كتب : عمر زعزوع | الخميس، 04 يونيو 2015 - 12:13

ليلة_الأبطال - هل لا زال لاعب "الوسط المدافع" مدافعاً؟

أنت متابع جيد لكرة القدم، و لأنك متابع جيد لكرة القدم فبالتأكيد ستستطيع الإجابة بسهولة تامة على سؤال مثل: من أفضل.. بيرلو أم بوسكويتس؟

ولكنك ذكي أيضاً، أعلم ذلك جيداً، فلن تجد أي مشقة في الرد على سؤال مماثل كـ"من يستطيع حماية خط ظهرة بشكل أفضل: ألونسو أم ماتيتش؟

نحن جميعاً نعلم أن وظيفة لاعب خط الوسط المتمركز مباشرةً أمام خط ظهره هي حماية ذلك الخط، تلك بديهيات في كرة القدم . أو على الأقل فيما يبدو.

و لأن كرة القدم دائمة التغير والتطور، لم تعد مراكز اللاعبين مقيدة بذات المهام التي كانت مقيدة بها منذ عقد؛ فأصبحنا نرى اليوم مهاجمين يقومون بمهام دفاعية لم يعتدوا يوما عليها، والعكس صحيح بالنسبة للمدافعين.

وكنتيجة لذلك، أصبح اليوم ليس كل من يلعب مباشرة أمام خط دفاعه هو لاعب مكلف بحماية ذلك الخط كما اعتدنا. فهناك خلط لدى البعض بخصوص هذا الأمر، وتصريح لمحمد بركات في نوفمبر العام الماضي أبرز ذلك.

فقد نصح بركات حسام عاشور أن يتعلم من مودريتش وكروس في كيفية لعب الكرة للأمام. وضح أن هناك شيئا غير دقيق فيما قاله نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق.

والخطأ الذي وقع فيه بركات هو موضوع ذلك المقال، و الذي اخترت أن يكون توقيت نشره قبل نهائي دوري الأبطال بين بارسا ويوفي؛ أي بين ناد يدفع ببوسكويتس أمام خط دفاعه وآخر يلعب بـ بيرلو في نفس المكان.

من هو الـregista؟

هل تتذكر مباراة ريال مدريد و ليفربول في دوري الأبطال والتي انتهت بفوز الأخير بنتيجة 5-0 بإجمالي المباراتين عام 2008-2009؟

أعتقد انك تتذكر هذه المباراة، خصوصاً إذا كنت أحد مشجعي الفريقين. ولكن السؤال الأهم: هل تتذكر من كان ارتكاز كل منهما الدفاعي حينها؟

وقتها كان لاسانا ديارا وخافيير ماسكيرانو هما من يحتلان ذلك المركز قبل ستة أعوام تقريباً.

بينما في لقاء ليفربول وريال مدريد في دوري الأبطال في 22 أكتوبرالعام الماضي، كان كروس ومودريتش هما لاعبي الوسط المتاخرين للفريق الملكي، وفي المقابل جيرارد لليفربول.

ديارا وماسكيرانو هما من طراز لاعب الوسط المدافع الكلاسيكي، ذلك اللاعب الذي تجده يقوم باستخلاص وقطع الكرات من الخصم دون أن يكون مطلوبا منه أي واجبات هجومية أو قدرة على لعب الكرة للأمام.

أي نوعية كلود مكاليلي وباتريك فييرا - أكثر من اشتهروا بقوتهم البدنية وصلابتهم الدفاعية.

أما كروس ومودريتش وجيرارد، فهما على النقيض الآخر هما ليسا متزمتين دفاعيا، ليست مهمتهم الأساسية حماية خط دفاعهم، هم ببساطة صناع لعب تم الدفع بهم في مكان متأخر من الملعب.

وظيفتهم الأساسية هي إجادة توزيع الكرات إلى الجانبين ولعبها للأمام، فهم لا يتم تقييمهم بعدد الكرات التي تمكنوا من افتكاكها أو عدد الكرات التي تمكنوا من اعتراضها، فغالباً هم لا يمتلكون المقومات البدنية والمهارات الدفاعية للقيام بذلك.

ويتزعم تلك الفئة من صناع اللعب بالطبع بيرلو وألونسو - من يُعرفون باسم الـdeep-lying playmaker أو الـregista.

صانع ألعاب أمام الدفاع؟

أعلم جيداً ما قد يتبادر إلى ذهنك الآن: أليست مغامرة شديدة الخطورة أن يتم الدفع بلاعبين يفتقدون المهارات الدفاعية المطلوبة في ذلك المركز الحساس مباشرةً أمام خط دفاعهم؟

الإجابة نعم. ولعل تأخر ليفربول بثلاثة أهداف في الشوط الأول من نهائي دوري الأبطال التاريخي ضد الميلان في 2005 كان نتيجة لذلك.

حينها بدأ رافايل بينيتث مدرب ليفربول بألونسو إلى جانب جيرارد (صناع لعب) بينما جلس على دكة البدلاء ديتمار هامان – ارتكاز الفريق المدافع.

وما إن دفع المدرب الإسباني بهامان في بداية الشوط الثاني بدلا من الظهير الأيمن ستيف فينان حتى اتزن وسط ملعب ليفربول وتمكنوا في النهاية من تعديل النتيجة و من ثم الفوز باللقاء بركلات الجزاء.

