خطب تيد لاسو النارية.. كيف تسير الأمور في واقع كرة القدم؟

الخميس، 07 ديسمبر 2023 - 14:55

كتب : محمد السيد حجر

تيد لاسو

مقطع شهير على منصة "يوتيوب" لمدرب يقف في منتصف غرفة تغيير الملابس، ويلتف حوله لاعبيه، يُلقي عليهم بعض الكلمات الحماسية، التي كان لها مفعول السحر عليهم، لينزل هؤلاء اللاعبين لأرضية الميدان ويأكلون الأخضر واليابس.

هذا الرجل يُدعى تيد لاسو، بطل أحد المسلسلات الأمريكية الشهيرة، والتي تحمل نفس اسمه، وتدور أحداثها عن مدرب كرة قدم أمريكية، تسوقه الصدفة البحتة لتولي قيادة فريق كرة قدم، في أقوى بطولات العالم -الدوري الإنجليزي الممتاز-.

المعطيات التي نمتلكها رجل يبرع في تدريب كرة القدم الأمريكية، ولا يعرف شئ عن عالم كرة القدم، وربما لم يشاهد ولا مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز من قبل، وإذا سألناك الآن إذا حدثت هذه القصة في الحقيقة، هل تتوقع أن ينجح تيد؟

قبل أن تجاوب دعنا نأخذك إلى منطقة فرعية بعيدة عن إجابة السؤال، لكنها ربما تؤثر على قرارك في النهاية.

عشرون خطاب حماسي بإمكانهم إثارة حميتك

في كأس العالم الماضية، وبالتحديد في مباراة منتخبي الأرجنتين والسعودية، وبينما كانت تشير مجريات اللقاء إلى فوزٍ سهل لرفقاء ميسي بعدما انتهت نتيجة الشوط الأول بتقدمهم بهدف مقابل لاشئ، مع إلغاء ثلاثة أهداف أخرى بداعي التسلل، عاد المنتخب السعودي ليقدم شوطًا ثانيًا مثاليًا، ويقلب تأخره بفوزٍ بهدفين مقابل هدف.

ما السبب وراء هذا التغير المفاجئ في أداء المنتخب السعودي؟

الإجابة كانت في مقطع فيديو نُشر على حساب المنتخب السعودي الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي- تويتر- يظهر فيه هيرفي رينار أثناء إلقاء خطبة حماسية على اللاعبين، كان من شأنها تغيير نتيجة اللقاء.

المدرب التاريخي للمنتخب المصري حسن شحاتة، الحائز على ثلاثة ألقاب متتالية لأمم إفريقيا رفقة الفراعنة، كان قد تحدث عن استخدامه ذات مرة لأغنية شيرين عبدالوهاب "مشربتش من نيلها" لتحفيز اللاعبين قبل نهائي أمم أفريقيا أمام الكاميرون عام 2008، ويعتقد أنها كانت سببًا في إلهام اللاعبين للفوز بعد ذلك.

في لُعبة كرة اليد مثلاً، يُوجد ما يُعرف بقانون الوقت المستقطع، والذي يمنح المدرب فرصة التحدث مع اللاعبين لمدة 60 ثانية لثلاث مرات خلال المباراة الواحدة، قد تتضمن هذه الأحاديث تعليمات فنية من المدرب، وقد تشتمل على بعض الكلمات الحماسية التي من شأنها شحذ همم اللاعبين.

عشرون خطاب حماسي بإمكانهم إثارة حميتك، هو عنوان لأحد المقالات المنشورة في موقع "Bleacherreport"، عن عدة خطابات حماسية كان من شأنها تغيير نتائج مباريات في رياضات مختلفة، مثل الهوكي وكرة القدم والسلة وغيرها.

وسؤالنا الآن، هل من الممكن أن تُغير كلمة نتيجة مباراة؟

أتعرف ما معنى الكلمة؟

"الكلمة نور وبعض الكلمات قبور. بعض الكلمات قلاع شامخات يعتصم بها النبل البشري. الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي."

لطالما كان الحديث عن أهمية الكلمة وتأثيرها محط أنظار الأدباء والشعراء في مختلف العصور.

تعود الكلمات الماضية للكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحية " الحسين ثائرًا"، عن أهمية الكلمة ودورها في حياة البشر.

في قاموس أوكسفورد الإنجليزي يُعرَّف الإلهام بأنه بمثابة تسريب فكرة ما لشخص أو لمجموعة أشخاص في عقلهم الباطن؛ أو هو اقتراح وخلق شعور ما داخل قلوب من يتم إلهامهم ”.

يتفق علماء الطب وخبراء الأنشطة البدنية مع ذلك مستندين لأهمية الصحة النفسية ودورها على النشاط البدني للبشر، وتحديدًا للرياضيين.

