قصص المونديال المنسية – باتيستا الذي تعرض للطرد "قبل الانتهاء من عزف السلام الوطني"

قصة البطاقة الحمراء الأسرع في تاريخ كأس العالم

كتب : زكي السعيد

السبت، 02 يونيو 2018 - 23:17
أوروجواي 1986

إذا ما أخذت مقعدك في ملعب نيزا لمشاهدة مباراة أوروجواي وإسكتلندا بكأس العالم 1986 -مستعملا في ذلك آلة زمن أو أيا كانت وسيلتك-، فستحتاج إلى 38 ثانية فقط بعد إطلاق الحكم الفرنسي جويل كينيو لصافرة الانطلاق؛ حتى تشهد التدخل الذي سينتج عنه أسرع بطاقة حمراء في تاريخ المونديال.

الواقع أنه من بين كل المنتخبات التي سبق لها المشاركة في كأس العالم، لم يوجد من هو أكثر استحقاقا لهذا الرقم السلبي من منتخب أوروجواي 1986، فقد سافروا المكسيك للبطش بسيقان المنافسين، ولا شيء آخر.

إلا أن تأهُل أوروجواي لكأس العالم 1986 من الأساس كان محل شك، إذ احتاجوا الانتصار على تشيلي في المباراة الأخيرة بالتصفيات على ملعب المئوية في العاصمة مونتيفيديو -الذي استضاف يوما ما أول نهائي في تاريخ المونديال-.

في المباراة الحاسمة أمام تشيلي، وبعد 9 دقائق فقط من عمر المباراة، تقدّم المدافع خوان باتيستا لتنفيذ ركلة حرة مباشرة، مودعا إياها الشباك بصورة رائعة، هدف ساهم في تأهل أوروجواي بانتصارها 2-1، وصاحِبه سيعود ليُطرَد بعد أقل من دقيقة خلال إحدى مباريات بلاده بذاك المونديال.

باتيستا الذي عُرف بقدراته الفنية العظيمة على الرغم من مركزه الدفاعي، وبامتلاكه حسا تهديفيا (سجّل 60 هدفا في مسيرته)، سيشتهر فقط من خلال ركلته التي صاحبها اللون الأحمر في مواجهة إسكتلندا، إلا أن ما وراء هذا الإقصاء ليس بهيّن.. لقد كان باتيستا أقل رفاقه وحشية إن جاز التعبير.

مدرب أوروجواي حينها كان يُدعى عمر بوراس، مدرس تربية رياضية سابق، ومهووس باللعب البدني، لعدم امتلاكه دراية كافية بتكتيك اللعبة على الأرجح.

كان بوراس مكروها في أوروجواي بسبب دعمه للنظام العسكري الذي أحكم قبضته على البلاد ما بين عامي 1973 و1985، بل اعتقد الكثيرون أن سبب تقلده منصبا رفيعا كمنصب مدرب المنتخب الوطني راجع لمحاباته السلطة البائدة لا أكثر، خصوصا مع انعدام سجله التدريبي السابق من تجارب حقيقية.

والحق أن منتخب أوروجواي عُرف دوما باندفاع لاعبيه وبروز عروقهم أثناء خوض المباريات التي يلعبونها وكأنها الأخيرة لهم، إلا أن كرة القدم التي مارسوها في تلك الفترة أخذت اتجاها إرهابيا.

أثناء مواجهة المكسيك بمباراة ودية قبل البطولة مباشرة، قام الحكم بإلغاء هدف لأوروجواي، فما مرت لحظات إلا وأحاط لاعبو السيلستي بالحكم وانهالوا عليه ضربا، قبل أن يتطور الأمر وينتقل الاعتداء ليكون على لاعبي المكسيك.. المشهد الختامي للمهزلة كان عبارة عن ساحة تايكواندو تبادل فيها اللاعبون الرفس والركل.

أوروجواي وقعت حينها في مجموعة مونديالية قوية تضم ألمانيا الغربية، الدنمارك، إسكتلندا، والتي وصفها المدرب بوراس بـ"مجموعة الموت"، مصطلح قيل لأول مرة على لسانه، ومضى ليكون سائغا فيما أتى من سنوات.

في المباراة الأولى أمام ألمانيا الغربية وصيفة النسخة الماضية، تعرّض الألمان لما أشبه بمحاولات اغتيال، فيكتور ديوجو بطَش بكارل هاينتس رومينيجه، فيما كاد خورخي دا سيلفا ينهي مسيرة كلاوس أوجنتالر، والحكم التشيكي فويتتش كريستوف اكتفى بإخراج بطاقته الصفراء مرتين فقط خلال مباراة استمات فيها المنتخب اللاتيني على هدفه المبكر، إلا أن الماكينات أدركوا التعادل المتأخر بواسطة كلاوس ألوفس.

