هر بيب (5) - اختراع هيديكوتي.. وكيف حضر جوارديولا الوحش ميسي "سرا"

الخميس، 07 مايو 2015 - 14:50

كتب : أحمد مصطفى

الحلقة الرابعة - عنوان الكتاب يعني بالألمانية "السيد بيب". ويتضمن مذكرات ينشرها الكاتب الكتالوني مارتي بيراناو المقرب من جوارديولا.

ويقدم FilGoal.com كتاب "هر بيب" ضمن تغطيته لـ #ليلة_جوارديولا التي تنتظره في مواجهة فريقه السابق برشلونة ضمن نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.

تدور المذكرات حول كواليس وأسرار الموسم الأول لجوارديولا في بايرن ميونيخ. عن نجاحاته وإخفاقاته ومشاكل عانى منها بعد الرحيل عن برشلونة، وذلك بالاستعانة بشهادات جوارديولا نفسه بجانب لاعبي ومسؤولي بايرن.

والكاتب مارتي بيراناو هو بطل أوليمبي سابق في القفز بالزانة، من أبناء مدينة برشلونة، تخصص في الاعلام الرياضي بعد اعتزال ألعاب القوى.

جوارديولا منح بيراناو فرصة دخول كل الأماكن وتسجيل المحاضرات لـ200 يوم شرط ألا يكتب أي شيء في الكتاب الا بعد انتهاء الموسم. وهو ما حدث فعلا.

--

في29 يونيو 2013 أول مباراة لجوارديولا مع بايرن ميونيخ. كانت ودية أمام فريق مقاطعة "فيدين" للهواة، جاءت بعد أربع حصص تدريبية للفريق في وجود عدد كبير من الناشئين.

غاب معظم نجوم الصف الأول للعطلات والإصابات، وفاز بايرن 15-1. كانت المباراة أشبه بنزهة لبايرن، لكنها ساعدت بيب على وضع الخطوط العريضة لمشروعه مع الفريق البافاري:

اللعب بمحور ارتكاز واحد. توني كروس مايسترو الوسط. ريبيري رقم 9 وهمي.

- ارتكاز واحد:

حقق بايرن إنجازاته الرائعة في موسم الثلاثية الأخير لهاينكس في ظل المستوى المتميز لمحوري الارتكاز باستيان شفاينشتايجر وخابي مارتينيز.

كان الثنائي يحكم إغلاق المساحات امام المنافسين، لكن جوارديولا منذ الوهلة الأولى أراد تغيير فكر هاينكس والفصل بينهما.

تذكر جوارديولا مسيرته كلاعب، كان محور ارتكاز بارع، في إسبانيا يلقبونه بـ"الرقم 4"، كان رقم قميصه وصار رمزا لمركز الارتكاز، كما بات رقم 9 مقترنا برأس الحربة.

جوارديولا كان يشعر بالحرية في الملعب لأنه ارتكاز بمفرده، يتسلم الكرة من المدافعين أو من حارس المرمى وينقلها بتمريراته الذكية الى عمق الهجوم وعلى الأطراف، كان تيرمومتر الفريق.

بخلاف ذلك كان بيب مكلفا بقطع التمريرة قبل الأخيرة في الهجمة، أي أن مهمته قطع الطريق على أي إمداد للمهاجم، والتمهيد لهجمة مرتدة.

- سر نجاح بيب كلاعب؟

كان جوارديولا ضعيف البنية، صاحب جسد هزيل كلاعب، لا يبدو عليه امتلاك قدرة على الالتحامات وتأدية الواجبات الدفاعية، كان مميزا أكثر في الشق الهجومي وصناعة اللعب.

بسبب جسده الضعيف لم يكن بيب يشارك في مباريات كثيرة مع فريق شباب البرسا، لكن كارليس ريكساش مساعد الأسطورة الهولندي يوان كرويف نبهه الى موهبته في أواخر الثمانينات.

صقل كرويف موهبة بيب، قام بتصعيده للفريق الأول، وكلفه بمهام "الرقم 4"، وصار ركيزة أساسية في "فريق الأحلام".

بيب لم يكن سريعا، لكنه يستغل سرعة الكرة لإيصالها الى زملائه في المساحات ويضرب خطوط الدفاع.

فكر جوارديولا يمكن تلخيصه في أنه يخشى من أن يهاجمه المنافسين، فيحاصرهم هو بالهجوم..يمنع الهجوم بالهجوم.

بيب لا يحبذ الالتحامات والتدخلات العنيفة، وإنما يضرب منافسيه باللمسات. بالتمريرات وبالاستحواذ على الكرة بإيقاع سريع.

