"يُغتصبن داخل مكتب الرئيس.. أرني جمالك لكي تبقي".. مأساويات تحرش مرعبة للاعبات منتخب أفغانستان

الجمعة، 07 ديسمبر 2018 - 18:05

كتب : معتز سيد

لاعبات منتخب أفغانستان - رسمة: شروق عز الدين

احتفى بهن العالم كرمز لـ"أفغانستان جديدة". وقف الكل منبهرا بتواجدهن على ملعب كان مسرحا لتنفيذ عمليات إعدام سابقة من حركة طالبان، أبطال يحلمون ويحاربون لممارسة ما يحبون، ولكن توجد أفاعٍ تظهر دائما لتلدغ الجسد وتحول الحلم إلى كابوس.. كابوس لاعبات منتخب أفغانستان لكرة القدم.

حكايتنا هنا مأسوية، سوداوية، تظهر الجانب السيئ من الإنسان، الذي يمتلك السلطة على شخص ما بحكم منصبه، فيعتقد أنه سيدا له ويعامله معاملة العبيد.

خالدة بوبال، القائدة السابقة لمنتخب أفغانستان لكرة القدم، التي شغلت منصب مديرة المنتخب، قررت أن تكسر الصمت لتفجر فضائح، بخصوص اعتداءات جنسية من قبل بعض من مسؤولي الاتحاد الأفغاني، بحق فتيات وشابات في المنتخب.

وتقول خالدة: "كان من الصعب للغاية بالنسبة لنا أن نتحدث عن تلك الأموار ونحن في أفغانستان، هؤلاء –المسؤولون المتهمون كما تزعم– قوتهم كبيرة للغاية داخل البلد".

"إذا قررت أي لاعبه الكشف عما حدث لها في وسائل الإعلام، ستقتل".

في 2016 هربت خالدة بوبال من أفغانستان لتحصل على لجوء إنساني في الدنمارك. اللجوء الإنساني "لأسباب أمنية" لم يمنعها من إدارة المنتخب وتنظيم معسكرات للسيدات خارج البلاد.

نظمت خالدة بوبال معسكرا للمنتخب في شهر فبراير الماضي في الأردن، معسكرا شهد حضور لاعبات من داخل وخارج أفغانسان، وأيضا شهد حالات تحرش واعتداءات على بعض من لاعبات المنتخب.

تحكي قائدة المنتخب السابقة: "تواجد في المعسكر شخصان من الاتحاد الأفغاني تحت مسمى المدرب المساعد ورئيس لمنظومة الكرة النسائية، والثنائي تحرش وضايق اللاعبات القادمات من داخل أفغانستان، لعلم الثنائي بأنهن لن يتحدثن".

"كانا يذهبان إلى غرف اللاعبات، ويجبراهن على الممارسات الجنسية في مقابل استمرارهن في قائمة المنتخب".

لاعبات المنتخب قررن الإفصاح عن الأمر لـ خالدة بوبال، وهو ما جعل الأخيرة تتحدث مباشرة مع رئيس الاتحاد. فماذا حدث؟

** خالدة بوبال - القائد السابق لمنتخب أفغانستان**

تقول خالدة: "عندما علمت بالأمر تحدثت مع الرئيس وأخبرته أنه في حالة عدم تدخله لإيقاف ما يحدث، فإنني سأجعل اللاعبات يتحدثن لوسائل الإعلام المحلية ليكشفن كل ما جرى".

كيرامودان كريم رئيس الاتحاد الأفغاني، تذكروا هذا الاسم جيدا، لأننا سنعود له قريبا، طالب خالدة بوبال بالتحلي بالهدوء وعدم الإفصاح عن أي شيء، ووعدها أنه "سأتخذ إجراءات جادة للغاية ضد المسؤولين عن هذا الأمر".

هل تعلمون ما هو الإجراء "الجاد للغاية" الذي فعله رئيس الاتحاد؟ هذا ما قررت الأمريكية كيللي ليندسي أن تكشفه.

كيللي، صاحبة الـ 40 عاما هي مدربة منتخب سيدات أفغانستان. نعم هي المدربة ولكنها قررت كسر الصمت أيضا.

وقال كيللي: "الثنائي المسؤول الذي تحرش واغتصب اللاعبات في المعسكر لم يتعرض لأي عقاب".

"بل تم ترقيتهما! ... ترقية ونقل لمنصب آخر داخل الاتحاد".

