سيلتا فيجو في ضيافة في الجول.. عن الفخر الجاليثي والحنين إلى الوطن

الجمعة، 23 أكتوبر 2020 - 12:31

كتب : زكي السعيد

وفد سيلتا فيجو ومفوض رابطة الدوري الإسباني في ضيافة FilGoal

يشير المركز الدولي للدراسات الرياضية، إلى تواجد نادي سيلتا فيجو الإسباني في المركز 15 ضمن أكاديميات كرة القدم الأكثر نجاحا في أوروبا.

يعتمد التصنيف على عدد اللاعبين الذين يتم تصعيدهم من أكاديمية النادي للعب في الدوريات الخمسة الكبرى، وعلى هذا الصدد، فقد أفرز سيلتا 18 لاعبا، رقم يتخطى أندية أخرى كبيرة في أوروبا.

وقد حظي مقر FilGoal.com بزيارة مميزة من ماركوس ألونسو ودييجو جارسيا سارابيا المدربين في قطاع الناشئين بـ سيلتا فيجو، خلال زيارتهما إلى مصر من أجل استكشاف المواهب.

ويعتبر سيلتا أحد أهم أكاديميات كرة القدم في إسبانيا، لاهتمامه الشديد بشبانه وإعطائهم فرص مستمرة في صفوف الفريق الأول.

يقول ألونسو ضاحكا في بداية حديثه: "المشكلة في مصر وإسبانيا وحتى العالم أجمع، ليست في الأطفال الذين نختبرهم، بل في الآباء المتوترين للغاية الذين يتوقعون أن يخرج من صلبهم صلاح أو ميسي أو أسباس جديد".

إياجو أسباس (33 عاما) سجّل 155 هدفا في 351 مباراة بقميص سيلتا فيجو، وهو رمز الجيل الحالي.. ذكره لم يكن مصادفة، بل يعتبره عشاق سيلتا بمثابة البطل القومي.

يتدخّل دييجو في الحوار ويوضح: "الآباء يطلبون تبريرات طوال الوقت لإخفاق أبنائهم في الاختبارات، يقولون لي: أنت لم تكن تنظر عندما قام نجلي بالمراوغة الرائعة".

"في النهاية هم بشر، ولا بأس من إعطائهم بعض التبريرات".

بالعودة إلى سيلتا، كيف يمكن لنادٍ بميزانية غير عملاقة، أن يحتل مركزا متقدما على مستوى أكاديمات كرة القدم العالمية؟

"هذا نتاج عمل الكثير من الناس على مدار الكثير من السنوات".. يعقّب ماركوس ألونسو.

ويواصل: "منذ حوالي 13 عاما، قرر النادي أن المستقبل يكمن في (الكانتيرا)".

"كانتيرا" أو "Cantera" مصطلح في اللغة الإسبانية، وهو مكان استخراج المواهب ويشار به إلى قطاع الناشئين.

في الواقع، كانت كلمة "Canterano" أو "خريج الأكاديمية" هي الكلمة الأكثر استعمالا في فم ماركوس ألونسو ودييجو جارسيا.

يتابع ألونسو حديثه: "لدينا 12 أو 13 "كانتيرانو" في الفريق الأول، وفي إسبانيا، بخلاف أتليتك بلباو الذي يمتلك فلسفته الخاصة، فإننا لن نرى فريقا يعتمد على أكاديميته أكثر من سيلتا فيجو، وهذا فخر هائل لنا".

خلال زيارة القاهرة، حصل ثنائي سيلتا فيجو على مقابلة شخص عزيز للغاية: أحمد حسام ميدو.

ميدو هو اللاعب المصري الوحيد عبر التاريخ الذي وطئت قدمه الدوري الإسباني، كان ذلك خلال الدور الثاني لموسم 2002\2003.

وقتها لعب ميدو معارا من أياكس أمستردام إلى سيلتا فيجو، فخاض معه 8 مباريات سجّل خلالها 4 أهداف، أحدها هدف تاريخي في الجولة قبل الأخيرة أمام ريال سوسيداد، ساهم في صعود سيلتا إلى دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخه.

يقول دييجو عن مقابلة ميدو في القاهرة وإهدائه قميص سيلتا: "كنا متحمسين للغاية لمقابلة ميدو والتعرف عليه، في آخر مرة رأيناه، سجّل هدفه في سوسيداد وصعد بنا إلى دوري الأبطال. بعد 17 عاما سنحت لنا فرصة التعرُف عليه بشكل مباشر".

"ميدو رمز هنا في مصر، وقد ترك بصمة في فيجو رغم أنه لعب لدينا 6 أشهر فقط، لكنه لاعب صاحب كاريزما وحضور كبيرين".

.....

ورغم تفوق أكاديميته الكبير على المستوى الإقليم، إلا أن سيلتا فيجو (ب)، الفريق الرديف، لم يسبق له الصعود مطلقا إلى دوري القسم الثاني.

