كتب : أحمد عفيفي | الثلاثاء، 12 يناير 2016 - 18:08

بلوج عفيفي - "هاتها م الجنينة يا أيمن"

مع مرور السنوات تذهب بك الدنيا شرقاً وغرباً تبحر بك بعيداً عن كل من تعرف وتألف لتلتحم بوجوه جديدة في اماكن لم تتخيل يوما ان تطأها قدماك .. تعتاد أشياء وتحبها ثم تملها وتهجرها لتحب أشياء جديدة قبل ان تهجرها ايضاً .. تكون قناعات وتتمسك بها بشدة وتقاتل من أجلها ثم تأتي لحظة يجبرك فيها عقلك على التخلي عنها بل وتخجل من سذاجتك يوم ان كنت تتبناها .. إلا ذكريات الطفولة.

شيئاً ما بداخلك يتذكرها ويحبها ويبني حولها اسوار دفاعية تبقيها في مأمن من رياح تغيير الذائقة وتبديل القناعات وغرور العقل الذي يستمتع احيانا بتمزيق الثوابت لمجرد انها ثوابت.

كنت طفلاً يعشق كرة القدم ويضعها دائماً كأولوية اولى قبل اي شيء يشاهد المباريات ثم يحاول تقليد اللاعبين وهو يلعب مع اصدقائه وعندما ييرضى عن نفسه في لعبة ما يعلق عليها بنفسه مستوحياً روح معلقه المحبب.

يوماً ما سددت الكرة كرباج لتدخل المرمى في صديقي الحارس أيمن عبد المحسن وتتخطاه لتستقر داخل حديقة خلف المرمى لأصرخ "وهاتها م الجنينة يا أيمن" .. لا اتذكر عدد السنوات التي مرت على تلك اللحظة ولا اعرف للأسف اين أيمن الآن و لكني اتذكر الموقف و لن أنسى ما حييت من غرس كليشيه "هاتها م الشبكة" المحبب جدا داخل عقلي وعقول اصدقائي.

جيل كامل من مواليد بدايات الثمانينات تحولت كلمة "جول" عندهم لـ"جوه الجول" و كأن "جول" وحدها لا تكفي للتأكيد على تسجيل الهدف .. كلما تفوق ثنائي منا في مباراة مهمه كفأناهم بترديد الجملة العفوية الشهيرة من مباراة الزمالك ومولودية وهران "ايمانويل وخالد الغندور .. خالد الغندور وايمانويل".

السهرة الرياضية على القناه الثالثة يوم الأربعاء الساعه 11 موعد مقدس .. فهناك يصحبنا الى عوالم كرة القدم التي لم نكن لنعرفها إلا من خلاله حتى انها ارتبطت دائما بصوته "و نروح بقى للدوري الأرجنتيني دوري الهمرة و الغمزة و الكعب و المهارات العالية ومباراة بوكا جونيورز و ريفربلات ياااااااه مباراة كبيرة جداً" احفظ تلك الجملة بصوته المحفور في اعماقي واستطيع ترديدها ما حييت .. ربما لا يعرف روماريو نفسه كيف ادرك اطفالاً لم يتجاوزوا الثانية عشرة من عمرهم على الجانب الآخر من العالم قدر المهارة في التسجيل من لمسة واحدة بــ "بره رجله" في منتخب هولندا 1994.

مرت سنوات و سنوات و سنوات على الطفل .. اصبح شاباً يتنقل بين الفضائيات المختلفة ليستقر على شاشة قناة النيل للرياضة ليجد نفس الوجه البشوش يتحدث بتواضع جم يرد على كل الأتصالات و يلصق لقب "كابتن" بكل متصل .. "معاك عماد من القليوبية يا كابتن .. فيرد : ايه اكتر جول عجبك يا كابتن عماد؟" يتحدث معهم و يناقش أهمية "القادمون من الخلف" يتسائلون معاً عن "مين مقابل؟" يقرأون معاً من "كتاب كرة القدم صفحة ضربات الجزاء" ثم تنتهي المكالمة و كلاهما مبتسماً الرمز الكبير عاشق كرة القدم والمتصل المستمتع ببرنامج هادىء ممتع يتحدث عن فنيات اللعبة و متعتها فقط

ربما لم يعد ملعب الطفولة موجوداً ربما أزالوا الحديقة وربما تاه مني أيمن في زحمة الأيام او تهت منه ولكني اثق ان في مكان ما في ذكرياته كما في ذكرياتي ستظل الجملة حاضرة دائماً "هاتها م الجنينة يا أيمن".

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر..

اضغط هنا

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات