سم دواء الزوجة وطعنة الوالد.. طريق أونانا المتعرج إلى مانشستر يونايتد

الأحد، 23 يوليه 2023 - 20:09

كتب : أحمد أباظة

أندري أونانا

الإفريقي العاشر في تاريخ مانشستر يونايتد، والكاميروني الثاني بعد دجيمبا دجيمبا، والحارس الأول على الإطلاق من القارة السمراء في أولد ترافورد.

51 مليون يورو اصطحبت أندري أونانا من نهائي دوري أبطال أوروبا مع إنتر، إلى النادي الأكثر تتويجا بالدوري الإنجليزي، لخلافة الإسباني دافيد دي خيا الذي أنهى رحلة عمرها 11 عاما.

بين هذا وذاك وصولا لتلك النقطة، لم يكن الطريق سهلا، إطلاقا. نتحدث عن لاعب طارد حلما جنونيا في كتالونيا فصدمته عقوبة لا ذنب له بها. لم يستسلم وصار حارس أياكس الأساسي في عمر 20 عاما فقط. تعرض للإيقاف بسبب المخدرات، ثم أسقط سمير هاندانوفيتش من عرش إنتر. اصطدم بمدرب بلاده ليتم إرساله إلى الديار قبل نهاية مجموعات كأس العالم حتى، وها هو الآن في مسرح الأحلام.

في مسيرة أونانا لا يكاد شيء واحد يشبه سابقه، والآن، لنتعرف على تلك المحطات المتعرجة من خلال تقرير "ديرموت كوريجان" عبر "ذا أثلتيك".

على صخرة تير شتيجن

في قرية ريفية صغيرة تُدعى "نكول نجوك"، وُلد الفتى الكاميروني، وفي عمر صغير للغاية غادر مسقط رأسه ليطارد حلما صنعه أيقونة الأسود صامويل إيتو، من خلال أكاديميته في دوالا.

بحلول عامه الرابع عشر، أثار أونانا إعجاب كشافي برشلونة في دورة صيفية استضافتها جزر الكناري عام 2010، لينضم إلى صفوف الأكاديمية التاريخية "لا ماسيا".

ولمَ لا؟ أونانا كان تجسيدا يافعا لكل ما آمنت به هذه الأكاديمية: حارس واثق من قدراته على اللعب بالكرة، يُسارع في الخروج من مرماه ويملك القوة البدنية اللازمة للتعامل مع الانفرادات والاحتكاكات الناتجة عنها.. هذا هو حارس الكرة الشاملة الذي يبحث عنه كل فريق يلعب على الاستحواذ.

"اللاعبون الأفارقة يحتاجون لقوة ذهنية أكبر كي يتمكنوا من النجاح في بيئة برشلونة التنافسية".

فسرها كما شئت، فهذا ما قاله أليكسيس ميفا، أحد منتجات أكاديمية إيتو أيضا، والذي يلعب الآن في فريق مولي السويسري، ولكن على كل حال، كان أونانا يملك المطلوب، وفوقه الإيمان التام بقدراته.

"حين تأتي من إفريقيا، يجب أن تكون أفضل من الكتالوني الذي سبقك بـ 3 أو 4 مرات. فهم دائما سينظرون إلى من يملكون في ديارهم".

ولكن كما أوضحنا هذه لم تكن مشكلة أونانا، وبأي حال متى خرج آخر حارس على المستوى الأعلى من أكاديمية "لا ماسيا"؟ بالضبط.. فيكتور فالديس. كان الطريق يبدو ممهدا، ولكن الاتحاد الدولي "فيفا"، شأنه شأن العديد من مشجعي برشلونة، لم يكن راضيا عن بعض سلوكيات إدارة "ساندرو روسيل – جوسيب ماريا بارتوميو".

تعرض النادي لعقوبة بسبب خرق قواعد التعاقد مع الأجانب تحت السن القانوني، وبالتالي تم منع كل هؤلاء اللاعبين من اللعب لمدة 18 شهرا، ولكن حتى هذا لم يوقف أونانا، الذي عاد وتألق مع فريق برشلونة تحت 19 عاما في دوري شباب يويفا 2014-2015.

