قبل عدة أيام فقط بدأ شاب ياباني في منتصف العشرينات يدعى تيكاشا رحلة أوديسية مجهدة ، على أمل اللحاق بموعد مباراة ريال مدريد وفالنسيا .. رحلة تيكاشا كانت أشبه برحلة "رحلة حج كروية" إلى العاصمة الإسبانية تجاوزت الألف كيلومتر ، والتسع ساعات بالباص .. رحلة عصيبة انتهت بطابور مجهد ، لم يتنفس فيها الصعداء إلا مع تواجد التذكرة بين يديه وسط سعادة غامرة.

تيكاشا المشجع الوفي لفريقه جامبا اوساكا الياباني وطالب اللغة العربية بالمغرب ليس إلا واحداً من الآلاف الذين أحاطوا بالبيرناييو مساء الأحد لتلبية نداء الكرة ، وحجز مقعدا في ذلك المعبد الكروي ، الذي يختلط فيه "سياح الكرة" بالمتعصبين الشباب للفريق الملكي بأفراد من الطبقة المتوسطة العادية المدريدية ، والتي تضم مناصرين قدامى للريال منذ أيام "بوشكاش" المجيدة بخمسينيات القرن الماضي.

نحو 77 ألف متفرج بالبيرنابيو ينتمون إلى جنسيات عالمية مختلفة تذكرهم الإعلانات يومياً أن فريقهم المفضل لا يزال الأفضل في العالم ، حيث يتحول بيكام و زيدان وراؤول ورونالدو إلى ماركات مسجلة يتم نقشها على خلفية قمصان تذكارية ، كانت مثار اهتمام تيكاشا نفسه ، الذي استفسر بأدب ياباني جم عن أفضل مكان يبيع على العودة إلى طنجة بقميص مدريدي "بسعر مهاود" ، وما هي إلا لحظات حتى تتأكد من تيكاشا يريد الانسجام مع أجواء حوله تشهد ارتداء الإنجليزي لقميص روبينيو البرازيلي ، والإسباني لقميص بيكام الإنجليزي.

البرينابيو نفسه يتحول نهاية الأسبوع إلى "كارت بوستال" كبير ، في ظل عشرات الدكاكين التي تشرف على صناعة الأعلام والشارات والعملات المعدنية التي قد يصل سعرها إلى نحو 15 يورو (نحو 80 جنيه مصري) ، مروراً بصناعة "التسالي" والمكسرات ، في الوقت الذي يصبح فيه مشجعو الفريق أنفسهم فقرة إعلانية تستحق صورة سياحية ، ومنهم "عم ايبيثا" الذي تجاوز السبعين من عمره ، والذي حرص جميع "السياح" على التقاط صورة معه بلحيته البيضاء الطويلة ، وقبعته المكسيكية الحمراء ، وجلبابه الأبيض الملفوف بشعار الريال ، إلى جانب طبلته العتيقة التي لا يتوقف عن القرع عليها في كل "عرض" لفريقه المفضل ، منقوش عليها بضعة جمل حماسية طريفة على وجهيها مثل "ايبثا المدريدي" و"الريال ملك أوروبا".

البيرنابيو ليس ملعب كرة فقط ، ولكنه كأي ملعب لناد أوروب فهو أشبه بمقر لطائفة لها لغتها الخاصة وكلماتها السرية وطقوسها المعتادة ، تماماً مثل ملعب الكامب نو ، الذي يعتبر فرصة أسبوعية للتأكيد على انتماء برشلونة ثقافياً وسياسياً لإقليم كاتالونيا ، والوضع في ملعب العاصمة الإسبانية لا يختلف كثيراً ، حيث ستذكرك شاشة الإستاد العملاقة بمدى عرافة وأهمية "مؤسسة" ريال مدريد على مدار الخمسين عاماً الماضية ، مع عرض لأهداف مجموعة من أهم لاعبيه أو بالأحرى "علاماته المسجلة" ، ونهاية بغناء الجمهور الجماعي للنشيد الخالد والتقليدي للنادي ورفع لافتة "دائماً خلفكم" ، التي وصل طولها إلى عشرة أمتار وعرضها إلى عشرين متراً ، ولا تنس رفع البطاقة البيضاء التي تتسلمها مع كرسيك إلى السماء ، لتصنع إلى جانب رفاق "طائفتك" لوحة بيضاء ضخمة تنسجم مع أنغام النشيد.

وسط كل هذا تجد على بعد مترين منك رجلا أبيض الشعر في السبعينات من عمره ، يشعل سيجاره الفاخر الأول في صمت دون أن يشارك في الطقوس ، مترفعاً عن التعليق على الصخب الذي صاحب الدقائق الأولى من المباراة بالمدرجات ، عندما طالب مشجع مدريدي متعصب بنزع علم رفعه مشجع أخر يحمل ألوان العلم الإسباني مع كلمة "كاتالونيا" ، وهو الحدث الذي أثار حفيظة ونقاش جمهور مدرجين بأكملهما ، إلى جانب جدال آخر من مسئولي الأمن على حساب المباراة التي بدأت بالفعل.

ركلة الجزاء الوهمية التي احتسبها الحكم داودين البانييث بعد ثماني دقائق فقط من البداية ، إلى جانب كم القرارات العكسية التي شهدتها الدقائق التسعين التالية تثبت أن التحكيم الإسباني حالياً ليس متواطئاً بقدر ما هو يمر بحالة من فقدان الثقة ، وهي نتيجة طبيعية أمام أجواء مشحونة ضد ما هو يعارض مصلحة النادي الملكي ، وسط الهجوم الذي عرفه ايبانييث منذ بطاقته الصفراء الأولى للاعب الريال بابلو جارسيا بعد ثلاثين ثانية ، والتي مهدت لفاصل من السباب لعائلة الحكم بأكملها بدأت بهتاف "فضيحة" بعد خمس دقائق فقط ، نتيجة لمس سانتياجو كانييزاريس للكرة بيده خارج منطقة الجزاء ، مروراً بمحاولة تحطم معنويات أبناء رفاق آيمار بتذكيرهم بصفقة انتقال بريدراج مياتوفيتش من فالنسيا إلى الريال ، والتي أشعلت الحرب بين الناديين للمرة الأولى قبل عشر سنوات بالتمام والكمال.

في الوقت الذي فضل فيه لاعبو الريال إجراء تدريبات إحماء فردية ، كانت للتقسيمة التي قام بها لاعبو فالنسيا في فترة الإحماء مؤشراً للتقسيمة التي عرفت