رفاهيات لا يملكها سواه.. لهذا لن يخسر بايرن ميونيخ الدوري أبدا

متى رأيت أحد الدوريات الخمس الكبرى يُحسم بـ 71 نقطة؟ بهذه البساطة حقا.. يقولون إن التاريخ لا يتذكر إلا النتائج، ولكن من عاش هذه التجربة سيروي في يوم ما عن موسم 2022-2023، حين حاول فريق بكل جهده أن يخسر الدوري، ففاز به.

كتب : أحمد أباظة

السبت، 27 مايو 2023 - 21:27
بايرن ميونيخ

متى رأيت أحد الدوريات الخمس الكبرى يُحسم بـ 71 نقطة؟ بهذه البساطة حقا.. يقولون إن التاريخ لا يتذكر إلا النتائج، ولكن من عاش هذه التجربة سيروي في يوم ما عن موسم 2022-2023، حين حاول فريق بكل جهده أن يخسر الدوري، ففاز به.

يحب الجماهير التغني بالقصص الصعبة، بل وأحيانا تضخيم بعض الصعوبات لإنتاج عبارات من نوعية: حارب الجميع وانتصر - انتصر رغم هذا وذاك.. ولكن اليوم، بايرن ميونيخ قد انتصر حقا رغم أنف الجميع، بما فيهم بايرن ميونيخ شخصيا.

هذا الحدث يبدو غريبا حتى في الدوري الألماني الشهير بضعف مستوى المنافسة به على المدى الطويل، والقصير أيضا، ففيموسم 2015-2016 مثلا، نقاط بايرن الحالية ما كانت لتصلح لأكثر من احتلال المركز الثالث، فالوصيف -دورتموند كالعادة- قد حصد 78 نقطة، بينما توج البافاري بـ 88.

حتى حين فاز دورتموند بالدوري آخر مرة في 2012، كان قد حصد 81 نقطة، ونال بايرن 73 نقطة، ما يعني أنه خسر الدوري بنقاط أعلى من التي فاز بها اليوم.

هذا أسوأ عدد من النقاط لبطل في البوندسليجا منذ 2009-2010، حين فاز بايرن باللقب بـ 70 نقطة، ووقتها كان دورتموند الخامس برصيد 57 نقطة، بينما الوصيف الذي جمع 65 نقطة، كان شالكه الذي هبط لتوه إلى الدرجة الثانية.

بايرن ميونيخ بطلا للدوري الألماني

لنجرب طريقة أخرى، بايرن ميونيخ فقد 31 نقطة في 34 مباراة خلال الموسم الحالي، ماذا عن أقرانه من متصدري وأبطال بقية الدوريات الخمس؟ باريس سان جيرمان أهدر 24 نقطة في 36 مباراة، ومانشستر سيتي خسر 22 نقطة في 37 مباراة، ونابولي فقد 22 نقطة في 36 مباراة، فيما أسقط برشلونة 23 نقطة في 36 مباراة، بينهما 6 نقاط بعد حسم لقب الليجا رسميا.

من منهم كان يملك رفاهية فقد نفس عدد النقاط التي أضاعها بايرن ميونيخ في عدد مباريات أقل؟ لنرى..

إذا فقد باريس نفس عدد نقاط بايرن المفقودة سيكون وراء لانس بنقطة، ولو فعلها مانشستر سيتي لكان الآن وراء أرسنال، ولو فقد برشلونة 9 نقاط إضافية لكان ريال مدريد الآن وراءه بفارق نقطتين فقط. نابولي هو الوحيد الذي كان يملك نفس الرفاهية في الموسم الحالي، فهذا هو الدوري الإيطالي، وتلك قصة أخرى.

الأمر لا يمكن اختزاله في بعض المباريات السيئة على أرض الملعب، فالضرر الخارجي كان أكبر حجما، فترك هانزي فليك يرحل لأجل المدير الرياضي حسن صالح حميديتش بعد الخلافات الشهيرة بين الثنائي كان شيئا لا يزال من الممكن تداركه رغم كل شيء، في النهاية تعاقد النادي مع يوليان ناجلزمان، مدرب شاب كان الألمع في ألمانيا، وكلنا نعرف جيدا المستقر المنطقي لكل ما يلمع في ألمانيا.. بايرن ميونيخ بالطبع.

كل شيء كان يمكن اجتيازه والتغاضي عنه، ملف الصفقات بالكامل ربما ما كان أحد ليحتاج إلى فتحه، ولكن لسبب ما لا يزال غير مفهوم مهما حاولت وسائل الإعلام تفسيره، قررت إدارة بايرن التنفيذية بقيادة الأسطورة أوليفر كان الشروع في مهزلة التوقف الدولي الشهيرة، وإقالة مدرب انتهى لتوه من تكبيل باريس سان جيرمان ويتأخر في جدول ترتيب الدوري بفارق نقطة واحدة قبل مواجهة مباشرة مع المتصدر، وقبل مواجهة مانشستر سيتي.

مؤتمر تقديم توماس توخيل

بكلمات أخرى، ارتكب بايرن ميونيخ كل ما يجعله يستحق خسارة الدوري، ولم يفز به سوى لأن بوروسيا دورتموند هو منافسه.

في احتفالات التتويج لا تسمع سوى الهتافات والصراخ، والأنباء لا تتناول سوى الأرقام والمكافآت والصفقات المحتملة، فهل سمعت بناد يقيل رئيسه التنفيذي ومديره الرياضي بعد قرابة 3 دقائق من رفع درع البوندسليجا؟

نعم، نجى توماس توخيل من هذه الفوضى وسيبدأ موسمه الجديد على أسس أكثر ثباتا، ونجت جماهير البافاري من شعور خسارة الدوري الذي لم يختبروه منذ 11 عاما، ونجى اللاعبون، ولكن لم يكن من الممكن أن ينجو أوليفر كان أو حسن صالح حميديتش.. لن تفلت أبدا بهذا الكم من الأخطاء في المستوى الأعلى، أنت لست جوسيب ماريا بارتوميو.

القاعدة واضحة، الفارق الاقتصادي والجماهيري المترتب عليه فارق الجودة في اللاعبين قد يظل كاسحا إلى يوم تقوم الساعة، وبالتالي لا يمكنك انتزاع مسابقة "نفَس طويل" مثل الدوري إلا إذا كان بايرن سيئا..

ولحسن حظ جماهيره، فإن هذا النادي ليس من النوع الذي يلهيه التتويج بلقب صار الفوز به اعتياديا للغاية وصارت خسارته بمثابة الكارثة، وبالتالي فقد بدأ فورا بتحويل المسار، والآن أخبرنا بسبب واحد يجعلك لا ترى بايرن ميونيخ في المستقبل يحتفل بالدوري العشرين.

ربما سيرتكب المزيد من الأخطاء.. ربما سيتهاون ويتهالك فريقه فيتقاعس عن ترميمه، ربما سيختار المدرب الخاطئ ويتأخر في تصحيح هذا القرار، ربما سيترك مدربه الأفضل يرحل تمسكا بالمدير الرياضي كما فعل، ولكن حينها سيمارس دورتموند الـ"دورتموند" ويتبرع بإعادة اللقب مرة أخرى إلى صاحبه الأزلي.