هر بيب – (1) لغز كاسباروف الذي جعل علاقة جوارديولا ببرشلونة مستحيلة
الأربعاء، 29 أبريل 2015 - 13:32
كتب : أحمد مصطفى

ويقدم FilGoal.com كتاب "هر بيب" ضمن تغطيته لـ #ليلة_جوارديولا التي تنتظره في مواجهة فريقه السابق برشلونة ضمن نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
تدور المذكرات حول كواليس وأسرار الموسم الأول لجوارديولا في بايرن ميونيخ. عن نجاحاته وإخفاقاته ومشاكل عانى منها بعد الرحيل عن برشلونة، وذلك بالاستعانة بشهادات جوارديولا نفسه بجانب لاعبي ومسؤولي بايرن.
والكاتب مارتي بيراناو هو بطل أوليمبي سابق في القفز بالزانة، من أبناء مدينة برشلونة، تخصص في الاعلام الرياضي بعد اعتزال ألعاب القوى.
جوارديولا منح بيراناو فرصة دخول كل الأماكن وتسجيل المحاضرات لـ200 يوما شرط ألا يكتب أي شيء إلا في الكتاب بعد نهاية الموسم. وهو ما حدث فعلا.
لغز كاسباروف.. أكتوبر 2012
مائدة عشاء تجمع جوارديولا بأسطورة الشطرنج الروسي جاري كاسباروف.
كانت نبرة صوت جوارديولا قد تحولت من هدوء شخص معجب بمن يجلس معه إلى نبرة غضب وعتاب "لماذا لا يمكنك الفوز على كارلسن؟ أنت أسطورة وهو شاب صغير".
ترك كاسباروف طبقه، وأعاد تكرار إجابته الموجزة دون تفسير "من المستحيل أن أهزم كارلسن".
لم يتمكن جوارديولا من النوم تلك الليلة، ظل يفكر ويفكر.
الهجرة الى نيويورك
ترك جوارديولا خلفه حقبة عظيمة في كرة القدم مع فريق برشلونة، هي الأنجح في تاريخ النادي الكتالوني، لا يمكن تكرارها.
الفوز بستة ألقاب في موسم واحد هو موسمه الأول مع البرسا، والتتويج بـ14 بطولة من أصل 19 بطولة خلال 4 سنوات.
قرر بيب الرحيل عن برشلونة قبل أن يتفاقم الألم بداخله ليصبح بلا علاج، رحل الى نيويورك.
أراد أن يقضي عاما في سلام وهدوء، أراد أن يشحن بطاريته. أن يقضي وقتا أطول مع عائلته لأنه بسبب التزامات العمل لم يكن يقضي معهم وقتا كافا.
أراد بيب أن يجتمع بأصدقاء لم يلتقيهم منذ أمد بعيد.
من أبرز أصدقاء بيب عالم الاقتصاد بجامعة كولومبيا الأمريكية خافيير سالا، رجل اقتصاد معروف دوليا، مقيم في نيويورك، وهو الذي شجع جوارديولا للالتحاق به برفقة عائلته في الولايات المتحدة.
أطفال بيب ليسوا على دراية باللغة الإنجليزية، وزوجته كريستينا مرتبطة بأعمال تجارية في كتالونيا، تخوف الجميع من فكرة العيش في نيويورك.
لكن سالا كان سببا في إقناع الأسرة الصغيرة بالاستمتاع بنيويورك واكتساب خبرات جديدة، وبالفعل كانت التجربة أفضل مما تخيلوا.
عشاء مع أسطورة
ذات مرة دعا جوارديولا وكريستينا عالم الاقتصاد الى منزلهما، لكن سالا اعتذر عن الحضور، وتأسف لأنه سيتناول العشاء مع كاسباروف.
كان أسطورة الشطرنج كاسباروف وبطل العالم السابق صديقا لخافيير سالا.
جوارديولا لم يصدق نفسه، كاسباروف مثله الأعلى، لذا قبل على الفور دعوة سالا للانضمام إليه في العشاء.
حضر جوارديولا وزوجته كريستينا، وجلسا على مائدة كاسباروف وزوجته داريا وسط أجواء حميمة دافئة.
بيب أظهر إعجابه الشديد بكاسباروف، كان يرى فيه كل الصفات التي يحبها. الذكاء، التمرد، الإخلاص، القوة، الإصرار..
في الحقيقة لم يتحدث أحد عن الشطرنج في تلك الليلة، ولا عن كرة القدم، بل تنوعت مواضيع النقاش بين التكنولوجيا والاقتصاد والسياسة. وأهم قضية تناولوها كانت "الشغف".
كاسباروف أظهر ضيقه من التطور التكنولوجي الهائل وتأثيره الضار على الحياة الاجتماعية، قال: "بالطبع كل تكنولوجيا لها فوائد ومساويء، لقد وصلنا الى سطح القمر، لكن الآن نقتل الطيور في الهواتف الذكية" في إشارة للعبة Angry Birds.
كان الحديث شيقا على المائدة بين ثلاثة من أذكى العقول.
قرر بيب دعوة كاسباروف لعشاء آخر، لكن في المرة الثانية لم يحضر سالا لظروف سفره.
