كتب : نصري عصمت | الثلاثاء، 22 يونيو 2010 - 09:45

مطعم إفريقيا للمأكولات البحرية

في عالم البحار لا تتعلم الأسماك الدرس أبدا مهما تعرضت للصيد سواء عن طريق طعم في صنارة أو بالشباك، فلا سمعنا عن جيل من السمك تعلم من جيل سابق ولم تكلف سمكة واحدة خاطرها بإبلاغ من يأتي بعدها أن نهاية حياتها مرتبطة بخطاف معدني، وحتى إن شاهدت سمكة عملية صيد رفاقها، يستحيل أن تتعلم الدرس، تماما كما تفعل الآن المنتخبات الإفريقية في مونديال 2010.

رغم عشقي الشديد للفرق الإفريقية وأمنيتي فوز غانا باللقب توقعت قبل انطلاق البطولة في المقال السابق أن يكون هذا المونديال هو الأسوأ في تاريخ القارة السمراء ،وبعد مرور جولتين من الدور الأول واتضاح الصورة تماما تبدو هذه النظرية الأقرب للتحقق بعدما جاءت النتائج مؤسفة لأقصى حد.

فمن بين 12 مباراة خاضتها المنتخبات الإفريقية الستة لم يحصل ممثلو القارة صاحبة الضيافة سوى على سبع نقاط من أصل 36 يمكن جمعها، كما أن أربع منتخبات من الست تحتل المركز الرابع في مجموعاتها مع أمل ضعيف للغاية في بلوغ الدور الثاني.

والسبب وراء هذه النتائج هو مزيج من الصفات "السمكية" إياها، خليط من السذاجة والتراخي والغرور والتكاسل وسوء التقدير معا، وجميعها أسباب يمكن ضمها إلى ما أوضحناه في المقال السابق من كارثة الإدارة الرياضية في إفريقيا.

وإذا بدأنا بمنتخب الإيفواري مثلا باعتباره أقوى فريق إفريقي على مستوى اللاعبين المحترفين، فسنجده وقع في مجموعة تعتبر صورة كربونية لما وقع فيه في مونديال 2006 حينما وقع مع هولندا والأرجنتين وصربيا، وبنفس ترتيب المباريات، فهذا العام لعب أمام البرتغال أولا ثم البرازيل قبل كوريا الشمالية.

مجموعة تضم فريقين مرشحين للفوز باللقب ومعهما فريق ثالث أضعف كثيرا، إذن فالمنطق ودرس 2006 يقولان أن الفوز على أحد الكبيرين يضمن التأهل بصورة كبيرة لأنه يعني ثلاث نقاط ويدفع المواجهة الأخيرة بين البرتغال والبرازيل لأن تصبح حياة أو موت للطرفين.

لكن المنتخب الإيفواري لعب بتثاقل شديد وبأسلوب دفاعي أمام البرتغال ولم يمثل أي خطورة في غياب نجمه الأشهر دروجبا الذي أهدر قبل نهاية اللقاء فرصة لا تضيع من هداف تشيلسي الأول، وبعد اللقاء خرج الإيفواريون سعداء بالنتيجة، ولا أدري ماذا كان سر السعادة؟ وهل شعروا بالسعادة لمواجهة البرازيل وهو فريق حتى منتخب الأرجنتين نفسه -منافسه اللدود- لا يمكن أن يضمن معه أي نتيجة.

تحقق السيناريو المنتظر وفازت البرازيل على الأفيال، لكن في الوقت ذاته كشفت البرتغال عن وجهها الأوروبي الصارم والجاد وأمطرت شباك كوريا الشمالية بسباعية، والسؤال هنا "لماذا سجل البرتغاليون كل هذه الأهداف في الدقائق الأخيرة؟" .. الإجابة هي "لأنهم يعرفون إمكانية خسارتهم أمام البرازيل واللجوء لفارق الأهداف لحسم تأهلهم في حال فوز كوت ديفوار على كوريا" .. باختصار البرتغاليون فريق يعرف ماذا يريد بينما "السمك" الإيفواري قد يتعرض للموقف نفسه 20 مرة دون أن يتعلم.

وكان من الممكن أن تندفع الأفيال فتخسر لقاء البرتغال الأول بالهجمات المرتدة لكن السؤال أيضا "هل استفاد الإيفواريون من التعادل؟"، والسؤال الأهم "ما هو طموح السويدي إريكسون مدرب كوت ديفوار الذي يعلم جيدا أنه سيرحل عقب المونديال؟".