على مدار العقدين الأخيرين، تواجد سيلتا (ب) في القسم الثالث (باستثناء موسم واحد هبط فيه إلى القسم الرابع)، دون أن ينجح في تحقيق الصعود إلى القسم الثاني، وهو أعلى مستوى يمكنه الوصول إليه.

يوضح ماركوس ألونسو السبب: "المستوى في القسم الثاني تنافسي للغاية، وكل فترة تتزايد أعداد الفرق القوية والمستقرة، كنا قريبين من الصعود إليه منذ عدة سنوات ولعبنا الملحق".

"الفريق الرديف يكون مليئا بالشبان، في مقابل لاعبين أكثر خبرة بالفرق الأخرى، وليس هناك فرق رديفة لعبت باستمرار لسنوات متتالية في القسم الثاني بالسنوات الماضية باستثناء ربما برشلونة وإشبيلية لبعض الوقت".

يتدخّل دييجو في الحوار ويعرض منظورا آخر لصعوبة الأمر: "تنافسنا في دوري القسم الثالث فرق تمثّل عواصم الأقاليم، مثل باداخوز وبورجوس وديبورتيفو لاكورونيا وراسينج سانتاندير، هي مدن ذات تعداد سكاني كبير وأنديتها تحظى بأندية كبيرة".

بالعودة للفريق الأول، فقد مر سيلتا فيجو بموسمين أخيرين عصيبين، كاد أن يهبط خلالهما لولا أهداف إياجو أسباس الحاسمة.

يحاول دييجو تحليل ما حدث: "منذ أعوام قليلة وصلنا إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي وكنا قريبين جدا جدا من الصعود إلى النهائي.. من وقتها نعيش في غمامة".

"لم نستطع مواساة أنفسنا على تلك الخسارة، ثم عدنا بعدها إلى أرض الواقع لنعيش الموسمين الأخيرين الصعبين".

"التواجد في القسم الأول فخر لنا، هو إنجاز لا تقدر فرق أخرى على تحقيقه، ولدينا أمثلة قريبة مننا في جاليثيا".

نلاحظ أن دييجو جارسيا لم يستطع تفويت الفرصة، ولمّح بهدوء إلى العدو الأزلي: ديبورتيفو لاكورونيا الذي يتواجد حاليا في القسم الثالث.

سيلتا وديبورتيفو يقعان في نفس الإقليم "جاليثيا"، وتجمعهما ندية رياضية واجتماعية غير طبيعية.

يواصل دييجو: "في الموسم الماضي ومع وجود رافينيا ودينيس سواريز ونوليتو وأسباس كنا نأمل في تقديم موسم جيد، لكن الأمور لم تسر على ما يرام".

ويستدرك: "لكن مثلما هو الحال دائما، فإن فخرنا الأكبر هو رؤية لاعبين قمنا بتدريبهم يتواجدون في الفريق الأول، هذا هو انتصارنا الأكبر".

كلمات دييجو جارسيا تمتزج بالواقع، فعدد كبير من الناشئين شقوا طريقهم إلى الفريق الأول لـ سيلتا هذا الموسم.

في مواجهة برشلونة بالجولة الثانية، سجّل جابري فييجا ظهوره الأول مع سيلتا فيجو، وكذلك المدافع خوسيه فونتان.

يقول ماركوس: "من الصعب أن تواجه برشلونة وتقحم لاعبين مثل فونتان وفييجا ليدافعا أمام ميسي، هذا يقول الكثير. لو أخبرت هؤلاء الفتية في أغسطس أنهم سيلعبون مباراتهم الأولى أمام برشلونة لما صدّقوا ذلك".

"هذه فلسفة النادي ورئيسه، الاعتماد على أبناء النادي، لكن المدرب هو من يقرر في نهاية كل أسبوع".

يوضح دييجو في الصدد نفسه: "النادي يؤمن بالشبان، وهي معلومة يجب أن يلم بها كل مدرب يأتي لتدريبنا، هذا الخط والأسلوب الذي يعمل به النادي، والمدرب عليه أن يعرف ذلك".

إلى الشرق من إقليم جاليثيا، يتواجد إقليم الباسك صاحب التقاليد المميزة للغاية، وفي داخله ستعثر على نادي أتليتك بلباو الذي لا يعتمد سوى على لاعبين باسكيين.. فهل يمكن تطبيق فلسفة مماثلة مع سيلتا ليعتمد فقط على لاعبين من جاليثيا؟

صمت دييجو طويلا قبل إجابته على هذا السؤال، وكأنه يفكر في طريقة مثالية لإيصال فكرته إلى مواطن مصري قد لا يكون مُلما بشكل كامل بتفاصيل إجابته.

لكنه أجاب في جدية: "هناك اختلافات ثقافية، كرة القدم في الأندلس مختلفة تماما عن كرة القدم في الباسك وهي بدورها مختلفة تماما عن كرة القدم في جاليثيا".

"في الباسك، يمتلك اللاعبون انتماء رياضيا هائلا لـ بلباو. أمّا نحن، فصحيح لدينا تقاليد جاليثية كبيرة، لكن لا يمكن ربطها جدا بكرة القدم مثلما هو الحال في بلباو".

"الأمر يخضع أيضا لعوامل ثقافية واجتماعية وسياسية".

"في الباسك، أغلب الفتية يريدون اللعب في أتيلتك بلباو، لا يريدون ريال مدريد أو برشلونة، يريدون بلباو فقط، وبالتالي ففلسفتهم تعكس ذلك كله".

"ولذا فالثقافة الباسكية تسمح بذلك، لكن يصعب تنفيذ ذلك في أي مكان آخر بـ إسبانيا، هم يفخرون للغاية بهويتهم الباسكية، ونحن أيضا لدينا شخصية، لكننا لا نحتاج إلى فريق كامل من الجاليثيين حتى نُبرز هذه الشخصية".

"تعجبني فلسفتهم طبعا، لكن بالنسبة لي فلسفتنا تضاهيهم، أو ربما أفضل".

....

انتهت أسئلتي، ولكني فكرت: كيف لي ألا أطرح عليهما سؤالا مباشرا يخص إياجو أسباس، البطل القومي الجاليثي.

بدأ أسباس مسيرته في سيلتا، تألق للغاية في صفوفه، ثم أتته فرصة العمر عام 2013 بانتقاله إلى ليفربول، إلا أنه ظهر شبحا في الدوري الإنجليزي، وحتى فترته القصيرة في إشبيلية لم تترك أي بصمة.

مع عودته مجددا إلى سيلتا عام 2015، انفجر أسباس كالسمكة التي عادت إلى مياهها، وصار وحشا تهديفيا كاسرا في الدوري الإسباني.

لماذا لا ينجح أسباس إلا بقميص سيلتا؟

رد ماركوس بكلمة واحدة: "Morriña مورّينيا".

نظرت إليه بوجه مُبهم، ظننتها كلمة إسبانية لست مُلما بها، لكنه أنقذني: "ليست كلمة إسبانية، بل جاليثية".

يمتلك إقليم جاليثيا لغته الخاصة، وهي لغة رسمية تعترف بها الملكية الإسبانية، ولفظ Morriña يعني "الحنين إلى الوطن" بحسب ما فسره لي ماركوس فورا.

يوضح ماركوس: "أسباس كان مثالا على هذا المصطلح، هو شخص مرتبط للغاية بـ أرضه وعائلته وأصدقائه، والذهاب إلى دوري أجنبي ولغة جديدة ومسابقة تنافسية للغاية كان صعبا، خصوصا أنهم قد يأكلوك في إنجلترا لو لم تكن جاهزا، كما أنه نافس لويس سواريز".

"لم يكن نفس اللاعب في ليفربول أو إشبيلية، وحتى يعطي 100% من مستواه عليه أن يكون وسط أحبابه، يجب أن تشاهده زوجته وأبنائه من المدرجات، يجب أن يعلم أن والدته متواجدة من أجله في الأعلى تتابعه عن كثب".

"دائما ما يقول أسباس إنه يريد أن يكون المدير الرياضي لـ سيلتا بعد اعتزاله، هو بالفعل لا يفكر في مغادرة سيلتا".

قرر في تلك اللحظة دييجو أن يتدخّل في الحديث، وتذكّر مباراة سيلتا وفياريال في الجولات الأخيرة من دوري 2018\2019.

وقتها غاب أسباس 3 أشهر كاملة غاب فيها الفوز عن سيلتا وواجهوا فقرا تهديفيا كارثيا.

أمام فياريال عاد أسباس أخيرا، لكن فريقه تأخر 0-2 في بداية المباراة. في الشوط الثاني سجّل أسباس هدفين وقاد سيلتا للفوز 3-2 والنجاة بأعجوبة من هبوط محقق.

تم استبدال أسباس في نهاية المباراة، وظهر على دكة البدلاء يبكي بشدة.

"الفوز بهذه المباراة أنقذنا بشكل حتمي".. يعقّب دييجو.

قاطعه ماركوس في حماس: "لم نكن قد سجلنا سوى هدفين خلال 3 أشهر ف غيابه.. هذا هو إياجو، دموعه في ذلك اليوم كانت مزيجا من الفرحة والغضب والانتماء، كان محبطا للغاية لعدم قدرته على مساعدة فريقه طوال فترة إصابته".

ينتقل الحوار مباشرةً إلى دييجو الذي يطلق تصريحا جريئا: "بالنسبة لي، فـ أسباس هو أكثر لاعب حاسم في الليجا، أكثر من ميسي حتى...".

نظرت إليه في صمت وكأن صاعقة وقعت علي، فاستدرك سريعا: "ما أقصد قوله، أن أسباس هو أكثر لاعب يساهم في أهداف من إجمالي أهداف فريقه، هو أكثر لاعب يحصد نقاط".. وهذه معلومة حقيقية بالفعل.

في موسم 2020\2021، لم يفز سيلتا فيجو إلا مرة واحدة في أول 6 جولات، ويقف على حافة مراكز الهبوط في سيناريو متكرر، فهل ينجح شبانه المفعمين بالانتماء في إنقاذه مجددا؟

التعليقات
/articles/396784