المؤتمرات الصحفية الرياضية.. كيف التقى علاء عبد العال ونعومي أوساكا؟

الأربعاء، 18 يناير 2023 - 15:47

كتب : محمد السيد حجر

علاء عبد العال - نعومي أوساكا

"أنا مش في المود والله، وأسف جدًا مش هتكلم في فنيات..."

هل تفتقد الدوري المصري؟ تتواصل إثارة الدوري المصري، وجزء كبير من هذه الإثارة تتمثل في تصريحات المدربين واللاعبين وحتى رؤساء الأندية.

التصريح أعلاه، للكابتن علاء عبدالعال، في المؤتمر الصحفي بعد خسارة فريقه - حينها - " إيسترن كومباني " برباعية أمام النادي الأهلي، في مسابقة الدوري المصري الممتاز، موسم 2021-2022.

يَصلُح تصريح علاء عبدالعال المدير الفني السابق للداخلية وإيسترن كومباني، أن يصير مادة دسمة لصانعي "الكومكس" على صفحات التواصل الاجتماعي الساخرة، خاصةً أنها ليست المرة الأولى التي يخرج فيها علاء عبدالعال عن النص، بل تُستخدم العديد من تصريحاته كمادة للسخرية، خاصةً تصريحه الشهير بعد هزيمة فريق الداخلية الذي كان يتولى قيادته الفنية حينها، عقب الهزيمة من فريق المقاولون العرب في بطولة الدوري المصري الممتاز موسم 2018-2019.

هي دي كورة

لكن بعيدًا عن فرضية أن التصريح يَصلح كمادة للسخرية من عدمها، دعنا نسأل سؤالاً جادًا، هل يحق لـ علاء عبد العال وغيره من المدربين ألا يُجيب على أسئلة الصحفيين في المؤتمرات الصحفية عقب المباريات أم لا ؟ وما الجدوى أساسًا من هذه المؤتمرات؟

لماذا تُعقد المؤتمرات الصحفية الرياضية؟

في وقتٍ سابق، وقبل ظهور ما يُعرف بـ "السوشيال ميديا"، كانت المؤتمرات الصحفية الرياضية بمثابة صفقة ضمنية بين المؤسسات الرياضية ووسائل الإعلام الرياضي، وتنص هذه الصفقة على أن هذه المؤتمرات تسمح للمؤسسات الرياضية في مختلف الألعاب على الانتشار والوصول أكثر للجمهور، وهو ما يُعد دعاية مجانية لها، وبالتبعية تستفيد وسائل الإعلام الرياضي من تحقيق نسبة مبيعات أو مشاهدات كبيرة طبقًا لشعبية هذه الرياضات، وهي صفقة رابحة للطرفين بكل تأكيد.

استمرت هذه الصفقة لسنوات طويلة، فالطرفان في حاجة ماسة لبعضهما البعض؛ وبالتالي لا يوجد أمام الطرفين سوى التغاضي عن السلبيات التي يراها كلاهما في الآخر، ولكن ومع ثورة الإنترنت، وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي على المشهد العام، تغير كل شئ. أصبح في المعادلة طرفٌ جديد أخلَّ بتوازنها.

تنقسم وجهات النظر حول المؤتمرات الصحفية الرياضية عادةً إلى قسمين. يعتقد المعسكر الأول أن هذه المؤتمرات جزء من وظيفة الرياضيين، نظرًا لمدى تأثيرها في زيادة تفاعل الجماهير، وتستند هذه النظرية حول نقطة محورية وهي :

"إن كان كل لاعب من هؤلاء يتقاضى سنويًا على الأقل 3 مليون دولار، فيجب عليه أن يعرف كيف يتعامل مع الصحافة ووسائل الإعلام".

القسم الآخر، يعتقد أن اللاعبين تتمحور وظيفتهم حول في اللعب فقط، ليس عليهم أن يحملوا هم إجابة أسئلة مثل:

"ما هي أفكارك حول اللعبة؟

أو، أخبرنا عن رأيك عن الخصم؟"

وما إلى ذلك من أسئلة تُطرح في المؤتمرات الصحفية، حول اللعبة نفسها أحيانًا، وأحيانًا كثيرة حول أي شئ آخر سيجذب الجمهور للقراءة، أو المشاهدة.

