شعوب المونديال - البرازيل 1950.. حلم التحول إلى دولة عظيمة انتهى على كابوس الماراكانا

الخميس، 03 مايو 2018 - 15:58

كتب : لؤي هشام

التسديدة التي أنهت آمال البرازيليين في أول تتويج مونديال

مهرجانات وفلوكولورات شعبية تجوب الشوارع.. مظاهر الفرحة والاحتفال تعم الأرجاء.. ومشهد من التوحد بين كافة الأطياف خلف راية واحدة، فترة تشهد إعلاءً للقيم والشعارات الوطنية لتتصدر تلك الصور المبهجة المشهد في حياة هذه الشعوب.

ولكن خلف تلك الصورة الزاهية كانت هناك صورة أكثر واقعية وبالتالي أكثر قتامة، صورة حملت معاناتهم وآلامهم والثمن الذي دفعوه في سبيل رغبة أنظمتهم في تجميل الوجه وتصدير صورة بكل بساطة تحمل الكثير من التضليل.. ثمن لم يكن يوما باخسا.

"شعوب المونديال" سلسلة يقدمها FilGoal.com تهتم بالجانب الإنساني لحياة هذه الشعوب التي استضافت الحدث العالمي ودفعت ثمنا باهظا من المعاناة على كافة الأصعدة في سبيل إخفاء الحقيقة فقط ولا شيء غيرها.

شعوب المونديال - حين اختلطت صرخات الفرح والألم معا في عهد خونتا الأرجنتين

وموعدنا هذه المرة مع بلاد السامبا

"من الضفف الهادئة سمعت دوي صرخة شعب بطل.. وحلم رائع من شمس الحرية التي تشرق على أرضنا دائما.." مقدمة النشيد الوطني البرازيلي.

كانت القصة هذه المرة عن حلم منشود، أمل سيتحقق ويثبت أنهم على الطريق الصحيح، سعادة وانتصار يعيدان رسم ملامح طموحات الرغبة الوليدة في غد أفضل وينهيان أعواما من اليأس والمعاناة، ولكن دون أسف كانت تسديدة قوية هي من حولت الحلم إلى كابوس.

شعبنا هنا شعبُ يحب الحياة، يبحث عن لحظات من البهجة من بين جذور المعاناة الضاربة في الأعماق، مزيج من الحضارات والأعراق خلق تنوعا فريد، وعلى أنغام السامبا صنعوا سحرهم الخاص وترحيبهم بالآخر.

رحلتنا ستذهب إلى البرازيل في عام 1950 حينما استضافت البلد اللاتيني بطولة كأس العالم ونجحت في الوصول إلى النهائي قبل أن تقلب أوروجواي الطاولة في وجه الجميع وتكتب تراجيديا ستظل راسخة في أذهان السيليساو.

في هذه البطولة حمل البرازيليون آمالا مختلفة وتطلعات نحو المستقبل بعد أعواما من الديكتاتوريات العسكرية المتوالية التي فجرت بطبيعة الحال العديد من الأزمات الاقتصادية وخلقت جوا سائدا من الرهبة والخوف والقمع.

Brazilian fans in the Maracana Stadium

وقبلها أو برفقتها - بمعنى أدق - كانت العنصرية تقتل شيئا فشيئا روح التوحد والكثير من المعاني الأخرى، مشاركة اللاعبين أصحاب البشرة السمراء في كرة القدم لم تكن أمرا مقبولا، كرة القدم كانت للأغنياء والبيض فقط والمنتخب البرازيلي لم يسمح بمشاركة هؤلاء اللاعبين حتى نهاية الثلاثينيات مع تراجع النتائج والموهبة الكبيرة التي تمتع بها "هؤلاء السود" كما وصفوا.

ورغم مشاركتهم إلا أن العنصرية لم تنته بطبيعة الحال بين البرازيليين للدرجة التي دفعت اليونسكو لإجراء دراسة على العلاقة بين العرقيات المختلفة في البلد اللاتيني في نفس العام الذي تم استضافة المونديال به.

تقول ليليا شواركز عالمة الأنثروبولوجي والمؤرخة البرازيلية الشهيرة في كتابها (Wonder of the Races) إن 99% من البرازيليين أجابوا عند سؤالهم إن كانوا تعرضوا لمعاملة عنصرية أم لا بلا، بينما أجاب 98% أنهم يعلمون شخصا تعرض لموقف عنصري! تناقض عجيب يكشف كيف كانت عنصرية خفية.

