نهاية قصة مايكل كاريك.. الرحلة من مركز رأس الحربة إلى عزف البيانو

السبت، 12 مايو 2018 - 18:24

كتب : علي أبو طبل

كاريك

"عندما تلعب بجوار مايكل كاريك، فإنك تشعر بالتحكم والسلام. حين تكون في مواجهة فرق مثل ليفربول ومانشستر سيتي، فكل ما تحتاج إليه هو السلام المحيط. لست بحاجة دوما لهؤلاء كثيري الحركة. وجود كاريك وسكولز سويا كان أمر باعثا على السلام النفسي لنا في الملعب. الأمر يشبه حين تذهب لناد من أجل السهر وتستمع إلى موسيقى البيانو. الاستماع إلى موسيقى الروك أمر جيد ونحب أن يحدث ذلك كثيرا، ولكن في بعض اللحظات يكون الاستماع إلى موسيقى البيانو فيها أمر رائع. كاريك هو البيانو".

اعتزل جاري نيفيل قبل سنوات، ولكن بهذه الكلمات، تتضح وجهة نظره في قائد مانشستر يونايتد الذي يلعب مباراته الأخيرة في مسيرته الكروية الحافلة، وذلك ضد واتفورد على مسرح أحلام جماهير مانشستر يونايتد "أولد ترافورد".

الطفل الذي نشأ في مقاطعة "تاين آند واير" كمشجع لنيوكاسل يونايتد في مرحلة الطفولة، بدأ ممارسة كرة القدم في عمر الخامسة مع فريق خماسي في المقاطعة التي نشأ بها.

الارتباط بممارسة اللعبة صار أمرا جديا حين أصبح في الـ12 من عمره، إذ أصبح عنصرا أساسيا في فريق المدارس الممثل لمقاطعته.

هل يمكنك تخيل أن لاعبا مثل كاريك بدأ مسيرته في ممارسة اللعبة كرأس حربة؟

طوال فترات لعبة في فرق مدينته "والسيند"، ظل كاريك أساسيا في هذا المركز قبل أن ينتقل إلى مرحلة احترافية مختلفة تماما في مسيرته، حين انضم لوست هام يونايتد في عمر الثامنة عشر.

مسيرة استمرت من عام 1999 وحتى عام 2004 بين جدران النادي اللندني، شارك كاريك خلالها في 159 مباراة مختلفة مسجلا في 6 مناسبات.

وخلال تلك الفترة، تحول كاريك من مهاجم إلى لاعب في وسط الملعب، في طور التمهيد ليكون "عازف بيانو محترف".

المدير الفني المخضرم هاري ريدناب كان هو من استقطب موهبة كاريك نحو وست هام في أواخر القرن الماضي، ويقول عنه: "عندما قمنا بضمه في وست هام كان صغير الحجم. في وقت قصير، تحول طوله فجأة من 5.5 قدما إلى 6.2 قدما. كان نموا مذهلا".

ويضيف: "في البداية، قمنا بإعارته لفترة قصيرة لنادي سويندون تاون. أتذكر حين اتصل بي في تلك الفترة جون فرانكوم –كبير مشجعي نادي سويندون تاون وصديق شخصي لريدناب-، ليخبرني أن ذلك اللاعب المعار كاريك هو أفضل لاعب رأه خلال السنوات الأخيرة، وأقرب لاعب لمستوى جلين هودل!".

هودل هو لاعب وسط إنجليزي شهير لعب في منتصف الثمانينيات لنادي توتنام وكان النجم الأبرز لنادي سويندون تاون في بداية التسعينيات.

يمتلك كاريك مسيرة دولية لا تتعدى الـ14 مباراة مع منتخب الأسود الثلاث، إذ مثَل بلاده دوليا في كل من مونديال 2006 و2010، ولكن الإصابة في الفخذ منعته من الانضمام لقائمة سفين جوران إريكسن في مونديال 2002.

