برونو فيرنانديز.. الرجل الذي وضع قدمه في النهر مرتين

الجمعة، 13 أغسطس 2021 - 10:48

كتب : عمر مختار

برونو فيرنانديز

"أنا لست منجذبًا إلى الزوايا المستقيمة أو الخط المستقيم، الثابت وغير المرن، أنا منجذب إلى المنحنيات الحسية التي تتدفق بحرية".

برونو فيرنانديز

النادي : مانشستر يونايتد

في الوقت الذي توفي فيه عام 2012، كان أوسكار نيماير أحد أعظم المهندسين المعماريين في التاريخ، التصاميم البرازيلية الفريدة، المستنيرة من كرهه لكل الأشياء القاتمة والروتينية، والمستوحاة من إيمانه بأن الشكل يجب أن يأتي دائمًا في المرتبة الثانية خلف الجمال.

وصفت كلمات نيماير تمامًا برونو ميغيل بورخيس فيرنانديز أو كما يُعرف بلامبارد البرتغالي، كان نوعًا نادرًا من الأطفال الذين ركزوا على أن يصبحوا لاعبي كرة قدم، وهو تطور يصفه شقيقه الأكبر، بأنه "ليس لديه خطة بديلة". تحقيقًا لهذه الغاية، لم يكن معجزة كرة القدم خائفًا من أي شيء قد يأتي بينه وبين حلمه، فقد لعب كرة القدم مع وضد أي شخص في أي عُمر ومن أي حجم كان.

ولد فيرنانديز في اليوم الثامن من سبتمبر 1994 في مايا، منطقة صغيرة في العاصمة بورتو، البرتغال، حيث نشأ في عائلة غير معروفة تحب كرة القدم كثيرًا إلى جانب ريكاردو شقيقه الأكبر.

والده لاعب كرة قدم سابق ترك الرياضة من أجل توفير حياة أفضل لعائلته، أما والدته فهي أم محبة لكرة القدم ومن مشجعي نادي بورتو، وأصبحت من المشجعين المُتحمَّسين لسبورتينج لشبونة بعد انتقال ابنها إلى النادي.

بالنسبة لطفل تعهد بشكل لا رجعة فيه أن يصبح لاعب كرة قدم، لم يكن هناك أي قياس لما يمكن أن يضحي به، حيث ترك المدرسة قبل أن يتمكن من إنهاء الصف الحادي عشر.

قضي فيرنانديز معظم سنوات حياته المهنية في نادي بوافيشتا، لكن شهدت مساعي كرة القدم بعد ذلك انتقاله إلى نوفارا حيث تمت ترقيته إلى الفريق الأول للنادي في الدوري الإيطالي بعد أن أمضى بضعة أسابيع فقط مع الشباب.

وجد اللاعب البالغ من العمر 17 عامًا آنذاك صعوبة في التواصل باللغة الإيطالية وشعر بالحنين إلى الوطن، وكاد يتخلى عن سعيه ليصبح لاعب كرة قدم محترف، ومع ذلك، وجد في وقت لاحق قدمه هناك، بفضل مساعدات أصدقائه وعائلته وخاصة صديقته التي تركت المدرسة وبدأت تعيش معه في إيطاليا.

وقع فيرنانديز بعد ذلك لأودينيزي في صفقة ملكية مشتركة وشارك لأول مرة في دوري الدرجة الأولى الإيطالي في الثالث من نوفمبر 2013.

بعد قضاء ثلاث سنوات مع النادي، تم إعارته إلى سامبدوريا حيث حصل على وقت أكبر للعب هناك لمدة عام وأصبح لاعبًا مطلوبًا من قبل العديد من الفرق.

قام فيرنانديز بالتوقيع مع سبورتينج لشبونة في صفقة مدتها خمس سنوات، وأثبت نفسه كلاعب خط وسط مرغوب فيه بتسجيل الأهداف وبأداء المثير للإعجاب جعله يحصل على لقب أفضل لاعب في الدوري البرتغالي في يوليو 2018.

شخصية فيرنانديز هي مزيج من سمات برج العذراء، شخص مجتهد وكريم بشكل لا يُصدق ولا يكشف الكثير عن حياته الشخصية والخاصة، بالإضافة إلى ذلك، فهو يشتهر بذكائه ويحب اكتساب المعرفة في أي موضوع، تشمل هواياته واهتماماته تناول طعام جيد ومشاهدة جميع أنواع البرامج التلفزيونية والأفلام وحتى ألعاب كرة القدم، إلى جانب ذلك، يحب قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء والعائلة.

يمتلك فيرنانديز وشم واحد فقط بارز على ذراعه الأيسر من جهة، يعكس الرقم 8 الذي يُمثِّل تاريخ ميلاده، على الجانب الآخر، يعكس الحرف "F" اسمه.

لاعب الوسط الموهوب الذي يتقن اللغة البرتغالية ويعرف أساسيات اللغتين الإنجليزية والإيطالية لم يتم اكتشافه أبدًا يُدخِّن أو يشرب الخمر.

منذ وصوله إلى أولد ترافورد، جلب فيرنانديز الذكاء والمثابرة في الميدان والتصميم والاحترافية والفرح حول مجمع التدريب، هذا اليونايتد لم يعد في أزمة، في الواقع، يبدو أنهم نسوا كيف يخسرون، وليس من قبيل الصدفة أن يتزامن هذا الكلام مع التعاقد معه.

فيرنانديز ساحر ولكنه صريح أيضًا، يقول أحد الموظفين في النادي عنه: "إذا لم يكن برونو سعيدًا بشيء ما، فأنت تعرف ذلك".

في الواقع، يصف اللاعب البرتغالي نفسه قائلا: "ربما كلمة واحدة فقط قادرة على وصفي، "كثير الطَلَب صعب الإرضاء".

وواصل "قد يكون من الصعب فهمي عندما أخسر، لدي مزاج سييء، ويعرف الأشخاص القريبين مني أنني لا أكون سعيدًا عندما أخسر. لقد كنت كذلك منذ الصغر ولم أتغير، لذا فهم يعرفون كيف يتعاملون معي".

هو أيضًا حريص على مساعدة زملائه، يساعد أولئك الذين لا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة على التحدث بسهولة أكبر، كما يساعد ماكتوميناي على التطور، فهو دائمًا يقدم إليه كلمات بسيطة للنصيحة عندما يشعر أنه يستطيع مساعدته، كما أن المشجعون يحبونه بالفعل، وقد أصبح لديه بالفعل هتافه الخاص.

اكتشف زملائه في الفريق خلال أول حصة تدريبية له كيف أنه مغامر في طريقة لعبه، يريد الكرة في أي موقف، بغض النظر عن مدى ضيق المساحة، ويسعى دائمًا لنقل الكرة إلى الأمام، إذا أخطأ التمرير، فلا يهم.

لقد أصبح يونايتد معه أمتع للعين، حيث بدأ تأثيره في الانتشار سريعًا، يمرر الكرة بدقة ويحرص أن تكون دائمًا في الثلث الأخير، وهو أمر استخدمه أسطورة كرة القدم يوهان كرويف لوصفه بأنه "يواجه الطريق الصحيح".

ليس ذلك فحسب، فهو يطلب الكرة من زملائه في أماكن صعبة، ويتحمل مسؤولية ذلك ثم يحولها إلى هدية رائعة، لقد مكّنه ذلك من كسب ثقة زملائه على الفور، يظهر ذلك في الكيمياء بينه وبين اللاعبين الآخرين على أرض الملعب.

مع إتقان الفريق للنظام، تمكن من التمركز في أنصاف المساحات بسهولة أكبر، وفهم اللاعبين الذين يتحركون بسرعة حوله مما جعله أكثر خطورة، فأصبح بإمكانه العثور عليهم دون النظر.

وقال برونو سابقا: "لقد ذهبت إلى المباريات وغنيت الأغاني. اليوم، كل ما أفكر فيه هو تحقيق الألقاب"

تعكس كلمات فيرنانديز مقدار التطور العقلي الذي وصل إليه، ربما عرف بالفعل أنه سيصل إلى مستوى آخر.

خلال الموسم الماضي لعب 58 مباراة كأكثر لاعبي الفريق مشاركةً في المباريات بفارق 6 مباريات عن هاري ماجواير الذي شارك في 52 مباراة بعد تأثره بإصابة تعرض لها المدافع الإنجليزي مع نهاية الموسم.

لقد وضعته أرقامه كأكثر اللاعبين إنتاجية في تشكيلة يونايتد خلال الموسم الماضي مع مساهمته في 45 هدفا (28 هدفا و17 تمريرة حاسمة) في جميع المسابقات. وبتسجيله هذا العدد من الأهداف، بات فيرنانديز أكثر لاعبي الفريق الإنجليزي تسجيلاً للأهداف في موسم واحد منذ روبن فان بيرسي في موسم 2012-2013.

كما ومنذ توقيعه مع نادي الشياطين الحُمر في يناير من عام 2020، شارك فيرنانديز في 80 مباراة (6416 دقيقة) في جميع المسابقات، ساهم خلالها بـ65 هدفا بتسجيله 40 هدفا وتقديمه لـ25 تمريرة حاسمة.

في لعبة الهندسة والمثلثات يعتبر فيرنانديز الجزء الذي يربط الجميع، في دور أكبر قليلاً من ذي قبل، لقد كان في قلب جميع الهجمات ما يضعه في هذا السياق هو عبقريته المطلقة، من منظور شخصي، كانت مشاهدة عروضه خلال الأشهر القليلة الماضية هي محاكاة لعقل يلعب الشطرنج بصورة رباعية الأبعاد.

"إنك لا تضع قدمك في النهر مرتين"، عبارة شهيرة جاءت على لسان هيراقليطس، أحد أشهر الفلاسفة الإغريق عندما نظر إلى النهر فوجد مياهه تتحرك فكأنه يرى النهر ثعبان يزحف، فيما معناه أن كل شيء في حالة تبدّل وتغيّر مستمر بما فيها نظرتنا للأمور وتوجّهاتها.

على عكس هيراقليطس فعل فيرنانديز، هو لا يفهم فقط أين وكيف يستغل خصمه لمرة واحدة، لكن أيضًا لديه القدرة على القيام بذلك مرارًا وتكرارًا دون أن يُخطئ.

يأخذ فيرنانديز بانتظام نفس المواقف ويلعب نفس التمريرات، ورغم ذلك يحصل على نفس النتائج، ربما يكون هناك لاعب واحد فقط أو اثنين في كرة القدم العالمية يمكنهم فعل ذلك بنفس الأداء، بدون الرغبة في إفساد أي شيء، عمره 27 عاما، إنه يقترب من ذروته، إن لم يكن بالفعل قد فعل ذلك.

كان برونو فيرنانديز قائدًا للحركة الثورية مؤخرًا في يونايتد وقد رسم خطى جديدة للنادي منذ وصوله إليه، واستحق بذلك كل الإشادة التي أحاطت به، فمرحبًا بالإبداع، مرحبًا بالنظر إلى المألوف بطريقة غير مألوفة، مرحبًا ببرونو فيرنانديز.

التعليقات