كتب : أحمد أباظة | الإثنين، 22 يناير 2024 - 19:17

سمعا وطاعة.. لأن كلوب رئيس صلاح وصلاح رئيس أصدقائه رؤساء اتحاد الكرة

صلاح

سألنا جوجل: هل ترك أي قائد منتخب بلاده؟ فبدأ يجيبنا بأخبار اعتزال بعض القادة السابقين للعب الدولي. المسكين لم يفهم السؤال جيدا فأعدناه: هل سبق وأن ترك أي قائد منتخب بلاده خلال اللعب؟ لم يفهم مجددًا.. فأخبرناه صراحة ما نريده: هل سبق وأن ترك قائد منتخب بلاده خلال بطولة مجمعة؟ أتدري ماذا قال؟ نعم.. هي الإجابة التي أتت في ذهنك الآن.

للأمانة بعد أن فرغ محرك البحث من اعتراضه، أهدانا قصة "حادثة سايبان" التي ترجع إلى كأس العالم 2002، ويُطلق عليها هذا الاسم لأن منتخب أيرلندا كان يُعسكر في تلك المدينة اليابانية استعدادا لخوض المونديال. هذه هي الواقعة الوحيدة التي شهدت مغادرة قائد لمنتخب بلاده خلال بطولة دولية ويعرفها جوجل على الأقل.. وربما قد استنتجت أن القائد الذي نتحدث عنه هو روي كين.. هل تصدق هذا؟ روي كين رمز الرجولة الكروية المبالغ فيها يتخلى عن منتخب بلاده قبل كأس العالم؟ بالطبع لا.. لقد طُرد من المعسكر.

في الحقيقة هذه القصة مسلية للغاية.. يمكن تلخيصها بأنها خلاف بين كين ومدربه ميك مكارثي، وكما جرى العرف، في الماضي بالطبع، حين يختلف المدرب ولاعبه فإن النتيجة محسومة سلفا. لم تختلف الأمور كثيرا الآن، فحين يقع صراع مشابه في سنواتنا الـ 10 الأخيرة على وجه التحديد، تظل النتيجة محسومة سلفا في أغلب الحالات، تخيل أن روي فيتوريا دخل في صراع مع محمد صلاح في معسكر منتخب مصر.. تخيلت؟

لنواصل اللعب، روي كين قبل سفره أخبر سير أليكس فيرجسون أنه ذاهب "ليفوز بكأس العالم مع أيرلندا".. كلمات لا تصدر إلا من طموح أو مجنون أو مخمور، وعلى الأرجح روي كان ثلاثتهم.. ولكن الأزمة بدأت لأن القائد يشكو من ظروف المعسكر السيئة، وحجوزات طيران اللاعبين المتواضعة، وهذا ليس مجرد تأفف، لأن أعضاء الاتحاد الأيرلندي كانوا يسافرون في الدرجة الأولى على نفس الطائرة.

شكاوى كين التي صرح بها علنا في حوار صحفي، تضمنت اختيار اتحاد الكرة لمعسكرات المنتخب على أسس مالية، وتعامل أعضائه مع المعسكرات كفرصة للسفر على حساب الاتحاد، ونؤكد أننا هنا نتحدث عن الاتحاد الأيرلندي لكرة القدم وليس نظيره المصري الذي -بالتأكيد- سيأتي دوره.

World Cup stunning moments: Roy Keane walks out on Ireland | Republic of  Ireland | The Guardian

يمكنك تخيل البقية.. وقعت الصحيفة في يد المدرب مكارثي فواجه بها قائده في غرفة الملابس، ليرد روي كين كأي شخص متحضر: "أنت كاذب ومنافق، أنا لا أعترف بك كلاعب أو مدرب أو حتى كشخص، ويمكنك أن تضع كأس العالم..."، نعم، أينما تخيلت بالضبط. أحد لاعبي منتخب أيرلندا حكى في سيرته الذاتية أن هجوم كين على مدربه استمر لمدة 10 دقائق كاملة، وبالتالي لم يجد الرجل مفرا من الخروج في مؤتمر صحفي ليعلن أنه أرسل قائده إلى الديار.

رغم كل ذلك لم يفقد روي كين مكانته في بلاده، وعلى الأرجح أنت لا تتذكر أو لا تعرف -تماما كما كنت أنا أيضا لا أعرف قبل أن أورط جوجل في تلك اللعبة- اسم هذا المدرب أصلا، وإن كنت مواطنا أيرلنديا، ربما ستتذكر أعضاء الاتحاد الأيرلندي في 2002 باعتبارهم الرجال الذين فضح روي كين أمرهم، تماما كما سنتذكر نحن أعضاء اتحادنا الموقر في يوم ما، لولا أنهم يضمون أساطير كروية ستظل أساميهم في الذاكرة، باعتبارهم سحرة الملاعب، وباعتبارهم من يا ليتهم ظلوا في الملاعب.

