حكاية جيل زامبيا الذي لم يمنعه الموت من صنع التاريخ.. وقصة مصرية مشابهة

الأربعاء، 03 مايو 2017 - 10:52

كتب : أحمد العريان

كالوشا بواليا أمام مقابر زملائه من منتخب زامبيا في الطائرة المنكوبة

الملايين في الشوارع يبكون بحرقة.. الألاف يتسابقون على شراء الصحف فنفدت فور صدورها.

العشرات يشتركون في قراءة الصحيفة الواحدة بعد أن نفدت الكمية، أما الرئيس فقد قطع زيارته الرسمية لبوروندي وعاد للبلاد..

سكون تام يعم البلاد.. ورئيس الجمهورية يعلن الحداد الرسمي لأسبوع كامل بعد أن تأكد الخبر.. تحطم طائرة المنتخب الوطني.

تعود القصة لعام 1993، وتحديدا إلى يوم 27 من شهر أبريل، وما حدث أن الجيل الأقوى في تاريخ منتخب زامبيا كان بطريقه إلى السنغال لخوض المباراة الأولى في المرحلة الأخيرة من تصفيات قارة إفريقيا لنهائيات كأس العالم 1994 بأمريكا.

قد تظن أنها أحد المنتخبات الضعيفة، لكن التاريخ يقول غير ذلك.. منتخب زامبيا تأسس عام 1929 أي قبل منتخبات بحجم غانا ونيجيريا والكاميرون.

صحيح أن تتويج زامبيا الأول بأمم إفريقيا كان في 2012 لكنه خسر النهائي مرتين سابقتين.

في بداية التسعينات امتلكت زامبيا أقوى أجيالها تاريخيا، بداية من الحارس دافيد شابالا -أكثر اللاعبين خوضا للمباريات الدولية في تاريخهم بـ 115 مباراة- وصولا إلى المهاجم الأشهر في تاريخ زامبيا كالوشا بواليا.

ومن خلفهم مدربهم الصاعد، والهداف التاريخي للتشيبولوبولو لاعبا جودفري شيتالو والذي أحرز معهم 79 هدفا.

كل هؤلاء لم يمهلهم القدر الفرصة لاستكمال الحلم، فكان الموت مصيرهم باستثناء كالوشا بواليا الذي استكمل بمن تبقى معه من المنتخب، قصة هذا الجيل.

مجلة "الأهرام الرياضي" في عددها الأسبوعي الصادر في 5 مايو 1993 بعد الحادثة بأسبوع، أعدت تحقيقا كتبه الثنائي مصطفى عبد الله وأكرم يوسف عن الحادثة، شرحت فيه أسبابها وتبعاتها، واستعرضت حادثا مشابها تعرضت له الرياضة المصرية.

في الدور الأول من تصفيات كأس العالم 1994 وقعت زامبيا رفقة مدغشقر ونامبيا في المجموعة الثامنة.

منتخب الرصاصات النحاسية تصدر المجموعة وتأهل للدور الثاني، حيث وقع في مجموعة أخرى تضم المغرب والسنغال.. فسيتأهل صاحب المركز الأول مباشرة لكأس العالم.

يقول تحقيق "الأهرام الرياضي" أن منتخب زامبيا استقل تلك الطائرة منذ مباراته الأولى في التصفيات أمام مدغشقر، وبسبب تفائلهم بها قرروا عدم تغييرها إلى النهاية.

الطائرة كانت مروحية قديمة من طراز "بافاللو تي سي 15" صناعة كندية من فترة الستينيات عفا عليها الزمن، أي أنها لا تصلح لعبور المحيطات.

طائرة حربية تابعة لسلاح الطيران الزامبي، ولم تكن مجهزة بمراكب مطاطية للطوارئ، تتسع لثلاثين راكبا ماتوا جميعا في الحادثة.

انطلقت الطائرة من زامبيا إلى جنوب إفريقيا، ومن هناك إلى السنغال، لكنهم لم يستمروا في الجو سوى لدقائق، قبل أن تدوي صافرات الإنذار ويخبرهم طاقم الطيران أنهم مضطرون للهبوط اضطراريا في الجابون.

