كتب : نصري عصمت | الإثنين، 15 نوفمبر 2010 - 08:42

لماذا تسخر نكتة "تبرعات الزمالك" من المصريين جميعا؟

ما أن أعلن المستشار جلال إبراهيم رئيس نادي الزمالك عن فتح حساب بنكي للتبرع لفريقه حتى ثارت عاصفة من السخرية في وجه النادي الأبيض باعتبار أن ما حدث فضيحة للزمالك، لكن في الواقع أن ما فعله سيادة المستشار يفضح الكرة المصرية بكل أنديتها ويفضحنا كمصريين باعتبارنا نحب الضحك على أنفسنا.

وحتى أضع ملامح الصورة كاملة أمام القارئ أود أن أشرك الجميع معي في تجربة جديدة، فخلال وجودي العام الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية سنحت لي الفرصة لحضور مباراتين رياضيتين، الأولى في مدينة لوس أنجلوس في دوري محترفي البيسبول الـ(MLB) والثانية في مدينة نيو جيرزي في دوري كرة السلة الأمريكية (NBA).

بصراحة لم أكن مهتما بأحداث المباراتين بقدر اهتمامي بأجواء الملعبين وبإجابة سؤال "كيف تستطيع الفرق الأمريكية المستقلة تماما عن الحكومة تمويل نفسها وتحقيق أرباح سنوية تتراوح بين 20 و60 مليون دولار رغم أن رواتب لاعبيها هي الأعلى في العالم؟"، والإجابة تكمن في فكرتين.

الفكرة الأولى : حضور مباراة رياضية في الملعب تجربة فريدة وممتعة، بدءا من شراء التذاكر عبر الإنترنت وكل مقعد له رقم وسعر يختلف عن أي مقعد آخر حسب الإقبال على المباراة وشعبية الفريقين المشاركين وحسب موقعه في الملعب وزاوية الرؤية، والدخول من جميع بوابات الملعب، والأمن متخصص وتابع للفريق صاحب الأرض الذي يملك ملعب المباراة ولا يستأجره كما هو الحال في مصر، ويجيد الأمن التعامل مع الجماهير باحترام شديد وبحزم أيضا في حالة ارتكاب مخالفة، وقبل بداية اللقاء وبين الأشواط هناك مواد ترفيهية يتم بثها عبر الشاشات الضخمة ومسابقات وهدايا وهناك استعراضات كوميدية تجرى على أرض الملعب.

كل العوامل السابقة تعني ارتفاع أسعار التذاكر لأن المشجع الذي يحضر المباراة يحصل على خدمة مميزة والأهم أن هناك إقبال شديد من جانب العائلات التي تحضر بكاملها بالإضافة إلى كبار السن والسيدات من مختلف الأعمار وحتى لو خسر الفريق صاحب الأرض يشعر الجميع بقيمة قضائهم يوم ترفيهي لطيف، وبالتالي فحضور المباريات لا يرتبط بالضرورة بنتائج الفريق.

الفكرة الثانية : ملعب المباراة عبارة عن مجمع تجاري ضخم "مول" يتم عرض فيه مئات المنتجات التي تحمل شعار الفريق صاحب الأرض بداية من منطقة ما قبل بوابات الملعب وحتى بائعي المياه والمسليات التابعين للفريق أيضا، أما خلف مدرجات الملعب الكافيتريات تبيع كافة أنواع الوجبات السريعة، لدرجة أن الجمهور يذهب إلى الملعب لتناول الغذاء أو العشاء قبل أو أثناء المباراة، كما توجد محلات تبيع كل ما يخص الفريق ويكفي أن أذكر أن فريق مثل لوس أنجلوس دودجرز يبيع 1048 منتج مختلف يمكنكم التعرف عليها عبر هذا الرابط http://bit.ly/d4T1d1

ولهذا السبب تبيع الفرق الأمريكية تذاكر بعض اللقاءات التي لا تتمتع بإقبال جماهيري كبير بثمن بخس قد يصل إلى دولارين فقط من أجل أن يأتي الجمهور ليشتري ويستهلك البضاعة في الملعب، لدرجة أن بعض أصدقائي اشتروا التذكرة بخمس دولارات وأنفقوا داخل الملعب 30 دولارا في مباراة السلة ! طالعوا صور الملاعب عبر الرابط : http://bit.ly/dgtqU1

