أبو تريكة 22 - (3) العمل في مصنع الطوب ومهنة والدي

الأربعاء، 09 نوفمبر 2016 - 11:51

كتب : عمرو عبد المنعم

محمد أبو تريكة

في مرحلة الطفولة كنت أذهب للعمل في فصل الصيف وبعد انتهاء العام الدراسي مثلي مثل معظم أبناء الأسر المصرية الفقيرة والمتوسطة من أجل كسب المال وتدبير مصروفي اليومي.

كان جميع الأطفال في هذا السن يذهبون للعمل في فصل الصيف، وعملت من سن 12 إلى 14 سنة وفي أكثر من مجال لتوفير احتياجاتي الخاصة وتوفير بعض النقود للمساهمة في مصروفات العام الدراسي الجديد.

يستمر معكم FilGoal.com في تقديم سلسلة أنا محمد أبو تريكة.. وهذه الحلقة الثالثة.

أبو تريكة 22 - (1) رهان ابن عمي.. وقصة حذاء "باتا"

أبو تريكة 22 - (2) وفاة أخي.. وتهديد بالقتل

كل ما يلي يرد على لسان أبو تريكة، ينقله FilGoal.com من أرشيف حوارات قديس الكرة المصرية.

هذه المرة كنت أعمل في مصنع للطوب وفي بداية عملي هناك كنت مسؤول عن تنظيف أرضية المصنع "كنس الأرضية" من الحصى المتناثر من الطوب والرمال والأسمنت حتى يأتي العمال في اليوم الثاني ويضعون الطوب على الأرض النظيفة.

أمي أعطتني ملابس قديمة لأرتديها أثناء العمل وبعد نهاية اليوم استبدلها بملابسي العادية وأتركها في المصنع، ومع نهاية كل أسبوع أحضرها للمنزل حتى يتم تنظيفها.

العمل في المصنع كان يبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة، استيقظ من النوم مبكرا وبعد الصلاة أذهب لأتناول وجبة الإفطار وأتوجه للمصنع، وينتهي العمل بعد صلاة المغرب، كانت فترة طويلة تصيبني بالإرهاق الشديد والتعب لذلك كنت أعود للمنزل أصلي المغرب وأتناول وجبة العشاء وأذهب للنوم.

بعض الأيام في العمل كنت أحضر معي وجبة الغداء لأتناولها خلال فترة الراحة بالمصنع.

كان هذا العمل في البداية يناسبني نظرا لأنه غير مرهق لسني الصغير مثل باقي الأعمال في المصنع لكن عدد الساعات كان كثيرا.

بعد ذلك تطور عملي لأكون مسؤول عن إحضار الأسمنت والذهاب به إلى الماكينة التي تصنع الطوب.

تطور الأمر في عملي بمصنع الطوب إلى أكثر من ذلك وكنت مسؤول عن وضع مكونات الطوب "بودرة وحصى ورمل وأسمنت" وتقليبهم بـ"الكوريك" وهذه العملية كان اسمها "تقليب على الناشف".

هذه المرحلة كانت الأكثر مشقة وإجهاد بالنسبة لي نظرا لأنني كنت أظل طوال اليوم في ذلك حتى لا يجف هذا الخليط، وهذا العمل ساعدني كثيرا في تقوية عضلات جسمي وإعداد بدني بشكل جيد، لأن هذا العمل كان أشقى وأصعب من أي تدريب مررت به في حياتي.

في ثالث سنواتي بالعمل في مصنع الطوب أصبحت مسوؤلا عن "البراويطة" وهو عبارة عن مكان يدخل به الخليط السابق من الأسمنت والرمل ويتم تقليبه ثم يصب في قوالب ليخرج منها الطوب بشكله النهائي.

إحدى المرات حاولت التعلق بالسيارة الخاصة بنقل الطوب من الخلف "شقاوة أطفال" دون علم السائق، ومن سوء حظي أن السيارة كانت ترجع للخلف واصطدمت بالحائط وهنا تعرضت ساقي للكسر.

أخذني أحمد شقيقي رحمه الله إلى مستشفى أم المصريين ولم يخبر أبي وأمي، وأصر الأطباء على احتجازي في المستشفى لمدة شهر لأن الكسر كان مضاعف.

وقتها أخفى أحمد على أبي وأمي الذي حدث أخبرهم أنني متواجد في معسكر داخلي مع النادي يستمر لمدة شهر.

حكمة والدي

أما والدي كان يعمل جنايني ولم أكن غاضبا أبدا من عمله، وتحدث البعض معي كثيرا حول بقائه في العمل رغم تقدمه في السن وأنه أصبح غير قادر على بذل هذا المجهود الكبير.

كنت دائم التناقش معه ومع أشقائي في هذا الأمر ليجلس من العمل ويرتاح قليلا بعد سنوات الشقاء التي قضاها من أجلنا، لكنه حتى بعد خروجه على المعاش استمر في العمل وكان يقول لي بشكل دائم "الإيد البطالة نجسة".

أبي لم يفكر لحظة في البقاء بالمنزل دون عمل رغم تقدمه بالسن ومعاناته من بعض الأزمات الصحية، لكنه يعتبر أن العمل جزء أساسي من حياته لا يمكن التفريط فيه، وأن العمل شرف للشخص مهما كان نوع العمل.

حاولت أكثر من مرة مع أخواتي أن نقنعه بالراحة لكنه رفض، وفي كل مرة كنا نزداد فخر به ونعتز بعمله وعزيمته وإرادته القوية، كنت دائما أراه في صورة البطل الذي تحمل الصعاب والأزمات ليربي أولاده ويعملنا حتى نصل إلى مراحل تعليمية جيدة.

لهذا أعتبر أبي مثلي الأعلى وقدوتي في الحياة.

التعليقات