في ذلك الوقت، كان ما فعله رافا مفاجأةً للجميع. فكيف لا يبدأ بوسط مدافع في مباراة هامة كهذه، الأمر كان أشبه بالجنون.

صحيح أن في الجهة المقابلة كان بيرلو يلعب متأخراً أمام دفاعه هو الآخر لكن كان هناك جاتوزو إلى جواره، فإن أرادت اللعب ببيرلو كصانع ألعاب متأخر كان لا غنى عن جاتوزو إلى جانبه .. وهذا ما كان يحدث بالفعل سواء مع الميلان أو الأتزوري.

لكن اللعب بدون وسط مدافع كما فعل بنيتث حينها، كان نتيجته المنطقية وقتها هو التأخر بثلاثة أهداف في غياب الحماية اللازمة من وسط الملعب.

بيرلو .. بداية ظهور شيئ جديد

وللحق كان تواجد نوعية بيرلو أمام الدفاع لم يكن القاعدة منذ عشر سنوات. القاعدة كانت الاعتماد على لاعب الوسط المدافع المتعارف عليه مما جعل جوارديولا يصف بيرلو بأنه كان "الاستثناء" وقتها.

فكان ظهور بيرلو في هذا المركز إيذاناً بشيء جديد.. حتى أصبح اليوم الاعتماد على لاعب الوسط الدفاعي الكلاسيكي هو الاستثناء و ليس العكس.

لعلك تتساءل الآن: لكن أليس هناك ماتيتش؟

ألا يلعب دي روسي وبوسكويتس إلى الآن؟ وحتى ماسكيرانو، ألم يكن إرتكاز الأرجنتين في كأس العالم العام الماضي و قدم أداءً ولا أروع وقتها؟

لم يختف مركز لاعب الوسط المفسد لهجمات الخصم. لم أقل هذا، لكن لم يعد هناك اليوم مكان للاعب وسط لا يساهم في نقل الكرة إلى الأمام. فنوعية مكاليلي التي تستخلص الكرة ثم تسلمها إلى أقرب زميل شبه تلاشت.

فماتيتش ودي روسي وبوسكيتس لهم إسهامات في نقل الكرة للأمام. لاعب الوسط المدافع اليوم بات عليه أن يلعب الكرة للأمام.

أصبح وسط الملعب اليوم يغلب عليه السرعة والطابع الفني و المهاري أكثر منه إلى القوة ليستحوز عليه نوعية اللاعبين ال-box-to-box و صناع اللعب.

صانع لعب يدافع؟

لكن يبدو أن هناك خطأ فيما قلته منذ لحظات.

ألا يقف بيرلو اليوم وحيداً أمام دفاعه دون حماية حقيقية من لاعب وسط دفاعي؟ كذلك ألونسو وكروس و هم جميعاً يغلب على أدائهم الطابع الهجومي كما ذكرنا ؟

أين إذاً الحماية الدفاعية التي كان يوفرها جاتوزو و هامان و ماسكيرانو لرفقائهما في وسط الملعب؟

هناك عدة نظريات تشرح ذلك الأمر، أهمها أنه كما قلنا لم يعد وسط الملعب يهيمن عليه القوة البدنية من قبل مهاجمي المنافس و بالتالي أصبح الإحتياج للاعب وسط ملعب دفاعي قوي بدنياً ليس ملحاً.

ثانيا: الخبرة التي اكتسبها صناع اللعب في ذلك المكان المتأخر من الملعب بالنسبة لهم. فأصبحوا يعوضون نقص قدراتهم الدفاعية بالتمركز السليم حتى لا يكون هناك طريقا مفتوحاً مؤدياً لدفاعهم.

وخير دليل على ذلك كروس.

فنجم منتخب ألمانيا - و الذي هو في الأصل لاعب نمرة 10 مثل بيرلو تماما - أخذ وقتاً ليتأقلم على مكانه أمام الدفاع هذا الموسم مع ريال، فتحسن أدائه كثيراً مقارنةً ببدايته مع العملاق الإسباني.

ثالثا: التنظيم الدفاعي و الواجبات التي يكلف بها معظم لاعبي الفريق - بما فيها المهاجمون – اليوم. فذلك يعني أن العبء قد خف على كاهل وسط الملعب الدفاعي، حيث أن الدفاع يبدأ من الأمام.

كيف نتأقلم على هذا الوضع؟

في النهاية فقط أتمنى أن يعي مدربونا أن تقسيم لاعبي الوسط إلى مهاجمين مهاريين ومدافعين كلاسيكيين قد عفا عنه الزمن.

كرة القدم اليوم أصبحت تتطلب تنوعاً أكثر من لاعبي وسط الميدان. فلاعب الوسط اليوم يمكن يقع في أي مكان على معيار يبدأ من عند بيرلو و ينتهي عند ماكاليلي وفقا لقدراته الهجومية و الدفاعية.

كما أتمنى أن يفهم لاعبو الوسط المدافعين لدينا أنه لا مكان في كرة القدم اليوم للاعب لا يمرر الكرة للأمام. ماكاليلي إنتهى.

لا أطلب من عاشور أو إبراهيم صلاح أن يتعلما من صناع لعب كمودريتش و كروس .. فكما شرحنا هذا ليس منطقيا.

فقط أدعوهما أن ينظرا إلى ماتيتش وبوسكيتس، تلك النوعية من لاعبي الوسط الدفاعيين هي المطلوبة في كرة القدم اليوم.

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات
مقالات حرة