سنعود إليه لاحقا، فهو بطل الليلة وكل ليلة، ولكن أولا دعونا نعيد ترتيب هذه المنظومة، أو بالأحرى تدرجها الإداري.. على حد علمنا الأمور تسير كالتالي: الجمعية العمومية تنتخب اتحاد الكرة - اتحاد الكرة يختار المدرب - المدرب يختار اللاعبين.. وبناء عليه: الجمعية العمومية تحاسب اتحاد الكرة - اتحاد الكرة يحاسب المدرب - المدرب يحاسب اللاعبين. أعد القراءة مرة أخرى وأخبرني إن كان شيئا واحدا فقط من كل ذلك يحدث هنا.

الجمعية العمومية يتكون غالبيتها من أندية بلا حول ولا قوة، انتخبت أفرادا لم تجد أمامها سواهم أصلا، وهؤلاء الأفراد في زمن قياسي للغاية: هددوا مدربهم الذي قادهم لنهائي أمم إفريقيا بالإقالة مع خسارته لمباراة الافتتاح، ثم أخفوا -أو اختفى منهم ولا حالة منهما تقل سوءا عن الأخرى- خطاب الاتحاد الإفريقي لتحديد ملعب نهائي دوري الأبطال 2022، وقرروا تعيين مدرب مصري للمنتخب لأنهم "جابوا بتاع الماليات من فوق فقالهم معنديش دولارات" ثم أقالوه قبل نهاية توقفه الدولي الأول لأن عضو الاتحاد نفى ما قاله رئيس الاتحاد، واتضح أن "مرة رئيس الاتحاد راح لبتاع الماليات قاله عندك دولارات قاله لأ وهو عنده جوة".

لبعض الوقت، غابت هذه المشاهد عن أعيننا التي شغلتها المسابقات المصرية وأسطورتها الخالدة، حتى حانت اللحظة الأهم: كأس أمم إفريقيا. لقد كنا قريبين للغاية في النسخة الماضية، وقائد المنتخب المفدى يهاجمنا كجماهير ويطالبنا بالمزيد من الدعم، قائد المنتخب بطل موقعة 2019 التي بالكاد غفرناها. قائد المنتخب الذي التزم بكافة حقوق الصداقة المتعارف عليها ليستعدي شعبا بأكمله ضد فريقه الوطني.

لا بأس، كقائد يجب أن تدعم لاعبيك بكل الحزم، يجب أن تزجر الناس وترمقهم بنظراتك الثاقبة قبل أن تعيدك جنوب إفريقيا إلى ليفربول سريعا، وتعيد صديقك وصديق كل من دبت فيها الروح وحملت تاء التأنيث إلى اليونان، أو قبرص، أو أيا كان الأستروميثيوس الذي يلعب له، وبينما يواصل هو مغامراته لن يمكنك أنت أن تحافظ على هذا الموقف الصارم الذي تظاهرت به أمام المصريين البسطاء، بل سيتحول إلى "الإيمان بالفرصة الثانية وعلاج اللاعب وتأهيله نفسيا"، ليس لأنك راجعت نفسك لا سمح الله، فأنت تعرف ونحن نعرف والكل يعرف أن الغرب لن يرحمك إن حاولت الدفاع عن متهم بالتحرش.. وللمفارقة هو نفسه من رد عليك بكل جرأة "يمكنك قول ما تشاء ولكني لست بحاجة لعلاج".. هل أغضبك حينها يا محمد؟ لا يحق لك أصلا.. أنت من جرأته علينا يا رجل.

المهم، وبصرف النظر تماما عن اتحاد الكرة الحالي، هذا الموقف كان واضحا للغاية فيما يتعلق بالترتيب الإداري لمنظومة الكرة المصرية: هناك محمد صلاح، ثم أصدقاء محمد صلاح، ثم اتحاد الكرة ثم المدرب الذي كان وبكل وضوح رجل مكسيكي يريد بعض دولارات "بتاع الماليات" وسيرحل في هدوء، دون أن تعنيه على الإطلاق كل هذه الصراعات الفئوية التافهة.

