فرينكي دي يونج.. عين الإعصار والهدية التي تستمر بالعطاء

الجمعة، 21 مايو 2021 - 11:48

كتب : عمر مختار

فرينكي دي يونج - عين الإعصار

عندما تتنبأ قنوات الطقس بالصور المرئية لكوارث وشيكة في شكل أعاصير مدارية ينصب التركيز كله على الكتلة الدوامة المكثفة والدمار المصاحب لها.

وفقًا للظاهرة هناك هيكل في مركز الإعصار تتجمع حوله الرياح العاتية، والمثير للدهشة أن عين الإعصار هي منطقة يسودها الهدوء المخيف، حيث تتناقض الظروف مع القوة الحقيقية للإعصار.

إن الاتساق والصفاء اللذان يعترض بهما فرينكي دي يونج هجمات الخصم ليبدأ مرة أخري الالتفاف والركض بالكرة هو مشهد الهدوء المخيف في عين الإعصار، أظهر فرينكي إحساسًا بالهدوء والثقة هو وحده القادر على القيام بهما.

الكاتب والمدرب الأمريكي جون تاونسند، قال في أحد كتاباته والتي تعطينا نظرة ثاقبة عن ماهية لاعب كرة القدم الهولندي: "كرة القدم الهولندية سلسة، كرة القدم الهولندية فن".

سواء كان مهاجمًا، لاعب خط وسط أو مدافع نشأ في شوارع دن هاج أو روتردام فإن كل المراكز هناك تعكس إلى حد كبير هذا الوصف، الحركات الغريبة ليوهان كرويف أو المشهد المثير للأعصاب لعشر لاعبين يصعدون للأمام للضغط على الخصم واستعادة الكرة.

وأضاف جون في حديثه "لاعب كرة القدم الهولندي شخصية معقدة، كرة القدم الهولندية تجعلك في حيرة بأكثر الطرق إثارة للاهتمام."

هل من الصواب نبذ شخص لمجرد أنه لا يتناسب مع قالب المجموعة؟ هل يجعله ذلك أقل نجاحًا؟

طوال العامين الماضيين، استمرت أصوات المعارضة في الارتفاع، تم تصنيف نهج دي يونج على أنه كسول، والذي كان له علاقة أكبر بكرة القدم المتعجرفة في نفسية المشجعين، بدلاً من فهم مجموعة مهاراته، فبدون فهم، لا يمكن أن يكون هناك تقدير.

كان دي يونج يكسر الخطوط بتمريرة واحدة قبل فترة طويلة مع أياكس، لقد كان شيئًا لا يستطيع فعله سواه، وذلك أيضًا بالبساطة التي تناقض الطبيعة العقلية لأسلوب لعبه.

انضم دي يونج إلى أياكس في سن متأخرة، يمكن أن يُنسب الفضل في الكثير من تطوره إلى نادي فيليم الثاني قبل أن ينضم إلى النادي الأشهر في العاصمة أمستردام في سن الـ18، ومع ذلك، لا يمكن تدريب اللاعب على تطوير هذا النوع من المواهب الفنية، لذلك، كانت مسألة وقت فقط حتى يصل دي يونج إلى مستوي النخبة وينضم إلي ناد كبير.

دي يونج ليس مدافعًا، وضع مدربه السابق مارسيل كيزر لاعب الوسط ذو العقلية الهجومية في خط الدفاع بسبب الإصابات، واستمر إيريك تين هاج معه في هذا الاتجاه.

نجح دي يونج في لعب دور ليبيرو ليذكرنا بما فعله رود كرول مع النادي في العصر الذهبي لكرويف، لم يكافح أياكس دفاعيًا حتى مع وجود لاعب وسط مبدع في الدفاع، لأن سيطرتهم علي الكرة التي يستطيعون فرضها على الخصم هائلة للغاية، لكن مع نادٍ يلعب في دوري أقوي سيختلف الأم.

في مركزه الطبيعي، يعتبر دي يونج صانع ألعاب عميق "Deep lying midfielder" أو ربما صانع ألعاب أكثر تقدمًا.

