تأثير سيميوني – (2) ركنية روبن كازان و"حكاية" ما قبل النوم

الإثنين، 30 مايو 2016 - 14:21

كتب : محمد الفولي

أتقبل التعايش مع أن قناعاتي حول تطور مواقف معينة قد لا تأتي بالنتائج المرغوبة في بعض الأحيان. مثال على هذا ما حدث مع في مواجهة روبن كازان بدوري أوروبا على ملعب فيسينتي كالديرون في فبراير 2013.

الحلقة الأولى - تأثير سيميوني – (1) كيف تقنع لاعبا بطيئا بأنه سيحقق لقبا لا ينسى

كنت أعتقد أن الحكم سيطلق صافرة المباراة بعد لعب ضربة ركنية. لهذا أمرت حارس المرمى أسينخو بأن يتقدم ليساند زملاءه في الهجوم، وذلك على الرغم من وجود مباراة عودة. كنا نخسر بهدف ولكن أنا كنت أسعى وراء التعادل.

الآن يعرف الجميع أنه كان قرارا خاطئا بل قل عاطفيا. كان من الطبيعي أن تنتهي المباراة بعد الضربة الركنية بتسجيل هدف أو بكرة بجوار القائم أو بمرتدة سيفسدها خوانفران بارتكاب خطأ ضد المهاجم الذي يحاول الهروب نحو مرمانا. هذا لو لم يتقدم أسينخو.

ما حدث أنهم سجلوا الهدف الثاني في المرمى الفارغ. في لعبة الاحتمالات وضعت نسبة 3 أو 5% أن الأمر سينتهي بهذه الطريقة. حينها خاطرت ودفعت الثمن لأنني كنت أقول لنفسي "اذا ما تعادلت ستكون فرصتي أكبر واذا ما سجلوا الهدف الثاني سيجب علي أن أسجل أهدافا أكثر في ملعبهم". لم يكن بامكاني ترك خيار التعادل. لم أكن لأسامح نفسي لو فعلت هذا.

التهيئة الذهنية

المهمة الرئيسية للمدرب قبل كل مباراة هي تعريف الفريق بأهمية المواجهة التي سيخوضها. بعض تلك اللقاءات تبدو سهلة من الوهلة الأولى وهي تلك التي تواجه فيها منافس أقل منك في الترتيب. العمل نحو تحقيق التهيئة الذهنية في هذه المباريات يكون أكثر كثافة لأنك تسعى لتجنب تراخي أحد لاعبيك لأنه حينما يكون لديك ثلاثة أو أربعة خارج نطاق الخدمة المطلوب فإن هذا الأمر تلحظه المجموعة وبكل تأكيد سيؤثر على الفريق.

يعتقد البعض أن مواجهة الفرق الكبرى أو النهائيات لا تحتاج لتحفيز اللاعبين بشكل خاص وهذا أمر لا يمت للواقع بصلة. صحيح أن المجموعة تدرك أنها أمام حدث استثنائي ولكن يجب أن تبث لها رسائل تعمل على تحسين استعدادها ومستواها لمواجهة ما ينتظرها.

قبل أي نهائي يعرف اللاعبون جيدا ما هي عبارتي الافتتاحية: "النهائي ليست مباراة تخوضها، بل مباراة تفوز بها. لا يهم كيف ستلعب أو من ستواجه لأنك لا تختار خصمك. ما سيظل باقيا في الذاكرة بعد مرور السنوات هو من فاز ولن يأبه أحد باذا ما كان اللعب جميلا أم لا. الكتب ستسجل فقط للأجيال التالية اسم الفائز".

بالمثل يجب توعية المجموعة بأنهم ليسوا أقل من الخصم. المثال الأبرز على هذا هو كأس السوبر الأوروبي الذي لعبناه أمام تشيلسي في أغسطس 2012. قبل المباراة الجميع كان يضعهم كالمرشح الأوفر حظا.

عملي الأهم مع اللاعبين كان اقناعهم بأنهم أمامهم فرصة للفوز بالمباراة وأن الخصم ليس خارقا ومن المحتمل أن يخطىء. هذه هي الأمور التي يجب استغلالها حتى ولو كانت فرصتك 0.1%، عليك أن تتمسك بها. لماذا؟ لأن هذا المرشح الأوفر حظا ربما يكون لديه يوم تعيس طوال العام وهو اليوم الذي سيواجهك فيه.