ضحية تُدمر نفسيا وتعيش على كوابيس بسبب مغتصبون يعيشون بسعادة ويتنقلون لمناصب أعلى وأعلى.. تلك هي الحياة.

إذا اعتقدت أنك وصلت لأسوأ ما في القصة، فاستعد الأسوأ قادم الآن.

تسع لاعبات تم طردهن من المنتخب عقب نهاية معسكر الأردن مباشرة، لأنهن قررن كسر الصمت والحديث لوسائل الإعلام المحلية في أفغانستان، والنتيجة كانت طردهن حسبما كشفت خالدة.

قرار طرد اللاعبات كان وحشيا ومأسويا، ليس لواقع صدوره فقط بل لمبرراته أيضا.

"مثلية الجنس".. نعم هذا هو المبرر الذي سربه الاتحاد الأفغاني لوسائل الإعلام.

هل لك أنت تضع نفسك مكان فتاة تعيش في أفغانستان وتتعرض للتحرش والاغتصاب، وفي نفس الوقت تطاردك أقاويل غير صحيحة سُربت ضدك بأنك "مثلي الجنسية"!

لحظات بعد تخيلك المشهد السابق، ستعرف بأن الفتاة إذا قررت الكشف عن كل شيء، لن يصدقها أي أحد، بل ستصبح منبوذة وتتعرض لتهديدات بالقتل هي وعائلتها، وستكون الطرف الكاذب دائما على الرغم من صدقها.

تلك كانت خطة الاتحاد الأفغاني بعد قرار طرد الـ 9 لاعبات، وهو الأمر الذي أثار "خالدة" غضبا لتقرر كشف المستور من فساد الاتحاد.

** كيللي ليندسي مدربة المنتخب مع لاعبات منتخب أفغانستان**

بوبال بدأت في جمع أقاويل لشهود حدث لهن عمليات تحرش واغتصاب من قبل، ليس فقط داخل المعسكر بل منذ نشأة المنتخب من الأساس.

أمور لا يصدقها أي عقل، كُشفت أمام بوبال عندما بدأت في الحديث مع لاعبات سابقات تعرضن لحوادث مشابهة.

تنقل بوبال قصص اللاعبات قائلة: "اكتشفت مدى الإساءة الجنسية والتحرش والاغتصاب الذي يتعرضن له من قبل رئيس الاتحاد نفسه، نعم الجاني الآن هو رئيس الاتحاد".

" كيرامودان كريم –رئيس الاتحاد– يمتلك غرفة نوم داخل مكتبه! نعم غرفة نوم ليتحرش باللاعبات، باب غرفة الرئيس لا يُفتح إلا ببصمته هو، ومن هنا فلا تقدر أي فتاة الخروج من المكتب عندما تدخل إلا بواسطة الرئيس نفسه. ويفعل ذلك عندما ينتهي".

بوبال استغرقت أكثر من نصف عام للحديث مع لاعبات تعرضن لحالات تحرش واغتصاب، وللأسف أغلبهن يخشون الحديث بسبب تهديدات القتل لهن ولأسرهن، وللتكذيب المحتمل الذي سيحدث ضدهن.

كيللي ليندسي، مدربه المنتخب، قررت اللجوء إلى الاتحاد الآسيوي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن الإجابة كانت "لا يمكننا التحدث لكِ لأنك لست عضوا في الاتحاد. نحن بحاجة إلى رئيسك أو الأمين العام للتحدث معنا"، حسبما كشفت ليندسي.

يوم الجمعة الماضي قررت بوبال الكشف عن كل ما ذكرناه في السابق، في حديثها مع صحيفة جارديان. كسرت الصمت لتنشر جارديان القصة وتنقلب الأمور رأسا على عقب.

لاعبات من المنتخب الأفغاني ومدربة المنتخب نقلن الأمر إلى مواقع التواصل الاجتماعي. حملة على موقع التدوينات القصيرة (تويتر) لمطالبة الاتحاد الدولي لكرة القدم بالتدخل ومحاسبة الاتحاد الأفغاني.

ليتفاعل الجميع ويعلن دعمه ووقفوه مع الضحايا في وجه المغتصبين.

حوادث التحرش والاغتصاب لا تحدث للاعبات فرق كرة القدم فقط، بل لفرق آخرى وآخرى وللأسف.

بي بي سي تحدثت مع عدد من الشابات اللواتي لايزلن يعشن في أفغانستان، من ضمنهن لاعبات في غير فرق كرة قدم، وشاركت اللاعبات قصصاً مشابهة عن التحرش الجنسي والتنمر.

