صلاح المجني عليه.. انهيار ليفربول بين كلوب وإدواردز ونونيز

الأحد، 30 أكتوبر 2022 - 00:35

كتب : عمر الصاوي

محمد صلاح

"عندما تفقد الاتصال بلاعبيك، فيجب عليك كمدرب إدراك أن الوقت حان للرحيل".

بيب جوارديولا 18 مارس 2014

جملة وجيزة للغاية من الفيلسوف الإسباني خلال فترة تدريبه للعملاق البافارى بايرن ميونخ مبررا رحيله بعد 4 أعوام من الإنجازات مع برشلونة فى فترته الذهبية منذ 14 عاما وتلخص ببساطة سبب عدم استمرار بيب داخل ناديه الكتالونى.

بداية كارثية لليفربول بالدورى الإنجليزي 12 مباراة فى بداية موسم 2022 – 2023 تساوى 36 نقطة خسر الفريق الأحمر أكثر من نصفها وحصد 16 نقطة فقط، وبدأت التحليلات من هنا وهناك حول أسباب التراجع، ولكن فى المجمل من يتحمل هذا التراجع فى المقام الأول هو قائد نهضة ليفربول خلال الأعوام السبعة الأخيرة يورجن كلوب قبطان السفينة للنادى العريق.

تولى كلوب قيادة ليفربول فى أكتوبر 2015 خلفا للمدرب الايرلندى براندن رودجرز الذى أقيل حينذاك عقب تراجع نتائج الفريق بشكل ملحوظ، ونجح كلوب فى حصد 6 بطولات طوال 7 أعوام قضاها داخل ملعب الانفيلد اذن ماذا حدث ولماذا هذا التراجع؟

هناك 3 أسباب يرصدها محللو الدوري الإنجليزي ونجوم سابقين بالنادى الأحمر ما بين ثغرة ترينت ألكساندر أرنولد فى الجهة اليمنى وبيع ساديو ماني وعدم التعاقد مع لاعب وسط جديد وهى الأسباب الأبرز التى يراها معظم جماهير ليفربول سواء الأجنبية أو العربية.

لكن في حقيقة الأمر يصعب حصر القضية فى لاعب أو سبب ما بقدر ما هي مشكلة مجموعة. فريق الألمانى يورجن كلوب يمتاز بمنظومة لعب واحدة تلعب ككتلة واحدة دفاعا وهجوما بأسلوب ضغط عكسى هو الِأشرس فى العالم وتلك الأنماط من اللعب تمتاز بقدرتها على استيعاب انخفاض مستوى لاعب او الهبوط البدنى للبعض، لأنها فى النهاية طريقة لعب منظومة بالكامل لا تعتمد على لاعب بعينه رغم اعترافنا بوجود أعمدة أساسية داخل الفريق.

وإذا بدأنا بالنظر لمصادر قوة ليفربول فسنجد على سبيل المثال ظهيري الجنب المصنفين من ضمن الأفضل في العالم "أرنولد – روبرتسون"، الأول أرنولد يعانى من مشاكل دفاعية واضحة وخلل هجومى، فبعد 18 مباراة بجميع البطولات ساهم الظهير الطائر بثلاثة أهداف فقط ولم يصنع أي هدف، رغم أن نفس اللاعب ساهم في 19 هدفا الموسم الماضي منهم 17 صناعة ليصبح صانع الالعاب الأبرز بالفريق، أما الظهير الايسر الاسكتلندي أندرو روبرتسون فقد لعب 14 مباراة ساهم خلالها في 3 أهداف عن طريق التسجيل وهدفان فقط بالصناعة وفي الموسم الماضي نجح الظهير الاسكتلندي الدولي في صناعة 15 هدفا وأحرز 3 اهداف.

الظهيران يمثلان المفتاح الأساسي لهجمات ليفربول في الأعوام الماضية، وتحولا لنقاط ضعف خاصة أرنولد وفقدا الفاعلية الهجومية الكبيرة مما تسبب فى ضعف الزخم الهجومى للفريق الأحمر.

قلب الدفاع الأساسى ووزير الدفاع فيرجل فان دايك لا يمر بأفضل أحواله والانتقادات تتكاثر حوله بعدما منى مرمى ليفربول بـ 22 هدفا حتى الآن فى جميع المسابقات، ومرورا بثلاثى الوسط جوردان هندرسون وفابينيو وتياجو ألكانتارا، لا تسير الأمور على ما يرام بين الإصابات وتراجع المستوى العام.

وفي المقدمة تتجه الأنظار إلى محمد صلاح بصفته قائد ثورة ليفربول خلال آخر 5 أعوام، فنجمنا المصرى أحرز 11 هدف وصناعة 5 أهداف بجميع البطولات ليست بالأرقام السيئة، ولكن صلاح يدفع ثمن أرقامه المذهلة في المواسم الماضية.

بشكل عام أبرز نجوم الفريق خارج حالتهم الطبيعية وهو ليس تقصيرا من اللاعبين بل من كلوب الذى اقترب فى موسمه الأخير مع بوروسيا دورتموند من الهبوط في بادئ الأمر، ثم أنهى موسمه بالمركز السابع. تشبع معظم اللاعبين من أسلوب كلوب وانقطع الحافز بين المدرب الألماني ونجوم فريقه، والأمر يتكرر الآن مع ليفربول.

"فى التسعينيات كانت عقلية اللاعبين تسمح ببقاء المدرب على رأس الفريق لمدة زمنية طويلة مثل أليكس فيرجسون مع مانشستر يونايتد وفينجر مع أرسنال ولكن الآن بات من الصعب تكرار تلك النماذج".

قال بيب جوارديولا هذا التصريح فى عام 2018 وهو قريب من تصريح مشابه للفيلسوف الإسباني حينما قال بعد عامين من تحقيقه دورى 2018 وعقب تحقيق دورى 2021: "حين يسأم اللاعبون من أسلوبى وطريقة تحفيزى أعتقد أن قرارى رحيلى هو المنطقى".

تصريحات جوارديولا مع سيتى تتطابق مع تصريحاته مبررا رحيله عن برشلونة بعدما فقد قدرته على التواصل وتحفيز لاعبيه، ولذلك نفذ مانشستر سيتى موسم انتقالات تاريخى هذا العام برحيل 4 من أبرز عناصر المواسم الماضية هم فيرناندينو ورحيم سترلينج وجابريل جيسوس وأولكساندر زينتشينكو، بالإضافة إلى الحارس البديل زاك ستيفن، ودخل بدلا منهم السداسى الجديد إرلينج هالاند وجوليان ألفاريز وسيرخيو جوميز والحارس أورتيجا وكالفن فيليبس ومانويل أكانجى.

في العام الماضى رحل أسطورة الفريق سيرخيو أجويرو ومع نيكولاس أوتامندى وفيران توريس، وقبلها بعام رحل الساحر الاسبانى دافيد سيلفا فى عام 2020 وقبلها بعام رحل فينسينت كومبانى قائد الفريق 2019 وقبلها رحل فى 2018 يايا توريه وفى نهاية عام 2017 رحل بابلو زاباليتا وألكساندر كولاروف وجايل كليشى وفى عام 2016 رحل الحارس الإنجليزي جو هارت.

بعد 7 أعوام لبيب داخل سيتي لم يبق فقط من الفريق الذى تسلمه فى 2016 إلا البلجيكى كيفن دى بروين وتم تحديث الفريق بالكامل، وفى مطلع الموسم الماضى كان المتبقي فقط 3 لاعبين هم فيرناندينو وسترلينج وبالطبع دى بروين.

بيب رأى ضرورة تحديث الفريق بشكل مستمر بلاعبين جدد، ما يعني دوافع جديدة وتحفيز مستمر ودم مختلف ونوعيات جديدة من اللاعبين تلائم رغبته فى البقاء داخل مانشستر سيتى لأطول فترة ممكنة، ولخصها فى تصريحه بداية الموسم قائلا "قلت مرات عديدة إذا كانوا يريدون ذلك (إدارة النادي)، أود البقاء لفترة أطول ولكن في نفس الوقت يجب أن أتأكد، إنه ليس الموسم الثاني أو الثالث، لقد مرت سنوات عديدة بالفعل ويجب أن أرى كيف يتصرف اللاعبون فى ظل وجودى".

فى تصريح اخر لبيب منذ عامين أيضا "لقد مر على وجودى داخل النادى 4 أعوام وهى فترة طويلة بالنسبة لعقلية اللاعبين فى الزمن الحالى يجب أن اشاهد رد فعل اللاعبين وتقبلهم لقراراتي وطريقة التدريب، والتحفيز هو أمر هام لى لأننا مقبلون على موسم خامس والبعض قد يشعر بالملل".

التصريحات السابقة لبيب جوارديولا توضح أنه يخشى تكرار تجربة برشلونة فى موسمه الاخير لذلك تعلم من أخطائه، ويرى أن الدورى الانجليزى جعله مدربا أفضل، بالإضافة إلى الأجواء المريحة للعمل داخل بيئة مانشستر سيتى خاصة أن إدارة سيتي العليا مكونة من صديقيه السابقين فى برشلونة: المدير التنفيذى فيران سوريانو والمدير الرياضى تشيكى بجريستين.

جوارديولا يعمل مع إدارة سيتي على خطة منهجية للتحديث المستمر وضمان القضاء على الملل والتشبع، والتحديثات لن تتوقف بل ستزيد بنهاية الموسم في ظل الأخبار التي تترد حول عدم تجديد عقد إلكاي جوندوجان ورحيل برناردو سيلفا، والبدائل المطروحة تتراوح بين جود بيلينجهام لاعب بوروسيا دورتموند وإنزو فيرنانديز لاعب بنفيكا وماتيوس نونيز لاعب ولفرهامبتون وفرينكي دي يونج لاعب برشلونة، مع إمكانية رحيل أحد قلبي الدفاع جون ستونز وناثان أكي، ودخول أليساندرو باستوني مدافع إنتر أو جفارديول مدافع لايبزج.

على الجانب الآخر يحتفظ ليفربول بنفس الهيكل الصلب منذ سنوات، فمن ينافس أرنولد فى الظهير الايمن وهل يعقل التعاقد مع لاعب شاب اسكتلندى صغير 18 عام لمنافسته وهو كالفن رامزى؟ ولماذا يصر كلوب على ثلاثى الوسط جيمس ميلنر وجوردان هندرسون ونابي كيتا رغم معاناة الأخير مع الإصابات التى تقترب من 385 يوما عبر 4 أعوام وهو معدل قياسى؟ كما يعانى ميلنر من كبر السن بشكل واضح وعدم القدرة على أداء أدوار الوسط الصعبة فى تركيبة ليفربول، إضافة إلى المصاب دائما أليكس أوكسليد تشامبرلين، وهى أمور لا يتم علاجها بشكل صحيح داخل ليفربول.

بنظرة بسيطة تجد قائمة ليفربول تضم ما لا يقل عن 6 لاعبين بمردود ضعيف مثل جو جوميز وتشامبرلين وميلنر وكيتا وهندرسون بالإضافة إلى وافد الصيف الاضطراري أرتور ميلو الذي يغيب الآن للإصابة، بالإضافة للعديد من متوسطي المستوى مثل كرتيس جونز وكوستاس تسيميكاس وروبرتو فيرمينو الذي يتألق على فترات متباعدة في الأعوام الأخيرة.

والسؤال الذى يطرح نفسه وطرحه أحد محللى موقع ليفربول ايكو: "لماذا لم يدخل ليفربول السوق الصيفى السابق بشكل أكثر جدية لتصفية قائمته وضخ دماء جديدة فيها مثلما فعل سيتى"؟

القضية ليست رحيل مانى فقط، فقد عوضه جناح آخر مسبقا وهو لويس دياز، وأرقامه جيدة مقارنة بأرقام مانى التى أصابها العطب الواضح فى آخر عامين له مع ليفربول مقارنة بمحمد صلاح، ولكن هذا لا ينكر المساهمات الدفاعية الكبيرة التى يؤديها ساديو مانى وقدرته العالية على الضغط بشكل مزعج وعكسى رهيب على دفاعات المنافسين والقدرة على استعادة الكرة فى مناطق عالية بملعب الخصم وهو أمر لا يتقنه كثيرا محمد صلاح أو نونيز أو دياز ولكن بخلاف ذلك فالقضية لا يمكن تلخيصها فى رحيل مانى.

تياجو ألكانتارا رحل عن بايرن ميونيخ ورفض تمديد عقده هناك بعدما رفض النادى الألماني منحه عقد مالى مميز بسبب كثرة إصاباته التي وصلت إلى 270 يوما في 3 أعوام مع ليفربول بالاضافة إلى بلوغه لسن 32 عاما.

متوسط أعمار لاعبى وسط ليفربول ليس بالصغير، ألكانتارا وهندرسون يبلغان من العمر 32 عاما وميلنر 36 عاما وفابينيو 29 عاما.

دعم الوسط لم يكن مثاليا بالتعاقد مع لاعب بديل لم يثبت نجاحه فى برشلونة أو يوفنتوس وهو البرازيلى أرتور ميلو، وهو بالمناسبة من اللاعبين كثيري الإصابات والغيابات، وبات مرشحا للرحيل فى يناير المقبل حسب التقارير الواردة من بعض الصحف الإنجليزية.