بمعنى أوضح، دولة مثل جنوب إفريقيا اعترفت في دستورها بسيادة العرق الأبيض بينما لم يكن الأمر كذلك في البرازيل التي أكدت تساوي الأعراق على الطاولة فيما كانت تحت الطاولة تخفي مشهدا أكثر بشاعة، ولهذا قالوا عنها "أول ديمقراطية عنصرية".

بطبيعة الحال لم تنته العنصرية بين يوم وليلة ولكن مع نهايات عام 1946 كان هناك إذعانا ببدء حقبة الجمهورية الثانية التي أعادت الديمقراطية كحجر الأساس في الدولة مجددا، وتولى الجنرال يوريكو جاسبار دوترا رئاسة البلاد لتبدأ عهدا جديدا ومسارا مختلفا يتطلع للأمام.

نتيجة بحث الصور عن ‪gaspar dutra‬‏

تأسيس الهيئة الوطنية للصناعة والهيئة الوطنية للتجارة ولاحقا وزارة الصناعة ثم عدة قرارات أخرى خاصة بالتصدير والإستيراد ساهمت في إنعاش الوضع الاقتصادي، وسعر صرف العملات الأجنبية - الذي تأسس 1945 - ظل سعره ثابتا حتى عام 53 بعد اهتزاز وتراجع كبير في الفترات الماضية.

ذلك الانتعاش دفع الدولة لمحاولة الإنفاق والتطوير على مؤسساتها، والبدء في انتهاج سياسة ليبرالية خاصة بالاقتصاد ما ساهم في رفع الوضع الاقتصادي الخاص بالأفراد، ومع هذا النمو تأسست هيئات أخرى فنية وأدبية لتخلق مناخا عاما من الانفتاح والتفاؤل، ولكن هنا نعود للنقطة الأبرز.. حين يرتبط كل شيء بكرة القدم.

المونديال والبحث عن الفخر الوطني

"كأس العالم 50 كان أمرا شخصيا وأولوية وطنية للبرازيليين، بالنسبة لهم كانت فرصة للاستعراض والاحتفال وبالنسبة للحكومة كان الهدف التوحد.. البرازيل كانت دولة مضطربة والدولة أيقنت أن المونديال فرصة لإعادة البلد إلى الواجهة الدولية".. من تقرير لموقع (tifofootball).

واللحظة الأهم أتت في السادس عشر من يوليو، حينما احتشد أكثر من 200 ألف في ملعب الماراكانا الشهير يشعرون بالحماسة والفخر ويستعدوا للاحتفال بالبطولة العالمية أمام الجار أوروجواي.

نتيجة بحث الصور عن ‪brazil world cup 1950‬‏

كان مشوار السامبا مذهلا. تصدرت مجموعتها التي ضمت يوغسلافيا وسويسرا والمكسيك برصيد 5 نقاط، وفي الأدوار التالية صنعت انتصارين عريضين على كلا من السويد وإسبانيا بنتيجة 7-1 و6-1 على الترتيب.

والآن حان الموعد المنتظر، المواجهة أمام أوروجواي والتتويج المحسوم من وجهة نظر المشجعين والصحافة، والجميع والاعتماد كان على أديمير ماركيس وزيزينيو وفرياتشا.

URU-BRA 1950-07-16.svg

السيناريو يسير كما كتب له والسيليساو يتقدم في الدقيقة 47 عن طريق فرياتشا، وخوان تشيافينو ينجح في إدراك التعادل بالدقيقة 66، ولكن لا بأس فالتعادل أيضا يعني التتويج باللقب بحسب عدد النقاط المتبع في ذلك الوقت.

11 دقيقة متبقية على النهاية والاحتفالات باللقب بدأت، في ذلك التوقيت كان يتحرك أليسيديس جيجيا لاعب أوروجواي على الطرف الأيسر.

تمريرة طويلة استلمها جيجيا وانطلق إلى داخل منطقة الجزاء ثم تسديدة قوية على يسار الحارس باربوسا لتسكن الشباك وتعلن صمتا مخيفا في أرجاء الماراكانا، صمتا يشبه أصداء مدينة هيروشيما بعد إلقاء القنبلة النووية عليها.