وقالت إحداهن، مع رغبة بعدم ذكر اسمها: "قيل لي، أريني كم أنتِ جميلة، لأن الجميلات فقط سيحصلن على مكان في الفريق".

"أريني جمالك لكي تبقي"..

وليس علي تذكيركم برد فعل الاتحاد الأفغاني مع الحملة التي بدأت. إنكار وإنكار وإنكار، كالمعتاد مع أي مسؤول.

** كيرامودان كريم رئيس الاتحاد**

الاتحاد الأفغاني أصدر بيانا قال من خلاله: "نرفض بشدة الاتهامات الباطلة التي قُدمت فيما يتعلق بالفريق الوطني النسائي، لدينا سياسية عدم التسامح مطلقا مع أي نوع من هذا السلوك".

إنكار اعتدنا سماعه من أي مسؤول ضد أي اتهامات في بدايتها.

الأمور لم تنته هنا بل في الحقيقة هي بدأت الآن..

رئيس اتحاد غرب آسيا والاتحاد الأردني لكرة القدم، الأمير علي بن الحسين دعا إلى فتح تحقيق فوري بمزاعم سيدات المنتخب.

وقال الأمير: "إذا كانت تلك الادعاءات صحيحة فإنها تستحق ردا قويا".

"من أجل المحافظة على سلامة ومكانة كرة القدم النسائية، والتي احتاجت للكثير من السنوات للنهوض، يجب إجراء تحقيق من قِبل الفيفا والاتحاد الآسيوي، وإظهار الحقائق دون تأخير".

مصدر في الاتحاد الدولي لكرة القدم تحدث عن الأمر قائلا: " قد كان الاتحاد الدولي على علم تام بالوضع في أفغانستان، وعمل بجد لضمان سلامة اللاعبات".

"لقد عملنا بسرية تامة مع الضحايا، بالنظر إلى الطبيعة الحساسة للاتهامات، والمخاطر التي تهدد الحياة.. منذ مارس الماضي بدأنا بجمع الأدلة لإجراء تحقيق رسمي".

وهو ما حدث بالفعل.

الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" يفتح تحقيقا ضد الاتحاد الأفغاني.

الأخبار السعيدة توالت. شركة Hummel، وهي شركة رياضية دنماركية، قررت سحب رعايتها للاتحاد الأفغاني لكرة القدم، بعد هذه الاتهامات.

حفيظ الله رحيمي، رئيس اللجنة الأولمبية الأفغانية أدلى ببيان عقب نهاية جلسة للبرلمان الأفغاني يوم الاثنين الماضي، قائلا: "للأسف، وصلت هذه المخاوف إلينا. الاعتداء الجنسي موجود، ليس فقط داخل اتحاد كرة القدم، ولكن في اتحادات رياضية أخرى أيضا. علينا محاربته".

اعتراف رسمي بأن ما تقدمت به لاعبات سابقات للمنتخب بخصوص اعتداءات المسؤولين عليهن، يعد صحيحا وليس مجرد مزاعم كاذبة كما يرددون دائما.

نعم، الحق انتصر.

الأمر وصل لحديث من أشرف غني أحمدزي رئيس الجمهورية عن الكارثة.

وقال الرئيس الأفغاني: "إنها صدمة لكل الأفغان. نحن بحاجة لنتصرف على الفور وعلى نحو شامل".

والكل تحرك والقضية مستمرة الآن..

"أعرف أن صوتي يمكن أن يغير حياة كثيرين. أعلم أن صوتي يمكنه تغيير النظام القائم"... خالدة بوبال.

نعم صوتك كسر الصمت والظلم والقهر وأنار النفق المظلم.. سيروا بأمان الآن ولو قليلا..

*****

** شكر خاص لـ شروق عز الدين على الرسمة الخاصة بالموضوع

** المصادر

https://www.theguardian.com/football/2018/nov/30/fifa-examining-claims-sexual-physical-abuse-afghanistan-womens-team

https://www.bbc.com/news/world-asia-46429872

https://ewn.co.za/2018/12/04/afghan-leader-orders-probe-of-sex-abuse-on-women-s-football-team

https://www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/afghan-president-orders-probe-into-abuse-of-female-athletes/2018/12/04/b4b99de4-f796-11e8-8642-c9718a256cbd_story.html?utm_term=.8fec71ccf9d9

التعليقات