مسيرة كاريك الدولية بدأت فعليا في عام 2001 حين انضم لمنتخب انجلترا في مناسبتين، كانت الأولى منها حين حل بديلا لديفيد بيكهام في انتصار برباعية نظيفة على المكسيك، ولكن التحدي الأكبر كان في نهاية موسم 2002/2003، ذلك هو الموسم الذي هبط فيه وست هام إلى الدرجة الأدنى.

على عكس زملائه السابقين جيرمان ديفو وجو كول وفريدريك كانوتيه الذين رحلوا عن الفريق، قرر كاريك الاستمرار مع وست هام في الدرجة الأولى.

خلال موسم 2003/2004، أنهى وست هام منافسات الدرجة الأولى في المركز الرابع ليخوض المباريات الإقصائية من أجل الصعود للدوري الممتاز من جديد.

صعد كريستال بالاس في ذلك الموسم بعد الانتصار في المباراة الفاصلة على حساب وست هام بهدف نظيف، لكن ذلك لم يقلل من تألق كاريك الكبير إذ كان عضوا في فريق الموسم الرسمي في دوري الدرجة الأولى.

استمر وست هام لموسم إضافي في الدرجة الأولى، ولكن لم يفعل كاريك الذي انضم لفريق لندني آخر وهو توتنام هوتسبير في موسم 2004/2005.

لعب كاريك لموسمين في "وايت هارت لين"، مثّل خلالهما الفريق الأبيض تحت قيادة المدير الفني الهولندي مارتن يول في 75 مباراة نجح في التهديف خلالهم في مناسبتين فقط.

تألق كبير احتاج لأعين خبيرة لالتقاطه إلى مستوى أعلى من المنافسات، وهكذا فعل السير أليكس فيرجسون في صيف 2006.

الانتقال كان دراميا..

في 10 يونيو أعلن توتنام رفضه لعرض مقدم من يونايتد لضم كاريك الذي يبحث عن البديل المناسب لروي كين، الذي غادر قلعة "أولد ترافورد" بعد خلافات شخصية مع فيرجسون.

في اليوم التالي، خرج يول بتصريح شهير: "كاريك باق في الفريق. لا يمكن أن أستغنى بسهولة عن لاعب بقيمته، لقد كان أفضل لاعب وسط لدينا في الموسم الأخير".

ولكن في 28 يوليو تغيرت نبرة الحديث تماما، وأعلن النادي اللندني توصله لاتفاق من أجل انضمام اللاعب إلى مانشستر يونايتد.

14 مليون جنيه إسترليني مع إضافات مادية وصلت بالصفقة إلى 18.5 مليون جنيه إسترليني جعلت من كاريك سادس أغلى صفقة في تاريخ النادي في ذلك الوقت.

روي كين كان أحد أفضل لاعبي مانشستر يونايتد خلال تلك الفترة ويمتلك إرثا كبيرا في وسط الملعب لم يكن من السهل تعويضه، ورحيله كان بمثابة صدمة للمتابعين.

بنفس رقم القميص "16"، حل كاريك بدلا من كين في وسط الملعب، ليبدأ مسيرة امتدت لـ12 عاما من العزف الجميل واللحظات التي لا تنسى.

بول سكولز كان لاعبا اسطوريا في وسط ملعب مانشستر يونايتد، وحسب تصريحات لكاريك لشبكة ESPN، فقد اختار سكولز كأفضل لاعب كان سعيدا بمجاورته.

يتحدث سكولز عن بدايات كاريك في يونايتد: "أتذكر حين حمل رقم 16 بدلا من كين لأول مرة. كانت مهمة صعبة للغاية لتعويض لاعب بذلك الحجم، ولكنه أثبت جدارته بتمثيل هذا القميص بشدة. لقد استمتعت كثيرا حين كنت ألعب بجواره. ربما لم ينل ما يستحق من إشادة طوال مسيرته، ولكنه لاعب عظيم. إنه مثل سيارة "رولز رويس" تجوب في جنبات الملعب".

