أجويرو الذي لم يتوقف يوما عن القتال

الخميس، 09 نوفمبر 2017 - 13:02

كتب : عمر ناصف

أجويرو

لحظات لا تنسى عاشها مشجعو مانشستر سيتي في أخر ثواني موسم 2011-2012 عندما نجح سيرجيو كون أجويرو في هز شباك كوينز بارك رينجيرز في الثواني الأخيرة ليحول مسار لقب الدوري الإنجليزي من ملعب أولد ترافورد إلى ملعب سيتي أوف مانشستر "هكذا كان أسمه حينها".

انتظار جماهير سيتي امتد منذ 1968 وأخر لقب دوري حصلوا عليه قبل أن يمر بفترات صعود وهبوط انتهت في 2008 بانتقال ملكية النادي إلى الشيخ منصور بن زايد ليبدأ عهد جديد للفريق لكن لقب الدوري ظل بعيدا حتى جاءت اللحظة الحاسمة بإعلان الفريق ضم المهاجم الأرجنتيني الشاب قادما من أتليتكو مدريد بـ45 مليون يورو.

صفقة غيرت من مسار تاريخ سيتي ففي موسمه الأول كان هدفه التاريخي هو الذي حسم اللقب لصالح الفريق السماوي لينهي غياب دام 44 عام عن اللقب ثم مسيرة مميزة مع النادي كللها الشهر الماضي بكسر رقم إيريك بروك الهداف التاريخي للفريق ليصبح "كون" صاحب هذا الإنجاز الفردي بعد أن وصلت أهدافه إلى الرقم 179 بقميص الفريق.

يمتلك أفضل نسبة تهديفية لمهاجم في الدوري الإنجليزي شارك في أكثر من 50 مباراة وهي 108 دقيقة لكل هدف ويحتل المركز الـ12 على قائمة الهدافين التاريخيين للدوري برصيد 130 هدف وهو الهداف اللاتيني الأول بعد تفوقه على التريندادي دوايت يورك صاحب الـ123 هدف.

رغم ذلك لن تجد أسم أجويرو أبدا في تشكيلة الموسم للدوري الإنجليزي منذ وصوله من إسبانيا وحتى الآن والبعض يتناسى وجوده عند الحديث عن "أفضل المهاجمين في العالم" والأكيد أن صاحب الـ29 عاما لم يتوقف يوما عن القتال.

بدأ الصراع مبكرا مع الحياة ربما قبل ولادته حتى فأمه كانت في الـ17 من عمرها عندما علمت بحملها لطفلها الثاني وذلك خلال رحلتها مع صديقها وديل كاستيلو والد طفلتها الأولى جيسيكا للانتقال من مدينتهم الصغيرة توكمان إلى بوينس أيرس من أجل البحث عن فرص أفضل للحياة هناك في صخب العاصمة.

ظروف صعبة عاشتها الأسرة حتى استقرت في أحد المنازل التي تم بناءها على مساحة 50 متر فقط وفرحة العائلة لم تستمر طويلا ففيضان كبير ضرب الأرجنتين قتل 24 شخصا وشرد أكثر من 57 ألف مواطن بعد تدمير منازلهم والتي كان منزل ديل كاستيلو إحداها.

بعد ذلك مباشرة تعرضت والدته أدريانا لأعراض مرض خلال الشهر السادس من حملها لتبحث عن مستشفى تعالجها وبسبب الفقر تفشل لتنتقل بين أكثر من مستشفى في محاولة لإنقاذ الجنين نجحت في النهاية بعد استقرارها في أحد العنابر تحت الرعاية الطبية في انتظار وصول مولودها.

الثاني من يونيو لعام 1988 شهد ظهور أعراض الولادة على أدريانا لتدخل غرفة العمليات وأثناء الولادة يخبرها الطبيب أنه سيضطر لإجراء تدخل جراحي قررت أدريانا أن يكون خيارها الجراحي الأكثر إيذاء لها والأقل ضررا بطفلها الذي رأى النور أخيرا.

نظرا لأن أدريانا وديل كاستيلو لم يكونوا قد تزوجوا بعد ولأن أوراق الوالد الرسمية قد ضاعت كلها رفضت المستشفى أن تسجل الطفل الصغير إلا باسم أمه ليحمل الطفل اسمه "سيرجيو" ولقب عائلة والدته "أجويرو"، أرادوا تسميته "سيرجيو ليونيل" لكن تم رفض طلبهم لأن مقاطعة روساريو قررت منع إطلاق هذا الاسم بداية من العام الذي ولد فيه أجويرو.

ليونيل ميسي النجم الأرجنتيني كان محظوظا لأنه ولد في 1987 قبل أشهر قليلة من تطبيق هذا القرار ليظفر بالاسم.