تعادلت أوروجواي في المباراة الأولى بعد أن انهال لاعبوها ضربا في أجساد الألمان، والأمر لم يعجب الاتحاد الدولي لكرة القدم كثيرا، خصوصا أن هذا السلوك استمر في المباراة الثانية أمام الدنمارك -التي خسرتها أوروجواي 6-1- وشهدت بطاقة حمراء في وجه ميجيل بوسيو لاعب أوروجواي في ظرف 19 دقيقة بعد أن تلقى إنذارين.

على الرغم من خروج أوروجواي بنقطة واحدة فقط من أول مواجهتين، إلا أن التعادل في المباراة الثالثة أمام إسكتلندا كان ليضمن تأهلهم إلى الدور الثاني ضمن أفضل أصحاب مركز ثالث.

فيما توجب على منتخب إسكتلندا الخروج بنقاط المباراة كاملة إن أراد العبور لثمن النهائي بعد أن خسر أمام ألمانيا والدنمارك، ومن كان مدرب إسكتلندا؟ أليكساندر تشامبان فيرجسون.

فيرجسون الذي كان مدربا وقائدا لنجاحات أبردين طوال سنوات سبقت المونديال، كان في الوقت نفسه مساعدا لجوك ستين مدرب المنتخب الإسكتلندي خلال مشوار التصفيات، إلا أن الأخير تعرض لسكتة قلبية أودت بحياته خلال مباراة التأهل للملحق أمام ويلز.

ليوافق فيرجسون على تولي مهمة تدريب المنتخب الإسكتلندي مؤقتا خلال ملحق التأهل أمام أستراليا، قبل أن تكون المهمة دائمة خلال منافسات المونديال دون أن ينفصل عن أبردين حتى، ومع الخسارة في أول مباراتين، اكتسبت مواجهة أوروجواي طابعا مصيريا.

المدرب الإسكتلندي قال في المؤتمر الصحفي قبل اللقاء: "إنها أهم مباراة في حياتي، تمكنت من النوم لساعة واحدة فقط، كان من المهم أن أتمكن من اختيار الفريق المناسب".

حسنا، الفريق المناسب –في وجهة نظر فيرجسون- لم يتضمن جرايم سونيس لاعب وسط ليفربول الأسطوري، خيار سيُعَد من بين خيارات فيرجسون غير المفهومة في مسيرته الطويلة.

وإن كان الأرق هو حال فيرجسون قبل تلك المواجهة، فإن وضع نظيره بوراس كان أمرّ مع حقيقة وضع أسرته في مونتفيديو تحت حراسة الشرطة بعد تهديدات القتل التي نالتهم مع الخسارة المهينة بسداسية أمام الدنمارك.

انطلقت المباراة، و38 ثانية كانت كل ما احتاجه أصحاب القمصان السماوية حتى يُقدِموا على تدخلهم العنيف الأول.. خوسيه باتيستا اندفع مُطيحًا بالإسكتلندي جوردون ستراتشان الذي سقط دونما حراك، ومع وصول الحكم الفرنسي كينيو لموقع الحادث، وإعادة تخيُل الواقعة في ذهنه، خرجت البطاقة الحمراء الأسرع في تاريخ المونديال بحلول الثانية 52.

بدا كينيو واثقا جدا من قراره، لم يُظهِر أي بادرة تردد أو تزعزع، بل ظل يلوّح بالبطاقة الحمراء في وجه باتيستا لثلاث أو أربع مرات.

يقول الحكم كينيو بعد سنوات على الواقعة:

"لُعبَت عديد المباريات في ذلك الوقت بالبطولة، وحظيتُ بالوقت الكافي لتحليل المباريات السابقة والاستماع إلى نصيحة وملاحظات لجنة الحكام".

"اللجنة شعرت أن الحكام تساهلوا مع العديد من المخالفات دون عقوبات إدارية والتي كانت من الممكن أن تسبب أضرارا بالغة للمنافسين، استمعت لما قالوه، واستعديت بشكل حازم".

"قمت بما يتوجب علي فعله، لم أكن أقدر على تفويت تلك المخالفة دون عقاب، إلا أني أردت الموت، إذ لم تكن نيتي أن أدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية".

