أمم إفريقيا - الجزائر.. هل تُكسر لعنة 2019؟

الجمعة، 19 ديسمبر 2025 - 00:08

كتب : FilGoal

تقرير المباراة

منذ أن اعتلى منتخب الجزائر عرش القارة الإفريقية صيف 2019 في القاهرة، وهو يعيش مفارقة غريبة بين المجد والانكسار.

لقب تاريخي أعاد محاربي الصحراء إلى واجهة الكرة الإفريقية، لكنه في الوقت ذاته فتح بابًا لمرحلة معقدة، وُصفت لاحقا بلعنة بطل إفريقيا، حيث تعثّر الخضر في محطات مفصلية، وابتعد عن بريقه المعتاد.

وذلك قبل أن يبدأ مؤخرًا رحلة استعادة التوازن مع المدرب السويسري فلاديمير بيتكوفيتش.

فما الذي حدث للجزائر بعد تتويج 2019؟ وكيف تحوّل الإنجاز إلى عبء ثقيل؟

وكيف نجح بيتكوفيتش في إعادة بناء المنتخب الجزائري وقيادته نحو التأهل إلى كأس العالم؟

والأهم.. هل ينجح منتخب الجزائر في كسر لعنة بطل أمم إفريقيا واستعادة هيبته القارية؟

2019… المجد الذي غيّر كل شيء

دخل منتخب الجزائر كأس أمم إفريقيا 2019 دون ضغوط كبيرة، لكنه خرج منها بإنجاز استثنائي. تحت قيادة جمال بلماضي، قدّمت الجزائر واحدًا من أفضل مستوياتها في تاريخها الكروي تميزت بعدة أشياء، شخصية قوية، تنظيم تكتيكي صارم، ونجوم في أوج عطائهم، على رأسهم رياض محرز وسفيان فيجولي وإسماعيل بن ناصر.

لم تخسر الجزائر أي مباراة، وهزمت منتخبات قوية مثل نيجيريا والسنغال، قبل أن تتوّج باللقب الثاني في تاريخها.

بدا حينها أن الجزائر مقبلة على حقبة ذهبية طويلة، لكن كرة القدم نادرًا ما تسير وفق التوقعات.

من القمة إلى السقوط.. بداية اللعنة

بعد التتويج، دخل المنتخب الجزائري مرحلة من الرضا المفرط. استمر بلماضي في الاعتماد على نفس المجموعة تقريبًا، بنفس الأفكار، صحيح أن النتائج الإيجابية استمرت لفترة، وتحديدًا في تصفيات كأس العالم 2022، لكن بوادر التراجع بدأت تظهر مبكرًا.

بلغت الأزمة ذروتها في كأس أمم إفريقيا 2021 بالكاميرون، حيث خرجت الجزائر من الدور الأول دون أي فوز، في صدمة مدوية لجماهيرها.

سقط حامل اللقب بشكل مذري، وبدا المنتخب الجزائري فاقدا للروح والشجاعة.

ولم تكن تلك مجرد كبوة عابرة، بل امتد التراجع إلى إخفاق مؤلم في تصفيات كأس العالم 2022، عندما ضاعت بطاقة العبور في اللحظات الأخيرة أمام الكاميرون، بهدف قاتل في ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة.

تلك الليلة التي شكلت جرحًا عميقا في الذاكرة الجماعية للكرة الجزائرية.

جمال بلماضي.. نهاية مرحلة

رغم الإنجاز التاريخي، تحوّل جمال بلماضي تدريجيًا إلى جزء من المشكلة. إصراره على الأسماء ذاتها، صدامه المتكرر مع الإعلام، وتراجع قدرته على تجديد الأفكار، جعلت مشروعه يصل إلى طريق مسدود.

وجاءت كأس أمم إفريقيا 2023 في كوت ديفوار لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث ودّعت الجزائر البطولة من الدور الأول مجددًا، في سيناريو مكرر ومؤلم.

عندها، أصبح رحيل بلماضي حتميا، لتنتهي واحدة من أكثر الفترات جدلًا في تاريخ المنتخب الجزائري.