كان والده يعمل سائقا وفي عطلات نهاية الأسبوع كان يستغل مهارته في كرة القدم ويلعب بمقابل مادي ضعيف مع أندية الهواة والبطولات المجمعة الصغيرة وذلك في محاولة لزيادة دخله ومع وصول مولوده الصغير أصبح ملازما لأبيه في زياراته لملاعب كرة القدم ليبدأ مبكرا عشقه وشغفه بكرة القدم.

أنشطة أجويرو كانت موزعة ما بين لعب ومتابعة كرة القدم في الساحات والمباريات المجمعة وما بين مشاهدة أفلام الكارتون اليابانية والتي حصل منها على لقبه "كون"، أحد أصدقاء أبيه ويدعى "جورج شيتي" كان أول من أطلق هذا الاسم على سيرجيو الصغير بسبب محاولته لنطق أسم هذه الشخصية.

أظهر أجويرو مهارته وقدرته في كرة القدم سريعا فلم يكن قد أكمل عامه الخامس بعد حتى كان يحصل على بيسو واحد عن كل مباراة يلعبها، الخباز "جورج أريزو" والذي صنع له كعكة عيد مولده الرابع كان السبب في تنقل أجويرو ما بين ستة أندية مختلفة للعب معها خلال لقاءات نهاية الأسبوع.

أجويرو قال "كرة القدم كانت جزء من طفولتي فهي لم تفارقني أبدا ففي كل وقت كانت الكرة في قدمي وكنت أعود متأخرا في بعض الأحيان بسبب مباريات كرة القدم فلا يهم إن كان الوقت ليل أو نهار فكل ما يهم هو أن ألعب الكرة".

حفز ذلك والده لأخذ طفله الصغير الذي لم يكن قد بلغ السابعة في جولة إلى الأندية الأرجنتينية ولم يكن الانضمام لبوكا جونيورز أو ريفر بليت هدفا لهم رغم العروض الشفهية وأندية لانوس وكويلمس رفضت اللاعب لعدم تسجيل عائلته كأعضاء في النادي نظرا لحالتهم المادية الضعيفة.

وأضاف أجويرو: "لقد ضحى والدي بالكثير عندما كنت صغيرا وذلك من أجل أن يأخذني لاختبارات الأندية حتى انضممت لفريق إنديبندينتي في الثامنة من عمري، لقد كان دائما متواجدا بجانبي لدعمي ومساعدتي رغم المسافة الكبيرة بيننا".

نادي إنديبندينتي كان يسمح لغير الأعضاء بممارسة كرة القدم في النادي فأنضم إليهم أجويرو وهناك رآه رجل الأعمال صامويل ليبرمان والذي دفع يوما ما المال الوفير للاستثمار في موهبة أورجويانية تدعى دييجو فورلان عندما كانت في ال17 من العمر وقرر أن يستثمر مرة أخرى في أجويرو.

راتب شهري للاعب ومنزل جديد لعائلته بجانب تكفل ليبرمان بكافة تكاليف تعليم ومأكل ومشرب اللاعب وعائلته في مقابل الحصول على حقوق التسويق للاعب لمدة 10 سنوات قادمة.

"العديد من أصدقاء الطفولة أنتهى بهم الحال في السجن" تصريح سابق لأجويرو يوضح لك الأجواء المحيطة به خلال طفولته والتي نجى منها في النهاية بفضل والده وليبرمان وكرة القدم.

نبغ سريعا في أكاديمية إنديبندينتي وحصل على الرقم 10 في كل الفئات السنية التي لعب لها، مدربه في الأكاديمية وأحد أساطير الفريق الأرجنتيني ريكاردو بوشيني قال "لقد أخذناه للعب في الملاعب المغطاة وأظهر لنا سريعا قدراته التهديفية الكبيرة وثقته في إمكانياته رغم سنه الصغيرة".

بعد أيام قليلة من إتمامه لعامه الـ15 وجد نفسه مطلوبا من المدرب أوسكار روجيري لتسجيل مشاركته الأولى مع الفريق الأول في الدوري الأرجنتيني ليصبح الأصغر في التاريخ متجاوزا دييجو أرماندو مارادونا ولكنه لم يشارك مرة أخرى لفترة مع الفريق.

بوشيني قال عن ذلك "لم أعتقد أن أجويرو كان جاهزا للمشاركة مع الفريق الأول ولكن يبدو أن روجيري أراد أن يتم تسجيله في التاريخ بأنه المدرب الذي أعطى أجويرو المشاركة الأولى". رحل روجيري قبل أن يشارك أجويرو لمباراة أخرى وأنتظر اللاعب كثيرا فرصته التالية.

لم يشارك بصفة أساسية حتى العام 2005 والذي شهد انضمامه إلى المنتخب الأرجنتيني تحت 20 عاما والتي حققت اللقب، هناك تعرف على ميسي وأصبح صديقه وملازمه دائما في الغرفة خلال فترة إقامة راقصي التانجو، بنهاية ذاك الموسم أعلن أتليتكو مدريد عن خطفه للموهبة الأرجنتينية بـ23 مليون يورو.

