كتب : نصري عصمت | الثلاثاء، 27 مايو 2014 - 10:58

ماذا خسرت الكرة المصرية باعتزال جمعة ؟

لم تخسر الكرة المصرية مجرد أفضل مدافع عبر تاريخها الطويل فحسب بإعلان وائل جمعة اعتزاله يوم الاثنين، بل امتدت الخسارة لما هو أكبر.

لن أعدد البطولات التي فاز بها جمعة محليا، ولن أذكر إنجازاته القارية، ولن أوضح لماذا اعتبرته عام 2011 أهم من أبو تريكة وشيكابالا بعد دخوله نادي الـ100 مباراة دولية مع منتخب مصر، لأنني شرحت ذلك تفصيلا في مقال سابق عن مميزات "صخرة" الدفاع إقرأ المقال هنا

ولكن سأكتفي بتوضيح ميزة واحدة فقط امتلكها جمعة وافتقدها الكثيرون من أبناء جيله، وهي : الاحترافية.

جمعة لم يكن محترفا على الورق بمعنى أن كرة القدم وظيفة يتقاضى من ورائها أتعابا نتيجة تعاقد بينه وناديه، بل كان محترفا بمعنى ممارسته لمهنته كلاعب كرة بجدية والتزام وبثبات كبير في المستوى ولمدة تقترب من 12 عاما متصلة.

أي متابع لأحوال الكرة المصرية سيكتشف إنها بيئة فاسدة للغاية لمعظم اللاعبين لأسباب يمكن تلخيصها في غياب الإدارة المحترفة، وحصول اللاعبين على أموال طائلة كمقابل لممارستهم كرة القدم على الرغم من عدم قدرة الأندية المصرية على خلق مصادر للدخل في بلد موارده محدودة، بالإضافة لإعلام فاقد للمهنية يمنح أي لاعب لقب "نجم النجوم" لمجرد موافقته على إجراء مداخلة هاتفية ببرنامج تلفزيوني.

هذه التغييرات يكون لها دوما التأثير المدمر على حياة اللاعب المصري الرياضية والشخصية، والأمثلة كثيرة وأنتم تحفظونها عن ظهر قلب.

ولهذه الأسباب يفضل اللاعب المصري عدم الاحتراف خارجيا وعندما ينخرط في اللعب لنادي محلي لا يستطيع الحفاظ على مستواه بسبب المال والشهرة ومشاكل التعاقدات والخلافات أو حتى الحياة الشخصية، خصوصا أن اللاعب يحتفظ بلقب "نجم النجوم" في الإعلام أو الشارع أو في الكافيه ..وأحيانا في أقسام الشرطة.

ولذلك يبقى تألق جمعة واحتفاظه بمستواه في هذه البيئة ولهذه الفترة الزمنية إنجازا بكل المقاييس .. كل ذلك بخلاف عدم تأخره عن أي استدعاء لصفوف منتخب مصر في عصره الذهبي أو عصره الخشبي.

كنا نشاهد جمعة مع الأهلي في أفضل مواسمه وفي أسوأها وكلنا ثقة أن "صخرة الدفاع" سيبذل كل ما في وسعه لإيقاف المنافسين بالاستحواذ أحيانا وبالعنف والانقضاض في أحيان أخرى .. يمكنك دوما الاسترخاء في مقعدك الوثير امام الشاشة واثقا أن جمعة سيقوم بواجبه على أكمل وجه، وسيتعامل مع مشاكله بنفسه.

يرتكب جمعة أخطاء من وقت لأخر كأي مدافع في العالم وربما يتسبب في هدف أو ركلة جزاء ولكنك تعلم بقناعة كبرى أن الخطأ يحدث بسبب إفراطه في الحماس أو توتره الزائد، وليس بسبب الاسترخاء أو لانشغاله بتجديد تعاقده أو انسجامه مع صديقة جديدة تعرف عليها من معجبات "نجم النجوم".

غالبية المباريات التي شارك فيها جمعة خلال مسيرته كان لقب أفضل لاعب يذهب إلى تريكة أو أحمد حسن أو الحضري أو بركات لكنك تعرف أيضا أن الصخرة سيكون غالبا من بين أفضل ثلاثة لاعبين في الملعب .. ويتكرر حدوث ذلك باستمرار، وهذا هو ثبات المستوى والجدية وبالتالي : الاحترافية.

وتتضاعف قيمة احترافية جمعة الذي يلعب في أحد أكثر المراكز المكروهة في عالم كرة القدم (قلب الدفاع)، عندما نتذكر أن الاحترافية في حد ذاتها باتت قيمة غائبة عن المجتمع المصري بأكمله وليس في عالم الكرة فقط.

باختصار .. جمعة هو ذلك الطبيب الذي يعالج أفراد أسرتك منذ كنت طفلا بكفاءة وأمانة ودون استغلالك ماديا .. وهو المدرس الذي يشرح لك الدروس بإخلاص في فصلك المدرسي .. وهو سائق الأجرة الذي يقبل توصيلك مهما كانت صعوبة مشوارك بابتسامة صافية .. وهو العامل الحرفي الذي يلتزم بتسليمك أثاث منزلك في الوقت المتفق عليه .. وجميعهم يؤدون أعمالهم بكفاءة كبيرة ليس طمعا في مزيد من المال بل لإيمانهم أن هذا هو واجبهم تجاه مهنتهم قبل أي شيء.

متى كانت أخر مرة التقيت فيها بأحد النماذج السابقة؟ .. جمعة كان واحدا من هؤلاء ولكن داخل المستطيل الأخضر.

شكرا وائل جمعة .. وبالتوفيق في مرحلة ما بعد الاعتزال.

ناقشوني على تويتر @nasry

مقالات أخرى للكاتب
التعليقات