لكن من منهما على حق؟

نظرة على الجانبين

من الناحية الموضوعية، يمكن أن يكون للرياضيين ووسائل الإعلام علاقة تكافلية، فالمؤتمرات الشيقة، تُنشئ محتوى يحب الناس مشاهدته وقرائته، وهو كما ذكرنا صفقة رابحة للطرفين. دعاية ناجحة للعلامات التجارية للأندية، وزيادة في أعداد القراء والمشاهدين لوسائل الإعلام، لكن الموضوع برُمته يفشل، عندما تتابين وجهات نظر الطرفين، ويصبح الأمل في التواجد في نقطة في المنتصف بين وجهتي النظر، مستحيل.

لطالما كانت المؤتمرات الرياضية وسيلة فعالة للجمهور، لمشاهدة لاعبي ومدربي فريقهم، والفرق المنافسة قبل مباراة هامة، أو لمعرفة وجهات نظرهم في أسباب الفوز والخسارة بعد المباريات.

في بعض الأحيان تحولت هذه المؤتمرات لفقرة ترفيهية للجماهير. من منا يشاهد البرتغالي جوزيه مورينو وينتظر أن يتحدث الرجل عن وجهة نظر فنية في المباراة، ربما لم يعد يتحدث مورينو عن هذه الأمور الفنية من الأساس منذ سنوات، وصارت مؤتمراته الصحفية كلها، إما نقد للاعب ما، أو سخرية من أحد أعضاء مجلس الإدارة، أو الفريق المنافس. وهو ما يمثل عامل جذب للجمهور لمشاهدة هذه المؤتمرات، وربما أداة تربُح لمورنيو نفسه.

لو سألتك عن المؤتمرات من هذه النوعية، أعلم أنك ستتذكر الكثير منها، وليس لشخص أو اثنين، وإنما لكُثر، وفي رياضات مختلفة.

لكن لهذه المؤتمرات وجه آخر، أكثر قساوة من الوجه المعتاد.

نعومي أوساكا ليست الأولى ولا الأخيرة

تتذكر تصريح علاء عبدالعال الذي بدأنا به حديثنا. كنا قد أخبرناك أن التصريح بعيدًا عن صلاحيته للسخرية من عدمها، يحمل سؤلاً جادًا، هل يحق لـ علاء عبد العال وغيره من المدربين واللاعبين ألا يُجيب على أسئلة الصحفيين في المؤتمرات الصحفية عقب المباريات أم لا؟

في 26 مايو 2021، أعلنت نجمة التنس "نعومي أوساكا" المصنفة الأولى عالميًا حينها، أنها لن تؤدي التزماتها الإعلامية خلال بطولة فرنسا المفتوحة للتنس "رولان جاروس" -أحد البطولات الأربع الكبرى-، والسبب أن هذه المؤتمرات تؤثر على صحتها النفسية.

كتبت نعومي نصًا على تويتر:

"لن أشارك في المؤتمرات الصحفية في فرنسا هذا العام، غالبًا ما نجلس في هذه المؤتمرات ونسمع نفس الأسئلة المعتادة، أو تُطرح علينا أسئلة لتشككنا في أنفسنا، وقدراتنا، وأنا لن أُخضع نفسي للأشخاص الذين يتشككون بي".

عاقبت اللجنة المنظمة للبطولة نعومي بتوقيع غرامة عليها بقيمة 15000 دولار، وأكدت على أنها قد تُحرم من المشاركة المستقبلية في البطولة، إذا ما تقرر هذا الأمر.

ردت بعدها نعومي، وكانت قد خاضت الدور الأول فقط في البطولة، حين وقعت عليها الغرامة، بانسحابها من البطولة بأكملها، واصفةً انسحابها بأنه أفضل لها ولصحتها النفسية، في كما زعمت شخصية انطوائية، وتخشى التحدث في العلن، فكيف تُجبرها قواعد اللعبة على خوض مثل هذه المؤتمرات؟

نجمتا التنس العالميتين، سيرنا ويليامز، وفينوس ويليامز، خرجتا على الفور لدعم أوساكا، والتأكيد على صحة قراراها، ووجهة نظرها في العبأ النفسي الذي تشكله هذه المؤتمرات عليهن هن الأخريات.

