رباعية تشافي وحلم الدوري.. صحوة حقيقية أم إفراط في التبجح؟

الإثنين، 21 مارس 2022 - 17:02

كتب : أحمد أباظة

تشافي هيرنانديز

يا لها من ليلة، تلك التي عاشها برشلونة في سانتياجو بيرنابيو. أربعة أهداف في معقل الغريم التاريخي بعد مباراة مثالية، لم يكن هناك مباراة أفضل لتتوج صحوة 12 مباراة متتالية بلا هزيمة.

ربما يمكن القول بأن النتيجة العريضة لم تكن متوقعة، ولكن لا يمكن القول بأن فوز برشلونة كان احتمالا مستبعدا. على النقيض تماما، كانت التخوفات في محلها، وكلها أمور لم يكن من الممكن طرحها في نوفمبر الماضي مثلا.

ماذا تغير؟ الكثير من الأشياء: المدرب وأسلوب اللعب والصفقات الجديدة وعقلية اللاعبين ومعنوياتهم بل وحتى خبرات بعضهم.

أكثر من مجرد مباراة

هذه الرباعية لم تكن من قبيل المصادفة، ولم تكن مجرد ظروف مباراة، ومع كامل الاحترام لقيمة كريم بنزيمة في ريال مدريد، فإن اختزال كل ما حدث في غيابه فقط إجحاف كبير للمباراة التي قدمها برشلونة بقيادة تشافي، وإعفاء لكارلو أنشيلوتي مما يجب أن يتحمله على الجانب الآخر.

بالنظر إلى تشكيل المباراة وحده يمكن ملاحظة التطور الفردي والجماعي، سواء في نوعية وافدي الشتاء مثل بيير إيميريك أوباميانج وفيران توريس (3 أهداف من الأربعة)، أو في البناء على مكتسبات ما سبق مثل بيدري ورونالد أروخو، ولكن الجانب الأبرز يظل من دبت الحياة في أوصالهم من جديد.

اسأل جماهير برشلونة عن أسماء مثل جيرارد بيكيه وسيرجيو بوسكيتس وعثمان ديمبيلي قبل 3 أشهر، ثم كرر السؤال الآن، ليس بعد رباعية الكلاسيكو حتى بل في الليلة التي سبقته على سبيل المثال..

متى كانت آخر مرة رأيت فيها جماهير البلوجرانا تشعر بالاطمئنان لوجود بيكيه وبوسكيتس في الملعب؟

بوسكيتس تحديدا حالته يسهل التأريخ لها، فقد بدأ هذا الانطباع عن انعدام قيمته وتحوله إلى عبء على الفريق ببداية حقبة فالفيردي، وواصل تعلقه في الأذهان إلى أن صار من المسلمات بنهاية فترة كومان.

ظهر السؤال المشروع عن التناقض الفج بين مستوى بوسكيتس مع برشلونة ومستواه مع منتخب إسبانيا تحت قيادة لويس إنريكي، وكأن الإجابة كانت خافية عن الأعين، فبمحض الصدفة، كان إنريكي آخر مدرب لمع معه بوسكيتس في كامب نو، ثم بدأت هذه المنظومة تتبخر، فانكشفت كل عيوبه ولم تعد هناك قيمة لمميزاته، ثم عادت هذه المنظومة، فتضاءلت عيوبه وعادت مميزاته إلى الواجهة، عملية معقدة بالطبع وتحيط بها العديد من التفاصيل الفنية والنفسية المعقدة، ولكنها في جوهرها بهذه البساطة حقا.

حالة عثمان ديمبيلي ليست بحاجة للمتابعة الدقيقة التي يتطلبها رصد قيمة لاعبي الوسط، فهو باختصار شديد للغاية قد صنع 9 أهداف في 12 مباراة بالدوري الإسباني تحت قيادة تشافي، وهو نفس عدد الأهداف التي صنعها في 65 مباراة تحت قيادة فالفيردي وكومان.. نحن لم ننسَ أن هناك مدربا -إن جاز التعبير- توسطهما، ولكنه لم يلعب معه من الأساس، فهو ذاك الزجاجي الذي لم يقدم للفريق شيئا يذكر في 4 سنوات ونصف، ثم بات من الركائز التي لا غنى عن قيمتها الفنية في نصف العام الأخير بعقده.

لسنا بصدد مناقشة ما إذا كان يجب تجديد عقده أم لا سواء على الصعيد الفني أو المالي والإداري بالنظر إلى مطالبه الكبيرة، فكل ما نريد الوصول إليه هنا هو الحقيقة الواضحة: لا يوجد لاعب واحد في برشلونة لم يتأثر إيجابا بقدوم تشافي.

"نحن برشلونة"

وإن كان الأثر الفني واضحا، فإن الأثر النفسي أكثر وضوحا.. هذا ليس نفس الجسد الخاوي من الروح الذي شاهدناه في بداية الموسم، وحتى لو تأخرت النتائج في بادئ التجربة التدريبية لأسطورة وسط برشلونة، كل شيء كان يشير يوما تلو الآخر أن العجلة تدور للأمام وليس العكس، بعد فترة لم يكن يبدو فيها أن هناك عجلة من الأساس.

حين نتحدث عن هذه التجربة، لا يجب أن نسقط من الأذهان هذه المشاهد التي قادتنا إلى هنا بترتيبها: 8 من بايرن – وصول كومان في محاولة بارتوميو الأخيرة لإنقاذ عرشه – استقالة بارتوميو – وصول لابورتا – ديون تفوق المليار يورو – رحيل ميسي – معاناة لتسجيل الصفقات المجانية التي لا يمكن إبرام ما سواها – إقالة كومان – وصول تشافي.

في أكثر السيناريوهات تفاؤلا، إصلاح كل ذلك ما كان ليتطلب أقل من 3 سنوات، ولكن بسرعة قياسية، وببعض القرارات الرياضية الصحيحة في حدود المتاح، وفي منتصف موسم شهد هبوط برشلونة إلى الدوري الأوروبي، فجأة صارت كل الأحلام مشروعة..

تحدثنا سابقا عن محاولة تشافي لترسيخ مفاهيم معينة في تصريحاته المتكررة حتى وإن كانت لا تمت للواقع بصلة. قبل مباراة بايرن ميونيخ (3-0) كان يقول بكل ثقة أن هذا الفريق هو برشلونة وأن عليه اللعب لأجل الفوز، رغم أن الجميع كان يعلم ما سيحدث، وليس من المبالغة إن قلنا أنه كان يعلم ذلك أيضا.

كل هذه الأحاديث التي كان ينظر إليها كمبالغات أو دغدغة لمشاعر الجماهير والتي لم يكن من الغريب أن تتحول إلى مادة للسخرية بالنظر لتنافرها الشديد مع كل المعطيات المتاحة، فجأة أصبحت ذات قيمة. فجأة لم تعد هذه الكلمات مجرد هراء، بل انتشرت كالعدوى بين اللاعبين والجماهير.

حلم مشروع؟

مع كل خطوة للأمام يرتفع سقف الطموح شيئا فشيئا، فمن التطلع لأداء جيد أمام نابولي في الدوري الأوروبي إلى البحث عن المنافس المرتقب في السوبر الأوروبي، ومن بلوغ مقاعد دوري أبطال أوروبا إلى المركز الثاني، والآن لقب الدوري.

يحق للجماهير أن تطلق لخيالها العنان، بل إن البعض على مواقع التواصل الاجتماعي بدأ يتوعد ليفربول وبايرن ميونيخ وكل من ترك بصمة تستدعي الثأر في الفترة الماضية، كل ذلك لا بأس به في إطار الخطاب الجماهيري حتى وإن كان مبكرا للغاية ومتغافلا عن نواقص لم يتم التعامل معها رغم كل شيء، ولكن جزئية لقب الدوري تحديدا باتت ضمن خطاب اللاعبين أنفسهم.

طُرح السؤال ذاته تقريبا على كل لاعبي برشلونة الذين صرحوا للإعلام عقب الكلاسيكو.. هل يملك برشلونة فرصة للفوز بالدوري؟

رونالد أراوخو قال: "هذا الفوز يوجه ضربة في جدول الترتيب، ويعني أننا قادرون مع التواضع اللازم لأنه لا يزال هناك الكثير من المباريات".

فيما قال سيرجيو بوسكيتس: "إذا كانت لدينا أدنى فرصة سنستغلها وسنحاول انتهازها. إنها صعبة للغاية، ولكن أي شيء يمكن أن يحدث في كرة القدم. أولا يجب أن نصل إلى المركز الثاني، ثم نفكر في الفوز بالألقاب والأهداف الأعلى، فنحن برشلونة".

أما داني ألفيش فقد صاغ الأمر بأقرب صيغة لصورته الواقعية قائلا: "تحقيق لقب الدوري سيكون صعبا لكنهم يتركون لنا الحلم والحلم مجاني لذلك فلنرى ما سيحدث".

نحن نتحدث هنا عن نفس الدوري الذي سلم الجميع بأن ريال مدريد سيكون بطله منذ أكتوبر. دعك من الماضي، نتحدث عن فارق 12 نقطة ومباراة مؤجلة. هناك الكثير مما تغير في كتالونيا خلال الأشهر الماضية، ولكن كل ما تغير حتى يبدأ الحديث عن لقب الدوري هو تقلص الفارق إلى 3 نقاط.

عمليا، برشلونة سيواجه إشبيلية وليفانتي وقادش وريال سوسيداد ورايو فايكانو ومايوركا وريال بيتيس وسيلتا فيجو وخيتافي وفياريال فيما تبقى أمامه من مباريات.

من ناحية انتهى أمر العديد من المباريات الثقيلة كرويا، ولكن من ناحية أخرى إشبيلية منافس مباشر، وفياريال يهوى إفساد ليالي الكبار، وفوز برشلونة الأصعب في الليجا مؤخرا كان أمام إلتشي، بينما كان تعثره الأخير أمام إسبانيول. بكلمات أخرى، لا ضمان لاستمرار هذه الحالة إلا بترجمة الصحوة إلى المزيد من الانتصارات المتتالية.

على الجانب الآخر يلعب ريال مدريد ضد سيلتا فيجو وخيتافي وإشبيلية وأوساسونا وإسبانيول وأتلتيكو مدريد وليفانتي وقادش وريال بيتيس. صحيح أنه سيواجه إشبيلية وأتلتيكو، ولكن ريال مدريد يملك بعض العادات التي نعرفها في مثل هذه المباريات.

للأمانة، استعراض أسماء الخصوم لا يعني الكثير حقا إلا من باب العلم بالشيء، فالحقيقة تظل أن برشلونة بحاجة للفوز بمباراته المؤجلة وسيتساوى مع إشبيلية، ثم -على سبيل الفرض الجدلي- سيفوز ببقية مبارياته، وحينها لن يظل ذلك كافيا، فهو بحاجة لأن يفقد ريال مدريد 9 نقاط في آخر 9 جولات.

الحلم مجاني ولكن دعونا لا ننسى من أين بدأ كل ذلك. الحلم مجاني ولكن تحقيق هذا الدوري بالنظر إليه من بدايته إلى نهايته لن يكون حلما بل معجزة. تشافي لم يكن مطالبا بأي شيء سوى التأهل لدوري أبطال أوروبا، وسواء وصلت هذه الصحوة إلى معجزة كتلك أو لا، هذا لن يغير ما تم حتى الآن، ولن يغير من أولويات البناء في الموسم الماضي، وإن كان سيضع النادي على نقطة انطلاق أفضل.

التعليقات