دي يونج هو اللاعب الهولندي الأكثر ذكاءً من الناحية الفنية الذي رأيته يخرج من صفوف شباب أياكس منذ ويسلي شنايدر، قد أجادل في حتى أن دي يونج المولود في خوريكم، غرب هولندا يمكنه تجاوز مكانة اللاعب الأكثر مشاركة مع هولندا على الإطلاق، المراوغ الذي يتمتع بموهبة وثقة هائلة.

إن مشاهدة دي يونج وهو ينزلق في الملعب يشبه مشاهدة متزلج حر في الألعاب الأولمبية، تؤدي قدرته الفطرية على خلق مساحة لنفسه بشكل طبيعي إلى توفير مساحة أكبر لزملائه، وهو بالضبط ما يجب على اللاعب المبدع فعله.

برشلونة الذي قهر كل شيء والذي كان من دواعي سرورنا مشاهدته في العقد الماضي لديه رجل واحد يجب علينا شكره، يوهان كرويف، لا تزال المبادئ التي وضعها هذا الرجل هناك خلال فترة حكمه سارية، وقد حققت نجاحًا كبيرًا في عالم يتم إعطاء فيه اللاعب ذو السمات الجسدية أهمية كبيرة.

يقول كرويف “Salid y disfrutad” أي "اخرج واستمتع"، لكن إذا كنت سأختار اقتباسي المفضل له فسيكون هو "كرة القدم هي لعبة بسيطة ولكن لعب كرة القدم البسيطة هو أصعب شيء على الإطلاق."

هناك شيء في دي يونج لا يمكننا فهمه، وهو أمر يزعجنا كذلك، نحن نحب لاعبي كرة القدم الجيدين، ولكن بشكل محدد يمكننا من تصنيفه وقياسه أيضًا، هذا يهدئ زخمنا، من ناحية أخرى، هناك لاعبو كرة قدم يتحدون هذا المنطق ويرفضون أن يتم حصرهم في منصب أو دور أو في رسم معين، نحن مرعوبون لأننا لا نعرف ما هم، لأنهم في الواقع يذكروننا بنا، والحياة، وهذا يجعلنا نرتعد، ولكن لا يزال دورنا هو تحليلهم ومحاولة تشكيلهم، حتى لو لم يكن ذلك ممكنًا تمامًا.

يعيش فرينكي دي يونج موسماً رائعاً لكن بعيدًا عن مواسمه في أياكس، عندما كان يهدف إلى أن يكون لاعب كرة قدم آخر، ماذا يمتلك دي يونج؟ أين تتطور حتى مايو 2021؟ هذه هي القصة التي سأرويها.

لا يمكن لدي يونج وبوسكيتس العيش معًا، لم يكن الأمر صعبًا، لقد كان مستحيلًا بكل بساطة، رأى الهولندي مكان معيشته مدفونًا تحت أرجل بوسكيتس، حيث لعب علي اليسار في محور مزدوج، وانتهى به الأمر باللعب هناك كما فعل الموسم الماضي.

هيكل غريب لم يكن واضحًا تمامًا بشأن إمكانياته أو وظائفه، في النهاية، عرف كيف يعبر عن كرة القدم في فريق يقوم بطباعتها، احتاج دي يونج إلى مساحة لا يمكنه العثور عليها، لم تكن موجودة.

بدأ وجود ميسي، بالقرب من منطقة الجزاء وسقوطه على اليسار كقيد حيث تُرك دي يونج في المنطقة الخطأ، لقد لعب بشكل جيد، لأنه جيد جدا لكنه لم يكن له وزنه في المباريات، لكن فجأة تغير كل ذلك.

لكن أولاً، دعوني أتوقف لأشرح من هو دي يونج، لا أعتقد أنه كان هناك إجماع في برشلونة على التوقيع مع لاعب أكثر من الهولندي قبل عامين، كل شيء يتلائم معًا ببساطة غير مسبوقة بدا مستحيلاً، وهذا ما ثبت بعد ذلك.

جاء دي يونج كلاعب قائد لصفقات صيف 2019، وهو مختلف تمامًا عن صفقات الفريق في السنين الأخيرة، لقد كان الأمر يرمز إلى نقلة نوعية في النادي، لكن لم يحدث ذلك، فقد اعتاد علي التمرير الفعال من أجل الغاية في النهاية، ولكن كيفية الحفاظ علي الكرة من أجل الحفاظ عليها فقط لم تكن سمته الأكبر.

