أحمد العريان

ما بين صلاح وسلوت.. نتيجة اجتماع صائد الفرص مع المدير الجبان

على مدار 3 أيام، تابعت تصريحات محمد صلاح وصداها في إنجلترا والعالم، ثم تابعت رد مدربه آرني سلوت وبينهما زملاؤه حتى كوّنت رأيا ربما أعتبره عادلا ولا يتأثر بحبي الشخصي لصلاح أو اجتماعنا تحت علم واحد.
الثلاثاء، 09 ديسمبر 2025 - 01:39
صلاح × سلوت

على مدار 3 أيام، تابعت تصريحات محمد صلاح وصداها في إنجلترا والعالم، ثم تابعت رد مدربه آرني سلوت وبينهما زملاؤه حتى كوّنت رأيا ربما أعتبره عادلا ولا يتأثر بحبي الشخصي لصلاح أو اجتماعنا تحت علم واحد.

في عنواني كتبت "نتيجة اجتماع صائد الفرص مع المدير الجبان". بالتأكيد صائد الفرص هو محمد صلاح، وسلوت في رأيي هو المدير الجبان.

لا أخفي عليكم سرا، كان وصفي الأول لمحمد صلاح بـ "الجشع"، لكني رأيته مبالغة قليلا بالنظر إلى أن الجشع عادة يرتبط بأذى الآخرين، أما محمد صلاح فهو النموذج الأقرب لـ "صائد الفرص" الذي يملك طموحا جامحا في تحقيق المزيد بأي طريقة، لكن دون إيذاء الآخرين.

خرج محمد صلاح بتصريحاته النارية قائلا: "يبدو لي أن أحدهم لا يريدني هنا. من الواضح جدا أن أحدهم يريدني أن أتحمل كل اللوم، لقد قلت مرارا إن علاقتي بالمدرب جيدة، لكن فجأة لم تعد علاقتنا جيدة".

"في كرة القدم لا أحد يعلم ما سيحدث، لكنني لا أتقبل هذا الوضع. أشعر وكأن اللوم كله يُلقى علي فقط. لقد بذلت الكثير من أجل هذا النادي لكسب الاحترام. لا أقول إنني أفضل من أي شخص، لكنني اكتسبت الاحترام".

"بعد كل ما قدمته للنادي، الأمر يؤلمني حقا. يمكنكم تخيل ذلك. أعرف النادي جيدا، فأنا هنا منذ سنوات طويلة. غدا سيواصل جيمي كاريجار انتقاده لي مجددا، ولكن حسنا لا بأس".

صلاح انفجر بعد ثلاث مباريات فقط على مقاعد البدلاء لم تتحسن فيهم نتائج ليفربول، وقرر مجددا إلقاء الكرة في ملعب الجمهور، مراهنا على تاريخه كله مع النادي.

محمد صلاح - ليفربول

عودة بالزمن لتحليل الشخصيتين المتصادمتين..

نحن أمام شخصيتين متصادمتين الآن، محمد صلاح في جانب، وآرني سلوت على الجانب الآخر.

أهي المرة الأولى التي يختار فيها صلاح لحظة ضعف منافسه ليصطاد فرصة نجاح؟ يبدو لي لا، فصلاح الذي يستغل لحظات ضعف منافسيه استغلالا محمودا لتسجيل الأهداف، هو نفسه من اختار معاداة اتحاد الكرة المصري في 2018 -وفي لحظة تنصيبه ملكا للكرة المصرية بعد إعادة الفراعنة للمونديال كاسرا صياما استمر 28 عاما- بحثا عن حقوقه التسويقية بسبب استخدام صورته على طائرة المنتخب المسافر للمشاركة في كأس العالم.

هو نفس الشخص الذي اختار وضع إدارة ليفربول في "خانة اليك" أمام الجمهور مستغلا تألقه وبحثا عما يريد لتجديد تعاقده مع النادي منذ أشهر قليلة.

في هاتين الحالتين وحالات أخرى، بدا كالملاكم الذي يظهر ساكنا يتفادى الضربات، ثم ينقض ويسدد لكمته القاضية فيحسم النزال لصالحه.

محمد صلاح ضد مانشستر سيتي مع أرني سلوت

أما هذه المرة، فربما هو النزال الأخطر لمحمد صلاح، فتوقيت تسديده للكمة ليس استنادا إلى لحظة قوته كما العادة، ولكن مراهنا على ضعف منافسه سلوت الذي يعاني انهيار النتائج. لكن احذر يا ملك، فهذه المرة وجهك مكشوف، وإن تفادى سلوت اللكمة فربما يسدد هو القاضية.

وهنا علينا أن نسأل: هل أحب صلاح وسلوت بعضهما؟ أم تلاقت شخصيتاهما تلاقيا مؤقتا، وكان الصدام بينهما حتميا حتى لو مؤجلا؟

قبل شهور قليلة، امتدح محمد صلاح مدربه بشدة، بل وفضله على يورجن كلوب نفسه الذي صنع الجزء الأكبر من تاريخ الملك المصري في ليفربول.

في الصيف صرح صلاح قائلا: "طريقة اللعب مختلفة بين كلوب وسلوت، ولكل منهما أسلوبه. أتحدث مع سلوت أكثر وأشعر بالراحة أكثر معه في مسألة التواصل. مع كلوب لم يكن هناك الكثير من الكلام".

محمد صلاح - أرني سلوت

بدا محمد صلاح أكثر سعادة تحت قيادة آرني سلوت عنه مع كلوب، وانعكس ذلك على مستواه الخارق بالموسم الماضي، فصلاح ببساطة ساهم في 55% من أهداف ليفربول في الدوري بالموسم المنقضي، أي أكثر من نصف عدد أهداف الفريق، وبالتالي فلا شك أنه السبب الأهم في تتويج الحمر بلقب الدوري العشرين.

آرني سلوت أعفى محمد صلاح من أي واجبات دفاعية، وكلفه فقط بما يشتهيه في تمزيق شباك المنافسين، ولا عجب في أن يفكر مدرب في ذلك مع نجم جلب له الانتصار تلو الآخر، فكان طبيعيا أيضا أن يراه صلاح أفضل من كلوب الذي طالما دافع عن صلاح نفسه ضد الجميع، خاصة إن صلاح فضل سلوت دون مهاجمة كلوب أو التقليل منه.

هذه شخصية محمد صلاح في رأيي، لكن بالزاوية الأخرى من النزال يوجد شخص آخر علينا تحليل شخصيته، وهذا الشخص هو "المدير الجبان" آرني سلوت.

أرني سلوت - ليفربول

إن كان يورجن كلوب قليل الكلام مع لاعبيه على حد وصف محمد صلاح، فهو أيضا من يفضلهم حتى على نفسه في أي صراع، ربما ظهر ذلك جليا حين دخل صلاح نفسه في مشادة مع كلوب بآخر مواسمه بسبب جلوسه بديلا ضد وست هام.

لم يهاجمه كلوب وقتها، ولكنه امتص غضبه ولم يظهره للعلن، أما سلوت فليس هذا الشخص، سواء مع صلاح أو غيره.

آرني سلوت نموذج لـ "المدير الجبان" الذي يضحي بمرؤوسيه ولا يشغله سوى الحفاظ على كرسيه.

الهولندي الذي ضحى بمواطنه جرافينبرخ بعد أول هزيمة في الموسم ضد كريستال بالاس وصرح: "أحد لاعبينا قرر التقدم للهجوم بحثا عن هجمة مرتدة، رغم أن الوقت كان قد انتهى وكان المطلوب فقط هو الدفاع. ربما كنا هجوميين أكثر من اللازم، أو بالأحرى لاعب واحد كان كذلك، وهذا ما كلفنا الهدف وخسارة المباراة".

هو نفسه من باع هوجو إكيتيكي سريعا بعد الطرد ضد ساوثامبتون وقال: "تصرف إكيتيكي كان غبيا. لقد أخبرته أنه عندما تسجل هدفا في نهائي دوري الأبطال بعد مراوغة ثلاثة لاعبين وتركنها في الزاوية ربما سأفهم احتفاليتك وخلع القميص".

والذي اشترى ميلوش كيركيش في الصيف، ثم استبدله في الدقيقة 59 بأول مباراة بسبب حصوله على إنذار، ثم استبدله مجددا في ضد بيرنلي بعد 38 دقيقة فقط، وهو الذي لم يكمل مباراته الخامسة بقميص النادي، فكانت النتيجة إفقاده الثقة وابتعاده عن مستواه، وهو الصفقة التي جلبها سلوت وضحى لأجلها بموقع أندي روبرتسون -أحد قادة الفريق- وتماما كما هو الحال مع جرافينبرخ الذي كان أحد نجوم التتويج بالدوري العشرين.

وسلوت نفسه الذي خسر جاريل كوانساه في أول مباراة كمدرب للفريق بالموسم المنقضي. كوانساه قبل سلوت قدم نفسه كمدافع واعد في الكرة الإنجليزية، لكنه في أول مباراة مع سلوت خرج مستبدلا بعد 45 دقيقة فقط، ولم يكتف سلوت بذلك فصرح عقب اللقاء: "أخرجت كوانساه لأنه خسر جميع الالتحامات". وكانت النتيجة الطبيعية هي فقدان اليافع صاحب الـ21 عاما الثقة تماما وخسارة ليفربول لمدافعه بنهاية الموسم منتقلا إلى باير ليفركوزن.

سلوت تراجع وحاول تجميل تصريحاته فيما بعد وعللها بـ "سوء الفهم بسبب اللغة، وأنه كان يقصد فقط أن اللاعب خسر بعض الالتحامات وذلك ضمن تقييمه للفريق بشكل جماعي، وليس كوانساه فقط"، لكن جاريل لم يستعد ثقته أبدا.

هارفي إليوت - ليفربول

هل تذكرون هارفي إيليوت؟ موهبة ليفربول الصاعدة التي شاركت بديلا كثيرا في المواسم السابقة وتركت بصمتها في كل مرة؟ لم ننس أيضا تصريحات سلوت حول لاعبه في الموسم الماضي وقتما كان الفريق يحقق الانتصارات، لكن سلوت اختار الرد على سؤاله حول إن كان يتواصل مع إيليوت أو يشرح له دوره في الفريق قائلا باقتضاب: "لا".

إن كانت تلك الأمثلة ليست كافية، فيوجد مثال آخر. فيديريكو كييزا كان نجما في يوفنتوس قبل قدومه، لكنه قضى الموسم المنقضي معزولا على دكة البدلاء حتى بعد ضمان لقب الدوري.

وفي هذا الموسم أثبت كييزا نفسه في كل مرة شارك فيها، لكنه لم ينل ثقة سلوت في البدء كأساسي أبدا، حتى إن الإيطالي قليل الكلام صرح وقال: "أتمنى أن يكون المدرب يرى ما أقدمه في كل مرة أشارك فيها".

كل الأمثلة السابقة تعكس فكرة مغايرة لما صرح به صلاح في الصيف، فكلها تقول إن سلوت لا يجيد التحدث مع لاعبيه أبدا، وليس "أسهل في التواصل عن كلوب" كما قال صلاح.

نعم، سلوت فاشل في التعامل مع لاعبيه نفسيا، لا يولي أهمية للحديث مع لاعب إن كان لن يستفيد منه آنيا، وبالتالي كانت مشكلة لن يشعر بها صلاح في وضعيته بالموسم الماضي، بل سيعاني منها الأمرين هذا الموسم.

سلوت مثال لـ "المدير الجبان". سيدللك إن كنت سببا في نجاحه وإشادة من هم أعلى منه -الجمهور والإدارة- به، وسيكون أول من يضحي بك إن تراجع مستواك حفاظا على كرسيه، وسيعتزلك تماما كما فعل مع كوانساه وإيليوت وداروين نونيز، والآن مع صلاح دون أن يجرؤ على مواجهتك.

محمد صلاح ضد مانشستر سيتي مع أرني سلوت

وبعد تحليل الشخصيتين، فعلينا أن نسأل الأسئلة المهمة ونجيبها.

هل تصرف صلاح كان صحيحا في وضعية ليفربول الحالية؟

محمد صلاح هو النموذج الذي صدّر نفسه بأنه "صاحب العقلية الاحترافية"، وليس في تعريف الاحتراف ما يشير إلى "تصدير المشاكل الداخلية للعلن"، لكن أليست هذه أيضا شخصية سلوت التي طالما اختارت مهاجمة لاعبيه في العلن عن احتوائهم في الغرف المغلقة؟

متى يمكننا اعتبار محمد صلاح منتصرا في معركته؟

جدد صلاح تعاقده مع ليفربول إلى نهاية الموسم المقبل قبل عدة أشهر وبالشروط التي وضعها هو، فانتصر في معركة تصدير أزمة تجديده مع الإدارة للجمهور مستغلا تألقه في تلك الفترة.

أما هذه المرة، فسيكون انتصار محمد صلاح مرهونا بعودته للمشاركة مع ليفربول وعودته للتألق.

وعودة صلاح للمشاركة تبدو غير منطقية أو قابلة للتحقق، إذ فَرَهان صلاح الآن على خسارة سلوت دعم الجمهور والإدارة مع استمرار الهزائم، وبالتالي رحيله عن مقعده وقدوم مدرب جديد.

سيكون صلاح في تلك الفترة رفقة منتخب مصر يدافع عن راية بلاده في كأس أمم إفريقيا، فإذا استطاع سلوت إعادة دفة فريقه إلى الطريق الصحيح وإعادة الانتصارات، سينسى الجمهور إنجازات صلاح سريعا ويركز في دعم فريقه، وسينتصر سلوت.

محمد صلاح وأرني سلوت

أما إذا توالت الهزائم كما هو الحال حتى مع غياب صلاح حاليا، فستكون الكرة في ملعب إدارة النادي؛ فإما أن تضحي بسلوت وتأتي بمدرب جديد يعيد صلاح إلى عائلة ليفربول، ويكون مصير الملك المصري حينها في يده، أو أن تقرر الإبقاء على سلوت.

ومع بقاء سلوت، سيكون مصير صلاح في يد سلوت، سواء بالموافقة على بيعه والتخلص من راتبه الكبير دون استفادة منه لأنه سيستمر في موقفه بعدم إشراكه، أو سيعود سلوت لشخصية "المدير الجبان" ويمد يد السلام لصلاح لمصالحته، آملا أن ينقذه من موقفه كما فعل كثيرا في الموسم الماضي.

بالتأكيد لن يجعلنا كون محمد صلاح مصريا ورمزا لكرة بلادنا أن نبرر مهاجمته لمدربه في العلن، هذا التصرف الذي لن يتردد أي محلل في انتقاده إذا أقدم عليه لاعب في ناد مصري. ولكن كونه تصرفا خاطئا فلا يعني حتمية فشله في الوصول به لمبتغاه.

كريستيانو رونالدو أيضا لم تكن تصريحاته تجاه مانشستر يونايتد صحيحة، وكانت نتيجتها خروجه من إنجلترا إلى النصر في السعودية، لكن احتمالية تغير الأوضاع في ليفربول خلال فترة غياب صلاح في أمم إفريقيا تؤكد كذلك احتمالية نجاح صلاح في الوصول لمبتغاه مجددا حتى لو كانت الوسيلة ليست مثالية، وحينها سيكون صلاح قد نجح مجددا بطريقته الخاصة كـ "صائد للفرص".

ما علينا إلا الانتظار، والوقت كفيل بأن يوصلنا لحقيقة المنتصر في النزال، لكن النتيجة النهائية مهما كانت فلن تغير من حقيقة أفضلية المدير الصارم الذي يحمي موظفيه على المدير المتساهل الذي ستسعد لتساهله معك كثيرا، لكنك ستذوق الأمرين مع أول موقف تقف فيه مصلحته الشخصية ضد مصلحتك.

إن كان مورينيو اختار سابقا شعار "وحدنا ضد الجميع" ليجمع لاعبيه حوله ويحميهم مقابل تقبل النقد، فسلوت من نوعية المديرين التي تختار شعار "وحدي ضد الجميع" لحماية نفسه.