مانو جينوبلي – الرقم 57.. هدية الأرجنتين إلى العالم

الخميس، 06 سبتمبر 2018 - 14:43

كتب : إسلام محمود

جينوبلي

"أشعر بالفخر لأن الصحفيون يطلقون على جينوبلي لقب ميسي كرة السلة، لكن في الحقيقة يجب عليهم أن يطلقوا عليْ جينوبلي كرة القدم"- نجم برشلونة عام 2013.

هناك في صالة AT & T الخاصة بسان أنطونيو سبيرز، الفريق كان قاب قوسين أو أدنى من الإقصاء أمام جولدن ستيت ووريورز في نهائي الغرب عام 2017.

نتيجة السلسلة 3-0 وخسارة جديدة لسبيرز تعني توديع الإقصائيات مبكرا.

مانو جينوبلي يغادر الملعب قبل نهاية المباراة بدقيقتين، لتنفجر الجماهير بهتاف "مانو .. مانو" رغم أنه لم يكن أعلن أن هذا الموسم هو الأخير في مسيرته، لكن بطلا مثله يجعلك لا تفوت فرصة تحيته لمرة قد تكون الأخيرة في مسيرته التي تراه بقميص فريقك المفضل.

لا تهم الخسارة، لا يهم الخروج. لا نريد اللقب. فلنهتف جميعا "مانو .. مانو".

يجلس مانو على مقاعد البدلاء متعجبا، مبتسما بأعين تكاد تجهش بالبكاء تأثرا بحب طالما فاجئه رغم أنه يألفه عن ظهر قلب.

يرفض الرحيل وقتها ليكمل موسما هو الـ16 في مسيرته ثم يعلق حذائه للأبد.

"اليوم، بمشاعر مضطربة كثيرة، أعلن اعتزالي كرة السلة. كل امتناني لعائلي، زملائي، أصدقائي، مدربيني، طاقم التدريب، والمشجعين الذين شاركوني رحلة دامت 23 سنة. كانت تجربة رائعة لم تصل لها أكثر خيالاتي جموحًا" .. كانت تلك رسالة الوداع.

جينوبلي أعلن اعتزاله يوم 28 أغسطس 2018، قبل أن يُعلن حاكم ولاية تكساس يوم 30 أغسطس "يوم مانو جينوبلي" يتم الاحتفال به سنويا.

البداية

على الساحل الشرقي للأرجنتين جنوبًا من العاصمة بوينس آيرس تقع مدينة باهيا بلانكا، أو بالعربية "الخليج الأبيض" نظرًا للملح الذي يترسب على شواطئها فيمنحها لون أبيض مميز يخطف الأنظار.

عاصمة كرة السلة في البلاد أخرجت ثلاثة أبطال حققوا الميدالية الأوليمبية في أثينا سنة 2004 بالإضافة لمدرب المنتخب، واحد من هؤلاء سيشق طريقه من سواحل الأرجنتين للولايات المتحدة الأمريكية ليصنع أسطورته الخاصة مرتديًا الأبيض لون شواطئ باهيا بلانكا مختلطًا بالأسود لون البترول الذي تشتهر به ولاية تكساس وسواحلها والتي سيلعب لاحقا لفريقها سان أنطونيو سبيرز.

بعمر 16 سنة إيمانويل كان الابن الثالث لجورج جينوبلي، مدرب كرة السلة الأسطوري في الأرجنتين، والشقيق الأصغر لأخوين، لياندرو وسيباستيان، يلعبان بشكل احترافي في الدوري الأرجنتيني لكرة السلة.

مانو، النحيل وضعيف البنية وقتها، سبب إحباطا لعائلته، ربما لم يكن ضمن أفضل 15 لاعب في عمره في ذلك الوقت. لم يتوقعوا أن يصبح لاعبا كبيرا.

أحد أصدقاء والده حول مانو لتجربة علمية حقيقية، بعمر الخامسة إيمانويل الصغير ارتدى نظارات مزودة بعدسات إضافية مواجهة للأرض لتمكنه من رؤية الكرة أثناء المراوغة دون الحاجة للنظر إلى الأسفل.

لم تكن النظارات وحدها أدوات التجربة، صديق والده منحه قفازات خاصة لتحجب الإحساس عن راحتي يديه ليجبره على استخدام أطراف أصابعه فقط للتلاعب بالكرة.

"كنت أتجول في مطبخ منزلنا بجوار أمي مرتديا تلك الأشياء، كنت تجربة علمية بالفعل"- يتحدث جينوبلي عن طفولته مازحا.