والأهم أن غالبية هذه المنتجات خصوصا الأطعمة من النوع الفاخر وتباع بأسعار أعلى من نظيراتها في السوق، والمشجع يدفع بنفس راضية لأنه يحصل على خدمة جيدة ولأنه يعرف أن الدولار الإضافي الذي يدفعه يذهب لتمويل الفريق، وبالطبع فقمصان الفريق مثلا تبدأ من 20 وحتى 70 دولار، والفريق نفسه يتعاقد مع مصانع معظمها في الصين والهند وإندونيسيا ويتمتع بالحماية التجارية التي يوفرها القانون والقائمين عليه لحماية علامته التجارية من التقليد.

ولا تقتصر عملية البيع على الملعب وحده بل يكفي زيارة أي مدينة أمريكية لرؤية منتجات فرقها الرياضية في كل متجر ملابس رياضية وحتى في أي "سوبر ماركت" كبير، بل أن لكل فريق مجموعة متاجر موجودة حول الملعب وفي مقره الرسمي، وهو ما يعني أن الفريق الرياضي هو مصنع وعلامة تجارية تحول شعبيتها إلى بزنس ودخل يتم الصرف منه على اللاعبين وعقودهم الباهظة وما يتبقى يدخل جيب مالك الفريق.

الفكرتان السابقتان لا تطبقان في الولايات المتحدة وحدها بل في كل أندية كرة القدم في أوروبا الغربية تحديدا مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وهولندا واليابان وكوريا الجنوبية وكلها كما لاحظتم دول غنية وتتسبب العوامل السابقة في أن تتحول جماهير الرياضة عموما من غالبية تنتمي إلى شريحة المراهقين والشباب صغير السن إلى شرائح أكبر سنا وتملك القدرة على شراء التذاكر واستهلاك المنتجات وتمويل الأندية.

وبعد هذه الجولة الأمريكية تعالوا لا نعود إلى حالة نادي الزمالك فقط بل نعود إلى كل أنديتنا المصرية ونطبق الفكرتين السابقتين عليها، فسنجد أن البنية الأساسية للرياضة القائمة على الربح غائبة تماما، فتجربة حضور مباراة رياضية في مصر معناها "بهدلة" في كل شيء بدءا من شراء التذاكر لفكرة التعرض للضرب خلال الدخول أو الخروج من "خرم إبرة" وغياب السيدات والعائلات وبوابات تغلق في وجه حاملي التذاكر ومقاعد مكسورة وبلا أرقام، وأمن يعامل المشجعين باعتبارهم أسرى حرب، ويكفي أن أكبر ناديين في مصر لا يملكان ملعبا، ويؤجران استاد القاهرة بقيمة هزيلة أقل مما ينفقه أي عضو في فرح كبير، ولا تملأ جماهيرهما فراغ الملعب إلا في لقاء القمة، وتتساوى معهما كل أندية مصر التي تلعب على ملاعب الدولة كنوع من الدعم.

وعلى مستوى قوانين الرياضة الأندية ممنوعة من التحول إلى كيانات اقتصادية مستقلة تستطيع ممارسة نشاط اقتصادي يدر عليها الدخل كما يفتقر المسئولون عنها إلى أدنى فكرة عن التسويق الرياضي أو مبادئ الإدارة، فهي لا تبيع ولا تشتري وتكتفي بشن حروب ضد بعضها، ولا تملك أي مورد حقيقي سوى عوائد البث التلفزيوني للدوري الممتاز وهي أفضل وسيلة للحصول على دخل في البلدان الفقيرة مثل مصر.