في حين اعتقد آخرون، أن ما فعلته أوساكا، يعد بمثابة قتل للصحافة، وهو ما اعتبره "هوارد بيرنت" الصحفي الإنجليزي في شبكة "إس بي إن"، الذي اعتبر ما فعلته أوساكا بأنه إهدار للمصلحة العامة. في حين أطلق عليها "بيرس مورجان" الصحفي الإنجليزي بـ "نعومي النرجسية".

في الواقع لم تكن نعومي أوساكا أول رياضية تتخذ موقف بشأن المؤتمرات الصحفية، بل هي حلقة في قائمة متزايدة تضم رياضيين من رياضات مختلفة، قاطعوا جميعًا هذه المؤتمرات.

في عام 2015، صرح البرتغالي "كريستيانو رنالدو" نجم ريال مدريد حينها، عقب مبارة فريقه مع نادي شالكة الألماني في بطولة دوري أبطال أوروبا، أنه لن يتحدث للصحافة مرة أخرى، وأنه لا يتحمل كل هذه الضغوطات التي تضعها الصحافة على عاتقه، وتحمله وحده مسؤولية ترنح مستوى الفريق. مع العلم أن رونالدو حينها كان أفضل لاعب في العالم.

في عام 2015، وفي رياضة أخرى، صرح " نيكو روزبرج" متسابق الفورمولا 1، أنه سيتواجد في المؤتمرات الصحفية فقط "حتى لا يتم توقيع غرامة عليه"، والسبب هو نفس السبب التي قالته أوساكا، أن هذه المؤتمرات تضر بصحته النفسية.

في عام 2018، انسحب "ليبرون جيمس" نجم الدوري الأمريكي للمحترفيين لكرة السلة من مؤتمر صحفي، بعد استجوابه مرارًا وتكرارًا حول الصحة العقلية لزميله الذي ارتكب خطأ فادحا في نهاية المباراة تسبب في خسارة فريقه. ترك ليبرون جيمس المؤتمر، وقبل أن يغادر، قال للصحفي: "كن أفضل غدًا".

هذا غيض من فيض لرياضيين من رياضات مختلفة، أقروا جميعًا أن المؤتمرات الصحفية، لم تعد بنفس ذات الأهمية التي كانت تحملها من قبل، بل أصبحت عبأً عليهم وعلى صحتهم النفسية والعقلية. فما الذي أدى إلى ذلك؟ وهل هناك حل لإصلاح الأمور؟

انقطع الاتصال

يقول " جوناثان لياو " الصحفي بجريدة " الجارديان " الإنجليزية، أنه أصابه الحنق عندما علم موقف أوساكا بمقاطعة المؤتمرات الصحفية، لكنه عندما فكر في المؤتمر، وجد أن المشكلة في المؤتمر الصحفي نفسه، والذي عندما تفكر فيه، ستجد أنه فكرة غريبة في الأساس، وفشل في وظيفته المركزية، حسبما يعتقد.

يعتقد لياو، أن الوظيفة المركزية للمؤتمر الصحفي، هي أنه خط مباشر بين الرياضي والجمهور، وأن الصحفي ليس سوى الأذن التي تسمع، واليد التي تنقل بمنتهى التواضع والأمانة، لكن المؤتمر فقد ماهيته عندما انفتحت قناة مباشرة بين الرياضي والجممهور من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وبالتالي فإن المؤتمر الصحفي، لم يعد ذو مغذى، بل أصبح لعبة ساخرة وأحيانًا مفترسة، حيث أصبحت مهمته الوحيدة، في استخراج أكبر قدر من المحتوى، المعتمد أحيانًا على الثرثرة، وأحيانًا على النبش في الحياة الشخصية للرياضيين، فيتسغل الصحفي قلة خبرة الرياضي، وهو تحت تأثير الفوز أو الهزيمة، ليُصرح عن أكثر المناطق حميمية في حياته أمام مجموعة من الغرباء.

