كتب : أحمد نجيب | الإثنين، 29 فبراير 2016 - 21:51

ليفربول يصل إلى البئر ولا يشرب منه..

كان أهم ما يؤرق جميع متابعي الفريق الإنجليزي العريق عند طرح اسم يورجن كلوب لتولي القيادة الفنية هو شهرة الألماني الكبيرة بالشخصية العنيدة.. صاحب الجنس الآري المولود في شتوتجارت كان معروفاً بعنده الشديد على المستوي التكتيكي..

الألماني فارع الطول لديه تصور معين عن شكل الفريق الذي يقوده ويفعل كل شيء ممكن من أجل إثبات صحة وجهة النظر تلك..

كرة القدم أصبحت أكثر واقعية ربما عن تلك النظرة الحالمة التي يراها بها كلوب في ظل هيئة مطاردي الأحلام الوردية التي يتحلى بها ولم تعد مناسبة للعالم الذي نعيشه حيث يتربع الأكثر ثراءً ودهاءً على عرش البطولات..

في ظل قيادته لبروسيا دورتموند تخلص يورجن كلوب من 23 لاعبا على فترتي انتقالات خلال موسمه الأول من أجل بناء الفريق بالشكل التكتيكي الذي يريده.. ثم في فترات الانتقال التالية كانت لديه قناعة تامة بأنه صاحب الفضل الأول فيما وصل إليه فريق ملعب فيستفاليا وإيمان كبير بأنه يستطيع قيادة الفريق بأي أسماء كانت..

عند انتهاء عقد البولندي روبيرت ليفاندوفسكي كان دورتموند يملك أفضلية التجديد والاحتفاظ باللاعب إن دفع له المبلغ المطلوب أو الذي عرضه عليه بايرن ميونيخ للظفر بخدمات المهاجم المميز..

كبرياء كلوب تغلب على الواقعية وقرر عدم الاحتفاظ باللاعب في ظل قناعته أن من صنع ليفاندوفسكي وجلبه لعالم الأضواء والشهرة بأربعة ملايين يورو فقط قادر على صناعة من هم أفضل منه..

الأمر نفسه تكرر مع ماريو جوتزه بقليل من الاختلاف في التفاصيل حيث رحل اللاعب بعد قيام بايرن ميونيخ بدفع الشرط الجزائي لشراء خدمات الجناح الدولي من تحت أعين يورجن كلوب نفسه.. وبالتالي هبوط مستوي دورتموند وابتعاده عن دائرة الضوء صار مسألة وقت ليس إلا طالما أصبح التفريط في النجوم أمراً مُلحّاً..

ربما استطاع كلوب تدارك ذلك لولا كثير من العند والكبرياء في شخصيته القيادية جعلا دورتموند يصارع الهبوط في الموسم الأخير مثلما هبط ماينتس بالفعل قبل ذلك تحت قيادة الرجل ذاته وربما كانت الأسباب واحدة فيما بين القصتين..

قبل ذلك بعدة أعوام صنع كلوب تاريخاً مميزاً لنادي ماينز في البوندسليجا بعدما تولي قيادته الفنية لسبعة أعوام صنع فيها للفريق شخصية مميزة جعلت الفريق الصغير من أندية منتصف الجدول وقدم أداءً ملفتاً لأنظار متابعي الكرة الألمانية..

بعد تأهل مستحق للدوري الأوروبي موسم 2005-2006 بدأ الفريق في الانحدار وهبط بالفعل في الموسم التالي قبل أن يتركه كلوب لفشله في الصعود للبوندسليجا من جديد بعد موسم واحد قضاه بالدرجة الثانية..

إذن نحن أمام سيرة ذاتية تمتد لـ15 عاماً خاضها كلوب في قيادة ماينتس وبروسيا دورتموند توالياً مابين رحلتي بناء وصعود أولاً ثم هبوط مفاجيء ثانياً..

يظهر هنا العيب القاتل لإبن قرية الغابة السوداء.. كلوب عندما يختل بناءه ويبدأ فريقه في خسارة النجوم تباعاً لا يستطيع التأقلم تكتيكياً مع تلك المتغيرات طالما جاءت عكس قناعاته وتصوراته الفنية حتى وإن أدت تلك الأخيرة لخسارة كل شيء..

وماذا بعد تلك المقدمة الطويلة والاستعراض المجمل لتاريخ The Normal One التدريبي مثلما لَقَبَ نفسه في مؤتمره الصحفي الأول بعد تولي قيادة ليفربول؟

كلوب عندما تولي مهمة فريق ملعب ميلوود في منتصف الموسم الجاري خلفاً للأيرلندي الشمالي المُقال براندان رودجرز لم تكن الفرصة متاحة له لاختيار قائمة لاعبيه وكان عليه أن يستكمل الموسم بما يملك من العناصر والخروج بأقل الخسائر الممكنة..

سارت نتائج ليفربول بشكل جيد في البداية ثم بدأت الأمور في التذبذب بعد اختفاء نشوة البداية وانتهاء الحميمية المتبادلة في تلك العلاقات الجديدة.. ما بين مباريات خاضها الفريق بجودة عالية وأخوي في منتهي التواضع كان لزاماً على الألماني أن يدرك الشكل الأمثل لفريقه الجديد..