ولكن المجلس تغير، ربما يتغير معه الترتيب؟ لنرى.. بعد أن تعادل المنتخب بشكل مخيب للغاية أمام موزمبيق، خرج نائب رئيس اتحاد الكرة ليقولها على الهواء مباشرة: "اللاعبون قصروا في المباراة".. في الظروف الطبيعية سيخرج قائد المنتخب في المؤتمر الصحفي التالي ليعترف بالتقصير ويعد الجماهير بالأفضل، لقد تعادلتم مع موزمبيق يا رجال هل نحتاج حتى إلى البحث عن تصنيفها في فيفا؟ ولكن وكأي منظومة كروية طبيعية، خرج نائب رئيس الاتحاد في اليوم التالي لينفي عن اللاعبين أي تقصير.

حسنا، الترتيب لا يزال كما هو نوعا ما.. هناك محمد صلاح الغاضب، وأصدقاء محمد صلاح الغاضبين، ثم اتحاد الكرة، ثم المدرب الذي سنتركه لأهل التحليل، هل هناك أي تعديل آخر؟ نعم، هناك يورجن كلوب.

تماما كما قرأت.. مدرب ليفربول يفوق كل هؤلاء قوة، وأولهم ذاك المتخاذل الذي يطيح فينا يمينا ويسارا فقط لأنه أنجح لاعب في تاريخ هذا البلد، وأكرر، في تاريخ البلد وليس المنتخب. لم يعُد الأمر يقبل أي مواربات، ولم يكُن هناك ما هو أجمل من تلك الصدفة.. صدفة أن ينتشر في الساعات الأولى من صباح الأحد فيديو لأحمد حسام ميدو وهو يروي كيف كان حسام حسن يسب قدمه -حرفيا- لأنه يريد اللعب بينما جرؤت تلك اللعينة أن تُصاب بشرخ، ثم ينتشر في الساعات الأخيرة من مساء اليوم ذاته خبر سفر "القائد" بعد مباراة كاب فيردي ليتعالج في إنجلترا تاركا المنتخب وراءه في كوت ديفوار.

اللعنة، اللعنة حقا.. هذا هو نفس القائد الذي كان جالسا في المؤتمر الصحفي بين هذه الواقعة وتلك ليعيد على مسامعنا حديث العقلية الشهير، ويخبرنا أن "اللاعبون يحتاجون دعم الجماهير" وهو يعلم مسبقا أنه سيترك هذا الفريق في المساء التالي، ماذا عن دعمك أنت يا عمنا؟ يا قائد.. يا قدوة.. يا أيقونة العقلية ماذا عنك؟ "هناك لاعبون صغار يلعبون مع المنتخب لأول مرة وقد يتأثرون بضغط الانتقادات".. ألم تكن هذه شكواك في ذات المؤتمر؟ هل تدرك ماذا علمتهم لتوك أيها الفولاذي الذي لا يلقي بالا للانتقادات؟

دعك تماما من الترتيب الإداري الآن، لنحاول على الأقل أن نرتب أحداث مجرد 3 ساعات أولا.. خرج يورجن كلوب بعد مباراة ليفربول ليكشف أن هناك خطة لاستعادة صلاح حتى يتلقى العلاج في ليفربول، لأن كوت ديفوار كما قال الرجل الألماني المتعجرف نصا "بلد جميل ولكنه مشغول بالاعتناء باللاعبين المشاركين في البطولة بالفعل"، ولأن هذا المتعالي يخاف على صلاح بسبب عدم وجود شخص من ليفربول ليعتني به. لدينا طبيب يا سيدي الفاضل.. لدينا طبيب اسمه محمد أبو العلا، خريج كلية الطب ويزاول المهنة بدوام كامل وعضوية النقابة، وعلى حد علمنا فإن الرجل لم يقُل إن تقنيات العلاج في كوت ديفوار لا تناسب إصابة بخطورة وتعقيد.... مجرد شد لعين في العضلة الخلفية.

وصلت تصريحات كلوب للإعلام المصري، فأيقظوا الحاج محمد أبو الوفا عضو مجلس إدارة الاتحاد، ولعلك لاحظت أنه الوحيد الذي ذكرت اسمه، فهو رجل طيب للغاية، عرفناه حين كان مرتضى منصور يحذر الجميع من أن "يا بيه هتحصل كارثة"، وأذاعوا خبر استقالته ذات مرة من اتحاد الكرة وهو يحضر حفل زفاف، وربما اتصلوا به لأنه تقريبا الوحيد الذي يرد على هاتفه.

