب مع المنتخب البلجيكي.

تلك المساحة شاغرة لهما بالطبع كنتيجة لتفدم ووكر وروز الشديد للأمام ليقوما بفتح عرض الملعب مع دخول لاميلا وأريكسن للداخل – ليكونا بالقرب من آلي وكين لتظهر براعة الفريق في الحفاظ على الشكل التنظيمي الذي لم يتأثر مطلقا بتغيير اللاعبين للمراكز.

ظهر هنا الانسجام والتفاهم بين مهاجمي الفريق الـ4، فكان يتحرك كل واحد منهم ليخلق المساحة لزميلة التي بدوره يستغلها للوصول للمرمى. أهداف الفريق الأربعة والفرص التي خلقها كانت دليلا على جماعية المهاجمين التي بها هددوا مرمى الخصم تكرارا.

الحل؟ الضغط عليهم من الأمام؟

لم ينجح مع يونايتد بالشكل الذي يرضي جماهيره، نعم، لكن فان جال كان قريبا من إيجاد الأسلوب الذي تحيد به خطورة توتنام، تلك المباراة التي مني فيها فريقه بهزيمة 3-0 مباشرة قبل رحلة توتنام إلى ستوك إبريل الماضي.

وقتها ضغط فان جال على ديمبيليه وداير من الأمام بواسطة لينجارد (الذي بدأ كرقم 10) وشنايدرلين الذي كان يترك مكانه في الخلف ويتقدم خصيصا للضغط على ثنائي وسط بوتشيتينو.

هذا إلى جانب مراقبة كاريك لألي في أسلوب رأيناه مرات عديدة من فان جال أثناء ولايته في مانشستر، حتى بدا توتنام غير قادر على التغلب على من لعب تقريبا بأسلوبه.

احتاج حينها توتنام لاستغلال ضعف ظهير يونايتد الأيمن دارميان، والذي حل بديلا في الدقيقة 68، ليسجل الفريق اللندني أول أهدافه بعدها بدقيقتين فقط.

ورغم التقدم بثلاثية كان المدافع ووكر في منطقة جزاء يونايتد لتسجيل الهدف الرابع، لقطة لخصت بشدة مدى قوة لياقة الفريق البدنية، والتي كانت عنصرا هاما في فشل يونايتد في اللقاء: معدلات لياقته البدنية لم تسمح له بالاستمرار في الضغط بينما سمحت لووكر بالتواجد في منطقة ال18 لدى الخصم في الدقائق الأخيرة.

حاول فان جال هزيمة توتنام باللعب مثله .. فشاهد ماذا حدث له.

السر وراء لياقة الفريق العالية

ومن هنا كانت هناك تساؤلات عديدة عن كيفية حفاظ لاعبي توتنام على معدلات اللياقة العالية رغم ضغطهم الشديد والمنظم من الأمام طوال تلك الفترة من الموسم.

في هذا الصدد، يقول هاري كين: "حينما تكون متعبا، يريدك بوتشتينو أن تتمرن بجدية أكثر ليزول التعب. الاستشفاء مهم بالطبع لكن عندما نتدرب فنحن نتدرب بجهد 110% .. هكذا تكون الأمور".

قلب دفاع توتنام النمساوي كيفين فيمر يقول أيضا بحسب صحيفة ذا صن: "حالتي البدنية أصبحت أفضل كثيرا بمجيئي هنا. نسبة الدهون في جسمي قلت كثيرا لأني أتدرب بشكل أفضل ولأني أصبحت أهتم بغذائي. في النادي هنا، غير مسموح لنا بأي طعام غير ما هو صحي."

أما بوتشيتينو فلم يتحدث كثيرا بخصوص لياقة لاعبيه فاكتفى بالقول بداية الموسم الماضي: "لدينا العديد من اللاعبين صغار في السن في أول أو ثاني موسم لهم في الدوري الإنجليزي. الموضوع شاق ونبذل الكثير من المال للتحليل والحصول على معلومات بخصوص أفضل وسائل التمرين والاستشفاء".

فريق يقوم بالضغط العالي ولا يعاني من الإصابات مع أخر الموسم أوضحت الفرق بين بوتشيتينو وكلوب، الذي خسر العديد من لاعبيه بسبب توالي الإصابات كنتيجة لضغطه العالي الذي اشتهر به منذ أن كان مع دورتموند.

هل قدم بوتشيتينو الخطة لهزيمة جوارديولا؟

ما فعله جوارديولا مع سيتي هذا الموسم يحتاج لمقالة وحدها، لكن يكفيك الذعر الذي أصاب جمهور منافسي سيتي بعد رؤيتهم لفريق مدينة مانشستر وما فعلوه في مورينيو هذا الموسم.

لكن العجز الذي ظهر به جوارديولا أمام شراسة فريق بوتشتينو، خصوصا في الشوط الأول، أوضح مدى تفوق تنظيم توتنام وشدة ضغطه على سيتي.

فالمدرب الشهير بامتلاك الكرة كان مهاجمه أجويرو معزولا طوال شوط بأكمله.. من يمتلك الكرة أصبح غير قادر على امتلاكها أمام توتنام.

ولكن ليس فقط الضغط المنظم بدون كرة ما ميز توتنام في اللقاء، سرعة التمريرات ودقتها رغم ضيق المساحات أيضا.. وفي ذلك تفوق سيسوكو ولاميلا وأريكسن – إلى جانب نجم اللقاء وانياما.

ولولا سوء تصرف هيونج-مين سون بالكرة أكثر من مرة داخل منطقة الجزاء بدلا من أن يخير التمرير لزميل كانت لتتضاعف النتيجة، بغض النظر عن ضربة الجزاء المهدرة.

صحيح أن سيتي ظهر في الشوط الثاني جزئيا بسبب نزول جوندوجان ليلعب بجانب سيلفا وجزئيا بسبب استحالة استمرار توتنام في الضغط من الأمام لتسعين دقيقة، إلا أن المتاعب التي سببها صاحب الأرض كانت أكبر بكثير.

بوتشتينو – صاحب الـ44 عاما - وصل بتوتنام بدرجة عالية من التنظيم والوعي التكتيكي بالكرة وبدون أصبح يحسد عليها من جميع المدربين.

هو بالفعل من أفضل مدربي العالم .. قد يكون جوارديولا قد جانبه الصواب بالبدء بفرناندو في اللقاء، لكنه لم يخطأ قط في وصف بوتشيتينو.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات