في واحد من أشهر مشاهد السينما المصرية، يدخل «اللمبي» وسط الكلام بوش مكشر، متعصب وجاهز للخناقة. يسأله صهره «في إيه؟» فيرد بانفجار«اللي حاصل إن دي ليلة سودا عليك وعلى أمك وأبوك وأختك!»
فترد الأخت بصدمة «وأنا مالي يا لمبي؟ »… وينتهي المشهد بخناقة كبيرة وطلاق في يوم الفرح نفسه.
المشهد ده اتكرر حرفيًا، بس بنسخة كروية، مع جماهير الكرة المصرية، لما اشتعل الخلاف بين حلمي طولان و-حسام حسن-، بعد ما تم تكليف طولان بقيادة منتخب مصر (ب) في كأس العرب في قطر مطلع الشهر الحالي.
طولان، بسبب خلاف قديم وحساسية ممتدة مع حسام حسن، قرر إنه مش هيتعامل معاه، ومش هياخد أي لاعب ممكن حسام يعتمد عليه في المنتخب الأول. وفي المقابل، حسام حسن ما حاولش يهدّي الأمور أو يلاقي حل، بل زوّد التعقيد أكتر، وبدأ يضم أي لاعب كان ممكن طولان يستفيد بيه، وكأن المعركة شخصية مش فنية.
النتيجة؟
لاعبون خسروا فرصة ذهبية للظهور الدولي والتجربة، زي مصطفى شوبير، ولاعبين كانوا محتاجين دقائق لعب عشان يرجعوا فورمة بعد الإصابة زي إمام عاشور. وفي الآخر، الجماهير واقفة في النص، لا ليها ذنب ولا دور، وبتسأل نفس السؤال: «وأنا مالي يا لمبي؟».
لكن لأن الحظ نادرًا ما يبتسم لنا، وخصوصًا مع حسام حسن، جاءت فرصة ثانية لمنتخب مصر على طبق من ذهب.
ست نقاط محققة من أول مباراتين، صدارة المجموعة مضمونة، ولا أي ضغط حقيقي لتحقيق نتيجة إيجابية في المباراة القادمة، مهما كان السيناريو.
وهنا يطرح السؤال نفسه بقوة: هل تجربة لاعبين جدد أصبحت ضرورة؟ وماذا يمكن أن تضيف التبديلات الجيدة للمنتخب؟
الإجابة ليست رأيًا أو اجتهادًا، بل أرقام وتاريخ قريب لا يمكن تجاهله.
في آخر ثلاث بطولات كبرى توّج بها منتخب مصر، كان هناك دائمًا لاعب «ذرّي» خرج من دكة البدلاء وقلب الموازين. لاعب بدأ البطولة احتياطيًا، بلا ضجيج، ثم تحوّل تدريجيًا إلى عنصر أساسي أو ورقة رابحة أولى، يدخل المباراة وهو مضمون التأثير والجودة.
التاريخ يقول بوضوح:
البطولات لا تُحسم فقط بالـ11 الأساسي، بل تُصنع من الدكة الذكية والتبديل الشجاع في التوقيت الصحيح.
في 2006، لم يكن هناك عدد كبير من اللاعبين شاركوا كأساسيين في كل المباريات. على العكس، أغلب العناصر –خصوصًا في الخط الهجومي– خضعت لسياسة تدوير واضحة، وهو ما جعل أي لاعب يدخل
الملعب يشعر أن عليه تقديم 100%من طاقته لأنه لا أحد ضامن مكانه.
هذه الروح التنافسية انعكست إيجابيًا على الفريق كله، وكان حسام حسن نفسه أحد هؤلاء اللاعبين. وفي النهاية، منح هذا النهج أفضل نتيجة ممكنة للمنتخب… التتويج بالبطولة.
في 2008، بدأ محمد أبو تريكة البطولة من دكة البدلاء، لكن مباراة بعد أخرى فرض نفسه وانتزع مكانه في التشكيل الأساسي. وفي النهاية، كان هو صاحب اللمسة الخالدة، هدف سونج وزيدان الشهير، الذي منح مصر الفوز على عملاق القارة الكاميرون وحسم اللقب.
أما 2010، فلا أحد ينسى أشهر تبديل في تاريخ البطولة :محمد ناجي جدو. مجازفة تاريخية من حسن شحاتة عندما فضّله على ميدو، متحديًا رأي الشارع الكروي كله. الرهان نجح، وجدو سجّل، ومصر توّجت باللقب السابع في تاريخها والثالث على التوالي.
كل هذا التاريخ يختصر حقيقة واحدة لا تقبل الجدل:
الأقدام الجاهزة والدافئة على دكة البدلاء كانت دائمًا مفتاح البطولات، وليست مجرد حل اضطراري.
والآن، بعد كل ما سبق، يبقى السؤال المنطقي:
لو أنا مكان حسام حسن، أعمل إيه في المباراة الجاية؟
الإجابة ببساطة: أتعامل مع المباراة باعتبارها فرصة تقييم حقيقية مش مجرد 09 دقيقة لازم تعدّي بأقل الخسائر.
النتيجة محسومة، الضغط مش موجود، والتاريخ علّمنا إن البطولات الكبيرة دايمًا بيبقى وراها مدرب امتلك الشجاعة إنه يجرّب في الوقت الصح.
يعني المطلوب مش تغييرات عشوائية، ولا ثورة كاملة في التشكيل، لكن تجربة محسوبة:
· تثبيت العناصر اللي أخيرًا لقت نفسها واستعادت الثقة.
· فتح الباب قدام لاعبين محتاجين فرصة فعلية في ظروف لعب طبيعية.
· استخدام المباراة لاكتشاف “ورقة رابحة” ممكن تبقى سلاح حاسم قدّام.
لو حسام حسن دخل المباراة بالعقلية دي، هيكسب أكتر بكتير من مجرد نتيجة، هيكسب خيارات، وبدائل، وحلول… والأهم، هيكسب منتخب عنده دكة تقدر تكمّل المشوار، مش مجرد 11 لاعب أساسي. أولًا: محمد الشناوي خط أحمر
أولًا وقبل أي شيء، لا… ثم لا… ثم لا لتغيير محمد الشناوي.
قد يبدو هذا الكلام متناقضًا مع فكرة التجربة التي بُني عليها المقال من بدايته، لكن الحقيقة تفرض نفسها: الشناوي أخيرًا استعاد إيقاعه، واسترجع ثقته في نفسه، والأهم أنه أعاد ثقة الجماهير فيه، وذلك بعد مباراة جنوب أفريقيا.
تغيير الحارس في هذا التوقيت تحديدًا سيكون قرارًا عكسيًا. الشناوي الآن “ساخن”، في حالة ذهنية وفنية جيدة، وأي إبعاد له قد يعيده خطوة للخلف بدلًا من البناء على ما وصل إليه.
الحل الأبسط والأذكى هو الإبقاء عليه، منحه دقائق أكثر، وتركه يستمر في هذا النسق، لأن الاستمرارية هنا ستزيده ثقة، وتنعكس إيجابًا على الخط الخلفي كله
ثانيًا: معضلة الظهير الأيمن
هل نعتمد على محمد هاني وحده كظهير أيمن؟
وإذا كان هناك لاعب آخر في نفس المركز، فلماذا تم توظيف إمام عاشور كظهير أيمن في المباراة الماضية؟
ربما كان حسام حسن قلقًا من أن البديل لن يتحمل ضغط هجوم جنوب أفريقيا، وهذا مفهوم في مباراة صعبة. لكن الآن؟
الضغط اختفى، والفرصة مثالية لتجربة الظهير الثاني دون أي حسابات، ومعرفة قدرته الحقيقية في ظروف طبيعية بدل الحكم عليه نظريًا.