في هذه الأوقات كان ريال مدريد وليفربول بين المترصدين للحارس الواعد الذي ينتهي عقده في الصيف التالي، والذي يتزايد إحباطه من عدم الانضمام حتى للفريق الثاني الذي يضم حارسا كاميرونيا غيره هو فابريس أوندوا، قريبه وزميله السابق في أكاديمية إيتو نفسها.

تزامن ذلك أيضا مع انضمام مارك أندريه تير شتيجن إلى برشلونة بعمر 23 عاما. حتى وقتها كان يمكنك أن تستنتج ببساطة شديدة أن الحارس الألماني سيظل هنا طويلا. نحييكم قبل لحظات من بداية موسم 2023-2024، حيث تنطلق شرارة موسم تير شتيجن العاشر في كامب نو.

هنا تدخل أياكس الذي شاهده عن قرب في مواجهات مباشرة، وبينما كان برشلونة غاضبا ومديره الرياضي -آنذاك- أندوني زوبيزاريتا يحتج علنا على ما وصفه بـ "قلة احترام" حين بدأ النادي الهولندي مفاوضاته مع اللاعب، رضخ العملاق الكتالوني وتوصل لاتفاق في يناير 2015 لبيع اللاعب مقابل 150 ألف يورو، ترتفع إلى 500 ألف إذا انضم لفريق أياكس الأول.

أرض الأحلام

"قرار ترك برشلونة والانتقال إلى أياكس كان كبيرا للغاية. حين ترحل عن برشلونة ولا تسير الأمور بالشكل الصحيح، ستكون هناك عواقب لذلك، ولكن أندري كان قويا للغاية من الناحية الذهنية، وعلم دائما ما يريد فعله". – كلايد إيسومبا صديق أونانا وزميله السابق.

إيسومبا كان محقا بالتأكيد، فقد تصدى الحارس لركلة جزاء في ثاني مبارياته على الإطلاق بالدوري الهولندي، ليثبت أقدامه تحت قيادة بيتر بوش، فتلقى 32 هدفا فقط في 33 مباراة بالدوري، وحافظ على نظافة شباكه 6 مرات في الدوري الأوروبي 2017، الذي خسر نهائيه -للمفارقة- على يد مانشستر يونايتد.

وهنا ظهر إريك تين هاج للمرة الأولى..

مدرب مانشستر الحالي صعد سلم قيادة أياكس في شتاء 2018، وطور أسلوب اللعب ليفيد أونانا أكثر وأكثر. الرحلة انطلقت بثنائية محلية، تبعها مغامرة تاريخية في دوري أبطال أوروبا 2019، حين بلغ الفريق الهولندي نصف النهائي، مطيحا بريال مدريد و يوفنتوس في طريقه.

كان هذا قبل سنوات من اجتماع أونانا وتين هاج مرة أخرى في مانشستر يونايتد، ولكن روح الشياطين الحمر لم تكن بعيدة، فالرئيس التنفيذي لأياكس آنذاك لم يكن سوى إدوين فان دير سار، أسطورة الحراسة في أولد ترافورد.

"أندريه أظهر قدرات مميزة بالقدمين. عملنا على ذلك قليلا، وربما عانى بعض الشيء مع التمرير في بادئ الأمر، ولكن التفوق الرقمي كان واضحا للغاية، وقدراته البدنية منحته إمكانية فعل أشياء يعجز الآخرون عنها، خصوصا في المواجهات الفردية".

هكذا تحدث سيرجي أوكليس مدربه السابق في "لا ماسيا"، عن اللاعب الذي أتى مستعدا وحين أتته فرصته انطلق وتألق وسطر اسمه سريعا في عمر صغير بين الكبار، ولكن.. هل تسير الحياة هكذا على طول الخط؟

الدواء فيه سم قاتل

الموسم التالي لم يكن ناجحا للغاية، ثم قاطعته جائحة "كوفيد-19" التي أسفرت عن إلغاء الدوري الهولندي بعد لعب 25 جولة منه، في الوقت ذاته كان توتنام وتشيلسي يريدان أونانا، كما لاحت في الأجواء فرصة عودته إلى برشلونة. بالطبع لم يقبل الحارس بأي شيء لا يشمل ضمان مركزه الأساسي في الوجهة التالية، ولكن بحلول أكتوبر 2020، لم يعد من حقه التفكير بذلك كثيرا..

حتى الآن أمامنا مسيرة متصاعدة وأوضاع متأرجحة، ولكن منشطات؟ هذا ما يمكننا أن نسميه ضربة قاضية.