ينتقد لياو، حتى المظهر العام للمؤتمر، معتبرًا أن كل ما يحدث فيه مجرد "كلاشيهيات"، مقاعد منمقة، وزجاجات مياه معدنية مغلقة، وملايين من الكلمات الضائعة، والنتيجة هي تفضيل أحد أبطال العالم في التنس في أن يترك البطولة برمتها، بدلاً من أن يتحدث إلى الصحافة.

فإذا كانت المؤتمرات الصحفية مليئة بالأسئلة حول الحياة الشخصية للاعبين أو كانت مثيرة للجدل عن قصد، فهل من المستغرب أن يلجأ الرياضيون إلى إجابات "مبتذلة" أو يرفضون المشاركة؟

ويتسائل، هل لا توجد طريقة أفضل لفعل ذلك؟

البلياردو هو الحل

في لعبة البلياردو، تتم المؤتمرات بالاتفاق مع اللاعبين، ولا تُعقد في مكان مخصص، ولكن في غرفة خلع الملابس، أو في الممر المؤدي للصالة، ويكون اللاعب على علم بالصحفي الذي سيُجري معه المقابلة، ويتم التنسيق بين الصحف والمواقع، في أن تتولى كل صحيفة تغطية مباراة مثلاً.

تتمثل إحدى أكبر المشكلات في السيناريو الحالي في أن المؤتمرات الصحفية لا تسمح بقدر كبير من التعمق في شكلها الحالي.

عادة ما يقتصر الصحفيون على سؤال واحد أو سؤالين فقط، مما يجبرهم إما على التمسك بأسئلة ستجعلهم أكثر إثارة وتكون بمثابة عامل جذب لمقالاتهم عبر الإنترنت. من المفهوم أن هذا يؤدي إلى تجربة غير سارة للرياضيين، الذين يعترضون بعد ذلك على المشاركات الصحفية لأنهم يشعرون بأنهم مستهدفون ومهينون من قبل وسائل الإعلام.

من المهم أن يتذكر الصحفيون الرياضيون أن دورهم الحقيقي، هو مساعدة عامة الناس على فهم الرياضة واللاعبين. من خلال الأسئلة الصحيحة وخبراتهم الخاصة في هذا المجال، يمكن للصحفيين تقديم رؤى وتفكيك الجوانب الفنية للرياضة وتوفير عنصر إنساني أكثر دقة للرياضة واللاعبين المعنيين. بالإضافة إلى ذلك، كلما شعر الرياضيون أن الصحفيين يهتمون حقًا بآرائهم وخبراتهم ، ويساعدونهم بنشاط في سرد ​​قصصهم ، كلما كان الرياضيون أكثر صراحة.

"برناف راستوجي"باحث رياضي، يرى الحل في عودة استعادة المؤتمرات الصحفية لبريقها في عدة نقاط:

1. منح اللاعبين خيار عقد مؤتمرات صحفية خلال فترة زمنية معينة بعد المباراة بدلاً من بعدها مباشرةً، فيكون لدى اللاعبين الوقت الكافي لإعداد أنفسهم عاطفيًا، وهو ما قد يساعدهم تقديم ردود أكثر عمقًا وصدقًا.

2. تحويل المؤتمرات الصحفية إلى مقابلات فردية مدتها خمس دقائق. فالمقابلات مألوفة أكثر للاعبين وأقل صعوبة، حيث تسمح المقابلات أيضًا للصحفيين بطرح المزيد من الأسئلة المتعمقة.

3. تغيير المشاركة الإعلامية لتشمل خيار وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من حصرها في المؤتمرات الصحفية التقليدية فقط. فقد يمنح هذا اللاعبين مزيدًا من المرونة والوقت للتفاعل مع جمهور أوسع، بينما يتمتع الصحفيون بمزيد من خيارات إنشاء المحتوى.

نهايةً، هذه ليست مشكلة سهلة الحل، لكن المهم هو أن المؤتمرات الصحفية بحاجة إلى التطور مع الزمن لخدمة جميع الأطراف بشكل أفضل، وحتى لا يخرج علينا علاء عبدالعال مرة أخرى، مُتحججًا بأنه "مش في المود".

التعليقات