الهبوط الاضطراري لم يحدث على كل حال، فالموت كان أسرع وأقرب، احترق المحرك وانفجرت الطائرة، ولم يتبق منها سوى أطلال تحمل نهاية الجيل الأقوى بتاريخ زامبيا الكروي.

الطيار كان يملك فرصة لإنقاذ الطائرة إذا هبط سريعا على الماء بما أن الطائرة لها القدرة على البقاء على سطح الماء لفترة تمكن الجميع مع الهروب، لكنه لم يفعل.

كان يمكن أيضا أن يشغل المحرك الاحتياطي بعد اشتعال المحرك الأساسي، لكنه أخطأ وأشعل المحرك المحترق بدلا من الاحتياطي، فكانت تلك هي نهاية أغلب هذا الجيل.

حين نذكر هذا الجيل –الأقوى بتاريخ زامبيا- فلا يسعنا سوى تذكر رباعية الزامبيين في شباك إيطاليا بأولمبياد سيول 1988.

هذا الجيل تعادل مع العراق بهدفين لكل فريق، فاز على إيطاليا بأربعة أهداف مقابل لا شئ في مفاجأة مدوية، ثم سحق جواتيمالا بنفس النتيجة، لكنهم ودعوا البطولة في ربع النهائي أمام ألمانيا الغربية برباعية.

بعد 5 سنوات من أولمبياد سيول، كانت زامبيا من المرشحين الأقوياء للوصول إلى كأس العالم.. حتى أتت الفاجعة ومات 18 لاعبا من المنتخب، بالإضافة إلى الجهاز الفني وبعض الصحفيين المرافقين للبعثة.

الحكاية لم تتوقف هنا، فمنتخب زامبيا لملم نفسه سريعا واستمر في المنافسة.

لحسن الحظ رمبا، أن كالوشا بواليا نجم الفريق الأول لم يكن ضمن ركاب الطائرة، والسبب أنه يلعب في أوروبا مع نادي بي أس في أيندهوفين وقتها، ولذلك كان يفترض أن يلحق بالفريق إلى السنغال مباشرة لخوض المباراة الأولى في التصفيات النهائية.

بواليا لم يكن الناجي الوحيد، جونسون بواليا أيضا الذي كان يلعب في نادي فريبورج السويسري نجا من الموت، وهما معا سويا قادا الفريق بعد ذلك.

مع هذا الثنائي تواجد أيضا كينيث ماليتولي نجم الترجي التونسي وشيكابالا –اللاعب الذي سمي شيكابالا الزمالك على اسمه- لاعب ماريتيمو البرتغالي.

رغم وفاة 18 لاعبا يمثلون قوام منتخب زامبيا الأساسي إلا أن التحقيق توقع ألا تكون تلك هي نهاية هذا الجيل، وأن يستمر كأحد أقوى المنتخبات الإفريقية، وهذا تماما ما حدث بعد ذلك.

في تصفيات كأس العالم بدأت زامبيا المشوار بالفوز على المغرب بهدفي الأخوين كالوشا وجونسون بواليا مقابل هدف رشيد الداودي.

بالمباراة الثانية كان التعادل السلبي مع السنغال في داكار، قبل أن يسحقوهم في لوساكا برباعية بيجي مباسيلا، إيليجاه ليتاتا، كينيث ماليتولي وكالوشا بواليا.

وفي المباراة الأخير أمام المغرب في الرباط كان الحسم، من يفوز سيصل إلى نهائيات كأس العالم.

المغرب انتصرت في تلك المباراة، لكن بشق الأنفس.. هدف واحد أحرزه عبد السلام لغريسي برأسية قتلت أمل الشعب الزامبي في استكمال حلم ضحايا الطائرة المنكوبة.

ورغم الهزيمة المخيبة للأمال، لم يستسلم المنتخب الزامبي أيضا، وحاول جاهدا المنافسة على لقب كأس الأمم الإفريقية 1994 في تونس.

المنتخب الزامبي عبر الدور الأول بعد أن تصدر مجموعته على حساب كوت ديفوار وسيراليون.

في ربع النهائي قابلوا المنتخب السنغالي، وهنا كرروا الفوز على الأسود بهدف ساكالا، ليتأهلوا لنصف النهائي.

