في اليد بندقية والكرة بين الأقدام.. كيف ساهمت لعبة الفقراء باستقلال العرب
الخميس، 25 نوفمبر 2021 - 20:02
كتب : أحمد العريان
يتقاسمون اللغة والحاضر والمستقبل، ومن قبلهم التاريخ، والثقافة والجغرافيا. وكذلك تقاسم العرب نضالهم أمام الاستعمار، وحب كرة القدم.
438 مليون عربي يتقاسمون الماضي والحاضر، ويتقاسم أغلبهم حب كرة القدم منذ القِدم، فكانت كرة القدم جزءًا من قصة نضالهم لتأكيد هويتهم على طريقهم لنيل الاستقلال.
على أرض قطر، وخلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 18 ديسمبر، سيجتمع العرب مجددًا للمشاركة في نسخة جديدة من كأس العرب تحت رعاية FIFA.
تجمع يعيد لأذهاننا تجمعات أخرى شهدتها أقطار عربية مختلفة اتفق العرب فيها على الأهداف حتى ولو لم يكن هذا الاتفاق ناتجًا عن تنسيق فيما بينهم. نعم فقد تجمع العرب على فكرة محاربة الاستعمار بواسطة كرة القدم، لكن في أزمنة وأماكن متفرقة.
مصر
في مصر، كانت كرة القدم إحدى أولى الصيحات التي أطلقها المصريون في وجه الاستعمار البريطاني.
مع بداية القرن العشرين، كان الصراع على أشده ضد الإنجليز من أجل نيل استقلال مصر، ولم تتخلف ساحات كرة القدم عن هذا الصراع من أجل تجسيد الهوية الوطنية أمام زحف الاستعمار لـ "جلنزة" كل ما هو مصري.
مر كفاح المصريين لتمصير كرة القدم بمرحلتين، تمثلت المرحلة الأولى في إنشاء الأندية الوطنية في مواجهة أندية الأجانب المنتشرة في مصر في ذلك الوقت، فكان ظهور أندية مثل "الأهلي" و"الاتحاد السكندري" و"المصري" خطوات رمزية على هذا الطريق، وكذلك كان كفاح المصريين الأعضاء في نادي "المختلط" (الزمالك) لطرد الأجانب منه وتمصيره بعد سنوات قليلة من إنشائه خطوة أخرى على طريق السعي لتأكيد الهوية الوطنية لكرة القدم في مصر.
ثم جاء عام 1921 ليشهد تكاتف هذه الأندية الوطنية وخوضهم معركة إنشاء أول اتحاد مصري وعربي لكرة قدم في مواجهة المحاولات البريطانية لفرض إنشاء "اتحاد مصري إنجليزي مختلط لكرة القدم"، وهي المعركة التي نجحت الأندية الوطنية في كسبها وتأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم في 3 ديسمبر 1921، فحققت بذلك إنجازًا لقضية الاستقلال الوطني المصري عن بريطانيا سبق حتى الاعتراف البريطاني الصوري باستقلال مصر بموجب تصريح 28 فبراير 1922.
ليس هذا فحسب، بل كان انضمام الاتحاد المصري لكرة القدم إلى الاتحاد الدولي "FIFA" في عام 1923 والذي سبق هو الآخر انضمام مصر لعصبة الأمم، أحد أوائل مظاهر التعبير عن ذاتية مصر واستقلاليتها عن التاج البريطاني على الصعيد الدولي.
ولمنتخب مصر دوره المشرف تاريخيًا لنصرة القضايا العربية والأفريقية العادلة، فكثيرًا ما ضحت الكرة المصرية بصناعة أمجاد لها من أجل اتخاذ مواقف عربية أو أفريقية مٌشرفة.
فمنتخب مصر وصل إلى المرحلة الثانية من تصفيات كأس العالم 1958 بالسويد، ورغم فرصه الكبيرة للصعود إلى المونديال، إلا أنه قرر الانسحاب وبرفقته منتخبات سوريا والسودان وقبرص وإندونيسيا والصين الشعبية، بسبب مشاركة إسرائيل في هذه التصفيات.