دي يونج جيد جدًا ولديه الكثير من القدرات، لكنه كان لاعب كرة قدم غير واضح، لأن مرونته إيجابية، لكنها ليست نهائية أبدًا، كل لاعب يحتاج إلى أن يجد نفسه.

تغير برشلونة مع دي يونج منذ يناير، كان برشلونة فريقًا متماسكًا وجذابًا إلى حد ما، لعب الفريق أفضل كرة قدم منذ عام 2019، كل شيء يولد داخل كومان، فوجود بيدري ودي يونج رسم سيناريو مختلف تمامًا أدى إلى تحسين كل شيء.

نظرًا لأننا نحب أن نكون على صواب، فإننا نحتاج إلى بعض الوقت للاعتياد على مصطلح المرونة، اكتشفنا لاعبًا عموديًا أكثر بكثير مما نتخيله، جزء داخلي ليس مرتبطًا فقط بالكرة ولكن أيضًا بالمساحة، ساهم دي يونج الذي بدأ التألق في يناير الماضي في 15 هدفا حتى الآن في الأشهر الأربعة الماضية، أكثر من الموسمين السابقين له معًا.

وقال دي يونج في شهر أغسطس من عام 2020: "أفضل اللعب في محور مزدوج، في نظام أحادي المحور، لديك حرية أقل في التحرك والحصول على الكرة، عليك أن تعتني بموقفك، يتغير هذا عندما يكون لديك شريك بجوارك، لأنه بهذا المعنى يكون لديك المزيد من الحرية".

الحقيقة هي أنه بعد تغيير النظام إلى 4–3–3 أصبح دي يونج شريكًا مع بوسكيتس في الوسط، نتيجة لذلك كان أقل توغلًا بكثير كما أصبح وجوده يقتصر علي مرحلة واحدة فقط من اللعبة، وفي كثير من الأحيان، يكون مهاجمًا، وهو مسؤول عن العدوانية للفوز بالكرة مع التحرك بذكاء لفعل ذلك.

لقد كان دي يونج يشبه كثيرًا بطل فيلم "Split"، شخص يتقمص العديد من الشخصيات، بعضها يغضب حسب لحظة الانقسام، لكنهم جميعًا متفقون على نقطة مصيرية، دي يونج لا يحب أن يفقد الكرة، إنه لا يحب ذلك على الإطلاق.

إذا تغير أي شيء بشكل جذري عن المسار السابق، فهو علاقة ميسي بدي يونج، تعايش الأرجنتيني والهولندي في نوع من التوتر الهادئ، بالكاد يتم ملاحظته، لم يتم تحسين أدائهما، ولكن ببساطة تعايشا مع ذلك.

ولكن إذا نظرنا إلى الخريطة في الأسفل، نرى الكم الهائل من التمريرات التي منحها ليو لفرينكي حول منطقة الجزاء، وبالطبع داخلها، الكرات التي تأتي عادة من الجهة اليسرى وميسي يتراجع بشكل متزايد أسفل المنطقة، هذا يجعل تحرك دي يونج القطري مرئيًا وهو أمر لم يكن موجودًا من قبل، كما رأينا في نهائي الكأس، فإن دي يونج يمثل قيمة هائلة لليو لأنه يمنحه عمقًا من الخارج إذا لزم الأمر، ويوفر له نقطة دعم في المقدمة عندما يستقر برشلونة في ملعب الخصم، وهي حركة لاختراق دفاع المنافس إذا رغب ميسي.

لقد ولدت العديد من الحلول دائمًا من الإرادة المعدية للهولندي، لا تُظهر الخريطة أي شيء سوى مرونة دي يونج شبه المحدودة والتي تجده تمريرات ليو في كل مكان.

عندما قرر برشلونة تغيير هيكله بعد الهزيمة برباعية أمام باريس سان جيرمان، كان دي يونج مرة أخرى محرك التغيير، تأخر مركزه في الميدان ولعب كليبرو في دفاع ثلاثي، قيمته الكبيرة جعلته حلا للتغلب على ضغط المنافسين من خلال الركض بالكرة وليس فقط التمرير.

جعله جهده ونشاطه الكبير لاعبًا مهمًا للفريق، كما طرح سؤالا علي منافسيه الذين لم يفهموا الوضع حين ذاك، يسقط للمنتصف ويتأخر للخلف لخلق خيارات تمرير أمام الخط الأول لضغط المنافسين، وبمجرد أن يستقر برشلونة في نصف ملعب الخصم، يذهب للأمام لتقديم الدعم، ليتسبب بذلك في قتل جميع احتمالات تفكير الخصوم، ربما قدم دي يونج أفضل عرض له مع الفريق أمام ريال سوسيداد في ملعب أنويتا.

تُظهر الخرائط التطور الموضعي لدي يونج، لقد تحول الهولندي وتغير على مدار الأشهر الماضية، ولكن إذا كانت هذه الخرائط تشير إلى شيء ما، فهي قدرة دي يونج علي القيادة وتقديم الدعم لزملائه في كل أرجاء الملعب.

إنه لاعب خط وسط يكسب أكبر عدد من الأمتار بفضل تحركه الذكي، إنها مجرد عينة صغيرة مما سيأتي، احتاج برشلونة إليه كمحور، لاعب وسط، ليبرو وقلب دفاع، عندما يكون لديك مرونة كلاعب كرة قدم، فإن المدرب سيستخدمك لتغطية جميع الفجوات التي تظهر، وهذا تقريبًا هو ما ميز وقته في برشلونة حتى الآن.

لقد ساعد دي يونج برشلونة لإدراك حدوده وأخطائه ومن ثم إعادة اكتشاف نفسه، وإعادة رسم أفقه من الاحتمالات، لا يزال لاعب كرة القدم الذي نراه منذ يناير، يسيطر علي الكرة ويظهر نفسه كواحد من أكثر الممررين كفاءة في القارة.

لا يزال دي يونج لاعب كرة قدم تحت حماية التسلسل الهرمي الأعلى، لذلك من المهم التساؤل من هو اللاعب الذي سيقود برشلونة عندما يستسلم ميسي وبوسكيتس؟ السؤال مثير لأنه لا توجد إجابة واحدة بل تتفرع وتتوسع، تتجاوز قوة دي يونج الموقف، إنه لاعب خط وسط بالمعنى الحقيقي للكلمة، وباختصار، فإن تطوره وتحوله إلى أكثر من مركز أعطى لبرشلونة احتمالات لم تكن موجودة من دونه.

يمكن أن يكون دي يونج العديد من لاعبي كرة القدم المختلفين، حتى داخل نفس المباراة.

إذا أخذنا في الاعتبار نوع الثناء الذي تم وضعه على دي يونج من قبل كبار اللاعبين والمديرين الفنيين، فمن الواضح تمامًا أننا ننظر إلى لاعب مميز، مع التركيز بشكل خاص على دي يونج، فهو على الأرجح سيشكل العمود الفقري للفريق لسنوات قادمة، لكن هذا واحد فقط من أصل 11 مركزًا على أرض الملعب.

كل شيء يُشير إلينا، لأننا نعاني من شر يتمثل في التصيُد، اللاعب هكذا نتخيله وندركه، وهذا يعني أنه إذا كنا نعتقد أن دي يونج يجب أن يكون، على سبيل المثال، لاعب وسط يجب أن يلعب الكرة من لمسة واحدة وليس له دور في عملية الإستحواذ، فيجب أن يكون كذلك، وكل ما ينحرف عن هذا التصور الأولي لن يكون جيدًا بالنسبة لنا، أو نعم، ولكن بعيدًا عن أفضل إصدار له الذي يتواجد فقط داخل عقولنا، لم يتخيل جمهور برشلونة دي يونج هكذا، وفجأة رأوه يسجل الأهداف، ويصل إلى منطقة الجزاء، ويركض بدون الكرة، وضعهم ذلك علي المحك، فبدأوا جميعًا في التخيل وإعادة التفكير فيه على أنه يمكن أن يكون شيء آخر.

التعليقات