العكس صحيح أيضا: من الممكن أن أقول أقل من خصمي كرويا ولكن في هذا اليوم يمكنني تقديم أفضل مباراة في الموسم. يجب أن تحافظ على هذه القناعة وتبثها لدى لاعبيك. التهيئة الذهنية للاعبين قبل المباريات الكبيرة تختلف فقط في الأيام الأخيرة.

حكايات ما قبل النوم

في تلك الأيام الأخيرة أتحدث مع اللاعبين بأقل قدر ممكن. لماذا أفعل هذا؟ هذا جزء من استراتيجيتي لعدم اصابة أي لاعب بالتوتر لأنه حينها لا يكون مستعدا لسماع أي شيء. كل ما تقوله ومقاطع الفيديو التي تعرضها لا يهضمها. لم يعد قادرا على تلقي المعلومات التي ترغب في ايصالها. رأسه في مكان آخر. ينظر إليك ويفكر في كيف سيحتفل اذا ما سجل وفي أن هذه فرصة حياته. ذلك الضجيج الذي تصنعه حوله لن يتغلغل داخل رأسه.

أهم شيء قبل المباريات الكبرى هو المحاضرة الليلية التي تسبق اللقاء. حينها أتعامل مع اللاعبين كما لو كانوا أبنائي. أفضل وقت للتحدث مع الأطفال هو ليلا قبل أن يذهبوا لفراشهم. حينها يصلون في حالة هدوء واسترخاء ويقصون عليك ما فعلوه طوال اليوم وكل ما خزنه ذهنهم. مع اللاعبين الأمر لا يختلف كثيرا.

اللحظة المثالية للتحدث معهم تكون بداية من الحادية عشر تقريبا. أبدأ مع الجهاز الفني تقريبا في هذه الساعة زيارة كل فرد منهم في غرفته والتحدث معه. يستغرق الأمر حوالي ساعتين نتحدث فيهما مع كل لاعب بشكل منفرد وننقل لهم ما نريده من كل واحد منهم في مباراة الغد. لا تتعلق الكلمات فقط بالواجبات التكتيكية بل الشخصية. في تلك اللحظة هم أكثر قبولا لتلقي كل ما هو مفيد. حينها يمكنهم هضم كل ما يسمعوه بشكل طبيعي.

هذا هو ما فعلناه قبل ما مباراة تشيلسي وبدأت حينها بكورتوا. تلك الأحاديث الشخصية نقول فيها لكل لاعب ما الذي ننتظره منه وننقل له كل ما يجعله يشعر بأهميته ويعي أهمية التحدي الذي يواجهه غدا، بداية كانسان وثانية كلاعب كرة قدم. إنها لحظة هدنة مشتركة: الجهاز الفني يتحدث ويسمتع اللاعب اليه. يكون حينها أشبه بالقلب المفتوح لتضخ عبره كل ما يرغب في أن ينفذه ذهنه وجسده غدا.

بعد تلك المحادثات الفردية تنام المجموعة وتبقى كل تلك الكلمات عالقة في أذهانهم ليظهروها في اليوم التالي على أرض الملعب حينما تأتي لحظة الحقيقة. بكل تأكيد شخصية كل لاعب تختلف ومعها يجب أن تتغير طريقة المعاملة والحوار في تلك اللقاءات الليلية. هناك أيضا لاعب يحتاج منك 10 دقائق فقط وأخر ضعف هذه المدة. عمل المدرب هو معرفة الوقت الذي يحتاجه كل واحد من رجاله وتوزيع أولوياته بالصورة المناسبة.

لا أقول أنني درست علم النفس، ولكنني أعتبر نفسي عالم بهذا الأمور بالفطرة وأيضا بالممارسة وأعرف ما الذي يجب أن أقدمه وأطلبه من كل عضو في المجموعة التي أشرف عليها وكيف أصل إليه عبر كلماتي ليخرج بمجهوده ما أصبو إليه بالضبط.

--

هذه كانت الحلقة الثانية من كتاب "تأثير سيميوني – استراتيجية التحفيز".

الكتاب هو سيرة ذاتية يحكيها سيميوني ويترجمها FilGoal.com للمهتمين برحلة التشولو الملهمة.

التعليقات
مقالات حرة
مقالات حرة