عيد ميلاد رشيد طه.. مناسبة جيدة للنقاش حول غياب المهاجم الصريح

الإثنين، 18 سبتمبر 2017 - 22:00

كتب : فادي أشرف

رشيد طه في قميص رود فان نيستلروي

عندما يريد رشيد طه الغناء حول المهاجرين، يغني حول المهاجرين. لا مكان للرمزية. "دائما نفس الخطاب.. المهاجرون هم سبب المشاكل". لن يأخذك النجم الجزائري في رحلات رمزية، بل سيقول لك ما يريد قوله مباشرة دون التفاف حول الشجرة.

وفي عيد ميلاد رشيد الـ59، سنناقش غياب المهاجم الصريح في زمن اقترب فيه المهاجم رقم 9 التقليدي من الانقراض. أجنحة هدافة أو مهاجمين غير تقليديين. أين المهاجم التقليدي الذي يتلخص دوره في تسجيل الأهداف حينما تسنح الفرصة، بعيدا عن الأدوار الفرعية في التحرك وفتح المساحات للزملاء والحصول على الأخطاء حول منطقة الجزاء؟ الحديث هنا عمن هم مثل فيليبو إنزاجي أو رود فان نيستلروي، وفي الوقت الحالي هاري كين وروبرت ليفاندوفسكي فقط.

"باتريك كلويفرت كان لاعبا أفضل من فان نيستلروي، ولكن فان نيستلروي لم يكن يهتم إلا بأن يضع الكرة في الشباك. فقط لا غير". رون دي ريك، صحفي هولندي يلخص الحديث عن اللاعبين الذين يقتربون من الانقراض في الوقت الحالي.

في الدوريات الخمس الكبرى الموسم الماضي، فقط 6 لاعبين يمكن تصنيفهم كـ"مهاجم صريح" يظهرون ضمن قائمة الأكثر تهديفا. البقية إما أجنحة مثل ليونيل ميسي، أو مهاجم غير تقليدي مثل لويس سواريز، أو لاعب وسط يشارك كمهاجم وهمي مثل دريس ميرتينز. بعيدا عن هاري كين صاحب الـ22 عاما – أصغر مهاجم في تلك القائمة لديه 25 عاما، هو أليكساندر لاكازيت.

قال أرسين فينجر مدرب أرسنال في مؤتمر سابق لمدربي الصفوة في أوروبا: "قارة أمريكا الجنوبية هي القارة الوحيدة التي تخرج مهاجمين، فكرة القتال والقدرة على التعبير عن الذات بالأهداف مازالت مهمة بالنسبة للأكاديميات هناك".

أين بدأ الانقراض؟ ديفيد بيا وتوماس مولر يجيبان

Image result for david villa

مع فالنسيا، سجل ديفيد بيا هدفا كل 137 دقيقة. مع برشلونة، سجل بيا هدفا كل 164 دقيقة.

لا شك في قدرات بيا كمهاجم صريح، ولكنه كان طرفا في تغيير هام في كيفية لعب كرة القدم ومعه بدأت عملية انقراض المهاجم رقم 9.

لم يلعب بيا كرقم 9 مع فريق بيب جوارديولا – الذي وصفه سير أليكس فيرجسون بأنه أفضل فريق لعب ضده – لم يكن هناك من الأصل رقم 9 في عقل جوارديولا.

وفي نفس ذلك الوقت، كان منتخب إسبانيا يكتسح العالم وأوروبا في 2010 و2012 دون مهاجم صريح.

برشلونة يكتسح أوروبا على مستوى الأندية دون مهاجم صريح، وكذلك فعل منتخب إسبانيا. هنا بدأت الشرارة. الكل أراد تلك الخلطة التي تمنحك الأهداف والكثافة في وسط الملعب والسيطرة على الكرة لأوقات طويلة بشكل لم يكن يعقل في تلك الفترة.

في نفس الوقت، كنا مع مبارزة القرن. كريستيانو رونالدو ضد ليونيل ميسي. النجمان الأكثر تأثيرا كرويا وجماهيريا ليسوا مهاجمين يرتدون الرقم 9 أو يلعبون بالمركز 9، على عكس ما تعودناه من كرة القدم حينما كان الأكثر جماهيرية أمثال الظاهرة رونالدو – بعد 2002 - وتييري هنري وفان نيستلروي مثلا.