سألني جوارديولا "هل تعتقد أنني كنت سأستمر 11 عاما في البرسا كلاعب معتمدا على سرعتي؟ على قوتي؟ على أهدافي؟" (بيب سجل 13 هدفا فقط في 385 مباراة مع برشلونة).

وأجاب على نفسه "لكي تحافظ على بقائك في غابة كرة القدم يجب أن تحتفظ بقدرات استثنائية، أن تتخيل التمريرة المقبلة قبل أن تتسلم الكرة وأن تضرب خطوط دفاع العدو بتمريرة مخادعة".

واستفاض في الشرح "أمامك فريق مكون من خمسة خطوط، ستقوم بتدوير الكرة، ونقلها من طرف الملعب الى الطرف الآخر، حتى لو كانت بعيدة عن منطقة الخطر، هذا التدوير سيجعل الخطوط الخمسة تصبح أربعة، ستجبر الخطوط على التحرك مع الجناحين على الجانبين، والتحرك مع المهاجمين في العمق بين الخطوط".

"ستوهمهم بأن اللعب سيرتكز على اليمين، ثم فجأة يتحول اللعب الى اليسار، الجميع يلهثون وراء الكرة، وبتمريرة واحدة مفاجأة تصبح امام المرمى وتسجل، هكذا يصنع الفارق".

هذا ما كان يقوم به جوارديولا كمحور ارتكاز وحيد، وهذا ما وظف فيه سرجيو بوسكيتس حين أصبح مدربا.

بيب يكره فكرة محور الارتكاز الثاني، سيمنعك من قيادة منطقة العمليات، سيقلل المساحات أمامك، كان يشعر بالاختناق حين يشاركه أحد تلك المساحة بالملعب.

- خليفة بوسكيتس؟

لكن من اللاعب الذي يراه جوارديولا امتدادا له ولبوسكيتس في امتلاك تلك القدرات؟.

إنه الدنماركي الشاب بيير إيملي هويبرج.

وقع جوارديولا في غرام هويبرج منذ شاهده لأول مرة في التدريبات، الجميع يتحدث عنه بشكل رائع، تقاريره كلها مثالية، حظي بثقة هاينكس وصعده للفريق الأول، لا يزال في الـ17 من عمره.

جوارديولا استقر على هويبرج "بوسكيتس الجديد"، رؤيته ممتازة للملعب، إنه قادر على ضرب خمسة خطوط بتمريرة واحدة. لكنه لا يزال يافعا، يحتاج للخبرة والنضج..هو الوحيد الذي شارك في 90 دقيقة في أول مباراة لبيب.

(هويبرج معار حاليا الى أوجسبورج).

يعتبر بيب هويبرج جوهرة بين يديه، لكنها تحتاج الى ثلاثة سنوات لكي تلمع.

- المهاجم الوهمي:

أراد بيب أن يكون فرانك ريبيري رقم 9 الوهمي، كما فعل مع ميسي في برشلونة، لكنه لم يتقبل الفكرة، وكان يميل تلقائيا للعب كجناح أيسر، كان يحبذ الانطلاقات بسرعته والمراوغة والتسديد من بعيد.

رأس الحربة الوهمي لم يكن اختراعا لجوارديولا، فقد لعب بنفس المركز الأرجنتيني أدولفو بيديرنيرا أسطورة ريفر بليت (1936-1945).

من أنجح المهاجمين الوهميين كان المجري ناندور هيديكوتي، صاحب إنجازات عريقة مع منتخب بلاده في الخمسينيات، ألهم جوارديولا لإستحضار تلك الفكرة وتطويرها.

دي ستيفانو وفرانشيسكو توتي ومايكل لاودروب لعبوا ايضا كـ"رقم 9 وهمي"، لكن الفكرة برزت عالميا في 2009 مع ميسي.

- كلاسيكو 6-2 :

في2 مايو 2009 ملعب سانتياجو برنابيو، الفوز يعني حسم الليجا لبرسا.

فجر بيب قنبلة بعد 10 دقائق من المباراة.

كان التعادل السلبي سائدا، الأوامر كانت انتقال ميسي لوسط الهجوم، لكن ليس كرأس حربة صريح، بل سيتأخر ليبدو كلاعب وسط، وانتقال صامويل إيتو لليمين ليلعب كجناح.

ثنائي القلب في دفاع ريال مدريد ميتزلدر وكانافارو كان في حيرة، لا يعرف كيف سيتصرف.

تناولت العشاء مع ميتزلدر في نوفمبر 2013 وحكى لي تفاصيل تلك المباراة.

"أعتقد أن تلك أول مباراة يلعب فيها جوارديولا برأس حربة خفي، إيتو انتقل لليمين، وميسي في قلب الهجوم، لكنه يتراجع لوسط الملعب".

