كأس العرب - تونس والسعودية 2006.. ملحمة الجابر والجعايدي

السبت، 27 نوفمبر 2021 - 15:46

كتب : أحمد أباظة

تونس × السعودية - كأس العالم 2006

ليس من المحتمل أن نشهد مواجهة بين تونس والسعودية في كأس العرب قبل نصف النهائي وربما النهائي كونهما لا يتقاطع طريقهما في ربع النهائي، حيث يتواجد نسور قرطاج في المجموعة الثانية مع الإمارات وسوريا وموريتانيا، بينما يتواجد الأخضر في المجموعة الثالثة مع المغرب وفلسطين والأردن.

ولكن وإن كانت واحدة من المواجهات المنتظرة على قلة حدوثها كون منتخب تونس ينتمي إلى إفريقيا بينما ينتمي منتخب السعودية إلى آسيا، وبالتالي تندر المناسبات التي تجمعها، إلا أن أشهر هذه المناسبات وقعت في أهم المحافل الكروية على الإطلاق: كأس العالم 2006.

كانت هذه هي المواجهة السادسة من أصل 7 بين المنتخبين في التاريخ، إجمالا فاز المنتخب التونسي 3 مرات مقابل انتصارين لنظيره السعودي وتعادلين، حديثنا عن أحدهما، وأكثرهم إثارة على الإطلاق.

سجل منتخب تونس 7 أهداف في شباك السعودية، أولهم أتى في الثلاثين من سبتمبر 1976 في مباراة ودية احتضنتها بلاد الحرمين تحديدا في الدمام، وانتهت بفوز نسور قرطاج الأول بهذا الهدف.

المناسبة التالية استضافتها الرياض في الثامن من مارس 1981، وانتهت بفوز آخر لصالح تونس بهدفين مقابل هدف كان أول أهداف السعودية الستة في شباك منتخب الشمال الإفريقي.

يتجدد اللقاء في 28 يوليو 1985 وللمرة الثالثة في مناسبة ودية، ولكن هذه المرة في تونس العاصمة، وكُتب لأصحاب الأرض الفوز الثالث بهدف نظيف.

أول لقاء ذو طابع رسمي بين الطرفين كان في العاصمة الأردنية عمان، تحديدا في الحادي عشر من يوليو 1988 ضمن منافسات كأس العرب للمرة الأولى والأخيرة -حتى الآن- وانتهى بأول تعادل بينهما (1-1) في دور المجموعات، ولم يحالف أي منهما الحظ لعبور هذه المجموعة.

العام ذاته شهد المواجهة الخامسة بين السعودية وتونس في الثالث والعشرين من نوفمبر على أراضي الدمام، وحقق الأخضر فوزه الأول بهدف نظيف.

المواجهة السابعة أقيمت وديا في رادس بتاريخ 14 أكتوبر 2009 وفاز بها السعوديون 1-0 بهدف ناصر الشمراني في الدقيقة الثانية، أما السادسة فهي مربط الفرس..

14 يونيو 2006 في ميونيخ.. الجولة الأولى لمنافسات المجموعة الثامنة في كأس العالم

من 5 يونيو 2004 إلى 8 أكتوبر 2005 خاض منتخب تونس المعترك الإفريقي لاقتناص بطاقة التأهل إلى كأس العالم، بانتصارين على بوتسوانا ومثلهما على كينيا، وفوز وخسارة أمام غينيا، وفوز وتعادل أمام مالاوي وتعادل أول مع المغرب، وصولا إلى اليوم الأخير في عمر التصفيات..

جمع منتخب تونس 20 نقطة من 9 مباريات على صدارة المجموعة، بفارق نقطة واحدة عن المغرب الذي ضرب معه موعدا ناريا في الجولة الأخيرة..

المباراة التي أقيمت على الأراضي التونسية شهدت تقدما مغربيا مبكرا بتوقيع مروان الشماخ في الدقيقة 3، فيما تعادل نسور قرطاج من ركلة جزاء سجلها خوسيه كلايتون في الدقيقة 18.