بعدها أتى الألمان، أيضا اكتسحوا العالم دون مهاجم صريح – بعيدا عن الاستعانة بميروسلاف كلوزه وماريو جوميز في بعض الأوقات. لكن من حسم كأس العالم في النهاية؟ توماس مولر وماريو جوتزه اللذان لعبا دور الجناح الباحث دائما عن المساحات بين الأظهرة وقلوب الدفاع Raumdeuteur. ليسوا مهاجمين رقم 9 في النهاية.

كتابة كلمة Raumdeuteur على محرك البحث جوجل سيحولك تلقائيا للبحث حول توماس مولر. طريقة أخرى لتفادي اللعب بمهاجم صريح وللالتفاف حول الشجرة – لم يعد يوجد من يدخلون لقطع الشجرة دون نقاش.

Image result for thomas muller

فينجر، أحد المدربين القلائل الذين مازالوا محتفظين بإرث المهاجم رقم 9 مع جمع أدواره التقليدية مع أدوار جديدة، أوليفييه جيرو مثالا، قبل أن يلجأ لأحد حاملي لواء السلالة النادرة – لاكازيت – يقول: "قديما، كان عليك ركل الكرة للأمام لمهاجم عليه القتال ضد المدافع. مثلا في الأكاديميات، كنا نضع مهاجما لديه 12 عاما ضد مدافع لديه 16 عاما، وعلى المهاجم القتال من أجل الكرة. تلك الأمور اختفت".

ويضيف فينجر "واحدة من أكبر المشاكل في الأكاديميات الآن أن اللاعب يصل لعمر الـ19 ثم تفكر فيما يمكنك أن تمنحهم. نخسر العديد من اللاعبين في ذلك الوقت لأنهم لا يعرفون ماذا بعد – كيف سيلعبون كرة القدم. وفي ذلك الوقت، ألا تملك خطة معناها الموت كرويا".

روي كين أسطورة مانشستر يونايتد وجه اللوم لجيل أرسنال الحالي بأنه ليس "قويا" للدرجة، أمر يمكن ربطه باختفاء المهاجمين الذين يلعبون الكرة بطريقة قبيحة من أجل تسجيل الأهداف وإحالة حياة المدافعين إلى جحيم. فكر في أمثال آلان شيرر وكريستيان فييري وماريو جوميز مثلا.

كوالياريلا سيندروم: لماذا انتبه الجميع لوجود فيراتي دون أن يلحظوا فاردي؟

Image result for quagliarella

قبل انتقال ماركو فيراتي من بيسكارا في إيطاليا إلى باريس سان جيرمان في 2012، كان الحديث موجودا حول لاعب الوسط الرائع الموجود في الدرجة الثانية الإيطالية. لم يكن فيراتي مجهولا.

في نفس الوقت الذي انتقل فيه فيراتي إلى باريس سان جيرمان وقبل أن يصبح أحد أهم لاعبي الوسط في الوقت الحالي، انتقل مهاجم مغمور من فليتوود تاون إلى ليستر سيتي قبل أن يصبح أيقونة لسلالة المهاجم الصريح – جايمي فاردي.

لن تجد مقالات تحليلية حول موهبة فاردي الذي انتشله ليستر بعمر الـ25، بعكس فيراتي.

الحكم على لاعب الوسط في مراحل الناشئين أسهل. لمسة جيدة للكرة أو قدرة على التمرير القصير والطويل أو مهارة فائقة في قطع الكرات. العلامات تكون واضحة بالنسبة للاعب الوسط مقارنة بالمهاجم، الذي يحكم عليه في الدوريات الأقل ومراحل الناشئين بأمر واحد: الأهداف.

لذا يكون من الصعب أن يبرز مهاجم في سن صغير. مهاجمون صرحاء مميزون مثل فابيو كوالياريلا وأريتز أدوريز مثلا لعبوا كثيرا في الدرجات الدنيا قبل الانفجار مع أندية وسط مثل أودينيزي وسامبدوريا وأتلتيك بلباو.. في عمر الثلاثينيات!