وهنا أقول وأكرر.. الشكل الأمثل لفريقه الجديد هو ليس بالضرورة الشكل الأفضل تكتيكياً أو ذاك الذي يريده المدرب لإرضاء قناعاته الفنية ومخيلته التكتيكية..

في مباريات كلوب الأولي داخل انجلترا نجح ليفربول في اكتساح مانشستر سيتي برباعية كاملة داخل ملعب الاتحاد ذاته.. ذلك اليوم حيث كان يورجن مازال يتحسس خطواته الأولي ويخوض كل لقاء بما يقتضيه وعلى حسب مواطن قوة وضعف المنافس..

بقيادة فنية حكيمة لعب ليفربول دون مهاجم صريح بالإطار العام لخطة لعب 4-3-3 مستخدماً عدة مشتقات لذلك الرسم التكتيكي على حسب مجريات سير المباراة..

تحول نوعي كبير حدث في شخصية الألماني مع مرور الوقت ومواجهته لأساليب لعب مختلفة أمام فرق البطولة الإنجليزية.. قرر يورجن كلوب فرض أسلوبه الخاص على الفريق دون النظر لطبيعة المنافس..

فجأة وبلا مقدمات قرر كلوب استخدام خطة لعب 4-4-2 بدءاً من مباراة أرسنال مع الأيام الأولي من بداية مباريات الدور الثاني..

نختلف أو نتفق حول مدي جدوى هذه الطريقة أو تلك ولكن يبقي الأهم أن التطبيق يلزمه أدوات.. ولكن فعلياً ليفربول لم يتم بناءه على يد براندان رودجرز ليلعب بتلك الطريقة..

دون الدخول في تفاصيل فنية كثيرة ولكن على سبيل المثال لاعبّي المحور إيمري كان وجوردان هيندرسون ليسا بقاطعي كرات ولا يقدران على تقديم الجودة المطلوبة لبناء اللعب عند الاستحواذ على الكرة..

اللاعبان خُلقا للعب دور لاعب الوسط المساند الذي يضغط على المنافس ويضيق المساحات لتسهيل مهمة قاطع الكرات الموجود خلفهما، كذلك عند الاستحواذ يقوما بتقديم الانطلاقات والاختراقات الهجومية انتظاراً للتمريرات القُطرية أو لالتقاط الكرة الثانية..

الأمر نفسه ينطبق على الظهير الأيسر ألبرتو مورينو.. وجوده في الرسم التكتيكي 4-4-2 (4-2-2-2) لا يوفر له الحماية الكاملة ولا يُؤمن انطلاقاته الهجومية بالشكل الأمثل..

بطبيعة الحال اهتزت وتذبذبت نتائج الفريق بشدة منذ تلك اللحظة ورغم ذلك استمر كلوب على قناعاته مُصراً على تقديم نفس الأداء حتى وصل الفريق بكثير من التوفيق للمباراة النهائية في بطولة كأس المحترفين..

أستعير هنا جملة أحد الأصدقاء.. حتى لو وفرت طريقة لعب 4-4-2 لليفربول أن يفوز بكأس العالم، يجب على الفريق أن يعود إلى خطة 4-3-3 طالما كان المنافس مانشستر سيتي..

المنطق يقول إنك اكتسحت المنافس ذاته برباعية تاريخية قبل شهور قليلة، إذن لا يوجد داعي لتغيير الشكل الذي فزت به..

خالف كلوب المنطق وترك فريقه وخط وسطه تحديداً فريسة لاختراقات المنافس الطولية والعرضية لإصراره على خوض المباراة بخطة لعب لا تضمن له السيطرة على أنصاف المساحات وتلك الفراغات الناشئة فيما بين الخطوط..

على سبيل المثال وليس الحصر تضمن لك طريقة لعب 4-4-2 التواجد في ثلاثة خطوط للملعب أو على الأكثر أربعة خطوط إن اعتمدت على 4-2-2-2 أو 4-4-1-1 كأحد مشتقات الشكل العام للخطة نفسها..

فيما يصل الأمر ذاته من ناحية التواجد والانتشار إلى خمسة خطوط في خطة 4-1-2-2-1 وربما أكثر من ذلك إن وصل الفريق لدرجة عالية من التناغم والإجادة في التحركات القُطرية والمائلة في تلك الخطوط التي تتشكل من لاعبين فيما أكثر..

ربما هو ذلك العند الذي يُولد الْكُفْر بكل تلك المعتقدات الأخرى لإثبات صحة معتقد ما وحيد.. وربما أيضاً هو ذلك الاختبار القاسي الذي يضع فيه المدرب لاعبيه لإثبات أحقية أي منهم في الاستمرارية معه مستقبلاً والاعتماد عليه ضمن البناء والتكوين الجديد للفريق من الموسم المقبل..

ولكن المؤكد أن جمهور ليفربول كان يستحق التعامل معه بشكل أكثر رحمة للفوز بتلك البطولة التي كانت بمثابة البئر الذي انتظر طويلاً لكي يشرب منه ولكن خطة يورجن كلوب جعلت الفريق خارج المباراة في أغلب الأوقات والهزيمة كانت أكثر منطقية حتى وإن جاءت بركلات الترجيح..

ولكن ربما شاء القدر ذلك حتى تصبح مرارة عدم الشرب من البئر بالغة..

Follow: @ahmednaguibgad

التعليقات