يصر أونانا حتى الآن أنه تعاطى دواء زوجته المدر للبول عن طريق الخطأ حين كان يريد مسكنا للصداع، وهو تفسير تقبله الاتحاد الأوروبي "يويفا"، ولكنه عاقبه بالإيقاف لعام كامل على كل حال، لوجود مادة محظورة في جسده. المحكمة الرياضية كانت أكثر رأفة حين اعتبرته لم يرتكب خطأ جسيما، وبالتالي قلصت العقوبة لـ 9 أشهر فقط.

"أحترم يويفا ولكني لا أتفق مع قراره. أعتبره مبالغا وغير متوافق مع إقراره بأني لم أرتكب أي خطأ عمدي".

الإيقاف انتهى في سبتمبر 2021، ولكن هذا لم يكن يعني عودة مباشرة، إذ بدأ يتدرب مع فريق الشباب، ولم يكن طريق تجديد عقده الموشك على النهاية ممهدا بالورود.

"نحن لا نخوض معه أي محادثات في الوقت الحالي. حاولنا ولكن الأمور لم تسر كما نريد، ولذلك سنمضي قدما، فالأمر ليس على عاتقنا".

هذا ما قاله مارك أوفرمارس المدير الرياضي لأياكس بذلك الوقت، أو ما أراد به أن يقول: "أمره قد انتهى ولن يلعب معنا مرة أخرى". ولكن مرة ثانية تدخل القدر، وتعرض الحارس مارتن ستكلنبرج لإصابة أنهت موسمه، فعاد أونانا إلى عرينه مرة أخرى في أكتوبر من العام ذاته.

"موقفي منه كان واضحا، ولكن بعد ذلك أتتنا أنباء إصابة ستكلنبرج لنهاية الموسم. احتياجات أياكس هي الأولوية، ومن هذا المنظور أنا سعيد بعودة أونانا إلى الفريق الأول". الفاصل الزمني بين تصريح أوفرمارس الأول وتصريحه الثاني شهر واحد لا أكثر.

موسم لم يبقَ منه في الذاكرة سوى خطأ كبير من الحارس الكاميروني، قاد داروين نونيز مهاجم بنفيكا آنذاك وصفقة ليفربول الضخمة لاحقا، لتسجيل الهدف الحاسم الذي أطاح بأياكس من دور الـ 16 لدوري أبطال أوروبا 2022.. وهنا حانت لحظة النهاية: تين هاج كان قد اتفق بالفعل مع مانشستر يونايتد، ورحل أونانا في صفقة انتقال حر إلى إنتر ميلان.

ضد الكاميرون ولأجلها

"لم يكن في مستواه بعد الإيقاف، ولكن ما الذي كان يجب أن نتوقعه؟ يجب أن يعمل بكل قوته للعودة من جديد، وأنا مقتنع بأنه سينجح".

كان هذا ما قاله تين هاج خلال موسمهما الأخير معا في أياكس، وبالفعل، واصل أونانا العمل، وواصل مطاردته للتحديات، وهذه المرة اصطدم بعرش سمير هاندانوفيتش الراسخ في إنتر منذ سنوات، ليتصادف تطور الكاميروني مع اضمحلال الحارس السلوفيني.

لعب أونانا جميع مباريات دور المجموعات في دوري الأبطال، بما فيها أمام ناديه السابق برشلونة، حيث جمع النيراتزوري 4 نقاط من مبارياته أمام النادي الكتالوني، وكانت يده واضحة في إسقاطه نحو الدوري الأوروبي، ولكن اللقطة الأبرز تظل أمام بايرن ميونيخ، حين خرج بـ 10 تصديات ليسجل رقما قياسيا في تاريخ إنتر القاري منذ بدء إحصائيات أوبتا.

كل ذلك قاده نحو كأس العالم في نوفمبر الماضي بخطوات ثابتة، وبات جاهزا لمساعدة بلاده على تخطي تلك المجموعة المعقدة التي ضمت البرازيل وسويسرا وصربيا، ولكن لم يتحقق شيء واحد من كل هذه الطموحات التي تحطمت على صخرة المباراة الأولى ضد سويسرا.