المهاجمون الصغار يضطرون للعب ضد مدافعين أكثر خبرة، وأقوى بدنيا، بالتالي لا يمكنهم تسجيل الأهداف ثم يجدون أنفسهم على دكة البدلاء لصالح مهاجم أخر أثبت كفاءته في تسجيل الأهداف، أو يضطر المدرب لتغيير الخطة تماما لأنه لا يملك مهاجما مميزا.. وتستمر الدائرة المفرغة دون أن يخرج منها مهاجما قادرا على التسجيل بطريقة قبيحة.

الأمر أشبه بالصيد بسنارة، تخيل كم فاردي ضاع في الدرجات الدنيا لأن السنارة تلتقط فقط أصحاب المواهب الفذة والتي تظهر جليا بالنسبة للاعبي الوسط مبكرا مقارنة بالمهاجمين.

ما قاله رود فان نيستلروي ومحمد أبو تريكة

Image result for ruud van nistelrooy

عندما تسجل 150 هدفا مع مانشستر يونايتد، بالتأكيد سيجد ما تقوله حول تسجيل الأهداف آذانا صاغية.

يقول رود فان نيستلروي في حوار سابق "رأس الحربة لا يفكر.. الهدف دوما هكذا، تصله الكرة، فيضعها داخل الشباك بفطرته. لكني كنت أرغب في أن أكون شيئا آخر.. لهذا كنت حريصا على ارتداء القميص رقم 10. كانت رسالة، أنا المهاجم الذي يفكر".

وفي إطار تحليله لمباراة تشيلسي وأرسنال في الدوري الإنجليزي، قال محمد أبو تريكة الذي لعب مع مهاجمين مميزين مثل فلافيو وعماد متعب وعمرو زكي: "المهاجم رأس ماله التوقيت والقدرة على إنهاء الهجمة، دون ذلك لا يهم". أبو تريكة هنا كان يعلق على لاكازيت.

تلك المزايا صارت أقل في الأهمية عند تقييم المهاجم، ليس من قبل المحللين بل وأيضا المدربين، مقارنة بأمور مثل فتح المساحات للزملاء أو المشاركة في صناعة اللعب مثلا. المهاجم صار يفكر ولا يسجل أحيانا. كريم بنزيمة وجيرو مثلا.

لماذا لم يفكر زين الدين زيدان في ضم مهاجم أخر لريال مدريد بدلا من بنزيمة صاحب السجلات التهديفية المتدنية في الوقت الذي يساعد فيه كريستيانو رونالدو – المهاجم غير التقليدي - على تسجيل الأهداف؟ بل بالعكس، لم يفكر في إدخال بديل له مثل بورخا مايورال حتى أصيب صاحب الأصول الجزائرية.

حتى في مصر، فضل حسام البدري المدير الفني للأهلي ضم مهاجم يمتاز بالسرعة والضغط على الخصوم وإجبارهم على الأخطاء مثل وليد أزارو رغم عدم تسجيله سوى 12 هدفا فقط طوال مباريات الدوري المغربي الموسم الماضي.

هل كان أمام البدري بديلا هدافا ورفضه لصالح مزايا أخرى يمتلكها المغربي مثلا، أم أن المدربين الآن مجبرين على محاولة تطوير قدرات مهاجمين ليسوا هدافين بالفطرة مقابل مزايا أخرى مثل الضغط والسرعة والمشاركة في صناعة اللعب؟

هل الأمر بهذا السوء؟

Image result for romelu lukaku

في النهاية، كرة القدم تتطور ومعها الخطط وطرق اللعب واستراتيجيات المدربين. قد يعود المهاجم رقم 9 وربما أيضا تعود الفرق للعب بثنائي في الهجوم.

الأمر ليس بهذا السوء، كل فترة يصل لاعب مثل نسخة ليفربول من لويس سواريز أو روبرت ليفاندوفسكي أو هاري كين، ومؤخرا روميلو لوكاكو، ليذكر كرة القدم بأهمية المهاجم الصريح الذي يلعب كما يغني رشيد طه.. دون التفاف حول الشجرة بل الدخول وقطعها مباشرة.

التعليقات