الملف الثانى المنسى فى قضية تدهور ليفربول بعد ملف عدم تحديث الفريق وثبات عناصره وحالة الملل التى قد تكون أصابت العديد من نجوم الفريق فى علاقتهم بمدرب الفريق يورجن كلوب، هو ملف رحيل المدير الرياضى مايكل إدواردز وهو من أبرز الاسماء التى ساهمت فى عودة ليفربول من جديد للقمة بعد عمل كبير عبر سنوات طويلة وصلت إلى 11 عاما تدرج خلالها عبر أكثر من منصب رياضى داخل القلعة الحمراء حتى بلغ منصب المدير الرياضى وغادر الصيف الماضى.

بدأ ادواردز عمله داخل ليفربول نهاية عام 2011 وكان منصبه الأول هو رئيس وحدة تحليل الأداء، وتم ترقيته سريعا بعد عام ونصف ليصبح مدير التحليل التقني للفريق الأول، ثم في 2015 أخذ خطوة أكبر وأصبح المدير التقني للنادي.

لذلك دلالتان، الأولى أن صلاحياته كانت تزيد مع كل يوم يقضيه بين جدران ليفربول ولذلك نجده أدخل تعديلات جذرية على منظومة استكشاف اللاعبين سواء بالفريق الأول أو فرق الشباب والأكاديمية وعمل أيضا على تقييم أداء الفريق مع مدربين كبار مثل كيني دالجليش وبريندان رودجرز ويورجن كلوب.

الدلالة الثانية هي ثقة الإدارة في إدواردز وتحضيره لدور أكبر يلعبه ضمن مشروع ليفربول الجديد، إذ يقول داميان كومولي المدير الرياضى السابق فى ليفربول في حوار مع صحيفة "ذا إندبندنت" إن الكل كان معجبا بذكاء مايكل وقدرته على الخروج بنتائج أفضل من التوقعات.

أما محرر موقع ليفربول إيكو مات أديسون فذكر أن إدواردز يركز على أدق التفاصيل لدرجة أنه يشبه المدرب بيب جوارديولا في هوسه ونشاطه، الفارق هو أنه يعمل بالمكتب وليس بالملعب.

الدليل على هذه الثقة أتى حين تضاربت الرؤى في اختيار اللاعبين بينه وبين المدرب برندان رودجرز، واعترض الأخير على توسع صلاحيات المدير التقني، وكان القرار لصالح إدواردز في النهاية.

أشهر تلك المرات ما يحكيه جوش ويليامز الكاتب المتخصص بشؤون الريدز عام 2015 عن إصرار إدواردز على التعاقد مع روبرتو فيرمينو وإيمري تشان ومامادو ساكو معتمدا في هذا على النماذج الإحصائية الدقيقة لحالة هذا الثلاثي ومعرفته للفارق الفني الذي يمكن أن يضيفوه إلى الفريق.

في المقابل لم يكن رودجرز متحمسا لأىٍ منهم وكان تركيزه مُنصبا على انتداب كريستيان بنتيكي وديان لوفرين وآدم لالانا. وهنا لم تتجاهل الإدارة مطالب مايكل، بل وثقت في رؤيته، والأيام أثبتت أنه كان على حق.

ضاق رودرجز ذرعا بمايكل، فهو لم يعتد وجود محلل يعرف كل صغيرة وكبيرة عن فريقه، ولم يحب أن يعارضه حين يود التعاقد مع لاعب معين ويخرج إحصائياته آخر موسمين ليؤكد وجهة نظره وبالتأكيد لم يفرح حين يعد تقارير إحصائية مفصلة عقب كل مباراة تشرح لماذا فاز أو خسر ليفربول وبالطبع هذه التقارير زادت في آخر موسم له مع ليفربول بعدما تمكن من تحقيق الفوز في 4 مباريات فقط من أصل 11 مباراة بالدوري، وهنا قررت الإدارة إقالته والإبقاء على المدير التقني بل ووضعت في اعتبارها تعيين مدرب جديد سيتوافق عمله مع وجود مايكل إدواردز.

Liverpool sporting director Michael Edwards set to leave club next summer  at end of contract - Eurosport

لذلك بعد تعيين الالمانى يورجن كلوب فى 2015 بعام واحد فقط وضمان الإدارة لوجود انسجام بينهما، أوكلت إلى إدواردز منصب المدير الرياضي وجعلت مكتبه الجديد في المركز التدريبي مقابلا لمكتب كلوب وكثيرا ما كان الألماني موجودا في مكتب مايكل يناقشه في القرارات اليومية وحالة اللاعبين، هذا قبل أن يذهب إدواردز للاجتماع بفريق الكشافين وإيان جراهام الذين يملؤون رأسه بالإحصائيات عن لاعبين ينوي التعاقد معهم الصيف المقبل.