في النصف النهائي تناوب ليتانا، سايلتي، كالوشا بواليا وماليتولي على إحراز رباعية في شباك مالي التي كانت قد أقصت مصر في ربع النهائي، ليتأهل منتخب زامبيا إلى نهائي أمم إفريقيا بعد 10 أشهر فقط من فقدان 18 لاعبا من قوامهم الأساسي.

المباراة النهائية كانت أمام نيجيريا، ونيجيريا في التسعينات كانت قوة كبرى في كرة القدم.

البداية كانت زامبية، وفي الدقيقة الثالثة يحرز ليتانا هدف التقدم، ويبدو أن حلم اللقب الأول اقترب من التحقق.

نيجيريا لم تصبر طويلا، وفي الدقيقة الخامسة أدرك إيمانويل أمونيكي نجم الزمالك وقتها هدف التعادل.

وفي الدقيقة الـ 47 عاد أمونيكي وأضاف الهدف الثاني للنسور الخضر.

هدف أمونيكي الثاني كان كفيلا لقتل أخر أحلام الزامبيين مع هذا الجيل الذي كافح لتخليد ذكرى زملائهم ممن شاءت الأقدار عدم استكمالهم لمسيرة الإنجازات، لكنهم دائما ما فشلوا بالمحطات الأخيرة.

إلى هنا انتهت قصة جيل زامبي سيظل عالقا في تاريخ عشاق كرة القدم، لكن تحقيق "الأهرام الرياضي" لم ينته بعد.

التحقيق تطرق لحادثة مصرية مشابهة، ربما أن البعض لا يعرف عنها.

تعود القصة ليوم 14 أغسطس من عام 1958، حيث كان منتخب مصر في سلاح الشيش بطريقه لخوض بطولة العالم في أمريكا.

خط سير البعثة كان التحرك نحو لندن، ومنها إلى أيرلندا ثم يستقلون الطائرة نحو أمريكا حيث تقام البطولة.

الفريق المصري استقل الطائرة، غادر مطار شافون في أيرلندا، لكنهم لم يصلوا إلى أمريكا بعد أن انقطع الاتصال اللاسلكي بين الطائرة والمطار ليظن مراقبين الملاحة أن البقع الشمسية هي السبب في ذلك.

وبعد ساعات من الاختفاء، أرسلت البحرية البريطانية قواتها للبحث عن الطائرة، فما وجدوا إلى جثث الضحايا طائفة على سطح الماء، وبجانبهم عجل الطائرة وقطع من الأخشاب.

لم يكن هذا المنتخب المصري ضعيفا أبدا، فقد كان يمثل القوة الثالثة عالميا في اللعبة بعد فرنسا وإيطاليا منذ أواخر الأربعينات وحتى سقوط الطائرة في أوائل الخمسينات.

وهكذا أيضا كان ترتيبهم في بطولة العالم التي جرت في القاهرة عام 1949، فرنسا في المركز الأول، إيطاليا ثانيا ثم مصر ثالثا.

أعضاء هذا المنتخب كانوا سبعة، عبد المنعم الحسيني (26 عاما) وعمل كملازم أول في الجيش المصري، حسن رشاد (26 عاما) وعمل كمهندس بالقوات المسلحة، مصطفى زيان (24 عاما) وعمل كموظف بالمجلس الأعلى، بالإضافة لكونه طالبا بالعام الثالث من كلية التجارة جامعة الإسكندرية.

معهم أيضا أحمد صبري (24 عاما) وكان موظفا بشركة النيل للتوريدات، محمد علي رياض (24 عاما) وكان دكتورا في العلوم وتزوج قبل الحادثة بثمانية أشهر فقط، فتحي الأشقر (21 عاما) وهو أصغر الضحايا سنا، وكان طالبا بكلية الزراعة، وأخيرا عثمان عبد الحفيظ (39 عاما) وقد كان أكبر أعضاء الفريق سنا، وكان يعمل مستشارا بمجلس الدولة، وكان يسافر مع الفريق لأول مرة كرئيس للجهاز الإداري بعد أن اعتزل اللعب حديثا.

هؤلاء توفوا ولم يلعبوا بطولة العالم، وظلت لعبة الشيش غائبة كثيرا عن الأنظار في مصر بعدها، إلى أن ظهر علاء أبو القاسم، والذي حصل على فضية أولمبياد لندن 2012 في أكبر إنجازات لعبة الشيش في مصر عبر التاريخ.

التعليقات