عاود الشماخ التقدم في الدقيقة 43، ولكن هدف طلال القرقوري العكسي في الدقيقة 68 منح أبناء تونس التعادل الذي كان يحتاج إليه، والنقطة 21 التي كانت تعني بلوغ كأس العالم على حساب المغرب الذي توقف عند 20 نقطة.

لا يملك المنتخب السعودي قصة مثيرة كهذه، إذ اجتاز التصفيات الأولية بالعلامة الكاملة (18 نقطة) على حساب إندونيسيا وتركمانستان وسريلانكا، ليصل إلى التصفيات النهائية التي أقيمت من مجموعتين يتأهل منها أصحاب المركز الاول والثاني مباشرة.

مجموعة السعودية ضمت أوزبكستان وكوريا الجنوبية والكويت، ورغم تعادله في الدور الأول مع أوزبكستان 1-1 والكويت 0-0 ليجمع 5 نقاط بفضل فوزه على كوريا، هزم الأخضر خصومه الثلاثة في الدور الثاني ليرفع رصيده إلى 14 نقطة في الصدارة ويتأهل بفارق 4 نقاط عن كوريا و9 نقاط عن أوزبكستان الثالث الذي واجه البحرين على بطاقة الملحق.

حقق السعودية وتونس تأهلهما الرابع إلى كأس العالم في تاريخهما، من أصل 5 لكل منهما، وللمفارقة كان التأهل الخامس لكل منهما في نفس النسخة (2018)..

في حقيقة الأمر تصادف تأهل المنتخبين معا إلى كأس العالم 4 مرات من 5، حيث اجتمعا في نسخ 1998 و2002 و2006 و2018، فقط التأهل الأول لكل منهما لم يجمعهما معا، حيث تأهل منتخب تونس للمرة الأولى عام 1978، فيما أتى ظهور السعودية المونديالي الأول عام 1994.

هذه لم تكن المواجهة الأولى بين السعودية والأشقاء العرب في كأس العالم، حيث أوقعته قرعة المشاركة الأولى عام 1994 مع المغرب في مجموعة واحدة، وكان فوز الأخضر (2-1) محوريا في تأهله لدور الـ16، أكبر إنجازاته في كأس العالم حتى الآن.

أما على الصعيد الإفريقي، فقد جرت العادة أن تضم مجموعة السعودية منتخبا من القارة السمراء، في البدء كان المغرب، ثم جنوب إفريقيا في 1998 والكاميرون في 2002، وفي 2018 استمرت هذه العادة بوجود مصر.

على الناحية الأخرى لم يسبق لمنتخب تونس مواجهة أي فريق عربي من قبل، بينما واجه فريق آسيوي وحيد في النسخة السابقة (2002) وهو المضيف الياباني.

بطبيعة الحال كان نسور قرطاج يتطلعون لمشاركة أفضل من سابقتها، والتي انتهت بخسارتين أمام روسيا واليابان وتعادل وحيد مع بلجيكا، سجل خلاله رؤوف بوزيان هدف بلاده الوحيد في مونديال 2002، ولكن على الجانب الآخر، كان المنتخب السعودي يسعى بكل جهده لمحو ذكريات المشاركة السابقة..

الأخضر في مجموعات 2002 لم يحصد نقطة ولم يسجل هدفا، ولكن هذا لم يكن أسوأ ما حدث، بل ثمانية ألمانيا الشهيرة في المباراة الأولى، وليزداد الطين بلة غادر دور مجموعات كأس آسيا 2004 بتعادل مع تركمنستان وخسارتين أمام أوزبكستان والعراق.

على الناحية الأخرى دخل منتخب تونس هذا المونديال وهو بطل إفريقيا للمرة الأولى في تاريخه (2004)، بكتيبة خالدة في تاريخ نسور قرطاج، تضم أمثال على بمنيجل وخالد بدرة وحاتم الطرابلسي ورياض بوعزيزي وزياد الجزيري ومهدي النفطي وراضي الجعايدي وكريم حجي وجوهر المناري وغيرهم.

يأتي ذلك في مواجهة جيل سعودي تحفظه ذاكرة المتابع جيدا.. محمد الدعيع وحسين عبد الغني ورضا تكر ونواف التمياط ومحمد نور وياسر القحطاني وسامي الجابر، أول الأسماء وآخرها لعبا 4 نسخ متتالية لكأس العالم من 1994 وحتى 2006 بالقميص الأخضر.

أوقعت القرعة الثنائي العربي في المجموعة الثامنة مع إسبانيا وأوكرانيا، وجاءت المواجهة الأولى بينهما.. تونس بقيادة روجيه لومير بطل إفريقيا قبل عامين، وبطل يورو 2000 مع منتخب فرنسا قبل 6 أعوام، وبطل كأس العالم 1998 كمدرب مساعد قبل 8 أعوام، تواجه السعودية بقيادة ماركوس باكيتا، الرجل الذي سيدرب الزمالك لأقل من شهر في الأيام الأخيرة لعام 2015.

ملعب أليانز أرينا تحت أنظار 66 ألف متفرج.. صافرة الحكم الأسترالي مارك شيلد تعلن انطلاق المباراة

الدقيقة 23 .. الكرة تحلق إلى منطقة جزاء السعودية، يحاول رضا تكر إبعادها بالرأس ولكن لم يوفق على الإطلاق، لترتطم رأسيته الضعيفة بزميله حمد المنتشري لتصل إلى الرجل الذي كان ينتظرها، زياد الجزيري وتسديدة طائرة ولا أروع لم يرَها مبروك زايد إلا وهي في شباكه.

تقدم طمأن تونس بنهاية الشوط الأول، وسمح للفريق بالتراجع وتأمين هذه النتيجة، الأمر الذي كان "الخطأ القاتل" الذي ارتكبه نسور قرطاج بحد وصف "بي بي سي"، حيث ازداد الأخضر جرأة في الشوط الثاني، وبرز دور محمد نور أسطورة اتحاد جدة في التقدم من الوسط إلى مواقع أكثر خطورة وبالفعل كاد أن يسجل لولا قفاز بومنيجل.

الدقيقة 57.. باكيتا ينال مكافأة هجومه بعرضية من نور، قابلها ياسر القحطاني بلمسة واحدة قوية في أعلى الشباك من الزاوية الضيقة حيث كان بومنيجل واقفا، ولكن ماذا كان يمكنه أن يفعل؟

الدقيقة 82.. الأسطورة سامي الجابر يأتي بديلا على حساب ياسر القحطاني، وبعد دقيقتين (84) تصله الكرة وحده على اليسار، ليدخل المنطقة ويضعها على يسار بومنيجل الذي اضطر إلى الخروج لمقابلته.. هدفه الثالث في كأس العالم، وهدفه الأول من لعب مفتوح بعد ركلة جزاء في شباك المغرب 94، وأخرى في شباك جنوب إفريقيا 98، وخير مشهد ختامي عالمي لمسيرة النجم الذي سيعلن اعتزاله لاحقا في صيف 2007.

فاز منتخب السعودية؟ كاد.. وكاد أن يسجل الثالث أيضا بركلة حرة من حسين عبد الغني غيرت اتجاهها وضربت العارضة، ولكن في التسعين، كان لمدافع بولتون آنذاك راضي الجعايدي رأي آخر، بارتقائه لعرضية الجزيري من اليمين متبعا إياها برأسية في شباك زايد.

سيخسر منتخب تونس أمام إسبانيا 3-1، ويسقط الفريق السعودي على يد أوكرانيا برباعية نظيفة، ثم يتبادلا الأدوار ويخسر كل منهما أمام خصم الآخر بهدف نظيف لتنتهي الحكاية، بعد أن كتبا لنا فصلا لا ينسى من تاريخ الكرة العربية ومتعتها.

التعليقات