بيتكوفيتش.. هدوء سويسري لإصلاح ما أُفسد

عندما عيّن الاتحاد الجزائري المدرب السويسري فلاديمير بيتكوفيتش، قوبل القرار بتشكيك واسع. مدرب أوروبي، لا يعرف خبايا الكرة الإفريقية، ويأتي بعد مدرب حقق لقبًا تاريخيًا، المهمة بدت شبه مستحيلة.

لكن بيتكوفيتش اختار طريقًا مختلفًا، فقد خفّف من الضغوط الإعلامية، وأعاد الانضباط داخل صفوف اللاعبين، فتح الباب أمام أسماء جديدة، وعدل طريقة اللعب بما يناسب الإمكانات الحالية.

لم يسعَ السويسري إلى هدم كل شيء، بل إلى إعادة التوازن. حافظ على بعض الركائز مثل رياض محرز، لكنه في المقابل منح الفرصة لعناصر شابة وأعاد الاعتبار للاعبين تراجع دورهم في عهد بلماضي.

تأهل مستحق لكأس العالم.. وعودة الثقة

الاختبار الحقيقي لبيتكوفيتش كان في تصفيات كأس العالم 2026. هناك، ظهر منتخب جزائري مختلف، أكثر واقعية، أكثر مرونة تكتيكية، أقل اندفاعا وأكثر تركيزا.

نجحت الجزائر في حسم تأهلها بجدارة، مستفيدة من صلابة دفاعية أفضل، وتنويع في الحلول الهجومية، ووضوح في الأدوار داخل الملعب. لم يكن الأداء مثاليًا، لكنه كان فعالا، والأهم أنه أعاد الثقة للاعبين والجماهير معًا.

هذا التأهل لم يكن مجرد إنجاز كروي، بل إعلانا رسميا بأن الجزائر خرجت من نفق السنوات السوداء، وبدأت صفحة جديدة.

هل تُكسر لعنة بطل إفريقيا؟

تاريخ كأس أمم إفريقيا مليء بالأمثلة عن أبطال فشلوا في الدفاع عن لقبهم أو سقطوا مباشرة بعد التتويج. الجزائر ليست استثناءً، لكنها اليوم أمام فرصة حقيقية لكسر هذه القاعدة.

ربما تكون الفوارق الجوهرية تتمثل، في تغيير العقلية، فالمنتخب الجزائري لم يعد يعيش على أمجاد 2019.

وتجديد الدماء بالأسماء الجديدة التي فرضت نفسها، وأبرزهم محمد أمين عمورة مهاجم فولفسبورج الذي أصبح هدافا للفريق في العامين الأخيرين رغم قصر قامته.

بالإضافة إلى أن المدرب الأجنبي يعمل بعقل بارد، بعيدًا عن الحسابات الجماهيرية.

بيتكوفيتش مدرب واقعي لا يتحدث عن حتمية الفوز بلقب أمم إفريقيا، بل عن مشروع تدريجي.

وإذا نجحت الجزائر في الجمع بين خبرة الماضي وطموح الحاضر، فإنها قادرة ليس فقط على كسر لعنة بطل إفريقيا، بل على العودة إلى الصف الأول قاريا وعالميا.

مر منتخب الجزائر بمرحلة معقدة بعد تتويج 2019، تحوّل فيها المجد إلى عبء، والإنجاز إلى لعنة.

سقط المنتخب وتاه، ثم أعاد اكتشاف نفسه. واليوم مع بيتكوفيتش تبدو الجزائر أكثر هدوءًا، أكثر واقعية، وأكثر استعدادا للمستقبل.

وتبدو المؤشرات إيجابية. وبين ماض ثقيل وحاضر متوازن، يبقى السؤال هل تكون النسخة المقبلة بداية كسر اللعنة؟ أم فصلا جديدا من الفشل؟.. الجواب ستكتبه الجزائر فوق أرضية الملعب.

التعليقات
/articles/519465/أمم-إفريقيا-الجزائر-هل-ت-كسر-لعنة-2019