وبالمثل، انسحب منتخب مصر من التصفيات مجددًا قبل مونديال إنجلترا 1966، وكان الانسحاب هذه المرة رفقة منتخبات قارة أفريقيا بأكملها، والسبب هو إقامة البطولة في إنجلترا التي كانت حينها تحتل أغلب دول أفريقيا، وبالتالي اتخذت الدول الأفريقية موقفًا موحدًا مشرفًا بعدم المشاركة في البطولة وقاطعوها.
أخيرًا كان الانسحاب من تصفيات كأس العالم 1970 في خضم ظروف الاستعداد لخوض حرب أكتوبر المجيدة عام 1973.
كان هذا جزءًا من تاريخ نضال الكرة المصرية، لكنه ليس كل تاريخ النضال العربي بواسطة كرة القدم.
الجزائر
في الجزائر، كانت ملحمة كبرى أخرى صنعها شعب ثائر في مواجهة الاستعمار الفرنسي الغاشم، معركة كان محور الصراع الدائم فيها هو قضية "الهوية".
"مولودية الجزائر"، و"مولودية وهران"، و"مولودية بجاية"، وغيرهم الكثير، هل فكرت يومًا في سبب تكرار تسمية العديد من الأندية الجزائرية الشهيرة باسم "المولودية"؟ السبب باختصار أن كلمة "المولودية" جاءت تيمنًا بالمولد النبوي الشريف الذي صادف تاريخ إنشاء أول هذه الأندية وهو "مولودية الجزائر"، فكان حرص المؤسسين على هذه التسمية بمثابة تأكيد منهم على الهوية العربية والإسلامية للجزائر في وقت كان يحارب فيه الاستعمار الفرنسي لمحاولة طمس أي من مظاهر هذه الهوية.
"نحن ثرنا فحياة أو ممات، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر، فاشهدوا فاشهدوا فاشهدوا". يعجبكم النشيد الوطني الجزائري الحماسي حين يردده اللاعبون على ألحان الفنان المصري العبقري محمد فوزي؟ تاريخ تكوين منتخب الجزائر لا يقل حماسة ولا عبقرية عن نشيدها في التعبير عن النضال لاستقلال الجزائر.
إن نظرت للتاريخ، فستجد أن أغلب منتخبات العالم تتأسس في أعقاب نشأة الدول، لكن منتخب الجزائر كان مختلفًا، فقد تأسس كجزء من كفاح الشعب لانتزاع استقلاله من براثن الفرنسيين.
في العشرين من أغسطس عام 1956 اجتمع العديد من أعضاء المنظمة الجزائرية السرية بدعوة من عبان رمضان، أحد ضباط الصف في جيش التحرير الوطني الجزائري.
وخلال الاجتماع الذي عُرف في التاريخ الجزائري باسم "مؤتمر الصومام"، ناقش قادة الثورة كيفية استمرار الثورة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، ليتم الاستقرار على إنشاء جبهة التحرير الوطني.
بين أولى قرارات جبهة التحرير الوطني كان إنشاء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، والاتحاد العام للطلبة المسلمين، ولم تمر سوى أيام قليلة حتى رأى أعضاء جبهة التحرير أن الرياضة أرضًا خصبة أيضًا للنضال، ومن هنا ظهرت فكرة تأسيس منتخب للجزائر لأول مرة.
مهرجان الشباب العالمي
في نفس الفترة التي فكرت فيها جبهة التحرير بإنشاء فريق رياضي يحمل رايتها وراية الثورة الجزائرية ويمثلها في المحافل الدولية، كان المهاجرون الجزائريون يفكرون أيضا "كيف نساعد بلادنا؟".
أقيم "مهرجان الشباب العالمي" في موسكو عام 1957، وشارك فيه بعض الشبان الجزائريين المقيمين في أوروبا، وبعد العودة من المهرجان فكر هؤلاء الشبان "لماذا لا نملك منتخبا وطنيًا للجزائر؟".
كون محمد بومرزاق -أحد اللاعبين الجزائريين القدامى في بوردو وفالنسيان قبل أن يكون زعيما في جبهة التحرير- فريقا من 12 لاعبًا يمثلون فريقًا جامعيًا للمشاركة في المهرجان.
وفي ملعب لينين، وأمام 100 ألف متفرج وفي حضرة زعماء سياسيين كبار أيضًا مثل خوريتشوف الزعيم السوفييتي، خاض أول فريق من الجزائريين مباراة استعراضية رُفع فيها العلم الوطني الجزائري خلال محفل عالمي لأول مرة.
وقبل عودة اللاعبين الجامعيين من المهرجان إلى فرنسا، كانت سيرة المباراة التي خاضوها قد سبقتهم بالفعل إلى باريس وتركت صداها لدى الحكومة الفرنسية.
الحكومة الفرنسية شعرت ببداية محاولات لتكوين كيان باسم الجزائر، فكان الخيار المعتاد هو اللجوء إلى العنف، وأولى الخطوات كانت تفتيش منزل أصهار زيتوني عبد الغني أحد أعضاء الفريق.
الانسحاب المفاجئ
أدركت فرنسا أن شيئًا ما يحاك في أذهان الجزائريين، لكنهم لم يدركوا خطورته الحقيقية.
خطة الهروب من فرنسا وتكوين منتخب جزائري في تونس كانت قد وضعت بالفعل.
اللاعبون الجزائريون وضعوا خطة للهروب من فرنسا إلى تونس منتصف شهر أبريل من العام التالي، ولكي لا ينكشف أمرهم قرروا التقرب أكثر للفرنسيين.
في شهر مارس من عام 1958 كان المنتخب الفرنسي يخوض مباراة قوية أمام نظيره الإسباني، فاستدعى بول نيكولا المدرب الفرنسي، مصطفى زيتوني، مدافع موناكو للعب مع فرنسا في تلك المباراة.
ارتدى زيتوني قميص منتخب فرنسا وخاض تلك المباراة وتألق في فوز الديوك على الإسبان بأربعة أهداف مقابل هدفين.
وفي الشهر التالي وتحديًدا في التاسع من شهر أبريل، قرر المدرب الفرنسي استدعاء رشيد مخلوفي أيضًا بجانب زيتوني، وهذه المرة ليكون الثنائي ضمن قائمة منتخب فرنسا لكأس العالم 1958 في السويد.
اللعب في كأس العالم هو أعلى شرف يطمح له لاعب كرة القدم، لكن ثمة شرف أكبر سعى له اللاعبون الجزائريون، ألا وهو امتلاك وطن.
في تلك الفترة، كانت الحرب تشتد بين الشعب الجزائري والجيش الفرنسي. فالحرب بلغت أقصى درجاتها، ولم يعد الانتماء للطرفين ممكنًا بعد الآن.
الزيتوني ومخلوفي، وكل اللاعبين الجزائريين في فرنسا تقريبًا اتخذوا قرارهم التاريخي بمغادرة فرنسا وتكوين المنتخب الجزائري.
وفي 14 أبريل من عام 1958 كان بمقدور جبهة التحرير الجزائرية أن تعلن بفخر "عدد من اللاعبين الجزائريين المحترفين غادروا فرنسا وإمارة موناكو من أجل النضال وتلبية لكفاح الجزائر".
ولأن كرة القدم ليست مجرد لعبة كما قلنا، فقد كان للخبر وقع الذهول على الإعلام الفرنسي.
كتبت ليكيب عن الحادث "الرياضة أداة رائعة للتقريب بين الأفراد، إنهم يتعلمون في الملاعب كيف يتعرفون ويتفاهمون بأفضل صورة، لكن من العبث أن نعتقد بأنهم من الممكن أن يكونوا في مأمن من تأثير التيارات السياسية أو الاقتصادية الكبرى المولدة للنزاعات العالمية الحالية.. جبهة التحرير المسؤولة عن الحدث المفاجئ الذي جرى ظهيرة يوم الإثنين استوحت المقل من فيدل كاسترو، المتمرد الكوبي الذي قام، كما نتذكر، باختطاف بطل العالم للسيارات مانوال فانجيو. لقد تصرفت بنفس الطريقة، لا شيء يمكن فعلا أن يؤثر في الأذهان بقدر الانسحاب المفاجئ لزيتوني ورفاقه عشية مناقشة البرلمان.. ومباراة دولية كبرى في كرة القدم".
"من غير الُمجد أن ننكر الدوي الذي سيحدثه هذا التصرف. العدوى قد تتوسع، في ذهننا بعض الأسماء الكبيرة لرياضة ألعاب القوى مثل عامر، براقشي، ميمون، وفي الملاكمة مثل حليمي، وحامية، بل وفي السباحة مثل خمون، باعتباره عنصًرا من الدرجة الأولى".
هكذا نقلت صحيفة "ليكيب" الفرنسية خبر انسحاب اللاعبين الجزائريين من الدوري الفرنسي، وكذلك أيضا قضية فرنسا بعد هذا الموقف الجليل لم تعد كما كانت قبله، فقد تحولت قضية "استقلال الجزائر" من قضية وطنية أو عربية، إلى قضية عالمية تتناول صحف العالم أخبارها في صفحاتها الأولى.
يقول عباس فرحات أحد الزعماء الجزائريين في جبهة التحرير "هذا الفريق أكسب الثورة الجزائرية عشر سنوات".
ثورة انتهت بتحرير الجزائر من أيادي فرنسا. وللقصة تكملة، يمكنكم قراءتها كاملة من هنا. (طالع التفاصيل)
تونس
في تونس كما في جارتها الجزائر، كان لكرة القدم دورًا في تشكيل الوعي وتأكيد الهوية الوطنية، واندلاع شرارة النضال من أجل التحرر من قيود الاستعمار.
كانت نشأة "الترجي الرياضي التونسي" عام 1919 في حي "باب سويقة" الشعبي الشهير والذي شكل معقلًا للحركة الوطنية في العاصمة التونسية، ومنذ اللحظة الأولى أعلن النادي الوليد انحيازه للهوية العربية والإسلامية لتونس فاقتصر في قبول عضويته على التونسيين وأغلق بابه في وجه الأوروبيين الذين تواجدوا بكثرة في تونس في ظل الاستعمار الفرنسي للبلاد.
وبالمثل، كان تأسيس "النادي الإفريقي"، في عام 1920 درسا في غرز الهوية الوطنية التونسية أمام ممارسات الاستعمار. فقد صمد مؤسسوه أمام في مواجهة القوانين الجائرة للاستعمار، واستطاعوا انتزاع الموافقة بأن يكون رئيس النادي تونسي الجنسية في وقت كان محظورًا فيه تقلد شخص غير فرنسي لهذا المنصب، وهو ما شكل تحديًا من الحركة الوطنية التونسية للاستعمار الفرنسي، وخطوة على طريق غرز الوعي الوطني وتعريب المؤسسات التونسية، كما حرص مؤسسو النادي كذلك على اختيار اللونين "الأبيض والأحمر" كألوان للزي المميز للنادي استلهامًا من ألوان العلم التونسي.
فلسطين
لم تغب كرة القدم عن قصة الشعب الفلسطيني الصامد والذي لازال يواصل الإبداع في كتابة فصولها، سعيًا للحصول على حقه المشروع في تأسيس دولته المستقلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
الواقع أن تاريخ كرة القدم في فلسطين يشكل انعكاسًا لتاريخ البلاد منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي على أرض فلسطين، فإذا كانت محاولة محو التاريخ وتغييب اسم فلسطين جزءًا لا يتجزأ من أساليب المحتل الإسرائيلي منذ عام 1948، فإن هذا الأمر امتد لكرة القدم، فعلى الرغم من التاريخ العريق لكرة القدم الفلسطينية وإنشاء "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" عام 1928 وانضمامه إلى الاتحاد الدولي "FIFA" في العام التالي مباشرة بنفس الاسم، بل ومشاركة منتخب فلسطين في تصفيات كأس العالم 1934 إلا أنه وفي إطار الحرب الإسرائيلية على كل ما هو فلسطيني فقد قامت إسرائيل بعد عام 1948 بالاستيلاء على كيان الاتحاد وتغيير اسمه إلى "اتحاد إسرائيل لكرة القدم" وبذلك اعتبر الاتحاد الدولي تم نسبة تاريخ الكرة الفلسطينية ومنتخبها طوال ما قبل عام 1948 إلى إسرائيل.
ورغم هذا الواقع المذري، فقد واصل الفلسطينيون سواء في داخل الأراضي المحتلة أو في المهجر استغلال كرة القدم كأداة للتعريف بقضيتهم المشروعة فتم تأسيس اتحاد فلسطيني جديد لكرة القدم في عام 1962 واستمر نضال الفلسطينيين حتى نجحوا في انتزاع موافقة "FIFA" على قبول انضمام الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم عام 1998 ليبدأ تاريخًا جديدًا لكرة القدم الفلسطينية ومنتخباتها التي تناضل لرفع علم فلسطين في المحافل الدولية والتأكيد على وجود شعب يصر على نيل حريته رغم القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات التي تقوم بها قواته ضد الرياضيين الفلسطينيين والتي أدت إلى استشهاد العديد من المواهب الفلسطينية.
وإذا كان هذا هو حال فلسطينيو الداخل، فإن فلسطينيي المهجر بدورهم لم يتخلفوا عن نصرة قضية بلادهم المقدسة، فهناك وعلى بعد مئات الآلاف من الأميال أسس المهاجرون الفلسطينيون في تشيلي، ناديهم الأثير "ديبورتيفو بالاستينو"، والذي يحمل اسم فلسطين ويستلهم ألوان زيه من ألوان العلم الفلسطيني وليكون هذا النادي مشعلًا للتعريف بفلسطين في أمريكا اللاتينية.
مقاومة فلسطين للاحتلال لا تتوقف على ذلك، فالمحتل يضع المعوقات في كل مكان.
خريطة فلسطين الحالية منقسمة إلى ثلاثة أجزاء. الضفة الغربية شرقا، وقطاع غزة جنوب غرب فلسطين على الحدود مع مصر، وفي المنتصف يوجد الداخل المٌحتل الذي أصبح تابعا للكيان الصهيوني بعد حرب 1948.
بالتالي. الدوري الفلسطيني مٌقسم إلى قسمين. دوري المحترفين الفلسطيني في الضفة الغربية، وهو مكون من 12 فريقا، ودوري قطاع غزة في الجهة الأخرى.
دوري الضفة الغربية هو الدوري المعترف به دوليا، والذي يلعب بطله في آسيا، أما دوري قطاع غزة فليس معترفا به دوليا.
يفترض أن يلتقي بطل كأس الضفة الغربية مع بطل كأس قطاع غزة سنويا في بطولة من مباراتين ذهابا وإيابا باسم "نهائي كأس فلسطين". لكن تلك المباراة تٌلغى أغلب الوقت لتعذر التنقل بين القطاعين.
مؤيد طنينة صحفي رياضي فلسطيني يحكي لـFilGoal.com: "في أحد السنوات كان محمود وادي لاعب النادي بيراميدز حاليا، يلعب لصفوف فريق أهلي الخليل -أحد فرق الضفة الغربية- ثم تنقل مع فريقه إلى قطاع غزة للعب مباراة الإياب في نهائي كأس فلسطين بعد إقامة الذهاب في الضفة الغربية. قوات الاحتلال رفضت عودة اللاعب للضفة، وبالتالي اضطر للانضمام لفريق اتحاد خان يونس في قطاع غزة قبل أن يرحل إلى النادي الأهلي الرياضي الأردني، ومنه إلى النادي المصري".
هكذا تعاني حياة فلسطين الكروية، لكنهم ورغم ذلك، مازال يلعبون كرة القدم من أجل الحياة. ومازالت فلسطين تشارك في البطولات الكبرى في ظل غياب المحتل عن أي بطولة قارية، كنصر يحسب لصمود الفلسطينيين.
العراق
وإن كانت كرة القدم قد لعبت دورها في الحركة الوطنية ضد الاستعمار في كل من مصر، والجزائر، وتونس، فإن منتخب العراق، أسهم بدوره في توحيد شعب العراق والتفافه حول الراية الوطنية العراقية بعد أن كادت الحرب وما تلاها من صراعات أن تمزق نسيج المجتمع العراقي.
دخل أسود الرافدين بطولة كأس آسيا 2007 وسط أجواء حزينة. بلد متمزق بالحروب الطائفية، وتفجيرات إرهابية تهدد الأمن بكل ركن من أركان الوطن.
يقول هوار ملة محمد أحد نجوم هذا الجيل "دخلنا كأس آسيا 2007 وسط أجواء غير طبيعية. في 2004 سافرنا إلى أولمبياد طوكيو بطائرة عسكرية، وبالزي العسكري بالكامل. وفي تلك الفترة كان سفر المنتخب خارج العراق، يجعلنا مهددين بالقتل في أي لحظة".
وأضاف "دخلنا البطولة بإعداد من مباراتين فقط. رفقة المدرب جورفان فييرا وهو مدرب مؤقت، وحجزنا تذاكر العودة بعد دور المجموعات بيوم واحد، لأننا نعلم أن التأهل مهمة مستحيلة عن مجموعة تضم تايلاند صاحب الأرض، وأستراليا القوية جدا، وعمان الفريق الجيد والمستقر".
يحكي نشأت أكرم "كنا نتلقي رسائل من مجهول عراقي لا نعرف هويته إلى الآن. كنا نقرأ تلك الرسائل فتملأنا بالحماس. تجعلنا نريد النزول فورا إلى أرض الملعب والنيل من أي منافس لإسعاد هذا الشعب الممزق".
العراق انتصر على كوريا الجنوبية في نصف النهائي، وأصبحوا على موعد مع مواجهة السعودية في المباراة النهائية.
وقبل موعد النهائي، تعرضت بغداد إلى تفجير إرهابي كبير جدا، جعل المنتخب يفكر حتى في الانسحاب من البطولة.
في تلك الفترة، تلقى المنتخب العراقي اتصالا هاتفيا من والدة أحد ضحايا الحادث. قالت لهم السيدة "لا تنسحبوا. لن أقيم عزاء ابني قبل أن تفوزوا بالكأس من اجل نجلي". العراقيون دخلوا النهائي محملين بمهمة إسعاد الشعب العراقي وتوحيده، وبالأخص تلك السيدة المكلومة على نجلها.
قتالية يونس محمود ورفاقه من "أسود الرافدين" وحدت الشعب العراقي بعد سنوات من التمزق، فكانت رأسيته في الدقيقة الـ 70 في شباك الشقيقة السعودية والتي أهدت العراق كأس آسيا للمرة الأولى في تاريخه عام 2007، هي شرارة انطلاقة فرحة عارمة، لم تشهد مثلها البلاد منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 خرج فيها العراقيون معبرين عن فرحتهم بأبنائهم الأبطال وهو لا يحملون في أذهانهم سوى أنهم عراقيون، كانت هذه الفرحة صرخة في وجه الإرهاب والاحتلال في آن واحد وتأكيد على أن ما يجمع العراقيون أكبر وأكثر مما قد يفرقهم وكان لكرة القدم على بساطتها الفضل في إبراز هذا الشعور.
_ _ _
الآن، نحن على أعتاب بداية بطولة جديدة يجتمع فيها العرب في سلام، هدفهم فيها هو لعب كرة القدم فقط، في أجواء بعيدة عن صخب مواجهة الاحتلال والعدوان، بطولة نأمل أن يتذكر فيها الجميع أن كرة القدم كانت وستظل أداة ممكنة لتحقيق أهداف نبيلة كبرى، وأن ما يجمع الشعوب والدول العربية أهم وأكبر من الفوز بمباراة أو بطولة مهما كانت.