يقول سيمون ويلسون صديق مايكل إدواردز إنه شخص جاد للغاية، صحيح يمتلك روح دعابة، لكنه يحتفظ بها خارج عمله وتبدو شخصيته قوية حين يتخذ قرارا لأنه يبني رأيه على أسس قوية تمكنه من إقناع الطرف الآخر والتفاوض معه في موقف أفضلية، هذا بجانب رغبته في تحسين أدائه كل عام.

لا يحب المدير الرياضي السابق لليفربول الحديث للإعلام وبالتالي لم ينجح أحد في سؤاله عن أسباب نجاحه والاستراتيجية الموضوعة التي يعمل وفقا لها بسوق الانتقالات، لكن يمكن أن نستنتج منها بعض الجوانب التي تمت ملاحظتها منذ 2016.

الجانب الأول اعتماده على الإحصائيات والبيانات الدقيقة لتحديد اللاعب المناسب لليفربول. صحيح أنه ليس النادي الوحيد في هذا الشأن بل أغلب الأندية تستعين بالأرقام لكنه توسع في استخدامها جدا حتى امتلك الريدز قاعدة بيانات تحوي معلومات إحصائية عن 100 ألف لاعب حول العالم.

الجانب الثاني ربما لم يلفت انتباه العديدين لكنه لا يقل أهمية وهو السرية والعمل بعيدا عن المؤثرات الخارجية وتحديدا الجماهيرية. إذ تعلّم إدواردز جيدا أن تسريب معلومة صغيرة قد يفسد الصفقة أو يسمح لأندية منافسة بالتدخل وخطفها فاتسم عمله بالسرية أغلب الوقت، وهكذا لم نعرف عن اهتمام ليفربول بفابينيو أو مينامينو أو جوتا إلا قبل الإعلان عن ضمّهم بوقت بسيط.

الشيء الآخر أن إستراتيجية ليفربول لا تتأثر بسهولة أو بمعنى أدق لا تستجيب للضغوط فالنادي لا يهرع لشراء لاعبين لأنه خسر بطولة أو سعيا لإرضاء الجماهير ليكتشف بعد ذلك أنه أنفق أموالا ضخمة على لاعبين دون المستوى.

الجانب الثالث نجاحه فى ضم نجوم الفرق التى تهبط للدرجة الأدنى بأسعار زهيدة مثلما فعل مع روبرتسون عندما ضمه من هال سيتى مقابل 7 مليون جنيه استرلينى وفابيو كارفاليو وهارفي إيليوت من فولهام ودانى انجز الذى باعه فيما بعد مقابل اكثر من 20 مليون استرلينى.

قدرة إدواردز على تسويق البدلاء والرديف لديه بأسعار مميزة تجعله قادرا فيما بعد على تمويل ضم نجوم فى حجم فيرجل فان دايك وساديو مانى ومحمد صلاح وأليسون ليصنعوا الفارق، ومثال آخر قدرته على تسويق مدافع بديل مثل الكرواتى لوفرين متوسط المستوى مقابل 12 مليون يورو ليعوض المبلغ الكبير الذى دفعه الريدز لضم المدافع الكرواتى فى 2014 لضمه من ساوثهمبتون بطلب من المدرب رودرجز مقابل 25 مليون يورو .

قصه معروفة للجميع حدثت بين إدواردز ويورجن كلوب الذى طلب التعاقد مع جناح باير ليفركوزن الالمانى جوليان براندت الذى انتقل لاحقا لبوروسيا دورتموند، بينما رفض إدواردز التعاقد مع اللاعب ورشح محمد صلاح جناح روما وتشيلسى السابق فى 2017 للانضمام لليفربول والبقية للتاريخ..

إدواردز رحل الصيف الماضي ورفض تجديد تعاقده وبالرغم من الإرث الكبير الذى تركه داخل ليفربول ولكن هناك خلل ما تشعر به وتلمسه من بعيد. فى صفقة مثل داروين نونيز الذى كلف خزينة ليفربول مبلغا يصل إلى 100 مليون استرلينى رغم أن اللاعب واعد ليس إلا، وهناك مخاطرة كبيرة بدفع هذا الرقم لهذا المهاجم صغير السن.