ولذلك فمن حق جلال إبراهيم أن يقول وبأعلى صوت "أجيب منين؟" .. الزمالك "بيشحت" هذا صحيح ولكنه ليس بجديد لأنه كان "يشحت" من ممدوح عباس .. والأهلي لا يختلف كثيرا فمن المعروف أن مجلس إدارته يضم دائما رجال الأعمال العاشقين له لتمويل صفقات اللاعبين وأحيانا دفع مبالغ غير معلنة لترضية بعض اللاعبين، ومنذ 18 شهرا اكتشفت إدارة الفريق أنها لا تستطيع التعاقد مع مدير فني عالمي بديل لجوزيه لغياب التمويل من جانب أحد رجال الأعمال مع علمنا جميعا أن الفريق يملك أكبر قاعدة جماهيرية في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وفي الاتحاد "يشحت" الفريق من محمد مصيلحي، وفي بورسعيد "يشحت" المصري من كامل أبو علي، والإسماعيلي متعثر حاليا وكان "يشحت" أيضا من يحيى الكومي ، أما أندية المؤسسات والشركات فهي "تشحت" منا كلنا لأنها تعتبر إنفاقها من المال العام على لاعبيها ومدربيها إنفاقا على الرياضة المصرية رغم أنها تستطيع إنفاق نفس المبالغ على ملاعب لأبناء الشعب المحرومين من الرياضة في المحافظات أو برعاية الأبطال الأوليمبيين ولأنها لا تحتاج إلى دعاية ولا تبيع منتجات تحتاج لإعلان.

ومن سخرية القدر أن بعض الزمالكوية بل والأهلاوية أيضا استنكروا مبدأ التبرع للزمالك بقولهم "كيف أدفع من قوت أولادي مقابل تجديد عقد شيكابالا وباقي نجوم الكرة؟" دون أن يتساءل أي فرد "أليس من الأفضل توجيه الأموال الخاصة التي ينفقها رجال الأعمال على لاعبي الكرة إلى مشروعات لخدمة الجماهير؟"، وما هو الثمن الذي سيحصل عليه رجل الأعمال مقابل إنفاقه، وهل من المنطقي أن يتسابق الجميع للتعاقد مع نجوم الكرة بالملايين من أجل أن نغيظ بعض بأن فريقينا المفضل فاز بالدوري بينما يدخل أبناء الشعب في اشتباك مع الحكومة بسبب إصرار الأخيرة على تحديد الحد الأدنى للأجور بـ400 جنيه شهريا.

باختصار شديد الكرة المصرية ستظل فاسدة طالما تقوم الدولة والقطاع الخاص بدعمها بالمال ، وطالما ظل اللاعبون يحصلون على الملايين في بلد يعاني من الفقر، وهو ما يجعلهم "يتمرمغون في تراب الأندية المصرية" ويرفضون الاحتراف أو الكفاح في البلدان الأوروبية الأغنى من نظيرتها المصرية بمراحل، واضحك معي يا عزيزي كلما قرأت عن رفض عرض أوروبي للاعب مصري بدعوى أن العرض لا يليق باسم النادي "يا عم انتم لاقيين تاكلوا!".

والحل لمشكلتنا الحالية يتمثل في شقين : الأول أن تعدل الدولة القوانين الحالية لتسمح بإنشاء دوري للمحترفين تستقل فيه فرق الكرة عن الأندية الرياضية ماديا بحيث يسمح لها تنمية مواردها بطريقة ذاتية وهو ما يتفق مع قرارات الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الأخيرة التي طالبت باستقلال الأندية ماديا، ويتم مراجعة ميزانياتها بصورة علنية.

والثاني ألا تتجاوز رواتب اللاعبين حصيلة الدخل الحقيقي الذي تحققه الأندية من خلال عائدات البث التلفزيوني والإعلانات وتأجير المنشآت وتذاكر المباريات ومنتجات النادي، وهو ما سيعني اختفاء العقود المليونية وانخفاض رواتب اللاعبين إلى حدود طبيعية ومنطقية.

وما أن يجد لاعبونا الأفذاذ أن رواتبهم ستنخفض لأن "مفيش أونكل ممدوح" أو "بابا يحيى" أو "شجرة الأهلي التي تظلل علينا بالفلوس" فسيتكالبون على الاحتراف الخارجي في جميع أنحاء أوروبا حيث العملة الصعبة ومستوى المعيشة المرتفع والإنفاق ببذخ على كرة القدم، وهذا هو ما يفعله اللاعبون في الدول النامية مثل مصر كالبرازيل والأرجنيتن وأوروجواي ودول غرب إفريقيا وأوروبا الشرقية مثل ورومانيا وجمهورية التشيك وصربيا وغيرهم.

ببساطة، نكتة المستشار جلال إبراهيم لا تستحق الضحك عليها بل تستحق أن نبكي على أنفسنا أو نضحك من باب الكوميديا السوداء.

تابعوني على تويتر

http://twitter.com/nasry

أو على فيس بوك

http://www.facebook.com/people/Nasry-Esmat/529965924

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات