حكايات في رمضان – كارلوس روا.. "كان يجب أن أستعد لنهاية العالم"

الجمعة، 17 مايو 2019 - 20:18

كتب : إسلام مجدي

كارلوس روا

"لم أرغب قط في أن أصبح لاعب كرة قدم، لن أفتقد اللعبة مطلقا، أنا سعيد بدونها". كارلوس روا.

ما الذي يدفع حارسا وهو في قمة مستواه وقد قدم أداء لفت أنظار العالم إليه، بجانب اهتمام الكثيرين بضمه أن يعلن اعتزاله كرة القدم بل ويحضر نفسه لما وصف بـ"نهاية العالم".

في بداية الألفية الجديدة كان هناك اعتقادا بأن نهاية العالم قادمة لا محالة، البعض أخذ هذا التنبوء على محمل الجد تماما وتفاعل معه ومن ضمنهم كارلوس روا حارس الأرجنتين.

لقراءة الحكايات السابقة من هنا

ابن مدينة سانتا في في الأرجنتين، بدأ مسيرته من ناد كبير هو راسينج، ولعب لأول مرة كأساسي في دوري الدرجة الأولى عام ١٩٨٨.

البعض يعتقد أن الحياة ابتسمت سريعا للفتى روا، قد شارك كأساسي بعد ٥ أعوام فقط في فئات الشباب وهو في الـ١٩ من عمره.

خلال تلك الفترة قرر النادي أن يخوض جولة تحضيرية في الكونغو، بعيدا عن الأرجنتين أو آسيا أو الولايات المتحدة، ولسوء حظه أصيب بمرض الملاريا.

تعافى روا من الملاريا لكن ذلك أثر بعض الشيء على مستواه، وخلال فترته مع راسينج حرس عرينه لـ١٠٠ مباراة قبل أن ينضم عام ١٩٩٤ إلى لانوس.

لم يكن لانوس أكبر من راسينج، لكن روا كان عازما على تحقيق النجاح مهما تكلف الأمر لإثبات جودته، لينجح بعد عامين في الفوز مع الفريق الصغير بأول لقب كبير لهم، كأس الكونميبول.

في تلك الفترة تحديدا بدأت حياة روا تأخذ عددا من المنحنيات الكبيرة، ولأنه كان نباتيا ولم يأكل أي لحوم قط اكتسب لقبا جديدا في الملاعب "الخس".

مدربه في لانوس كان هيكتور كوبر، بعد الأداء الذي قدمه في الأرجنتين مع هذا الفريق الصغير، اتجه للتدريب في أوروبا وتحديدا في مايوركا، وهناك اصطحب معه حارسه المتميز روا.

امتلك مايوركا عددا من اللاعبين المتميزين مثل إيفان كامبو ومارسيلينو وخوان فاليرون، وأدى الفريق بشكل رائع في الدوري الكأس.

خلال الموسم الأول احتل مايوركا المركز الخامس على بعد ٣ نقاط من ريال مدريد الرابع و١٤ نقطة عن برشلونة المتصدر. وخسر نهائي كأس ملك إسبانيا بركلات الترجيح، بعد انتهاء المباراة بنتيجة ١-١.

قبل البطولة كان روا حارسا متميزا للغاية استقبل هدفا كل ١٠٩ دقيقة مقارنة بمواسمه الماضية كان يستقبل هدفا كل ١٠٠ دقيقة وفاز بجائزة زامورا كأفضل حارس يمتلك نسبة أهداف مستقبلة مقارنة بعدد مشاركته في المباريات، كما كانت تتم مقارنته بأوليفر كان.

مع تألق روا قرر دانييل باساريلا استدعائه لتمثيل المنتخب في كأس العالم ١٩٩٨. كان يقترب وقتها الحارس الأرجنتيني من بلوغ عامه الـ٢٨.

حتى تلك الفترة كان روا أحد أبرز حراس المرمى الأرجنتينين وكبار أندية أوروبا تراقبه خاصة بعد موسم متميز للغاية مع مايوركا، ثم الانضمام للمنتخب كل ذلك لفت الأنظار إليه.

"قديما كانت الأرجنتين تعتمد على مارادونا فقط، الآن علينا أن نعتمد على ١١ لاعبا".

الأرجنتين كانت في مجموعة كرواتيا وجامايكا واليابان، وهناك بعض الشكوك حول إمكانية فعل الأرجنتين لشيء في البطولة.

قرر باساريلا أن روا سيكون حارسه الأساسي مفضلا إياه على جيرمان بورجوس وبابلو كافاييرو.

قال روا :"الأرجنتين منتخب قوي للغاية، انظر للطريقة التي تأهل بها والخيارات الرائعة في الهجوم، الدولة بالكامل تدعمنا".

لم تخسر الأرجنتين أي مباراة في دور المجموعات، وخرج روا بشباك نظيفة في المباريات الثلاثة، وسجل المنتخب ٧ أهداف.

خلال المراحل الإقصائية كان روا على موعد مع كتابة التاريخ، مواجهة إنجلترا الكلاسيكية في دور الـ١٦.

"مواجهة الأرجنتين وإنجلترا كانت كلاسيكة للغاية لأن هناك عداء تاريخي بين الاثنين والأرجنتينيون يعيشون لمثل هذا الشغف والحماس".

"حماس ذلك العام كان أكبر لأنه كانت هناك أزمات في الأرجنتين، واحتاج شعبنا بعض السعادة، أرادوا أن يهربوا من مشاكلهم، وما أفضل طريقة لذلك سوى الانتصار ضد إنجلترا في كأس العالم؟".

خلال ذلك الوقت امتلك منتخب إنجلترا فتى جديد في الـ١٨ من عمره، مايكل أوين أفضل لاعب في أوروبا.

"لم نكن نعلم عنه حرفيا أي شيء، وبعد ذلك سجل ذلك الهدف الرائع، أوين امتلك جودة كبيرة ولم نكن مستعدين له كما يجب".

صاحب الـ١٨ عاما أخذ الكرة من منتصف الملعب والنتيجة كانت ١-١، تقدم باتسيتوتا ثم تعادل شيرار كل ذلك في ٤ دقائق في بداية الشوط الأول، ثم جاء أوين في الدقيقة ١٦ ليسجل هذا الهدف الرائع.

بالطبع قبل نهاية الشوط الأول تعادل خافيير زانيتي، ثم حادثة بيكام الشهير مع سيميوني وطرد الأول ليتجه اللقاء إلى ركلات الترجيح.

بعد تصدي ديفيد سيمان لركلة كريسبو، تألق روا ليتصدى لركلة بول إنس.

"حينما تكون في الملعب فلا تعلم ما الذي يدور حولك، حتى في ركلات الترجيح وتصد وحيد قد يؤهلك، فأنت لا تفكر فيه، كل تفكيري كان يصب جهة ديفيد باتي".

"لم أشاهد أي مقاطع فيديو، لذا نظرت إليه بعناية، فكرت في كيف سيركض ليسدد والطريقة التي توقف بها قبل التسديد، كيف يشعر وحمدا لله نجح الأمر".

"كل ما شاهدته وفكرت فيه كان باتي، كانت مباراة رائعة وربما الأفضل في فرنسا ٩٨، كل شيء تعلق على تلك اللحظة، باتي وأنا كنا كل ما يهم، والجميع كان يشاهدنا".

كل شيء تعلق حول هذه اللحظة، ديفيد باتي يسدد وروا يتصدى ويقود الأرجنتين نحو ربع نهائي كأس العالم لمواجهة هولندا.

"بعد المباراة تحدثت مع صديقي عبر الهاتف وأخبرني ما حدث، قال لي إنه كان هناك صمت تام في كل أنحاء الدولة، كأن الجميع حبس أنفاسه".

"بعد ذلك حينما تصديت انفجرت الأرجنتين".

تقدم باتريك كلويفرت لهولندا وتعادل كلاوديو لوبيز قبل أن تأتي واحدة من أشهر لحظات ١٩٩٨ "دينيس بيركااامب دينيس بيركااامب بيركااامب". لتتأهل هولندا إلى نصف النهائي وتودع الأرجنتين البطولة.

سيكون أمرا قاسيا للغاية لو تم اختزال مسيرة روا في كأس العالم ١٩٩٨ في هدفي أوين وبيركامب على الرغم من أنه قدم بطولة رائعة للغاية وتصدى لأكثر من كرة خطرة، لكن للأسف بعض الأحداث الجانبية تندثر طالما لست الفائز.

روا عاد إلى مايوركا في موسم ١٩٩٨-١٩٩٩ وهو بطل تلاحقه كبار أندية أوروبا وأصبح حارسا يعرف الجميع جودته، صنع اسما لنفسه على مدار ١٢ شهرا، وإن كان العام الماضي جيدا فالعام التالي أفضل.

فاز الفريق بكأس السوبر الإسبانية، واحتل المركز الثالث في الدوري الإسباني ووصل نهائي الأندية أبطال الكؤوس لكنه خسر من لاتسيو بنتيجة ٢-١، في ذلك الوقت احتوى لاتسيو على نجوم مثل أليساندرو نيستا ومارسيلو سالاس وبافيل نيدفيد وكريستيان فييري.

مانشستر يونايتد كان مهتما بضمه في ١٩٩٩، أحداث القصة تقودنا نحو القمة، لكن فجأة هناك منعطف درامي قادم غير مجرى الأحداث تماما.

أعلن كارلوس روا اعتزاله كرة القدم لأنه اعتقد بأن العالم سينتهي مع بداية الألفية الجديدة.

"أردت أن أكون قريبا من عائلتي، وأستعد لنهاية العالم، في مكان سيمنحني كل ما أحتاجه".

لم يعلم احد أين ذهب، وقال مراسل في الأرجنتين يعمل لصحيفة أوليه الأرجنتينية أنه حاول الوصول إليه لكن لم يعلم أحد من المقربين إليه ولا حتى وكيله أين ذهب، وحينما سأل عن عائلته قيل له: "ذهبوا معه".

كان روا قد غادر إلى قرية تسمى فيلا دي سوتو، وبكل تأكيد كان جادا إذ أنه كان ينتظر نهاية العالم، ويقوم بواجباته كقس لعائلته.

وجده الصحفي الخاص بجريدة أوليه وأجرى معه حوارا ليقول روا: "لم أرغب قط في أن أصبح لاعب كرة قدم ولا أفتقد للعبة، أنا سعيد بدون كرة القدم".

"في العالم هناك حروب ومجاعات وطاعون والكثير من الفقر والفيضانات، يمكنني أن أؤكد لك أن هؤلاء الناس لم يكن لديهم أي اتصال روحاني مع الله، وهذا النوع من الحياة كلها مشاكل".

"كان يجب أن أستعد لنهاية العالم في مكان سيمنحني كل شيء".

لكن فجأة، لم ينته العالم، لم يحدث أي شيء، استمرت الحياة، وربما أدرك روا فداحة جنون الفكرة وما فعله.

"في ١٩٩٩ قررت أن أكرس حياتي للدين، كنت آخذ الموضوع على محمل الجد تماما، على سبيل المثال لم أكل اللحم قط، زوجتي وأنا كنا نحب التأمل كثيرا، وكلانا فهم الأمر أن ذلك كان الوقت المثالي لكي نكون في مستوى أعمق من التعمق في الدين".

"قضيت عاما في الريف، قرأت كثيرا وتعلمت كيف أعيش حياة أفضل ولها أكثر من معنى كان أمرا شخصيا".

كان روا يجد أن اللعب أيام السبت أمرا مرفوضا تماما وعليه لم يفكر خلال ذلك العام في العودة للعب كرة القدم.

بعيدا عن محاولاته لتصحيح خطأه بعدما وجد أن العالم لم ينته قرر العودة إلى عالم كرة القدم بناء على شرط وحيد.

"بعد عام عدت إلى مايوركا، لكن بشرط وحيد لن ألعب أيام السبت، لكنني سأقضيه في الراحة".

العودة إلى التدريبات كان أمرا صعبا للغاية، من أصعب الأشياء التي من الممكن أن يفقدها حارس المرمى هي توقيته في الارتماء للتصدي للكرات، ومحاولة العودة لمستواه المعهود في ١٩٩٨-١٩٩٩ كان أشبه بالحلم، كانت تلك قمته وبدا الأمر مستحيلا.

"قاتلت بقوة وكنت محظوظا كفاية بأن ألعب لفريق مثل مايوركا، قبل عامين كانت هناك تقارير تقول إن مانشستر يونايتد قدم عرضا لضمي بـ١٠ ملايين دولار، لكن لم يكن هناك أي تواصل رسمي".

لم تأت النهاية، وعاد مجددا لعالم كرة القدم عام ٢٠٠٠. وبسبب عدم اللعب أيام السبت لم يلعب عددا من مباريات مايوركا، كما غاب عن عدد من المباريات المؤهلة لدوري الأبطال، في حين أن الحارس المتميز ليو فرانكو في ذلك الوقت أثبت جدارته ليصبح رقم ١.

خلال عام ٢٠٠٢ كان روا على وشك الانضمام إلى نادي أرسنال بعد أن قضى فترة معايشة في النادي اللندني لكن لم تتم الأمور لينضم إلى ألباسيتي.

"قضيت خمسة أيام فترة معايشة مع أرسنال، أرسين فينجر أراد ضمي لكنني لم يكن لدي جواز سفر أوروبي ولم أكن ألعب بانتظام مع الأرجنتين ما كان سيفتح أمامي الباب للانضمام للفريق".

"العودة لمايوركا كانت صعبة للغاية، لأن الدوري الإسباني تنافسي للغاية ولا أحد سيمنحني مكانا في الفريق، لذا حينما جاءت فرصة الانضمام إلى ألباسيتي لم أتردد، حتى إن كنت سألعب في درجة أدنى".

في موسمه الأول صاحب الـ٣٣ عاما ساعد ألباسيتي على التأهل للدرجة الثانية من الدوري الإسباني.

وفي الموسم التالي عاد الفريق للدوري الإسباني وساعدهم على التواجد في المركز الـ١٤ على بعد ٦ نقاط من مراكز الهبوط، وعاد الحارس للعب بشكل جيد للغاية ربما ليس قريبا من مستواه في ١٩٩٨ لكن بمستوى نال الإعجاب.

ربما كانت فرصة جيدة له للعودة إلى القمة، وسار كل شيء على نحو جيد، حتى أتت انتكاسة جديدة، أصيب بالسرطان.

"كل شيء كان يسير على نحو جيد، لكن الله ألقاني في اختبار آخر قوي للغاية، واجهت اختبارا مماثلا مع راسينج خلال رحلتنا في الكونغو مع الملاريا".

كان يخوض قتالا قويا ضد السرطان، وفي النهاية نجح في التعافي مما وصفه بـ"أسوأ اختبار مر علي في حياتي".

"لا يمكنني وصف تلك المرحلة بالتفاصيل، لأنه يجب أن تتعايش معها وتفهم ماهيتها، لكنها كانت أشبه برسالة أنني يجب أن أستمر في حياتي".

هذه المرة ابتعاده عن كرة القدم جاء إجباريا، ما يعني انتهاء مسيرته في أوروبا، وعاد مرة أخرى إلى الأرجنتين ليلعب مع فريق أوليمبو وقضى معه موسما قبل أن يتجه إلى التدريب.

لعامين كان كارلوس روا متواجدا في قائمة أفضل حراس المرمى في العالم، تألق مع الأرجنتين ومايوركا، نجا من الملاريا والسرطان، اهتم مانشستر يونايتد بضمه وأقصى إنجلترا من كأس العالم.

ماذا لو لم يكن يهتم أكثر بنهاية العالم؟ ماذا لو استمر مع مايوركا إلى أين كان يمكنه أن يصل؟

"تلك العطلة جعلتني أفضل، عدت مسترخيا وسعيدا بالعودة لكرة القدم، قراري بالعودة إلى مايوركا وجد ترحيبا، لم يسألني أي شخص على الإطلاق".

"بعد المرض لم أعد أضع خططا طويلة الأمد، بعد سنوات عديدة الدرس الذي تعلمته هو لا يهم أن تكون الأشياء جيدة أو سيئة عليك أن تواجهها وأنت رافع رأسك".

**المصادر: (مجلة These Football Times – مقالات جوناثان ويلسون – صحيفة جارديان – صحيفة إندبندنت – كتاب ملائكة بوجوه قذرة لجوناثان ويلسون – مجلة فور فور تو – صحيفة أوليه الأرجنتينية)

التعليقات