في بحثٍ أُجري في جامعة آزار في طهران على 168 طالب في جامعات التربية الرياضية، عن تأثير الخطب الحماسية على المجهود البدني الذي يقوم به هؤلاء الطلاب سواء في التمارين أو المباريات الخاصة بالرياضات التي يشاركون بها، أشارت النتائج إلى أنه كلما زاد عدد سنوات خبرة هؤلاء اللاعبين، كلما زاد تأثرهم بالخطب الحماسية.

وجاءت النتائج كالتالي:

من لديهم خبرة 1-3 سنوات في الرياضة كانت نسبة تأثرهم 14.9%، ومن 8-11 سنة كانت نسبة تأثرهم 15.5%، ومن 12- 15 سنة 23.8%.

وفي دراسة أخرى بعنوان " تأثير الخطب الحماسية في إلهام الرياضيين" أجراها كلٌ من "ستيفن ب. جونزاليس وجوناثان إن. ميتزلر وماريا نيوتن" أساتذة علم النفس الرياضي في جامعة يوتا، قسم العلوم الرياضية بالولايات المتحدة، على 151 لاعب كرة قدم جامعي من القسم الأول في جامعات المنطقة الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة، عن تأثير إلهام الخطب والكلمات الحماسية على أدائهم الرياضي، كانت النتائج إيجابية بمقدار 93%.

استروس يخبرك أن البيانات وحدها لا تكفي

يعرف عشاق لعبة البيسبول أهمية علم البيانات ودوره الرئيسي في صنع بطل لبطولة ما؛ إذا ما استُخدم بطريقة صحيحة. يُتحدث "جيف لونو" المدير العام لفريق البيسبول "هويستون استروس" الأمريكي، وبطل العالم عام 2017، أنه في خضم إنشاء فريقه لم تكن البيانات وحدها كافية لصنع بطل.

يذكر جيف أن البيانات مكنت فريقه من وضع كل لاعب في مكانه المناسب داخل الملعب، لكنهم افتقدوا إلى الرابط الذي يجمع هؤلاء اللاعبين بعضهم بعضًا؛ لذا قرر جيف أن يتعاقد مع ثلاثة لاعبين مخضرمين بتكلفة بلغت 70 مليون دولار، ليس لمساعدة الفريق داخل الملعب فقط، وإنما لدورهم كقادة وموجهين للاعبين الأصغر سنًا.

أُطلق على اللاعبين الثلاثة اسم "نبض القلب" للفريق، حيث استخدموا ما يسميه الأكاديميون "الإقناع اللفظي" لضخ الطاقة والحماس في زملائهم في الفريق.

على سبيل المثال، لم يصل استروس تقريبًا إلى نهائي بطولة العالم. لقد خسروا ثلاث مرات متتالية أمام "نيويورك يانكيز" في سلسلة بطولة الدوري الأمريكية وكانوا على بعد مباراة واحدة من الإقصاء. بعد الخسارة الثالثة، وقف كارلوس بيلتران، أحد اللاعبين المخضرمين، وألقى "خطابًا حماسيًا" ذكّر اللاعبين بقدراتهم وأعاد تنشيط حافزهم.

قال أحد اللاعبين: "كنت أعلم أننا سنعود ونقوم بأشياء خاصة."

Houston Astros Win World Series - The New York Times

طبقًا لما ذكرته مجلة "فوربس" الأمريكية لم تكن قصة هيوستن استروس لعام 2017 مفاجأة بالنسبة "لتيفاني فارجاس"، أستاذة علم النفس الرياضي في جامعة ولاية كال، تخبرنا فارغاس حول قوة الكلام لرفع الكفاءة الذاتية للشخص، فالكفاءة الذاتية هي الإيمان بنفسك.

أظهرت نتائج البحث الذي أجرته فارغاس أن الرياضيين الذين تعرضوا لخطاب مشحون عاطفياً قبل المباراة حققوا أعلى درجات الفعالية مقارنة بأولئك الذين تعرضوا لخطابات أخرى.

لكن السؤال الآن إذا كانت الخطابات الحماسية بهذا القدر من التأثير على الرياضيين، لم لا يستعملها كل المدربين؟

أحدهم يحب الراب والآخر يعشق الهيب هوب

ليس هناك شك في أن الخطب الحماسية يمكن أن تؤثر على السلوك الشخصي. كان لدى ونستون تشرشل وجون كينيدي وباراك أوباما وأبراهام لنكولن ومارجريت تاتشر القدرة على التأثير في السياسة العامة من خلال خطابهم الشخصي. لكن بالنسبة لكل من هؤلاء القادة، كان خطابهم مصحوبًا بالحسم والخبرة السياسية والإرادة الشخصية.