إدواردز انتهج سياسة حكيمة بتعاقدات ليفربول، حيث حرص على ضم نجوم لعبوا سابقا في الدورى الإنجليزي أو من داخله مباشرة لضمان سرعة تأقلمهم وقدرته على تسويقهم فيما بعد، مثلما فعل مع فان دايك ومانى القادمين من ساوثامبتون ومحمد صلاح الذى لعب سابقا لتشيلسى وجوتا الذى كان يلعب لنادى ولفرهامبتون وروبرتسون الذى كان يلعب لهال سيتى وميلنر من مانشستر سيتى وغيرهم..

ومن المعروف أن العديد من اللاعبين من خارج الدورى الانجليزى بحاجة لمزيد من الوقت للتأقلم على اجواء الدورى الإنجليزى صعب المراس، لذلك السؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا استثمر ليفربول 100 مليون استرلينى دفعة واحدة فى لاعب واحد واعد وليس نجم شباك مثل إرلينج هالاند، عكس سياسة النادي التي كانت تتسم بالحذر.

هل جاء التعاقد مع نونيز ومن قبله لويس دياز قادما من البرتغال يناير 2022 بايعاز من المدير الرياضى الجديد جوليان وارد والذى عمل فى مقتبل مشواره الرياضى كمدير لكشافة مانشستر سيتى داخل أمريكا اللاتينية؟ من المعروف إجادة جوليان للغة الإسبانية والبرتغالية مما جعل له دور كبير فى زيادة نطاق اللاعبين اللاتينين داخل الفريق وساهم بشكل واضح فى صفقة فابيو كارفاليو قادما من فولهام عن طريق الاتصال بالبيئة المحيطة باللاعب.

إذا جمعنا بعض أسباب التعاقد مع نونيز سنجد أنه قد يبدو حلا إضافيا لليفربول الذى بات يعانى أمام فرق التكتلات الدفاعية في آخر عامين، فى ظل عدم وجود مهاجم صريح والاعتماد على صلاح ومانى فى التهديف، وبالتالى وجود مهاجم طويل القامة يجيد التعامل مع عرضيات الظهيرين أرنولد وروبرتسون يمثل حلا إضافيا، وبالتأكيد حل آخر لتخفيف الضغط على محمد صلاح الذى تشير الاحصائيات أنه أحرز 6 أهداف فقط من لعب مفتوح منذ بداية عام 2022 مع ليفربول حتى ما قبل هاتريك رينجرز وأهدافه ضد سيتى وأياكس وليدز، وهو ما نلاحظه فى الهدف الثانى للنجم المصرى أمام فولام في مطلع الموسم الحالى، حينما تداخل نونيز مع قلبى دفاع وحارس فولام مما أتاح لصلاح متابعة الكرة الثانية وإحراز الهدف.

وإذا واصلنا تبرير الصفقة سنجد أن المهاجم يتميز بقدرته على اللعب فى الأطراف بنجاح مما يسمح بتبادل المراكز مع جناحى الفريق صلاح ودياز فى أى وقت، وسبب آخر وجيه قد يكون هو الرد الإعلامى على صفقة هالاند والسيتى حتى وإن كانت تكلفة نونيز ظاهريا تبدو أعلى، ولكنه يتوافق مع سياسات رواتب ليفربول، حيث لن يتخطى راتبه 140 ألف جنيه استرلينى أسبوعيا، بينما يتقاضى هالاند 375 ألف.

إدارة النادى الأحمر تجري حسابات دقيقة من الناحية المالية فالتكلفة الإجمالية فى 5 أعوام لهالاند ستكون أكبر من قيمة صفقة نونيز حتى إن كلفت صفقة نونيز مبلغ أكبر لناديه، لأن صفقة هالاند كلفت سيتي نظريا فقط 60 مليون يورو لدورتموند حسب تقارير صحفية.

هذه المسائل أيضا قد تعيق إدارة الريدز عن صفقة ضم جود بيلينجهام، فبينما قد يخاطر بسداد مبلغ بين 100 و120 مليون جنيه استرليني لدورتموند، فإنه لا ينوي دفع راتب يكسر الحاجز في ظل منافسة شرسة مع كبار الأندية لضم اللاعب.

السؤال هنا فى حال تواجد إدواردز هل كان سيسمح بصفقة مثل نونيز؟ أم كان سيفضل المبلغ لدعم أكثر من مركز سواء الوسط أو الجناح أو الظهير الأيمن بديل أرنولد. المبلغ بحد ذاته ليس المشكلة بل طريقة توجيهه في لاعب واحد، وقد يكون قرارا صائبا لو كان لأجل مهاجم بحجم هارى كين يجيد أدوار وخصائص متعددة توفر رأس الحربة الصريح والمهاجم الوهمي، مع سجل تهديفى مميز واعتياد على اجواء الدورى الإنجليزي فهو ثالث الهدافين فى تاريخه. الأكثر خطورة أن مواصفات نونيز لا تتوافق كليا مع تفكير كلوب تحديدا بعيوب لمسته الأولى للكرة.