وأي مسيرة أعظم من تلك التي خاضها بألوان مانشستر يونايتد؟

463 مباراة بمختلف البطولات هز شباك المنافسين خلالها في 24 مناسبة.

12 عاما توجها بـ5 ألقاب من الدوري الإنجليزي الممتاز، ولقب وحيد من كأس الاتحاد، و3 ألقاب من كأس الرابطة، بينما كان التتويج الأهم هو دوري أبطال أوروبا ومن بعده كأس العالم للأندية في عام 2008، وزينه بتتويج أوروبي آخر بلقب الدوري الأوروبي خلال الموسم الماضي.

على الصعيد الشخصي، كان مايكل كاريك هو أفضل لاعب في موسم 2012/2013 ضمن قائمة نادي مانشستر يونايتد باختيار زملائه، وكان ضمن الفريق الرسمي من رابطة اللاعبين المحترفين للدوري الممتاز في الموسم نفسه.

يعيش بيب جوارديولا فترات رائعة في انجلترا خلال الفترة الحالية بتتويجه بلقب الدوري مع مانشستر سيتي، ولكن تصريح سابق يختص به كاريك يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.

يقول بيب حين كان مديرا فنيا لبايرن ميونيخ: "إنه واحد من أفضل لاعبي الوسط الارتكازيين الذين رأيتهم في حياتي. يمكن تصنيفه على نفس مستوى شابي ألونسو في بايرن ميونيخ وسيرجيو بوسكيتس في برشلونة".

لا يختلف رأي شابي هيرنانديز كثيرا عن رأي بيب: "كاريك يستطيع أن يمنح يونايتد التوازن المطلوب. يمرر بكفاءة عالية ويمتلك قدم قوية من مسافات بعيدة على المرمى. يمكن اعتباره لاعب متكامل".

ولكن هل يوجد رأي يخص كاريك أهم من رأي الرجل الذي التقطه إلى المستوى الأعلى من المنافسات؟

يعتقد السير أليكس فيرجسون في تصريح سابق في 2014 أن كاريك هو أفضل لاعب وسط إنجليزي خلال تلك الفترة، وأنه قد يكون اللاعب الإنجليزي الأفضل على الإطلاق خلال ذلك الموسم.

ولكن المدير الفني المخضرم يصف لاعبه باستفاضة أكثر في تصريح آخر: "إنه ليس ذلك الشخص الباحث عن الأضواء. إنه شخص هادئ ويسيَر أموره بنفس وتيرة شخص مثل بول سكولز. هذا لا يعني أننا لا نلاحظه، فهناك أشخاص مماثلين لتلك الشخصية مثل دينيس إروين".

ويضيف: "إنه ليس ذلك الشخص الذي يسعى لتمجيد إنجازاته. يعمل في هدوء ويطور من نفسه دون استعراض زائد. بلا شك أنه يمتلك شخصية وعقلية قوية للغاية".

مسيرة كروية هائلة تقارب الـ25 عاما يمتلكها أسطورة مانشستر يونايتد ريان جيجز.

المدير الفني الحالي لمنتخب ويلز زامل كاريك بألوان الشياطين الحمر، ولعب كذلك منافسا له عندما كان كاريك في صفوف توتنام وويست هام.

ويتحدث جيجز عن ذلك: "عندما تلعب ضد جيجز ثم تزامله، يمكن أن تلاحظ بسهولة كم هو لاعب عظيم. يتضح ذلك أيضا في تحوله من لاعب هجومي إلى لاعب وسط يخلق التوازن، مثلما حدث لي في فترة ما."

ويضيف عن كاريك: "من الرائع مجاورته في الملعب. إنه يجعل الأمور أكثر سهولة. فقط اترك الكرة له وكن على ثقة أنه سيتخذ القرار الصحيح. يستطيع كاريك أن يمنح المجموعة الهدوء والثقة اللازمتين داخل وخارج الملعب".

في عام 2015، خلال إحدى الاستوديوهات التحليلية البريطانية، اختار أيقونة أرسنال، تيري هنري، مايكل كاريك كأكثر لاعب تم التقليل من تقديره في وجهة نظره.