"لمجرد أن المباراة قد انطلقت لتوها لا يعني أنك لا تستطيع احتساب ركلة جزاء أو إرسال أحد اللاعبين للخارج، رأيت مخالفة فشل خلالها باتيستا في السيطرة على نفسه".

أما الضحية ستراتشان، فشرح الكيفية التي جعل بها هذا التدخل يمر بسلام:

"حرصت على ألا تكون قدمي مرتكزة بالكامل على الأرض، ولذا سار الأمر على ما يرام".

كما شرح كواليس ما قبل التدخل:

"بمجرد انطلاق المباراة، ناوشني باتيستا، حينها قلت في نفسي: ‘حسنا، ها نحن ذا’، إلا أني لم أتوقع أن يتم الأمر بتلك السرعة".

مغادرة باتيستا المبكرة جدا لملعب المباراة، تركت عامل غرفة خلع ملابس أوروجواي في حيرة شديدة، إذ لم يتوقع عودة أحد اللاعبين في هذا الوقت المبكر من المباراة، ليبادره متعجبا: "ماذا تفعل هنا؟".

فأجابه باتيستا: "تعرضت للطرد".

وهنا جاء الرد الممزوج بالحسرة والتهكم: "كيف لك أن تُطرد والسلام الوطني مايزال يُعزف في الخارج؟!".

وعلى الرغم من محاولة الحكم المبكرة للسيطرة على المباراة وكبح جماح الفتية اللاتينيين، إلا أن لاعبي الأوروجواي استغلوا الأمر بشكل عكسي، وأيقنوا أن خروج أحد لاعبيهم مطرودا سيعطيهم حصانة في الـ89 دقيقة المتبقية، فما ازدادوا إلا بطشا بنظرائهم البريطانيين.

بين شوطي المباراة، وأثناء دخول طاقم الحكام إلى غرف خلع الملابس، قام لاعبو أوروجواي بمهاجمتهم بزجاجات المياه.

وفي الداخل، جلس باتيستا مصدوما يتابع قتال زملائه على النقطة، وبعد أن انتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي، لم يتغافل لاعبو أوروجواي عن مواساة زميلهم وأخبروه قائلين: "تشجّع، سنمر من تلك المحنة، لا تقلق".

كانوا على حق في وعدهم، إذ دفعوا المباراة إلى تعادل سلبي، وليس من الصعب تكهن الطريقة التي نجحوا فيها بذاك المسعى رغم حقيقة لعبهم بـ10 لاعبين طوال المباراة تقريبا.

ومع التعادل البطولي، اكتسب المدرب بوراس طاقة كافية للتوجه إلى الحكم بعد المباراة ببعض الإشارات الخارجة، قبل أن ينعته بـ"القاتل"، ويذكر أن فريقه "تعرض للطمة على وجهه في الثواني الأولى".

فيرجسون الذي أدار مباراته الدولية الأخيرة مع المنتخبات في مسيرته، انفجر بدوره خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب المباراة امتعاضا من سلوك لاعبي منتخب أوروجواي:

"أجلس هنا متسائلا: ماذا يحدث بحق الجحيم؟ إنها فوضى بالكامل، إنه سلوك لعين لأمة كاملة، إنهم لا يحترمون كرامة الغير".

وتطرق فيرجسون لكارثة هيسيل في حديثه، والتي وقعت قبل عام على ذلك المونديال:

"أعتقد أن ما حدث اليوم بعد الصدمة التي تعرض لها عالم كرة القدم في العالم الماضي، سيجعلني ممتنا للعودة إلى منزلي، صدقوني، لأن ما حدث لا يمت لكرة القدم بأي صلة".

"بوراس لا يمتلك الموهبة التي يمتلكها الرجال العظام، إنه جالس هناك ممارسا الكذب والخداع، ما فعلوه كان عارا، سلوكهم حوّل المباراة إلى مهزلة محضة، إنهم معتادون على اللعب بعشرة لاعبين".

"خرجنا من كأس العالم، لا أستطيع تمني الحظ الجيد حتى لأوروجواي، لا أعتقد أنهم يستحقونه من الأساس".

"لن يخطر لك أبدا أن منافسة مثل كأس العالم، مع كل الحديث عن حملة الاتحاد الدولي لكرة القدم، أن يكون أحد الفرق قادرا على التغلب على النظام بأكمله، إلا أن هذا ما فعله منتخب أوروجواي".

أما إرني ووكر سكرتير الاتحاد الإسكتلندي، فلم يدخر كلماته الساخطة:

"وجدنا أنفسنا في الملعب مع حفنة من المخادعين والجبناء".