بدأ كبديل لفيرناندو توريس قبل أن يرحل لليفربول ويصل دييجو فورلان إلى الفريق الإسباني ليشكل معه ثنائي هجومي خارق، أجويرو سجل 101 هدف في 234 مباراة بقميص أتليتكو مدريد وحقق معهم بطولة يوروبا ليج وكأس السوبر الأوروبية قبل الانتقال إلى إنجلترا والتوجه لمانشستر سيتي.

أثبت أجويرو مع مرور الأيام في إنجلترا أنه المهاجم الأفضل بمتوسط هدف كل 108 دقيقة وهو الأفضل في تاريخ البطولة وهداف الدوري مرة وحيدة وتجاوزه لـ20 هدف في أربعة من مواسمه الست مع الفريق السماوي ولولا الإصابات المتتالية التي تضرب اللاعب لزادت أهدافه.

يمتلك قدرة على التأقلم مع الأجواء المحيطة فلا يمكنك أن تتذكر فشله في التأقلم مع أفكار أي مدرب مر عليه، لم يكن رجل روبيرتو مانشيني التهديفي الأول فالمدرب الإيطالي أعتمد أكثر على ماريو بالوتيلي وإيدين دجيكو للتسجيل ومع مانويل بيلجريني تحول إلى الهداف الأول لهم.

بوصول بيب جوارديولا كان عليه أن يتغير من ماكينة أهداف لا تهدأ وتبحث أولا عن التسجيل إلى ترس في أله كبيرة تحتاج إليه ليدور بشكل محدد لتنفيذ أفكار مدربه وصناعته لهدف جابريل خيسوس في مرمى ليفربول بدل من تسجيله بنفسه دليل على تشربه الكامل لأفكار جوارديولا.

أحد الأسماء التدريبية التي عملت مع أجويرو كان الأرجنيتني فيرناندو سيجوريني والذي قال "أجويرو لا يبحث عن طريقة ليكون الأفضل ولكنه يفضل تعلم وابتكار الجديد دائما ويواصل تحدي نفسه كل يوم، ليس ليكون الأفضل ولكن ليقدم كل ما لديه للفريق في المقام الأول".

بينما دانيل فريسكو الذي كتب سيرة اللاعب الذاتية فقال "رغم أنه قد يظهر في بعض الأحيان فاقدا للسيطرة إلا أنه دائما ما ينفذ أوامر مدربيه فهو مستمع جيد ولا يتوقف أبدا عن ذلك".

مشاكله خارج الملعب لا تؤثر على مجهوده داخله، بعد انتقاله إلى سيتي أعلن أجويرو عن انفصاله عن زوجته جيانينا ديجو مارادونا بدون أسباب ولكن بعد ذلك تم كشف أن جيانينا رفضت الانتقال معه إلى إنجلترا فقررا الانفصال وعادت جيانينا إلى بوينس أيرس للعيش مع والدها الأسطوري.

لكنه دخل في شجار مع ماركوس روخو مدافع مانشستر يونايتد في وقت سابق بسبب مشكلة حدثت بينهم في غرف ملابس المنتخب الأرجنتيني بعد أن قام الأخير بدعوة الزوج السابق لصديقة أجويرو إلى غرف الملابس للاحتفال مع راقصي التانجو.

خلاف أخر شهير بين أجويرو وبين ديفيد لويز المدافع البرازيلي لتشيلسي بسبب تدخلات الأرجنتيني العنيفة عليه والتي تكررت في مناسبتين عام 2013 و2016 ولكن لويز أكد كثيرا بأنه وأجويرو على توافق وتواصل دائم خارج أرضية الملعب وصداقتهم لا تتأثر بتلك الحوادث.

لا يحب الحديث للإعلام كثيرا وربما تتعجب إذا عرفت بأن أول لقاء يقوم به في إنجلترا باللغة الإنجليزية كان منذ أيام قليلة بعد حسمه للقب الهداف التاريخي لمانشستر سيتي، لم يكن سبب الابتعاد السابق هو ضعفه اللغوي وإنما عدم رغبته في الخروج والحديث.

ورغم أنه يفضل البقاء في المنزل لمشاهدة الأفلام أو لعب البلاي ستايشن وتحديدا لعبة "GTA" المفضلة له ولكنه لم يجد حرج في وضع صورته خلال حضوره لحفل غنائي في هولندا أنتهى بتعرض السيارة التي كانت تقله لحادث تحطم معه أحد ضلوعه منذ أسابيع قليلة.

أجويرو نجح في دخول تاريخ مانشستر سيتي منذ موسمه الأول ولم يتوقف يوما عن القتال ليدخل تاريخ النادي من الباب الواسع أما عن المستقبل فأجويرو يقول "لقد بدأت ممارسة كرة القدم في إنديبندينتي وسأنهيها هناك".

التعليقات