كأس العالم - كولينا.. التحكيم عن طريق الثقة فيك وليس لأنك الحكم

"يجب أن يتم قبولك في الملعب ليس لأنك الحكم ولكن لأن الناس يثقون بك".

كتب : محمد سمير

الجمعة، 04 نوفمبر 2022 - 13:14
كولينا - كأس العالم - رسمة أحمد نبيل

"يجب أن يتم قبولك في الملعب ليس لأنك الحكم ولكن لأن الناس يثقون بك".

هكذا جاء وصف بييرلويجي كولينا الحكم الإيطالي الشهير لسر نجاح الحكم من وجهة نظره والذي كان سببا في شهرته كحكم ثم في قرار الاعتزال.

وصف لم يمنع الصرامة التي اعتادها كولينا دائما في قراراته.

"الطريقة الوحيدة للتعامل مع المشاكل أن تكون صارما للغاية في معاقبة من يرتكب أخطاء" كولينا في تصريحات صحفية سابقة.

يعتبر بييرلويجي كولينا أحد أشهر حكام كرة القدم عبر التاريخ، إن لم يكن هو الأشهر على الإطلاق.

أدار كولينا نهائي كأس العالم 2002 بين البرازيل وألمانيا كما سبق له إدارة نهائي دوري أبطال أوروبا بين مانشستر يونايتد وبايرن ميونيخ وأيضا نهائي دورة الألعاب الأولمبية 1996 بين الأرجنتين ونيجيريا.

بزغ نجم كولينا في مهنة يدور حولها الكثير من الجدل واللغط، لكن ثقته وثقة من حوله كانت السر في شهرته وتتويجه بجائزة أفضل حكم في العالم لمدة ست سنوات متتالية.

وامتاز كولينا أيضا بجانب إدارته المميزة للمباريات، بشكله المميز والذي عُرف وقتها أنه بسبب مرض نادر يدعى "ألوبيسيا" والذي أصيب به في الـ 24 من عمره.

البداية

"مثل كل إيطالي، كرة القدم هي أمر مثل الدين" هكذا أوضح كولينا سر ارتباطه بكرة القدم في مرحلة الصغر.

واعترف كولينا أنه رغم ذلك إلا أن كرة القدم كان لها نصيب 50% فقط من قلبه بسبب شغفه الكبير بكرة السلة لشهرة اللعبة بشكل كبير في مدينة بولونيا الإيطالية.

وبدأ كولينا حياته كطفل مثل أغلب الأطفال ليس فقط في إيطاليا بل في العالم، بممارسة كرة القدم لساعات طويلة في الشارع مع تكوين المرميين إما عن طريق حجرين أو من الصفائح المعدنية "كانز" وكشف كولينا في تصريح سابق أنه لا يزال يتذكر تفاصيل تلك المباريات حتى الآن.

تطور الأمر مع الطفل كولينا وانتقل للاشتراك في أكاديمية لكرة القدم وبدأ مسيرته كمدافع حتى عمر الـ17.

نقطة فاصلة

يعشق كولينا التجارب خاصة ولو كانت لاستكشاف أمر لأول مرة، وربما ذلك هو السبب في بزوغ اسمه في عالم كرة القدم.

فبعد خوضه العديد من المنافسات كمدافع في أكاديمية لكرة القدم شهدت مسيرته نقطة فاصلة اتجهت به إلى عالم التحكيم.

اقترح زميل لكولينا في المدرسة أن يشارك في دورة التحكيم التابعة للجنة الحكام المحلية، لم يستغرق الحكم الإيطالي الشهير الكثير من الوقت للتفكير إذ وافق على الفور من أجل خوض التجربة.

سارت الأمور بشكل تدريجي بصورة رائعة وبدأ أن يدير لقاءات في الدرجة الثالثة الإيطالية والتدرج في المنافسات حتى وصل إلى الدوري الإيطالي الممتاز.

إذ شق كولينا طريقه في العالم الاحترافي عام 88 بمنافسات الدرجة الثالثة واستغرق ثلاث سنوات فقط ليصبح حكم درجة أولى.

شكل مميز

يمتاز كولينا بشكل مميز بخلاف تفوقه في إدارة المباريات، إذ ظهر الحكم الإيطالي في المباريات بدون شعر.