راقص التانجو

في 2002 جينوبلي وضع الأرجنتين على خارطة كرة السلة العالمية بأداء قوي في كأس العالم منح الفريق الميدالية الفضية، في 2004 جينوبلي نفسه سجل 29 نقطة أمام الولايات المتحدة ليقود التانجو لذهبية أوليمبياد أثينا قبل أن يتبعها ببرونزية في بكين 2008.

"أفضل الخسارة معكم يا رفاق على الفوز مع أي فريق آخر" قالها القائد جينوبلي باكيا بعد خسارة الميدالية البرونزية أمام روسيا في أوليمبياد لندن 2012 في عشاء ظنوا أنه العشاء الأخير. خسارة كتبت بداية نهاية الجيل الأعظم في تاريخ كرة السلة الأرجنتينية.

لم تكن المرة الأولى التي يبكي فيها جينوبلي رفقة زملاء المنتخب، كانت المرة الأولى بعد خسارة نهائي كأس العالم 2002 الذي لم يحلم أحدا أن تحل الأرجنتين فيه في المركز الثاني، الفريق ذهب للتمثيل المشرف كأقصى تقدير ليجد نفسه وصيفا للبطولة.

آر سي بافورد شاهد النهائي ولم يستطع النوم فذهب لمطعم الفندق ليجد فريق الأرجنتين بالكامل أثناء العشاء: "يبدو أن الكل كان يبكي، الكل يواسي بعضه، ثم يضحكون سويا، تلك كانت أروع بيئة لفريق كرة سلة شاهدتها في حياتي".

ذهب بعد ذلك ليلقي التحية على إيمانويل جينوبلي، اختيار الفريق عام 1999 والذي كان على بُعد أشهر من أن يبدأ موسمه الأول كلاعب لسان أنطونيو سبيرز.

تسديدة انتقامية في اللحظة الأخيرة من مباراة صربيا، بطل العالم 2002 أمام الأرجنتين، ضمن أفضل اللحظات في مسيرة مانو جينوبلي وحبة الكرز فوق كعكة أثينا 2004 انتهت بذهبية أوليمبية وانتصار ساحق على الولايات المتحدة. جينوبلي لم ينسَ، جينوبلي لا ينسى!

"انضم لمعسكر منتخبنا لأول مرة سنة 1996، لم يكن به شيئا مميزا من الوهلة الأولى لكنه كان يتحرك بشكل مختلف، حركاته سريعة كالثعبان" – أندرس نوتشيوني لاعب منتخب الأرجنتين.

الانطباع الأول لم يكن قويا لكنه كان.. مختلفا.

"متى ما ضاقت بنا السُبُل واختفت المساحات في دفاع الخصم تتقلص خياراتنا لخيار وحيد نعرفه جميعا، نمرر الكرة لمانو جينوبلي وهو سيتكفل بالباقي" – فابريزيو أوبيرتو يتحدث خطة الأرجنتين في وجود جينوبلي.

"باصي لمانو" هكذا كانت الخطة باختصار. نجح مانو في اكتساب ثقة الجميع مثلما سيفعل طوال مسيرته.

لويس سكولا، أندرس نوتشيوني، والتر هيرمان، فابريسيو أوبيرتو كلهم لعبوا لفترات في NBA بعد ذهبية بكين، طريق مهده جينوبلي ليسير فيه زملاؤه.

إيطاليا

"كان يفعل الكثير من الأشياء المذهلة في التدريبات تجعلك تتسائل هل بإمكانه فعل ذلك حقا في المباريات؟" – إيتوري ميسينا مدرب فيرتوس بولونيا والمدرب المساعد في سان أنطونيو سبيرز.

جينوبلي وقع لبولونيا عام 2000 في صفقة انتقال حر بعد عامين في الدوري ريدجيو كالابريا، ليربح كل شيء مع الفريق الإيطالي في سنتين قبل بداية رحلته في NBA.

بولونيا تُوج بالدوري الأوروبي البطولة الأكبر في القارة العجوز عام 2001، حصل على المركز الثاني في 2002، فاز بالدوري الإيطالي والكأس في 2001 ليحقق الثلاثية. وحافظ على الكأس في العام التالي.

يمكنك أن تحزر السبب؛ في كرة القدم كان توتي حديث الكل وقتها، في كرة السلة كان هناك إيمانويل جينوبلي. مانو فاز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الأوروبي عام 2001، هداف المسابقة مرتين تواليا في 2001، 2002.