السؤال يطرح نفسه مجددا هل كان ليفربول بحاجه لمهاجم صريح فى ظل وجود جوتا الذى قدم أفضل مستوياته الموسم الماضى مع الريدز بمساهمته فى 29 هدفا ما بين تسجيل 21 وصناعة 8؟ وهل من المنطقى جلوسه على دكة البدلاء؟ أو لعبه كأساسي مع تواجد نونيز كبديل بقيمة 100 مليون جنيه استرليني؟ جوتا نجح فى شغل مركز المهاجم الصريح مع ليفربول وقادر على لعب تلك الأدوار من الجناح الأيسر فهو ليس جناحا تقليديا، وبالتالى وجود نونيز سيحد من قدرات جوتا بشكل واضح مع الوضع فى الاعتبار أن لويس دياز بات الخيار المفضل لكلوب على الرواق الأيسر، وهو ما يقوض وضع البرتغالي بالفعل، وبعد نهاية ثلث الموسم تقريبا ألم يلحظ كلوب أن محاولات إدخال نونيز بخصائصه المختلفة تسبب في عمل فوضى بمنظومة ليفربول الهجومية وعناصرها.

الخسارة ليست فقط لجهود جوتا وأرقامه التهديفية ولكن صلاح ابتعد عن منطقة المرمى وبات يلعب بشكل أكبر على الخط أو عمق الوسط لتعويض غياب قلة الحلول الإبداعية القادمة من الوسط وبالتالي فهناك خسارة لأرقام صلاح التهديفية تستطيع استكشافها بسهولة من خلال إحصائيات الفرص المحققة التي وصلت إلى صلاح منذ بداية الموسم تضاف الى خسارة أرقام دييجو جوتا ولايزال نونيز حتى اللحظة يبحث عن الثقة والفرصة بعد إهدار ليفربول نصف نقاطه تقريبا فى الدورى وبات من الواضح أنه يعانى من صعوبة في الانسجام والتأقلم داخل بيئة ليفربول، ولم يكن تصريحه الأخير عقب مباراة رينجرز بغريب حيث قال "أجلس فى اجتماعات كلوب ولا أفهم ما يقوله اطلاقا فهو لا يجيد الإسبانية وأنا بدوري لا أفهم الإنجليزية وهناك من يساعدني في الترجمة" .

إذن أنت تبحث عن إدخال حل إضافي لمنظومة الفريق الهجومية ألزم النادي بسداد النادي 100 مليون جنيه استرلينى وما يقرب من 45 مليون استرلينى أخرى على شكل رواتب على مدار 6 أعوام فى حال بقاء اللاعب وكلف الفريق خسارة أرقام صلاح وجوتا وظهر جليا في مباراة أرسنال ابتعاد الثنائي عن منطقة الجزاء بمسافة لا تقل عن 20 ياردة للخلف بالإضافة إلى تغيير خطة اللعب إلى 4-2-3-1 أو 4-4-2 بدلا من 4-3-3 التقليدية التي ألزمت صلاح بمزيد من الواجبات الدفاعية، وهو أمر طبيعي فلعب دور الجناح فى خطة 4-2-3-1 يتطلب واجبات دفاعية إضافية. يضاف إليه تدهور مستوى أرنولد اما الجناح فيميل كونه مهاجم أكثر فى خطة 4-3-3 فتصبح واجباته الدفاعيه أقل باستثناء الضغط العالى من الأمام ولكن التراجع للخلف بعدد ياردات أكبر فى الخطة التى اعتمدها كلوب كحل للأزمة 4-2-3-1 مما جعل صلاح يبدو كشبح فى مباراة أرسنال ونفس الأمر لجوتا الذى تحول للجهة اليسرى بدلا من دياز المصاب أو مهاجم ثانى فى 4-4-2 وعندما تخسر أرقام أهم 3 لاعبين لديك بالمنظومة الهجومية صلاح – أرنولد – جوتا فالعيب يبدأ بالتأكيد من المدير الفنى نفسه يورجن كلوب الذى لا يزال فى طور اكتشاف دور لصاحب صفقة 100 مليون جنيه استرلينى حتى لو كان على حساب شكل الفريق الهجومى.

الأنسب للفريق كما ذكر أحد محللى "ليفربول إيكو" كان التعاقد مع مهاجم بمواصفات مختلفة تماما عن نونيز، او ضم جناح أيسر ينافس دياز مع ترك جوتا وفيرمينو كمهاجمين بشكل صريح مع اختلاف خصائصهما، والتركيز على دعم وسط الملعب بلاعبين لديهم القدرة على الإبداع لتخفيف الضغط على الأظهرة من الناحية الهجومية.

مشكلة صفقة نونيز ليست الزخم الإعلامي للصفقة أو تأثيرها الفنى أو قيمتها المالية بقدر ما تعكس اختلاف سياسات جوليان وارد عن سلفه السابق مايكل إدواردز قائد نهضة ليفربول الحقيقى منذ عام 2014، واختلاف تلك السياسات يبدو أنه أثر بشكل واضح حول رؤية النادى الأحمر واستراتجيته التى اعتاد عليها طوال السنوات الماضية.

"موهبة فيل فودين كانت واضحه جليه عندما أتيت للسيتى فى 2016. منذ أن شاهدته فى الأكاديمية أيقنت أنه مشروع موهبة كبيرة وربما يكون الموهبة الأفضل التى أراها فى هذا السن، وعلينا فقط الحرص على التدرج الذهنى مع اللاعب ومنحه المباريات بشكل تدريجي لأن التعامل مع اللاعبين الصغار يحتاج لأسلوب خاص نفسيا وفنيا".

التصريح السابق كان من بيب جوارديولا مكتشف موهبة فيل فودين فى 2017 عندما بدأ المشاركة مع الفريق الأول بعمر 17 عاما، وبات اللاعب في الموسم الحالى قطعة أساسية لا غنى داخل الفريق الأول، وبعض الصحفيين الإنجليز أكد أن من أسباب عدم ممانعة إدارة سيتي لرحيل سترلينج هو منح مساحة أكبر لفودين.

ما يعنينا فى ذلك هو حرص بيب على تدرج اللاعب فى المشاركات وعدم حرقه مبكرا، وهي آفة قد تصيب العديد من اللاعبين الانجليز الذين بدأوا بشكل مذهل ثم تراجعت مستوياتهم بشكل واضح والأمثلة كثيرة، مثل ديلي ألي وجادون سانشو وميسون جرينوود وروس باركلي وهودسون أودوي وغيرهم، خاصة أن الإعلام الإنجليزي يحتفى كثيرا باللاعبين الإنجليز ويعطيهم الأفضلية فى العناوين البارزة. حتى فودين نفسه تعرض للعديد من المشاكل خارج الملعب البعض منها يتعلق بعدم التزامه الكامل خارج المستطيل الأخضر.

الإحصائيات تشير إلى أن معدل مشاركات أرنولد في آخر عامين وصل إلى عدد كبير من المباريات، 43 مباراة تقريبا. لاعب صاعد تعرض للأضواء بشكل مكثف فى فترة زمنية قصيرة يسهل حرقه، بخلاف إمكانية تعرضه للإرهاق وتذبذبه ذهنيا ووصوله إلى التشبع السريع.

نفس السؤال من المفترض أن يوجه للألماني يورجن كلوب الذى واجه سالزبورج النمساوى بقيادة النرويجى هالاند، ورغم تألق مهاجم الفايكنج امام الريدز ولكن كلوب اختار التعاقد مع مينامينو الجناح اليابانى فى صفقة غريبة على الدورى الإنجليزي، فالجناح اليابانى يفتقد القوة البدنية اللازمة للتنافس بالدورى الإنجليزي والتى يتمتع بها نظيره النرويجى.

على أى حال مشاكل الريدز تبدو أعمق كثيرا من قصة بيع مانى المزعومة أو تراجع مستوى أرنولد أو هبوط مستوى صلاح الذى بات يقدم أدوارا إضافية وشامله بشكل أكبر.

السؤال يطرح نفسه هل سياتى الإصلاح من داخل النظام نفسه فى ليفربول مثلما فعل بيب جوارديولا بعدما أحضر أستاذه السابق خوانما ليلو لمساعدته عقب ضياع دورى 2020 ورحيل مساعده السابق مايكل أرتيتا ليأتى الإصلاح من ضمن نفس الاستراتيجية، فهل ينجح كلوب فى إعادة ترتيب البيت؟ أم سيكون الحل من خارج المقرر بعدما وصلت علاقة وقدرة كلوب على تحفيز لاعبيه إلى مستوى منحدر للغاية؟

التعليقات