ثالثًا: مُدمّر واحد يكفي
حان الوقت لتجربة اللعب بمحور ارتكاز دفاعي واحد فقط، سواء كان حمدي فتحي أو مروان عطية، مع الدفع بمحورين أكثر ميلًا للهجوم.
هذا التوازن قد يساعد المنتخب على استعادة الكرة بشكل أسرع، وزيادة الاستحواذ، والتحول الهجومي بكثافة أعلى بدل الاعتماد المبالغ فيه على التأمين الدفاعي.
رابعًا: تجربة زيزو بدل صلاح لماذا لا نحصل على تجربة مختلفة؟
منح محمد صلاح قسطًا من الراحة، وتجربة أحمد سيد زيزو في مركزه الطبيعي كجناح أيمن.
هذه التجربة قد تكشف لنا ما إذا كان زيزو قادرًا على لعب دور الركيزة الهجومية الأساسية، وليس مجرد بديل، وتمنح الجهاز الفني خيارًا إضافيًا مهمًا في المباريات الكبيرة.
خامسًا: ثنائي دفاعي جديد
جرّبنا حسام عبد المجيد بجوار ياسر إبراهيم، ولم يكن هذا الثنائي هو الأفضل أو الأكثر انسجامًا. كما أن المقارنة بين ثنائي رامي ربيعة – ياسر إبراهيم في مباراة، والثنائي الآخر في مباراة مختلفة ليست عادلة أصلًا؛ لأن الظروف كانت متباينة تمامًا.
في مواجهة جنوب أفريقيا، لعب المنتخب معظم الوقت بأسلوب دفاعي بحت و«ركن الأتوبيس»، خصوصًا بعد حالة الطرد، وهو ما غيّر طبيعة أدوار المدافعين تمامًا وجعل التقييم الفني مضللًا.
وهنا تبرز فرصة منطقية للتجربة:
لماذا لا نرى حسام عبد المجيد بجوار محمد إسماعيل هذه المرة، في مباراة هجومية مفتوحة، يكون فيها الفريق صاحب المبادرة وليس تحت الضغط؟
تجربة هذا الثنائي في ظروف لعب مختلفة قد تعطينا قراءة أدق لقدراتهما في التغطية، وبناء اللعب من الخلف، والتعامل مع المساحات، بدل الحكم عليهما في سيناريو دفاعي استثنائي.
سادسًا وأخيرًا: سخّن الوحش
حان وقت تسخين الوحش الحقيقي.
امنح مصطفى محمد 90 دقيقة كاملة، بلا حسابات، وبلا خوف، وجربه بجوار أسامة فيصل.
قد لا تتكرر فرصة اللعب بمهاجمين صريحين مرة أخرى، لكن كما قلت من البداية :لماذا لا؟
لماذا لا نجرّب شيئًا جديدًا؟ النتيجة لا تضغط، والمجموعة محسومة، ولا يوجد ما نخسره. قد نكتشف ثنائيًا هجوميًا مختلفًا، أو على الأقل نعرف يقينًا ما الذي يمكن أن يقدمه كل لاعب في هذا السيناريو.
وفي النهاية، أعتقد أن حسام حسن قد لا يُقدم على أي تجربة حقيقية.
ليس لأنه لا يريد، بل لأنه غير مطمئن للدعم. غير واثق أن الخسارة – إن حدثت – ستُقابل بالمساندة من الإعلام أو إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم.
بل ربما يشعر أن هناك من ينتظر أي تعثر لإقالته وجلب اسم آخر، وهذا المناخ وحده كفيل بأن يدفع أي مدرب لاختيار الطريق الآمن… دائمًا.
لكن كرة القدم علمتنا درسًا لا يتغير: من لا يغامر، لا يستمتع… ومن لا يستمتع، لا يصنع بطولة.