أفضل لاعب في الدوري الإيطالي مرتين وأفضل لاعب في كأس إيطاليا عام 2002.

11 مناسبة قتل فيها مانو خصومه في الثانية الأخيرة ليمنح الفوز

NBA

التاريخ 30 يونيو 1999

الحدث NBA Draft

سان أنطونيو امتلك البطاقة رقم 29 و57 في اختيارات هذا العام، بادل البطاقة الأولى مع دالاس مقابل البطاقة رقم 40 وبطاقة مستقبلية.

"كنا محظوظين للغاية لأننا وجدناه حينما أتى الاختيار رقم 57" يروي آر سي بافورد المدرب المساعد في سان أنطونيو سبيرز تفاصيل اختيار جينوبلي. "فزنا للتو بالبطولة، لم نرد أن نكسر وحدة الفريق البطل لذا اخترنا لاعبين في فرق أوروبية لنجلبهم فيما بعد للفريق"

56 لاعبا تم اختيارهم لتمثيل فرق NBA قبل أن يعلن ديفيد ستيرن مفوض ورئيس الرابطة الوطنية لكرة السلة اختيار سان أنطونيو سبيرز بطل الدوري هذا العام للأرجنتيني مانو جينوبلي بالبطاقة رقم 57 وقبل الأخيرة. اسم لم يلفت الانتباه أبدا.

"كنت المدرب المساعد لمنتخب أمريكا وقتها وذهبت لتيم دانكان وقلت له: تيمي، هناك فتى أرجنتيني سيلعب معنا هذا الموسم، لا أحد في الولايات المتحدة بأسرها يعلم كم هو لاعب رائع" – يتحدث بوبوفيتش عن موسم جينوبلي الأول.

معلومة - لا يوجد أي لاعب تم اختياره ببطاقة درافت جولة تُوج بـ4 بطولات أو أكثر غير جينوبلي سوى دينيس رودمان (2× ديترويت، 3× شيكاجو) وستيف كير (2× سان أنطونيو، 3× شيكاجو)

جريج بوبوفيتش

أحد أسباب نجاح جريج بوبوفيتش كمدرب طيلة عقدين وأكثر في NBA هو النظام والالتزام الشديد، شيء يبدو منطقيا لرجل ذو خلفية عسكرية سابقة بإنهاء دراسته في الأكاديمية الأمريكية للطيران واقترابه من الانضمام لـCIA في وقت ما قبل أن يحترف التدريب.

التعامل مع مدرب بهذه الانضباطية شيء بالغ الصعوبة، يتطلب من بعض اللاعبين تغيير كامل في عقليتهم لمواكبة متطلبات "بوب" كما يُلقب، لكن الأمر كان مختلفا لجينوبلي، لا يمكنك تقييد حرية مانو مهما حاولت، وحينما تمتلك لاعبا بهذه المهارات والعقلية فحتى بوبوفيتش نفسه كان مجبرا على التغير للمرة الأولى في مسيرته.

"أتى لي مرة بعد أن وبخته في حصة تدريبية ليقول لي "أنا مانو وهذا ما أفعله" قلت له حسنا مانو، قم بقطع الكرة مرة أو مرتين خلال المباراة وسأصمت أنا لمرة أو مرتين حينما تقوم بواحدة من ألعابك الجنونية الغريبة. هكذا توصلنا لاتفاق. ولأصدقكم القول فجينوبلي أكثر اللاعبين احترافية ممن دربتهم، في كل حصة تدريبية كان يبذل 100% من جهده ويقاتل على كل كرة كأنه يخوض مباراة سابعة في نهائي البطولة!

بمجرد أن تراه في الملعب تدرك أنه أكثر من مجرد لاعب موهوب، مانو كان فريدا من نوعه وتنافسي للغاية. في حالات كهذه يجب أن تغلق فمك ولا تقم بتوجيهه، اتركه يبحر بشراع موهبته ليفعل ما يراه مناسبا ليرسو ويجلب لك الفوز. كان دائما ما يجلب لي الفوز.

بمرور الوقت تعلمت أن أشاهد أكثر وأتكلم أقل، لقد علمني شيئا جديدا في التدريب. حينما تملك طائرا اعتاد الحرية لا تقم بحبسه بل اطلق له العنان ليحلق بجناحيه وينثر سحره.

حاولت أن أُطوعه ليتقن أسلوب الفريق، دائما كنت أخبره أن عليه الانتظار هناك في الركن الجانبي في انتظار تمريرة من تيم دانكان ليسدد تسديدة ثلاثية.