ومن كوت ديفوار إلى غانا حيث لفت الانتباه ذلك الكم الهائل من الفرص التي أضاعها النجوم السوداء أمام أستراليا التي لعبت معظم أوقات المباراة بعشرة لاعبين فقط، من بين هذه الفرص كرة لبرنس تاجو فضل تسديدها بدلا من التمرير إلى زميله أسامواه جيان بعد هدف التعادل، لتتحول المباراة إلى جهود فردية هجومية يقوم بها أبناء غانا دون جدوى ، وهي سمة متكررة في هجوم الفريق الأسمر الذي سجل هدفيه في المونديال بفضل ركلتي جزاء من لمستي يد للاعبي صربيا وأستراليا وليس بسبب أي هجمة منظمة.

ولو راجع منتخب غانا سيناريو مجموعة الكاميرون وألمانيا وأيرلندا والسعودية في مونديال 2002 لعرف نجومه جيدا أن منتخب الماكينات متخصص في حسم المواقف الصعبة، ولا يخشى لاعبوه قوة الأجساد الإفريقية ناهيك عن موهبتهم الكبيرة وبالتالي فإن توقعي الشخصي أن غانا ستندم كثيرا على إهدار فوز سهل على أستراليا والمخاطرة بمواجهة فريق ألماني لا يملك خيار سوى الفوز، كما لا أعتقد أن هناك من لاعبي ألمانيا من سيمسك الكرة في منطقة الجزاء هذه المرة.

ومن السمك الغاني إلى منتخب الجزائر، فالفريق العربي واصل هوايته بتقديم نتائج متذبذبة، وقدم مباراة رائعة أمام إنجلترا انتهت بتعادل كان ممكن أن يتحول إلى فوز في حال دفع مدربه سعدان بمهاجم صريح لتلقي تمريرات زياني ومطمور بعدما تحولا إلى محطة في وسط الملعب.

لكن التساؤل الأهم هو "لماذا لم يقدم الجزائريون ذات المستوى أمام سلوفينيا الأضعف كثيرا ولماذا لم يلعبوا بهذا التركيز؟ هل كان ذلك لأنهم كانوا في غمار فرحتهم بالتأهل للمونديال التي لم تنته وانشغلوا بصبغ شعرهم مثلا؟ .. الجولة المقبلة يواجهون منتخب أمريكا صاحب اللياقة البدنية العالية جدا وهم في حاجة للفوز فقط، ألم يكن الفوز على سلوفينيا كفيلا بضمان صدارة المجموعة؟

أما المأساة الحقيقية فهي منتخب جنوب إفريقيا الهزيل والذي سيكون خروجه من الدور الأول واقعة فريدة في سجلات أصحاب الأرض في المونديال وذلك لعدم وجود جيل من اللاعبين يستطيع تكرار إنجاز كوريا الجنوبية عام 2002 حينما بلغت نصف النهائي وعادت بالمنفعة على آسيا كلها بتخصيص مقعد إضافي للقارة.

أما نيجيريا فقد خسرت بغرابة أمام اليونان بعد تقدمها أولا بهدف بفضل طرد أحد لاعبيها بسذاجة سمكية أيضا، وحتى منتخب الكاميرون مازال يحاول تسجيل الأهداف منذ مباراته مع مصر في كأس إفريقيا الأخيرة، نفس الأخطاء التي يرتكبها لاعبوه منذ عام 1990، إهدار لفرص سهلة مصحوب بدفاع سيء وغياب للتركيز .. ابتسم أنت في إفريقيا حتى لو كان لاعبو منتخب بلادك ينفذون أدوارهم بدقة في أوروبا.

منتخبات أمريكا الجنوبية كلها على وشك الصعود للدور التالي فيما حققت منتخبات آسيا انتصارين مهمي في كل مجموعة الفارق واضح بين جدية الأوروبيين واحترامهم للفرصة، فيما يواصل السمك التقاط الطعم ليصنع من نفسه مائدة عامرة لمنتخبات أوروبا وكل ضيوف المونديال بلا استثناء ويبقى صاحب الأرض محروما من تذوق لذة الاحتفال.

تابعوني على تويتر :

http://twitter.com/nasry

أو على فيس بوك :

http://bit.ly/cW1B4r

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات