كأس العرب - منتخب لبنان.. الانفجار لم يكن في مرفأ بيروت فقط

الإثنين، 29 نوفمبر 2021 - 13:17

كتب : فادي أشرف

منتخب لبنان - كأس العرب

في لبنان، الخصم في الملعب هو ذاته الخصم خارجه..

في 12 أكتوبر الماضي، عاش لبنان لحظة نادرة من الوحدة بفضل هدفي محمد جلال قدوح وهدف سوني سعد، وفوز نادر على الشقيق الذي طالما ما كانت العلاقة مع مشتبكة، سوريا، 3-2 في تصفيات كأس العالم ليحصد منتخب الأرز خامس نقطة له ويصبح في المركز الثالث في مجموعته بـ 5 نقاط، خلف إيران بـ 10 نقاط وكوريا الجنوبية بـ 8 نقاط، ومتفوقا على منتخبات كبرى وتتفوق على لبنان بحكم الإمكانيات والظروف والتاريخ، مثل الإمارات والعراق وسوريا قبل أن يتعرض الفريق لخسارة أمام منتخبي إيران والإمارات ويهبط للمركز الرابع بفارق نقطة عن المركز الثالث المؤهل للملحق.

ربما سيكون من العدل القول إن كرة القدم في لبنان مريضة بنفس داء المجتمع اللبناني: طائفية متأصلة في كل مجالات الحياة، وثقافة محاصصة لا تضع الأجدر في مكانه، فلم تجد جريدة "الأخبار" اللبنانية الشهيرة إنجازات تٌذكر للمرشحين لانتخابات اتحاد الكرة هناك، سوى ذكر انتمائاتهم السياسية.

على عكس 15 دولة أخرى مشاركة في كأس العرب، لا تعد كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في لبنان، بل تتراجع لصالح كرة السلة. اللعبة في لبنان بدأت تقريبا في عام 1908 حينما كانت بلاد الأرز مقاطعة عثمانية، ووجدت اللعبة قبولا شديدا وسط طلاب الجامعة الأمريكية في بيروت ذات المكان المميز قرب شاطئ المتوسط الساحر في باريس الشرق، ولكن مهلا، لم تكن مسماة بذلك الاسم في ذلك التوقيت. باريس الشرق لقب لم تحصل عليه بيروت سوى بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في 1918 بعد أن أصبحت بلاد الأرز محمية فرنسية، لتصبح للعبة شعبية كبرى وسط الجنود الفرنسيين المنغمسين داخل المجتمع المسيحي المحلي، وبعد ذلك التاريخ بقليل، وتحديدا في 1933، تأسس الاتحاد اللبناني لكرة القدم، ولعب المباراة الرسمية الأولى له في 1935.

صورة بانورامية لحال الكرة اللبنانية

يروي الكاتب الصحفي اللبناني إسماعيل حيدر عبر جريدة السفير في 2015: "بين استاد المدينة الرياضية ومكاتب نادي النجمة مئات الأمتار، وبين الإثنين ملعب بيروت البلدي ونادي الأنصار، وعلى بعد شارعين نادي الصفاء، هنا كان النجوم يكتبون تاريخ اللعبة وكانت الناس تتغنى بهم وتستمتع بمهاراتهم. ثلاثة أندية هي اليوم ركيزة أساسية لكرة القدم اللبنانية، تتواجد كلها في منطقة واحدة، لكن ميولها الإدارية تختلف في الاتجاه والدعم والجماهير. وبعيدا في مكان آخر من الجهة الشرقية لبيروت يتواجد ملعب آخر يحمل اسم الحي الذي يعجّ بالطائفتين الأرمنية والمسيحية فبرج حمود الذي كان دائما مقرا لناديي الهومنتمان والهومنمن، كان ملتقى أيضا لأندية الراسينج والحكمة والاستقلال ولم يهدأ على مدار الحقبة التاريخية الماضية".

ويضيف حيدر "هذا التقسيم الذي فرضته الميول والغايات هنا وهناك، فتحول طائفيا بشكل بحت، ورغم أن الأمر لم يكن يعني للأندية أي شيء في البداية، لكنه شكّل جزءا من التركيبة الطائفية الكروية وأجّجه التوزيع الديمغرافي للجماهير، فبات كل نادٍ يمثل شريحة واسعة من الناس. مخضرمون ونجوم من المسلمين والمسيحيين، كان لهم جمهور آخر لا يخرج عن الأصول إلا أحيانا، فكل منطقة لها ظروفها وكيانها الطائفي الرياضي".

ويكمل حيدر، مشخصا طائفية كرة القدم اللبنانية: "الخصم هو نفسه في الملعب وخارجه، إن كان بالتشجيع أو بالكلام أو بغيره، فلا أحد يستطيع أن يتنكر بأن كرة القدم اللبنانية هي امتداد لتراكمات تاريخية، كانت قبل الحرب الأهلية، ثم انتقلت الى ما بعدها، تغير فيها الكثير من المكونات التي حملت بعدا سياسيا وطائفيا وتحولات في البنية والعقيدة. وتأثرت اللعبة كثيرا بالحرب، هي كانت قبلها نارا تحت الرماد، وكأن الأندية التي اعتادت ان تجمع لاعبين مسلمين ومسيحيين، على مدى سنوات طويلة أخرجت مكنوناتها، على أرض الملعب، وبدأت فرزا ديموجرافيا يتناسب مع ميول الإدارات فأصبح كل ناد له وظيفته التي تعبر عن فئة معينة تديرها الزعامات والتيارات السياسية. كانت اللعبة قبل الحرب عبارة عن أندية مقسمة حسب المناطق، إذ إن الاختلاط بين الطوائف يومها لم يمنع اللاعبين من اللعب في بعض الأندية التي هي بطبيعتها اسلامية أو مسيحية، لذلك كانت التشكيلات خليطا ممزوجا من كل الطوائف، من دون التفكير بالخلفيات وتوابعها".

وينتقل حيدر للوضع الحالي قائلا: " وبالفعل فقد أصبح كل نادٍ ينتمي إلى طائفة او حزب، بات النجمة مسؤولا من آل الحريري الذين تعهدوا بعملية التمويل، لكن جمهوره الكبير كان عبارة عن مناصرين من أكثريته من الطائفة الشيعية وانضوى الأنصار تحت لواء تيار المستقبل وتحوّلت إدارة الراسينج من موالية لحزب الكتائب قبل الحرب الى إدارة تتلقى الدعم من النائب هنري فرعون التابع أيضا لتيار المستقبل. وكان العهد مفاجأة المنافسين على الألقاب وهو النادي الذي يمثل وجها رياضيا لـ حزب الله وإدارته الموالية له، وتوزعت باقي الأندية على الطوائف أيضا فأصبح للطائفة الدرزية ناديين هما الصفاء و الأخاء الأهلي عاليه، وبات الحكمة المحسوب على مدرسة الحكمة المارونية يضم لجنة إدارية تابعة للقوات اللبنانية. إنه عمر من تاريخ كرة القدم، أكثر من 40 سنة على الحرب لم تغيّر في ذهنية العاملين في إدارات الفرق.. هي صورة بانورامية موجزة لحال الأندية".

الانفجار لم يكن في المرفأ فقط

ربما لم يشهد تاريخ الدولة اللبنانية الممتلئ بالأحداث المتلاحقة حدثين بضخامة الحرب الأهلية التي استمرت بين 1975 و1990 وحصدت أرواح ما يقرب من 120 ألف لبناني، وانفجار 4 آب (أغسطس) 2020 في مرفأ بيروت والذي أضاف إلى أوجاع الأزمة الاقتصادية والوباء جرحا غائرا لم يندمل حتى الآن.

انفجار مرفأ بيروت.. المجموعات الرئيسية في غرب آسيا توجه رسالة للأمم المتحدة  ووزراء البيئة العرب - RT Arabic

حيث بدأت فكرة كأس العرب، المدينة الرياضية ببيروت التي تعرف مجازا باستاد كميل شمعون، أين لُعبت أول بطولة عربية للمنتخبات عام 1963 بين لبنان والأردن والكويت وتونس وسوريا، وفاز بها نسور قرطاج وحل لبنان به ثالثا أصبح حطاما.

استاد كميل شمعون قد يعد رمزا لقدرة لبنان على الحياة رغم الظروف الصعبة المتلاحقة، فقد عاد من تحت الرماد بعد الاجتياح الإسرائيلي في 1982، وصمد خلال 25 عاما من الاقتتال الأهلي، ولكنه عاد واستضاف دورة الألعاب العربية في 1997 وكأس آسيا للأمم في 2000، ودورة الألعاب الفرانكفونية في 2009.

ولكن انفجار المرفأ أضر استاد كميل شمعون ضررا لم تنصلح تبعاته حتى الآن، مثل لبنان إلى حد ما.

Camille Chamoun Sports City – CCSC Beirut, Lebanon

ذلك المزيج من الظروف الصعبة مع الإهمال والفساد ضرب ملعب بيروت البلدي، وملعب بلدية برج حمود في العاصمة، ليصبحوا خير ممثل لصورة وظرف صعب تمر به كرة القدم، والرياضة، ولبنان ككل.

الانفجار لم يضرب المرفأ فقط بل ضرب لبنان كله، وكرة القدم ليست بمعزل، والخصم ليس دائما الطائفة الأخرى، بل الطائفية والفساد.

--

احتاج لبنان لهدف هلال الحلوة في الدقيقة 46 على استاد خليفة الدولي في الدوحة، للتغلب على منتخب جيبوتي والتأهل للأدوار النهائية من كأس العرب.

لبنان تفوز على جيبوتي بهدف وتصعد لكأس العرب

مشاركة لبنان في كأس العرب ستكون التاسعة، ولرجال الأرز تاريخ مشرف في البطولة.

فكرة كأس العرب فكرة لبنانية في الأساس، واستضاف استاد كميل شمعون الدورة الأولى في 1963 وحقق المنتخب أول فوز في تاريخ البطولة على حساب الكويت 6-0.

احتل لبنان المركز الثالث آنذاك في أفضل إنجاز للبنانيين، وحصد المركز الرابع في الكويت بعد ذلك التاريخ بعام، وهو المركز الذي كرره في 1966 كذلك في العراق. منتخب لبنان هو ثان أكثر منتخب شارك في البطولة بـ 8 مشاركات بعد الأردن، ولعبوا في البطولة 27 مباراة فازوا في 8 منهم وتعادلوا في 7 وخسروا 12 مرة، وكل مشاركاته في البطولة من بعد 1966 شهدت خروجه من الدور الأول.

يدخل منتخب لبنان نسخة 2021 في المجموعة الرابعة، ضد مصر والجزائر والسودان بترتيب مواجهاته في قطر.

حسن معتوق قائد منتخب لبنان والمهدد عن الغياب عنها بسبب الإصابة قال لـ FilGoal.com: "بوجود منتخبين مثل مصر والجزائر قد لا نعد مطالبين بالتأهل من تلك المجموعة لذا قد نلعب من دون ضغوط. بحكم مواجهتنا لمنتخبات قوية سنستمتع بتلك المباريات وننتظر مثل تلك المباريات".

ولكن معتوق استدرك "لكننا سنذهب إلى الدوحة بأمل التأهل إلى الدور الثاني. نمر بفترة جيدة في تصفيات كأس العالم ولدينا روح معنوية عالية".

قد يعود جزء من تفوق منتخب لبنان النسبي حاليا إلى التشيكي إيفان هاسيك مدرب الفريق، الذي قال في يوليو الماضي إنه يستهدف المرور إلى الدور الثاني من مجموعته الصعبة في قطر.

هاسيك: تعادلنا مع الظفرة بسبب إضاعتنا فرصاً كثيرة

فهل يفجر لبنان مفاجأة مدوية في كأس العرب ضد العملاقين المصري والجزائري والمنتخب السوداني القوي، أم تمر المشاركة مرور الكرام كما مرت كل تحدياته في السنوات الماضية؟

التعليقات