أخبرت مايك بوندهولزر ذات مرة أنني لا أستطيع تدريب ذلك الفتى" – جريج بوبوفيتش

فيما يتحدث جينوبلي عن مدربه في مقابلة صحفية بعد الفوز بلقب 2014 عن بداية الثنائي سويًا: "إنجاز كبير، بكل تأكيد هذا إنجاز كبير! في البداية أراد منا الالتزام بالنظامه بحذافيره لكن بعد فترة من معاشرتي أنا وتوني باركر رأى أننا سنكون أكثر نجاحا وأقل عرضة لتوقع تحركاتنا من قبل الخصوم إذا لعبنا بطريقتنا وليس بطريقته. بمجرد أن اكتسبت ثقته تركني أفعل من أريده في الملعب.

أتيت للدوري بعمر 25 سنة، كنت صغيرا وأردت أن أثبت نفسي للعالم، لا أريد أن انتظر في الركن ليمرر أحدهم لي الكرة، أريد أن أكون المتحكم بالكرة، أردت صنع القرار في الملعب. ظننت أنني أعرف كل شيء."

في إحدى الحصص التدريبية عرض بوبوفيتش فيلما قصيرا عن المباراة السابقة، أوقف التسجيل عند تمريرة طويلة من جينوبلي حاول جينوبلي إيصالها لزميله من منتصف الملعب لكنه لم ينجح، شدد عليه تحديدا ألا يكرر تلك اللعبة.

في المباراة التالية جينوبلي وجد نفسه في نفس المكان، نفس الموقف الذي رأيناه بالفيديو. مرر بنفس الطريقة ونجح لينظر بعدها نظرة المنتصر لبوبوفيتش.

دكة بدلاء سان أنطونيو سبيرز جن جنونها.

"بوب، هذا الفتى سيء للغاية" يروي ستيف كير بداية علاقة بوب-مانو. "لقد كانت حربا فاز بها جينوبلي في النهاية".

"قد تظن أن بوبوفيتش فقد شعره بتقدمه في العمر لكن مانو كان يدفعه للجنون لدرجة شد شعره في البداية" يتحدث تيم دانكان مازحا

"كان أسرع من الجميع في قراءة المباريات، كان يسبق الكل بخطوة".

"لقد كان مجنونا، يملك النوع الجيد من الجنون الذي يساعد للفوز، لكنه يظل مجنونا. ستيفن جاكسون (لاعب سابق لسبيرز) أخبرنا ذات مرة أن بوب سيقتل هذا الأعسر يوما ما" هكذا وصف توني باركر مانو جينوبلي وعلاقته بجريج بوبوفيتش.

"مانو بمثابة روح الفريق وعاموده الفقاري، لأكن أكثر دقة هو مثل "سكّاتة" “pacifier”للطفل الرضيع، الأطفال يبحثون عنها دائما مثلما أبحث أنا عنه دائما. حينما اراه في التدريبات أشعر بسعادة بالغة" – جريج بوبوفيتش مدرب سان أنطونيو سبيرز.

سان أنطونيو سبيرز

كرة السلة في أوروبا تختلف كثيرا عن نظيرتها في الولايات المتحدة، ليست القوانين فقط، مستوى اللاعبين في NBA يفوق لاعبي أوروبا بشكل واضح مما يدفع الكثيرين من لاعبو أوروبا للعودة لديارهم بعد مدة قليلة من اللعب في الولايات المتحدة، اللاعبون الدوليون واجهوا مشاكل كبيرة في التأقلم على سرعة اللعب وقوة الدوري.

أرجنتيني نحيل تطأ قدمه تكساس للمرة الأولى في صالة تدريبات سان أنطونيو، محاط بأبطال للدوري ولاعبون قدامى، لا أحد يقدم الحب على طبق من ذهب للفتى الجديد، الكل يختبر صلابتك منذ الدقيقة الأولى. كثيرون من امتلكوا الموهبة وانهاروا تحت الضغط.

في التمرين الأول له مع سان أنطونيو كان يدافع على ستيف كير -مدرب جولدن ستيت ووريورز الحالي كان يبلغ وقتها 37 سنة- وزميله لاعب الارتكاز العملاق كيفين ويليس.

ويليس كان عنيفا بعض الشيء مما دفع المدرب المساعد مايك بودنهولزر يصرخ فيه لحثه على الهدوء، قبل أن يعترض جينوبلي أثناء محاولة لحاقه بكير ليسقط الأرجنتيني على الأرض، "هذه هي كرة السلة الحقيقية، أليس كذلك أيها المستجد؟" يضحك ويليس مخاطبا مانو.

لحظات مرت كالدهر، الكل يحدق وينتظر، كيف ستكون ردة فعل جينوبلي؟!

مانو نفض قميصه، اعاد ربط حذائه، ونهض كأن شيئا لم يكن بابتسامة صاحبتها جملة: "حسنا لنحاول مجددا"

"لم تجفل عينه وقتها، كان يعلم أنه يجب ألا يظهر ضعيفا ليكسب احترام الفريق، وحدث هذا منذ اليوم الأول" يتحدث ستيف كير عن يوم جينوبلي الأول في سان أنطونيو.

الجناح الأرجنتيني كان لديه منافسان على مركزه في الفريق، ستيف سميث وبروس بوين، ثنائي أسطوري لفريق سان أنطونيو لكن السن كان قد بدأ يتقدم بهما.

كلاعب محترف ترفض الاعتراف باقتراب النهاية، وهذا ما فعله بوين الذي كان من أفضل مدافعي الدوري وقتها.

"في التدريبات لا تحتسب الأخطاء، بوين أوسع مانو ضربا بشكل يومي، لكن جينوبلي انتصر في النهاية" تيم دانكان يتحدث عن عام جينوبلي الأول مع الفريق.

صلابة جينوبلي أكسبته احترام بوين في النهاية.

"كنا نواجه لوس أنجلوس ليكرز واقترب مني كوبي بريانت وسألني من هذا الفتى الأبيض النحيل؟" يتحدث بوين عن موسم جينوبلي الأول. "ليس فتى أبيض نحيل، سترى بنفسك، يمكنه فعل الكثير ليدهشك".

في سبتمبر من العام 2007 كان الفريق قادما من نهائي حقق فيه بطولته الرابعة في تاريخه قبل 3 أشهر، مع بداية التدريبات وفي معسكر للفريق وأثناء مباراة تجريبية فوجئ الجميع في الصالة التدريبية بجينوبلي يقفز تجاه الطاقم الفني ويتخطى 3 لاعبين في طريقه ليلحق بكرة قبل أن تخرج لرمية جانبية ويمرر لزميله الذي سجل في النهاية.

المدرب جريج بوبوفيتش أوقف المباراة لدقيقة وجمع اللاعبين حوله في خطبة قصيرة: "ماذا تخبركم تلك اللعبة؟ سأجيب أنا، جينوبلي يريد الفوز أكثر من أي لاعب أمامي، إذا أردنا أن نحافظ على النجاح الذي حققناه يجب علينا أن نلعب بتلك الطريقة"

تقدم المدرب بضع خطوات وظن الجميع أن بوب قد انتهى من حديثه قبل أن يلتفت ويصرخ في جينوبلي: "مانو، الموسم لم يبدأ بعد! نحن في ما زلنا في سبتمبر، أرجوك لا تفعل ذلك في سبتمبر!"

"اعتدنا هذه الأشياء من جينوبلي *يضحك*

دائما ما كنت أسأله ماذا بك أيها المجنون؟ عليك أن تهدأ قليلا نرغب فقط في إنهاء التدريب دون إصابات جسيمة" – تيم دانكان يتحدث عن عادات جينوبلي.

جينوبلي لم يكن فقط يرغب في الفوز بشدة لكنه أيضا كان يمقت الخسارة أكثر من أي شخص، خاصة إذا شعر أنه كان سببا فيها. في عامه الأخير مع بولونيا خسر نهائي الدوري الأوروبي أمام باناثينايكوس فلازم الفراش لمدة أسبوع، لم يتحدث مع أي شخص، لم يرغب أبدا في الخروج من المنزل.

2006 لم يكن العام الأفضل في مسيرة الأرجنتيني أيضا، مانو منح سبيرز التقدم قبل النهاية بدقيقة بتسديدة ثلاثية قبل أن يرتكب خطأ على الألماني ديرك نوفيتزكي الذي عادل النتيجة في الوقت الأصلي. سان أنطونيو خسر نهائي الغرب أمام دالاس مافريكس في الأوقات الإضافية للمباراة رقم 7.