يجب أن يكون الهدف من أي نشاط مسبق هو مساعدة الرياضي على الاستعداد للمنافسة. من المؤكد أن التحفيز والتفعيل عنصران مهمان في هذا الإعداد يجب على المدربين الناجحين التفكير في أفضل طريقة لمساعدة الرياضيين على الاستعداد.

من المحتمل أيضًا أننا جميعًا مررنا بتجربة الشعور بالحماس والإثارة بعد سماع خطاب إيجابي. سواء في العمل أو قبل المباراة أو خلال الأوقات الشخصية الصعبة، يمكن للجميع تقريبًا أن يتذكروا الوقت الذي سمعوا فيه خطابًا وغادروا وهم منتشين بالشعور بالحماس. هذا رائع، لكن هل هو مستدام؟ إلى متى يستمر هذا الشعور، وما هو تأثيره على الأداء؟ هي أسئلة يجب على المدربين الإجابة عليها.

يتحدث عالم النفس التربوي "ألفي كون" عما يسميه "مشكلة المديح". وهو يقدم الحجة القائلة بأن المديح والدافع الخارجي "يقودان بشكل فعال الدافع الداخلي الذي يقود الناس إلى بذل قصارى جهدهم". يقدم أمثلة لطلاب الصف الخامس والسادس في احد جامعات المملكة المتحدة الذين طُلب منهم العمل في مهمة تتطلب منهم أن يكونوا مبدعين.

وُجد أن الطلاب الذين تم الإشادة بهم لم يؤدوا أداءً جيدًا مثل زملائهم الذين تلقوا تعليقات أكثر حيادية من معلمهم. ما هو أكثر إثارة للاهتمام، هو أن الطلاب الذين تم الإشادة بهم شهدوا انخفاضًا في أدائهم في مهام مماثلة قبل أن يتم الإشادة بهم.

كرر الباحثون تجربتهم مع طلاب الجامعات الأمريكية ورأوا نتائج مماثلة. هذا الثناء يؤدي بشكل فعال إلى ضعف ملموس في الأداء. خلص البحث إلى أن "الطريقة الأكثر فعالية لعرقلة الأداء الجيد هي مجاملة المؤدي مباشرة مسبقًا".

هل ما زلت تريد إجراء حديث حماسي قبل المباراة؟

الطبيبة نيكول فورستر هي لاعبة الوثب العالي الكندية التي سجلت أرقامًا قياسية لا تزال قائمة في بطولات "Big Ten" و"Big Ten Conference Championship". وهي بطلة كندا 8 مرات، وعضو في 20 فريقًا وطنيًا، وحائزة على الميدالية الذهبية في ألعاب الكومنولث، و لاعبة أولمبية. وهي حاصلة أيضًا على درجة الدكتوراه في علم النفس الرياضي.

استخدمت الدكتورة فورستر الموسيقى قبل كل مسابقة كبرى، لكنها كانت تستمع دائمًا إلى موسيقى الأوبرا قبل أن تقفز. للوهلة الأولى، لا يبدو أن الاستماع إلى أندريا بوتشيلي هو النوع المثالي من الموسيقى التي يتم سماعها قبل المنافسة، لكن الدكتورة فوريستر أوضحت أنها "علمت أنه سيتم تنشيطها من خلال شدة المنافسة والأوبرا ساعدتها على الهدوء ".

من الواضح أن التنشيط السابق للعبة فردي للغاية. إذا احتاج أحد الرياضيين إلى الأوبرا للتحضير، وكان آخر يرغب في الاستماع إلى موسيقى الهيب هوب، فمن الصعب على أي مدرب تلبية هذين الحاجتين في خطاب واحد. كما أن قيمة الخطب التي تسبق المباراة تعتمد بشكل كبير على الرياضة التي تستعد لها.

بالنسبة للرياضات التي تتطلب قدرًا كبيرًا من التنشيط مثل لعبة الرجبي أو كرة القدم الأمريكية ، فإن التنشيط منطقي جدًا. ومع ذلك، بالنسبة للرياضات التي تتطلب الصبر والدقة، يبدو الأمر في غير محله. هذا المستوى من التنشيط يبدو غير مناسب وغير مفيد للاعب غولف أو رياضي ثنائي يحتاج إلى تنظيم معدل ضربات قلبه.

نهايةً، ربما نجح تيد لاسو في إثارة حمية لاعبيه في لعبة لا يعرف عنها شيئًا، لكن الأمر في الواقع يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. لكننا سنترك لك حرية الإجابة على السؤال الذي طرحناه في البداية.

وقبل أن ننتهي، ننصحك بمشاهدة تيد لاسو إذا لم تكن قد شاهدته، وندعوك لتدبر مبدأه في الحياة؛ ألا وهو "Believe"، صدق نفسك وثق في قدراتك.

التعليقات