الاتحاد الدولي وفي محاولة لفرض السيطرة على منتخب أوروجواي المنفلت، قام بتوقيع عقوبة عليهم تقدر بـ900 ألف جنيه إسترليني، مع تهديد باستبعادهم من البطولة في حال تكرار مثل هذا السلوك في المباريات اللاحقة، وإيقاف المدرب بوراس.. حسنا، أرجنتين "مارادونا" وضعت حدا لتلك الفوضى، وأعادتهم إلى وطنهم بالفوز بهدف نظيف في دربي لابلاتا بثمن نهائي البطولة.

أما ستراتشان، ضحية باتيستا الذي تعرّض لتدخل أبكر بكثير مما توقع، فقال مازحا بعد سنوات: "حتى هذا اليوم، لا أمتلك أي فكرة عن شكل هذا الفتى، لم أر وجهه أبدا".

جرايم شارب أحد لاعبي المنتخب الإسكتلندي في تلك المباراة، امتلك بدوره رأيا ساخطا في سلوك لاعبي أوروجواي:

"كان الأمر مقرفا، يوجهون إليك الركلات، يبصقون عليك، يجذبون شعرك، يضعون أصابعهم في أمكان لا يجب أن تصل إليها الأصابع، كانوا مريعين، عقليتهم كانت الفوز مهما تكلف الأمر".

"يُسقطونك على الأرض، ثم يمدون أيديهم لمساعدتك على النهوض أثناء ارتكازهم على كاحلك، ركلونا بالكرة وبدون الكرة، إنهم أسوأ فريق لعبت أمامه على الإطلاق".. آرثر ألبيستون لاعب المنتخب الإسكتلندي.

أما باتيستا الذي خُلّد اسمه في موسوعة جينيس، فطاردته سمعة المدافع الجزار لسنوات طويلة لاحقة، سمعة لم يستحقها في نظره:

"توجب أن أتحصل على البطاقة الصفراء على الأكثر، توقعت بطاقة صفراء في أسوأ الأحوال، لم أتوقع أن أقصى بمثل تلك الطريقة".

المدافع الهداف تلقى الكثير من الإساءات على هامش تلك الحادثة فيما تبقى من سنوات لعبه:

"عندما تطرّق منافسيني لتلك الواقعة أثناء لعبي في ديبورتيفو إسبانيول الأرجنتيني، كنت أدرك أنهم يحاولون التحصل على أسبقية عددية في الملعب، ولذا تجاهلتهم دائما. ولكن عندما يحدث هذا الأمر في بلادي أوروجواي، كان الأمر يؤلمني".

"يحدث أن أكون جالسا في حانة، وأسمعهم يتهامسون ‘إنه الشخص الذي طُرد قبل مرور دقيقة في كأس العالم 1986’، الأمر بمثابة طعني بسكين".

"سجلت الأهداف أينما حللت، فزت بلقب كوبا أمريكا مع أوروجواي، سجلت هدفا عظيما في تشيلي، ولكنهم يفضّلون تجاوز كل ذلك".

باتيستا الذي عاش سنوات طويل في دور الأوروجويائي القاتل الأشهر على الإطلاق، تملّص من تلك السمعة أخيرا بعد حوالي 3 عقود، عندما قام لويس سواريز بالتهام جورجيو كيلليني، 4 سنوات فقط بعد لقطة الكرة الطائرة في مواجهة غانا على أرض جنوب إفريقيا.

*تصريحات اللاعبين مأخوذة من حوارات مع موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم، وصحيفة "تيليجراف" البريطانية*

اقرأ أيضا:

في الجول يكشف – كيف يفكر كوبر في قائمة مصر النهائية لكأس العالم؟ خبرة مرسي ترجح كفته

فيديو في الجول - #في_المونديال.. نصيب الأسد لجيل الثلاثية في تشكيل هاني سعيد التاريخي لمصر

خبر في الجول – رمضان صبحي يجتاز الكشف الطبي لهدرسفيلد

دايلي ميل: كهربا "المراوغ الرائع" ضمن 7 مواهب منتظر ظهورها في المونديال

اختر التشكيل التاريخي لـ مصر.. حيرة كبيرة في جميع المراكز

خبر في الجول – كوبر يعرض على لاعبي مصر الإفطار قبل مواجهة بلجيكا

مدرب الأهلي – ياروليم بعد الخسارة الأسوأ في تاريخ التشيك: أنا آسف

لاعب ليفربول السابق: أستبعد رحيل صلاح إلى إسبانيا لأنه عاطفي مخلص