جينوبلي شعر بأنه كلف المخضرم مايكل فينلي وزميله الأرجنتيني فابريزيو أوبيرتو فرصتهم الأخيرة للفوز بلقب NBA، الأمر كان قاسيًا، "لا يمكنك مواساته بالكلمات أو بالفعل" يتحدث تيم دانكان بعد خسارة النهائي "هاتفت أحد أصدقائه وأخبرته أن عليه أن يلازمه دائما. كلنا نعرف مانو وكيف يشعر بعد الخسارة. الفريق بأكمله كان يهاتفه دائما، يرسل له رسائل نصية، يحاولون إقناعه بأن يقابلهم. لكن لم يره أحد طوال الصيف حتى بداية التدريبات استعدادا للموسم الجديد".

2005 كانت بداية مانو الحقيقية كنجم في سان أنطونيو سبيرز، الأضواء مسلطة على تيم دانكان، قسم الألعاب الحاسمة في نهاية المباريات يديره توني باركر، لكن هناك من يملك كل الخيوط ليحرك تلك الدمى كيفما شاء، هذا هو مانو جينوبلي.

موسم مميز كانت معدلاته فيه 19 نقطة و4 تمريرات حاسمة قاد بهم سان أنطونيو سبيرز للقبه الثالث والثاني في فترة مانو.

"دانكان كان اللاعب الأفضل في النهائي لكن جينوبلي كان الأحق بالجائزة، على الأقل كان لابد أن يتقاسمها معه" يثني مايك بودنهولزر على لاعبه.

في 2005 أيضا كان ظهور مانو في مباراة كل النجوم للمرة الأولى، قبل أن يستغله بوبوفيتش في دور جديد، جينوبلي لن يكون أساسيا وسيقود البدلاء ليخلق توازنا بينهم وبين تشكيل الأساسيين، سينهي المباريات أساسيا لكنه لن يبدأها بعد الآن.

جينوبلي أصبح البديل الأفضل في الدوري وفاز بجائزة الرجل السادس عام 2008 واستمر كذلك حتى اعتزاله، كلفه ذلك عدم الظهور مجددا في مباريات كل النجوم لأن النجوم يشاركون بشكل أساسي رغم أنه كسر القاعدة واُختير مجددا في 2011، لم يهتم، لم يخلق أي مشكلة، لم يسعَ أبدا للأضواء، فقط الفوز ولا غيره مهما كانت التضحية.

"لم أشعر أنني أنتمي لهذا المكان لكنني أحببت التجربة على أية حال" يتحدث جينوبلي عن مباراة كل النجوم الأولى في مسيرته.

الرجل السادس

بحلول موسم 2007 أدرك جميع المدربين في NBA أمرا، سبيرز أفضل حينما يكون جينوبلي احتياطيا. حينما يتشارك الثلاثي (تيم-توني-مانو) الهجوم يكون الفريق مرعبا لكن لا يمكن لبوبوفيتش رسم ألعاب كافية للثلاثي سويا في تشكيل واحد.

وحينما يرتاح الثلاثة معا ينهار الفريق ولا يستطيع البدلاء مواكبة الخصوم.

الحل كان صعبا، دانكان لا يُمس، وعلى بوب أن يختار بين باركر وجينوبلي ليكون احتياطيا ويقود البدلاء لحفظ التوازن.

شخصية جينوبلي المضحية الراغبة في الفوز سهلت قليلا من اختيار بوبوفيتش، جينوبلي لن يكون أساسيا، والأرجنتيني لم يُبدي اعتراضا أبدا طالما ذلك يصب في مصلحة الفريق.

"لم اعترف بذلك علانية لطاقمي لكنني سألت جينوبلي سرا هل يمكنني أن أجعلك بديلا؟ لو أبدى اعتراضه ولو مرة واحدة كنت سأشركه أساسيا. كنا سننفذ اختياره أيا كان، هذا ما يستحقه بعد كل ما قدمه لنا" جريج بوبوفيتش عن دور جينوبلي الجديد مع سان أنطونيو.

رُب ضارة نافعة، تضحية جينوبلي كلفته الكثير من الأرقام القياسية، هو ليس ضمن أفضل 150 مسجلا في تاريخ الدوري على سبيل المثال ويسبقه أسماء لم تفز قط بلقب البطولة، لكن دوره كاحتياطي حافظ على لياقته لأطول وقت ممكن ومدد مسيرته حتى عامه الـ41 بنفس الكفاءة تقريبا.