خسرت الكاميرون أولى المباريات، ومن هنا انطلقت شرارة الخلاف بينه وبين المدرب ريجوبير سونج، الذي طالب حارسه صراحة بالمزيد من الحرص في حالة الاستحواذ، وهذا ليس فقط نقيض ما يراه أونانا في اللحظة الراهنة، بل نقيض كل ما آمن به طوال مسيرته الكروية.

رأى أونانا أنه يجب أن يشارك أكثر في عملية بناء اللعب وصياغة الفرص من الخلف، فقد كان أفضل فنيا بالكرة من أغلب مدافعي الكاميرون، وبالتالي تطور الصراع إلى أن بلغ حد الخلاف المباشر على أسماء اللاعبين التي يجب أن تبدأ أمامه أصلا.

النتيجة؟ شاهد أونانا المباراة الثانية ضد صربيا من فندق الفريق، وتلقى سونج دعما مطلقا من صديقه رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم، صامويل إيتو نفسه. الرجل الذي أخرجت أكاديميته أونانا للحياة في بادئ الأمر، هو نفسه من صدق على قرار ترحيله من معسكر الفريق قبل خوض المباراة الثالثة أمام البرازيل.

خطوة أخرى للوراء، ضربة أخرى موجعة، فقد أتت هذه المرة من الشخص الذي كان أونانا يعتبره "والده في كرة القدم". ولكن بحلول هذه المرحلة صار مسار القصة واضحا للغاية. عاد أونانا وعاود التركيز والتألق مع إنتر، وخرج بشباك نظيفة في انتصار ساحق على الغريم ميلان بثلاثية في كأس السوبر.

فاته قطار كأس العالم الذي ما كان ليفوز به قطعا مع الكاميرون، ولكنه انطلق مع النيراتزوري حتى آخر محطات دوري أبطال أوروبا: 8 شباك نظيفة في 13 مباراة، بواقع 5 من 6 في الإقصائيات المؤهلة للنهائي، وحتى لو لم يكن أسلوب إنتر في المعتاد يعتمد على لعب الحراس بالأقدام، فإن سيموني إنزاجي ما كان ليغفل ميزة كهذه وهو يملكها.

"عادة ما يتواجد حراس عظماء في الفرق، ولكن أونانا استثنائي في اللعب بقدمه".

هذه شهادة بيب جوارديولا مدرب مانشستر سيتي، الذي أجهز فريقه على حُلم الأفاعي في نهائي اسطنبول الأخير. خسارة أحبطت أونانا، لكنها لم تنتقص مما يستحقه أبدا. لم يتعثر أمام ضغط سيتي الجنوني وواصل دوره في بناء اللعب، ولم ينسَ وظيفته الأساسية فتصدى لعدة كرات حاسمة. تفاصيل صغيرة نتذكرها جميعا، لولاها لكان الكاميروني بطلا لأوروبا مع فريق لم يكن مرشحا في بداية الموسم على الإطلاق.

انتهت المغامرة، لم تكُن النهاية الأفضل ولكنها أفضل كثيرا مما كان متوقعا، وبات الرحيل حتميا، ليس فقط لأن الحارس يملك طموحا متزايدا كما رأينا عبر كل فصول قصته، بل لأن إنتر يعاني أزمة مالية مستمرة ستجبره على التخلي عن عدة ركائز وتعويضها ببدائل أزهد ثمنا، وخصوصا هؤلاء الذين يمكن الاستفادة بثمن جيد من بيعهم.

كل الطرق تؤدي إلى تين هاج.. اجتمع الثنائي معا مرة أخرى، وبينما يمثل مشروع المدرب الهولندي خطوة جديدة لأونانا في أحد أعرق وأكبر الأندية، يمثل أونانا لهذا المشروع قطعة ناقصة صبر الرجل عاما كاملا حتى نالها. دافيد دي خيا حارس تاريخي في أولد ترافورد، ولكنه على مر كل هذه السنوات لم يكن ليجيد اللعب بالقدم أبدا، ليتحول من منقذ الشياطين الحمر إلى حجر عثرة في الطريق.

الآن على أونانا أن يثبت جدارته بثقة تين هاج في رجاله السابقين، شيء عجز عنه أنتوني على سبيل المثال في الوقت الحالي، ولكن في الحالة التي نراها، وبفضل شواهد الماضي وسابق المعرفة بالفعل بين الرجلين، لا يبدو أن ذلك سيأخذ وقتا طويلا.

التعليقات