ويقول النجم الفرنسي: "ليس هذا العام فقط ولكن في كل موسم. لا يمكن لأحد ملاحظة قدر المجهود الذي يمنحه كاريك إلا عندما يرحل".

موسم أخير لم يكن مقدرا له أن يكون حين حلت نهاية الموسم الماضي، إذ خاض كاريك مباراة تكريمية له على 11 سنة من العطاء للنادي.

جمعت المباراة بين فريق مكون من عناصر مانشستر يونايتد المتوج بلقب دوري أبطال أوروبا 2008، وفريق آخر من النجوم الذي اختارهم كاريك بنفسه، بقيادة فنية لكل من السير أليكس فيرجسون وهاري ريدناب.

المباراة انتهت بالتعادل الإيجابي 2-2، وخلالها سجل كاريك هدفا رائعا من على بعد 25 ياردة.

ولكن فيما بعد، أعلن مانشستر يونايتد التمديد لموسم إضافي لكاريك الذي أصبح قائدا للفريق بعد رحيل واين روني إلى إيفرتون.

خلال الموسم الجاري، خاض كاريك 4 مباريات فقط في مختلف البطولات.

مشاركة خامسة وأخيرة في ختام الموسم يمنحها له جوزيه مورينيو، بعد أن انضم بالفعل إلى الطاقم الفني المساعد للمدير الفني البرتغالي.

قائمة التصريحات التي أثنت على مسيرة كاريك تطول، ولكن مورينيو أراد أن يضيف إليها بعض كلمات المدح.

ويمدح الـ "سبيشيال وان" كاريك: "السمة الأهم للاعب كرة القدم أن يكون رجلا –متهجئا حروفها خلال المؤتمر الصحفي تفصيليا باللغة الإنجليزية M A N-".

ويضيف: "كرة القدم لا تحتوي الكثير منهم. المجتمع المحيط لا يحتوي الكثير منهم كذلك. لذا عندما تجد أحدا بتلك المواصفات فعليك أن تقدره بالشكل المناسب وأن تحارب لبقائه".

ويختتم: "الأمر ضروري بالنسبة للنادي. لقد حظوا بالعديد من السنوات الرائعة من خدماته. حين يتعلق الأمر باللعب ويناديه جسده بالتوقف، يظل الاحتفاظ به ضروريا بالنسبة لنا".

مواجهة أخيرة، من المحتمل أن تكون مليئة بالمشاعر المفرطة، يخوضها كاريك بقميص يونايتد، قبل أن يتفرغ لمهمته كمساعد في الطاقم الفني للفريق.

هل هكذا تبدو خطته بعد الاعتزال؟

يصرح كاريك شخصيا لصحيفة "تيليغراف" البريطانية: "إن سألتني عن ما إذا كنت أخطط الآن للاستمرار في مسيرة التدريب، فبالتأكيد سأجاوب بـ نعم".

ويضيف: "إنه شئ يثير فضولي واهتم به مؤخرا، ولكن لا يمكنني ضمانه على المدى البعيد. ربما حظيت بمسيرة مميزة كلاعب، ولكن أمثلة كثيرة لا تؤكد أنني قد أكون بنفس الكفاءة كمدرب. عليّ التعلم والصبر قبل التنقل من خطوة إلى أخرى في تلك المسيرة المختلفة كليا عن كوني لاعبا".

كاريك حظى بسنوات رائعة من الإنجازات في مانشستر يونايتد، تماما كما حظى ببعض فترات الخيبة للفريق ما بعد اعتزال فيرجسون.

يتحدث كاريك عن ذلك أيضا في تصريحاته: "لدي خليط من الإنجازات والخيبات. أعتقد أنه في غالب الوقت نتعلم أفضل الدروس من تلك التجارب التي لم تسر بشكل جيد. تظل هي الأصعب في استيعابها ولكن أفضلها".

التعليقات