"سرعة مانو في اللعب ضعف سرعة اللاعب العادي تقريبًا" تشيب إنجلاند أحد مساعدي بوبوفيتش في سبيرز يتحدث عن جينوبلي الاحتياطي. "لو كان الدوري 35 مباراة مثل دوري الجامعات لكان جينوبلي أحد أفضل 10 لاعبين في تاريخ اللعبة، لكن جسده لم يكن ليتحمل اللعب بشكل دوري لمدة 36 دقيقة في 82 مباراة".

أفضل 20 لعبة في تاريخ مانو جينوبلي

إذا دعاك جريج بوبوفيتش لغرفته في صالة AT & T لن تجد فيها شيئا مميزا سوى صورة صغيرة لزوجته الراحلة إيرين على مكتبه، وجدارا معلق عليه إطار يحمل صورة –هي الوحيدة في الغرفة- جون هالفيتشيك يصوب الكرة في السلة.

هالفيتشيك هو أكثر لاعب بديل يملك معدل تسجيل في تاريخ الدوري، بوب أحبه كما أحب مانو.

يشرح جينوبلي كيف تقبل أن يكون احتياطيا: "تخسر شيء لتربح أمامه شيء في المقابل، أدركت أنني سألعب دقائق أقل لكن وقت مشاركتي كنت الخيار رقم 1، أحببت أن أكون محور الاهتمام وقتها، كنا نربح باستمرار، كنا نحظى بالمتعة، أحببت دوري الجديد".

مسيرة جينوبلي في NBA 1057 مباراة، 349 مباراة منهم فقط بدأها أساسيا. 33% فقط من مسيرته كانت في تشكيل سبيرز الأساسي.

نكسة أولى ولقب أخير

الآن نحن في نهائي NBA عام 2013، جينوبلي حظئ بأفضل أداء له في الإقصائيات والنهائي في الفوز بالمباراة الخامسة؛ سجل 24 نقطة وصنع 10 مرات لزملاؤه، سبيرز يتقدم على ميامي بقيادة ليبرون جيمس 3-2 في السلسلة بانتصار خارج الديار وكل شيء على ما يرام.

أو هكذا ظن مانو، الذي كان أسوأ لاعب في الفريق في المباراة السادسة، فقد الكرة 8 مرات، وفشل في الدفاع على راي ألين ليسدد تسديدة الفوز في الثواني الأخيرة ليعادل السلسلة 3-3 قبل أن ينتصر جيمس ورفاقه في المباراة السابعة.

يتحدث جينوبلي عن تلك المباراة: "عقلي خذلني للمرة الأولى"

يُكمل مانو "شعرت بالراحة بعد المباراة الخامسة، ارتخت عضلاتي وشعرت بالرضا عن أدائي. هذا جعلني ضعيفا. لم يحدث هذا من قبل، لن يحدث أبدا مجددا!"

عاد جينوبلي في العام التالي أقوى، قاد الفريق للبطولة الخامسة في تاريخه والرابعة للجناح الأرجنتيني، تعلم الدرس ولعب كمانو الذي اعتاد عليه الجميع. ربما أفضل مما اعتاده الجميع بهذا "الدانك" أمام العملاق كريس بوش.

ميسي كرة السلة

"دائما واجهت سؤال من أصعب خصم واجهته، ودائما كانت إجابتي كوبي براينت بالطبع" راجا بيل يتحدث في مقابلة صحفية عن جينوبلي في 2010.

ويُكمل لاعب فينيكس صانز السابق: "هذا ما أراد الناس سماعه، لكن الحقيقة أن جينوبلي ربما كان هو الخصم الأصعب في مسيرتي.

هو مثل سيارة ذات محرك خارق، يُحول نفسه للغيار الرابع ليمر منك، ثم يُبطئ للغيار الثاني ليعطيك أملا زائفا بقطع الكرة أو إيقافه، ليقوم فجأة بلعبة جنونية أو تمريرة لزميل له لا تراه.

يراوغ ويمرر في نفس الوقت، ذكي بشكل لا يصدق.

لقد كرست حياتي لدراسة طرق هجوم اللاعبين في NBA، فقط جينوبلي لم استطع تحليل طريقة هجومه أبدا!"

ينظر لزميل على قوس الرميات الثلاثية بعد لعبة screen متقنة، في اللحظة التي يقترب فيها المدافع من اتجاه التمرير المتوقع يمرر مانو لزميل آخر ليضعه في مواجهة السلة.

يستحدث تمريرات اختفت منذ اعتزال إرفين "ماجيك" جونسون، يأتي من أوروبا بحركة euro step التي لم يبتكرها لكنه طورها لدرجة جعلتها علامة مسجلة باسمه. هكذا كان جينوبلي.