استيقظ الرجل مفزوعا لأنه "كان يسمع بخروج صلاح من معسكر المنتخب للمرة الأولى"، هذه ليست مزحة، هؤلاء الناس لا يتحدثون مع بعضهم البعض جديا ولا يخرج سوى طيبهم للتورط مع الإعلام، وبالتالي اكتفى أبو الوفا بالتأكيد "إذا صدر بيان من اتحاد الكرة فالأمر صحيح"

وبعد لحظات الـ "يا إلهي ماذا نفعل" المعتادة كلما تورطت منظومتنا الرشيدة في كواليس معيبة تظهر للعلن، صدر البيان المخزي بالفعل، تتبعه رواية مهلهلة على لسان مصدر: "الاتفاق مع ليفربول كان الإعلان عن مغادرة صلاح للمعسكر بعد مباراة كاب فيردي ولكن فوجئنا أن كلوب أعلن الأمر".. لم يكن الأمر خطأنا، لقد اتفقنا وتعرفون ماذا نقول عن "الراجع" في مصر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لنعُد إلى الوراء قليلا، ألم يكن من المفترض أن صلاح يتم تجهيزه لخوض ربع النهائي أو حتى نصف النهائي إن أمكن؟ لماذا قال هذا "الراجع في اتفاقه" إنه سيمن علينا بإعادته إلينا إن تأهلنا إلى النهائي؟ سيد كلوب نعرف أننا على الأرجح لن نصل إلى النهائي، نعرف ذلك جيدا، ونعرف أنك كتمت الضحكة بصعوبة وأنت تقولها في المؤتمر، تماما كما نعرف أنك أحد أفضل المدربين في العالم بل ربما في تاريخ اللعبة، ولكن من قال لك أن من حقك أخذ صلاح أصلا؟

اللوائح في صفنا 100%، من يخسر صراعا كهذا أو يتورط في اتفاق معيب ومشين واعتراف مسبق إما بعدم قدرتنا على بلوغ النهائي وإما بعدم حاجتنا إلى قائد المنتخب وأفضل وأهم لاعبيه إلا إذا وصلنا إلى النهائي؟ وإذا وصلنا للنهائي بدونه فما حاجتنا له أصلا؟ تماما كما قال أحمد حسن، فلم يكن هناك ختام أجمل لاجتماع كل الصدف سالفة الذكر، سوى أن يكون قائد تاريخي لمنتخب مصر وآخر قائد يرفع كأسا في هذه البلاد، يقدم برنامجه في نفس لحظة توافد تلك الأخبار الجنونية على مسامعنا تباعا.. ويا لحسن الحظ أن حسام حسن لم يكن على الشاشة في ذلك الوقت، فبينما فضح ميدو ما كان يقوله نصا لقدمه المصابة التي لم ترتكب أي خطأ، هل يمكنك أن تتخيل ماذا قد يقول لصلاح الآن؟

كما اتفقنا للتو، اللوائح وكل شيء في صفنا، ولكن المشكلة كلها تكمن في الترتيب الإداري لتلك التي يسمونها منظومة، زورا وبهتانا بالطبع وأتحدى من يريد أن يجادل. كلوب ببساطة هيمن على هذا الصراع لأنه رئيس صلاح، الذي هو رئيس أصدقائه، الذين هم رؤساء اتحاد الكرة، الذي هو رئيس المدرب، الذي سنراه يتصبب عرقا في عرض مستمر أيا كانت النتيجة.

ببساطة، صلاح كان على حق منذ أول مرة وحتى اليوم.. هناك مشكلة في العقلية المصرية، نحن لا نعارضك إطلاقا بل نؤيدك أتم التأييد، ولكن رجاء لا تستخف بعقولنا، فأنت أول وأكثر المستفيدين منها حين تعود إلى هنا. أنت أول من يعاود اعتناقها بمجرد أن تطأ قدميك مطار القاهرة اللهم إلا فيما يتعلق بالنظام الغذائي، ولولا تلك العقلية لما نلت هذه الحصانة بناء على إنجازاتك الخارقة للعادة في الدوري الإنجليزي، ولولاها لما شهدنا تلك المهزلة غير المسبوقة وكأننا لا نملك ما يكفينا من المهازل، فلو كان في هذه المنظومة رجل واحد يتحلى بالعقلية التي تتشدق بها ما كان ذلك ليصبح في صالحك أبدا.

شكرا أيها القائد، وأتمنى كمجرد مواطن مصري عادي للغاية لا يزعم امتلاكه لهذه العقلية إطلاقا، ألا أراك بهذا القميص مرة أخرى.

التعليقات