"أنا وكانافارو تعجبنا، وسأل كل منا الآخر (ماذا سنفعل؟ هل نلاحق ميسي ونتقدم لوسط الملعب؟ أم نبقى في أماكننا امام المرمى)".

"لم نجد حلا لتلك المعضلة، وكان من المستحيل إيقاف ما حدث".

حقق برسا فوزا تاريخيا بنتيجة 6-2 ، وتوج بالليجا، لكن مكاسبه لم تقتصر على ذلك، فقد أوجد صيغة سحرية فتحت له الأبواب للفوز بأكبر قدر من البطولات، وصناعة أمجاد لم تتحقق من قبل.

- سر بين بيب وميسي:

ظلت فكرة "رقم 9 الوهمي" ملتصقة بجوارديولا، ليس لأنه مخترعها، وإنما لأن منفذها كان لاعب مدهش مثل ميسي..لكن كيف أتى بتلك الفكرة؟.

في اليوم الذي يسبق الكلاسيكو، 1 مايو 2009 ، كان جوارديولا في غرفته الخاصة بالمدينة الرياضية ببرشلونة بمفرده، كان يدرس ريال مدريد على مدار يومين، يحلل مواطن القوة والضعف لديه، يراجع مبارياته وشرائط فيديو جمعها مساعدوه، يستمع الى موسيقى هادئة ويفكر في حلول.

أتذكر ما قاله جوارديولا بنفسه عند تكريمه في برلمان كتالونيا في سبتمبر 2011 ، قال عن طريقة عمله: "قبل أي مباراة أغلق على نفسي باب غرفتي، أشاهد شريطي فيديو أو ثلاثة للخصم، وأدون ملاحظاتي على ورقة".

" في لحظة ما أشعر بإحترافيتي، اكتشف فكرة في غضون دقيقة ستمنحني الفوز، هذا احساس سحري ينتابني".

يسترجع بيب ليلة الكلاسيكو "في كلاسيكو سابق، ريال كان يضغط بقوة بالثلاثي جاجو وجوتي ودرينثي على شافي ويايا توريه، لكن المسافة كانت كبيرة بين وسط وقلبي دفاع الريال كانافارو وميتزلدر، كانا أقرب لمرمى كاسياس".

في العاشرة مساء كانت المدينة الرياضية خالية تماما ومظلمة، لكن مكتب جوارديولا كان مضيئا، ظل بمفرده في المدينة، يتخيل كيف يتجول ميسي في المساحة الفارغة بين وسط ودفاع الريال في البرنابيو، سيدير ظهره لثلاثي الوسط وينفرد بكانافارو وميتزلدر.

أحضر بيب هاتفه واتصل على الفور بميسي

"ليو..أنا بيب..احضر حالا الى مكتبي..لدي أمر مهم للغاية لأخبرك به".

أبلغ بيب ميسي بفكرته مباشرة، لم يكشف عنها حتى لمساعديه أو للاعبيه، فقط ميسي.

وصل ميسي في العاشرة والنصف، طرق ابن الـ21 ربيعا باب المكتب برفق، أدخله بيب، وأراه مقطع فيديو.

شرح له كيف يتسلل الى الفراغ بين وسط ودفاع الريال في البرنابيو

"ستبدأ المباراة كجناح، وعندما أعطيك الإشارة ستعطي ظهرك للاعبي وسط الريال، وتتحرك في تلك المنطقة، تماما كما فعلت امام خيخون".

لم تكن تلك المرة الأولى لميسي كمهاجم وهمي، بل فعل ذلك امام خيخون في مباراة عام 2008.

"ليو..حين يمرر لك شابي أو إنييستا الكرة، اذهب مباشرة الى مرمى كاسياس".

ظل السر بين الاثنين تلك الليلة، ثم قبل المباراة بدقائق أخبر بيب تيتو فيلانوفا بالفكرة، ثم تحدث الى شابي وإنييستا.

قال جوارديولا: "إذا رأى أحدكما ميسي يلعب بين الخطوط أو في وسط الهجوم لا تقلقا، مررا له الكرة، تماما مثل مباراة خيخون" (فاز بها البرسا 6-1)".

منذ الفوز التاريخي 6-2 (سجل ميسي هدفين) قرر جوارديولا الإبقاء على الأرجنتيني في هذا المركز.

ظل بيب مؤمنا بفكرة المهاجم الخفي، أراد تطبيقها في بايرن.

ريبيري لا يبدو مرتاحا لها، يميل للعب كجناح، لكن يوجد لديه توماس مولر وماريو جوتزه وأريين روبن، كلهم بإمكانهم القيام بنفس الدور.

التعليقات
مقالات حرة