أجواء من الحسرة والخذلان الوطني

لم يكن أحدا يصدق، حتى أن المنظمين لم يتوقعوا تتويج أوروجواي وجهزوا المنصة لاستقبال المنتخب البرازيلي، المناخ الوطني العام تحول إلى أجواء من الصدمة والحزن، والشعور بالفخر الوطني تحول إلى جرح عميق.

صحيفة O Mundo Sportivo البرازيلية عنونت "دراما، تراجيديا ومهزلة".. البكاء والشعور بالخزي انتشر بين الجميع حتى أن الأسطورة البرازيلية بيليه قال إنه في ذلك التوقيت "كانت المرة الأولى التي أرى أبي فيها يبكي".

وجيجيا صاحب هدف الفوز استفز الجميع حينما قال: "الأجواء كانت رائعة، ومشجعيهم كانوا يتقافزون فرحا كأنهم حققوا البطولة (...) ثلاثة فقط أسكتوا ملعب الماراكانا، فرانك سيناترا والبابا يوحنا بولس الثاني وأنا".

نتيجة بحث الصور عن ‪brazil uruguay world cup 1950‬‏

على الرغم من مشهد الهدف الذي ظهر في مقطع الفيديو السابق والذي يظهر فيه أن الحارس باربوسا لم يكن بإمكانه تقديم أفضل من ذلك إلا أن أصابع الاتهام اتجهت نحو والجميع اتهمه بالتسبب في الخسارة حتى صار أكثر المنبوذين في بلاده.

والأمر صار أكبر من ذلك.. نُظر إلى ما حدث باعتباره أن توقعات الحكومة البرازيلية وآمالها في توحيد الأمة البرازيلية معا فشلت.

روايات مختلفة

باربوسا لاحقا صرح في عام 93 "في البرازيل أقصى عقوبة جنائية قد تتلقاها هي 30 عاما ولكنني ظللت مدانا لـ50 عاما لأدفع ثمن جريمة لم أرتكبها. حتى المجرمين قد يسامحوهم بعد ذلك لكن أحدا لم يسامحني أبدا، لم أكن مذنبا، كنا 11 لاعبا".

والظهير الأيسر بيجودي الذي راوغه جيجيا مرتين قبل أن يسجل قال: "فكرت بالانتحار، لكن قلت في نفسي حتى في مماتي فإن الناس ستبقى تكرهني إلى الأبد".

تطلبت تلك الخسارة القاسية أعواما من البرازيليين كي يتمكنوا من التعافي منها.

"الجميع أخبرني أننا سنفوز، عائلتي وأصدقائي حتى بائع الحليب.. الأمر كان يشبه الذهاب إلى منزل أحد أصدقائك الذي توفي والده أو والدته، كانت تلك لحظة الاحتفال ولكن بدلا من ذلك تحول كل شيء إلى صمت" من شهادة جواو لويز دي ألباكركي أحد المشجعين الحاضرين للمباراة لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

أليكس بيلوس مؤلف كتاب (كرة القدم: أسلوب حياة البرازيليين) قال للشبكة البريطانية "تلك الهزيمة عززت الإحساس بالفشل بالنسبة للبرازيلين وأنهم على حافة العالم".

أو كما لخص المؤرخ البرازيلي روبرتو دي ماتا تلك الخسارة بكل بساطة "ربما تكون أكبر مأساة في تاريخ البرازيل لأنها حدثت في الوقت التي كانت فيها البلاد تسعى إلى إثبات أنها دولة تريد تحقيق أمورا عظيمة".

إنها قصة أمة تطلعت إلى الفخر قبل أن تتحول آمالها في الماراكانا إلى كابوس من الخزي والإحساس بالفشل.

نتيجة بحث الصور عن ‪brazil 1950‬‏

اقرأ أيضا:

إنبي لأفشة: الاحتراف أفضل من الأهلي والزمالك "انظر لهؤلاء"

فرج عامر: الأهلي طلب ثنائي سموحة

صلاح ينافس على جائزة أجمل هدف بنصف نهائي دوري الأبطال.. وماني لأفضل لاعب

تقرير: ساري على بعد خطوات من قيادة تشيلسي

"الكاف يحسم المقعد الثاني لمصر بالكونفدرالية"

اتحاد الكرة يعلن عقوبات القمة.. غرامة وإيقاف على جهاز الزمالك

التعليقات