"لا يمكنك تعلم شيء مثل هذا، قراءة اللعب بهذه السرعة هي هبة، ليست قدرة مكتسبة" تياجو سبليتر متحدثا عن زميله الأرجنتيني.

ويزيده مات بونر من الشعر بيتا: "كنت زميله في نفس الفريق ولم أستطع توقعه أبدا، كان دوما ما يفاجئني للحد الذي يجعله يراوغني قليلا قبل أن يمرر لي الكرة".

وفي نفس السياق تحدث مايك بودنهولزر: "كنا نمزح ونقول لقد قام بمانو مجددا، هذا المدافع تعرض للتو لمانو .. لقد أضفنا تلك اللعبة لقاموس الأفعال".

التناغم بين جينوبلي وباركر كان كبيرا، تلك اللعبة التي تبدو سهلة واستغرقت 5 ثواني ليست كذلك أبدا، مانو فقط يجعلها تبدو بتلك البساطة.

جينوبلي دائما ما كان يتسائل، عن كل شيء، عقله يعمل دائما.

بخلاف كرة السلة اهتم بعلم الفلك، يراقب الظواهر الطبيعية التي ستحدث في المدن التي سيلعب بها الفريق، يتعلم اللغات التي يتحدث بها زملاؤه ليتواصل معهم بشكل أفضل واجاد الإنجليزية، الإسبانية والإيطالية بالطبع.

حينما كان زميله فابريزيو أوبيرتو يصدد إجراء عملية جراحية في القلب عام 2009 اصطحب معه جينوبلي. "كنت أعلم أنه سيبحث عن الأمر ويسأل الطبيب بشكل أفضل مني" هكذا كان جينوبلي بحسب أوبيرتو، شغوفا متسائلا يبحث دوما عن الإجابات.

رغم ذلك كان بسيطا، لم يهتم بالمال أو الرفاهيات أبدا، لم يمتلك سيارة فارهة فقط اكتفى بشاحنة تقليدية لتضم عائلته المكونة من زوجته وثلاثة أولاد هم دانتي، نيكولا، ولوكا.

شعاره دائما ما كان "ألعب كرة السلة بأسلوبي، هذا هو الأسلوب الوحيد الذي أعرفه وليس لدي أي ندم".

يقاتل على كل كرة، لا يأبه لإصاباته، ذات مرة عاد من إصابة خطيرة في الساق كادت تنهي مسيرته، في مباراته الأولى وفي لعبته الأولى بعد العودة التحم بقوة مع الخصم وسقط على الأرض.

أمسك مدربيه برؤوسهم خوفا قبل أن ينهض مبتسما ليكمل اللعب كأن شيئا لم يكن.

هنا مباراة في نصف نهائي المجموعة الغربية أمام هيوستن روكتس، 35 ثانية لنهاية المباراة، جينوبلي الحاسم يخترق ويسجل.

7 ثواني على نهاية اللقاء، الفارق 3 نقاط، الكرة مع جيمس هاردن أحد أفضل 3 مهاجمين في الدوري، جينوبلي بعمر 39 سنة يدافع بشراسة ثم يتصدى للتسديدة لينتهي اللقاء بفوز حاسم لسان أنطونيو مهد طريق الفريق للنهائي.

"أشعر بالفخر لأن الصحفيون يطلقون على جينوبلي ميسي كرة السلة، لكن في الحقيقة يجب عليهم أن يطلقوا عليْ جينوبلي كرة القدم"- ليونيل ميسي عام 2013 حينما سُئل عن مانو جينوبلي.

واحد من الأفضل –إن لم يكن الأفضل- في تاريخ كرة القدم ينحني احتراما لقدوة أرجنتينية متمثلة في أسطورة سان أنطونيو سبيرز.

أرقام جينوبلي تأثرت بتضحياته لفريقه ولمنتخب بلاده على مدى عقدين من الزمان، ربما كان عظيما لدرجة عجزت الإحصائيات عن رصدها.

كان يعرف ذلك مسبقا فهو الأذكى في جيله، يعرف أيضا أن مكانه في قاعة المشاهير من عظماء كرة السلة مستقبلا محفوظ، اختار الطريق الأصعب في بناء أسطورته ونجح بالعلامة الكاملة.

استمتع باعتزالك، مانو. كرة السلة ستفتقدك كثيرا.

مصادر: (تمت الاستعانة بتقرير ESPN عن اللاعب)

التعليقات