في هذه الليلة تحدث الجميع عن الشطرنج.
سؤال يؤرق بيب
كان بيب يخفي سؤالا بداخله لم يتمكن من طرحه على كاسباروف في أول مرة.
قال له: أنا متفاجيء من تنازلك عن عرش الشطرنج لصالح النرويجي الشاب ماجنوس كارلسن (22 عاما آنذاك). أنت كنت بطلا للعالم لا يقهر.
كارلسون كان يتدرب سرا في 2009، درس نقاط ضعف الخصوم، وحين برز على الساحة تفوق على الجميع، وصار بطلا لا يقهر، ليسحب البساط من كاسباروف.
سأل جوارديولا: هل تملك القدرة على هزيمة كارلسون؟
كان الرد غريبا من كاسباروف: نعم لدي القدرة، لكن من المستحيل أن أهزمه.
عاد بيب ليسأل: إن كنت تملك القدرة. ما الذي يمنعك من هزيمته؟
اكتفى كاسباروف بكلمة : مستحيل.
هذه المرة شعر جوارديولا بالغضب، واتضح ذلك في نبرة صوته: لماذا؟
كاسباروف: مستحيل.
البقاء في برشلونة.. مستحيل
في تلك اللحظة استرجع جوارديولا مشواره مع برشلونة، وربط ذلك مع ما يقوله كاسباروف، وتفهم أخيرا إجابته..
أنا ايضا كان من المستحيل أن أبقى في برشلونة.
جوارديولا حقق مع البرسا إنجازات فريدة من نوعها لم يتخيلها أحد، فاز بكل ما يمكن الفوز به، كان من المستحيل أن يحقق أفضل مما حققه.
رحل جوارديولا عن برشلونة لأنه لم يعد قادرا على تقديم المزيد، شعر بأنه قد أفرغ كل ما لديه، فرغت الطاقة من ذهنه، كان بحاجة للابتعاد وإعادة شحن طاقته، لذا إجابته كانت نفس إجابة كاسباروف.
نعم لدي القدرة، لكن هذا مستحيل .لم يعد لديّ نفس الشغف.
اللقاء مع كاسباروف كان أكبر من مجرد ذكرى سيحكيها بيب لأحفاده، هذا العشاء جعله يفكر في المستقبل.
عقل شطرنجي
جوارديولا بطبعه شخص يشك في كل شيء حوله، ليس لأنه يخشى المستقبل أو المجهول، وإنما لأنه يبحث دائما عن الكمال. يعرف جيدا أن الكمال مستحيل لكن هذا لا يشغله، سيحاول الوصول اليه.
عقل جوارديولا أشبه بعقل كاسباروف، يفكر ويحلل كل الإحتمالات الممكنة قبل أن يقوم بتحريك قطعة واحدة. قبل أن يتخذ قراره النهائي يفكر في القرار آلاف المرات.
يفكر البعض في أن فكر جوارديولا قبل أي مباراة هو امتلاك الكرة والهجوم والفوز، لكن هذه خطوط عريضة، أفكار عامة يتوسطها الكثير من الأفكار الصغيرة والتفاصيل المرهقة، يفكر بها طوال أسبوع كامل قبل المباراة.
يخلق في ذهنه أكثر من تشكيل، أكثر من توظيف للاعب الواحد، يدرس مدى قدرة اللاعب الواحد على التفوق على خصمه، ومدى قدرته على الانسجام مع زميله.
عقل شطرنجي بمعنى الكلمة. كل خطوة مدروسة تماما.
سر الـ32 دقيقة
لا يمكن أن ينفصل عقل جوارديولا عن التفكير في كرة القدم سوى لمدة "32 دقيقة"، هذا أمر يعرفه المقربون منه.
إذا دعوت جوارديولا على العشاء فإنه سيقضي 32 دقيقة منعزلا عن كرة القدم، لكنه سرعان ما سيتحول ذهنه تلقائيا للتفكير في خطط وأمور كروية.
نصح مسؤولو بايرن بيب أثناء تواجده بالمدينة الرياضية ذات مرة بأن يخلد للراحة، كان يرهق نفسه في العمل، فذهب الى منزله والتقى بأطفاله ولعب معهم، لكنه تركهم بعد نصف ساعة، 32 دقيقة بالضبط، دخل الى صومعته وعاود التفكير في كرة القدم.
افتقاد الشغف
اتجه بيب للسرير، استعاد ذكريات العشاء مع كاسباروف.
تذكر محاولة زوجته كريستينا وزوجة كاسباروف، داريا، لإيجاد حل للغز الهزائم أمام كارلسون.
قالت كريستينا: ربما تكون مشكلة تركيز.
وافقتها الرأي داريا: اذا كانت مباراة من ساعتين فإن كاسباروف بإمكانه الفوز، لكن المباراة تمتد لخمس أو ست ساعات، العقل يصيبه الشلل ويعاني من كثرة التفكير في كل لعبة.
جوارديولا وكاسباروف ينظران الى بعضهما في صمت، يريد أن يقول كل منهما للآخر: "إنه افتقاد الشغف"، فهما ذلك دون حديث.
لم يتمكن جوارديولا من النوم، ظل يفكر.
نرشح لكم