ويعاني كولينا من مرض نادر يدعى "ألوبيسيا" ويعرف ذلك المرض بحالة حادة من تساقط الشعر.

يظهر ألوبيسيا بدون أعراض على شكل رقع دائرية صغيرة ويؤدي في بعض الأحيان لفقدان الشعر بشكل كامل في كل الجسم.

وتعرض كولينا للإصابة بذلك المرض في الـ 24 من عمره ليعتاد بعد ذلك على الظهور بالشكل الحالي.

تسبب ظهور كولينا بذلك الشكل إلى شهرته بنظرة حادة وصفتها الصحف العالمية فيما بعد بأن عيون الحكم الإيطالي هي البطل الخارق لمواجهة تمرد اللاعبين.

ولم يؤثر ذلك المرض على كولينا الذي بزغ اسمه بعد ذلك في عالم كرة القدم ولم يكتف الإيطالي بذلك بل كان وجها دعائيا لأشهر الحملات الإعلانية.

كولينا كان أول حكم يظهر على غلاف لعبة "برو إيفوليوش/ بيس" الشهيرة لكرة القدم وربما يكون الحكم الوحيد الذي ظهر على الغلاف.

أشهر المباريات

إذا تحدثنا عن كرة القدم فبالطبع المباراة الأشهر هي نهائي كأس العالم.

ونال كولينا شرف إدارة نهائي كأس العالم وكان ذلك في نسخة 2002 عندما أدار مواجهة البرازيل وألمانيا والتي انتهت بتتويج السامبا باللقب.

وأدار كولينا واحدة من أشهر مباريات البطولة القارية الأبرز على مستوى الأندية وهي نهائي دوري أبطال أوروبا نسخة 1999.

وكان النهائي بين مانشستر يونايتد وبايرن ميونيخ على ملعب كامب نو، وظل النادي الألماني متقدما حتى الدقيقة 90 قبل أن ينجح النادي الإنجليزي في تحويل تأخره لفوز في دقيقتين في مواجهة مجنونة.

وفي بداياته أدار أيضا نهائي دورة الألعاب الأولمبية الشهير بنسخة 96 عندما توجت نيجيريا باللقب بعد الفوز على الأرجنتين بثلاثة أهداف مقابل هدفين.

وعلى غير العادة حصل كولينا على أكثر من قميص للاعبين معروفين بعد المباريات على غرار استبدال قمصان اللاعبين عقب اللقاء.

وحصل كولينا على قميص ديفيد بيكهام بعد مواجهة بين إنجلترا والأرجنتين في كأس العالم 2002 كما حصل على قميص البرازيلي رونالدو بعد مباراة التتويج باللقب في النهائي.

وتحدث كولينا مازحا عن ذلك وقت مسيرته كحم "بيكهام هو لاعبي المفضل، لكني خسرت قميصه الذي حصلت عليه لصالح ابنتي كارولينا، كان من المستحيل استعادته منها".

الهاديء الصارم

"يجب أن تكون صارما للغاية في معاقبة من يرتكب أخطاء" بتلك الطريقة يرى كولينا وصفة نجاح الحكم.

بتلك القاعدة نجح كولينا في التتويج كأفضل حكم في العام ست مرات متتالية من 98 إلى 2003 كما فاز بجائزة أفضل حكم إيطالي سبع مرات من قبل.

تم وصف كولينا بلقب الهادئ الصارم لأنه بالرغم من الهدوء الذي يظهر عليه ولكن قراراته كانت صارمة بغض النظر عن اسم اللاعب أو النادي.

أشارت تقارير صحفية إلى أن كولينا ليفرض سيطرته وصرامته في المباريات لا يخاطب اللاعبين بأسمائهم ولكن فقط برقمهم حتى لا يشعر لاعب أنه نجم ويستحق معاملة خاصة ونُقل عن الإيطالي أنه في اللقاء ينظر بحزم للاعب ويقول له "أنت يا رقم 10 لا تتحدث مجددا وألعب رمية التماس سريعا".

وقال كولينا في تصريحات سابقة: "يجب أن يكون الحكم تجسيد حي للقواعد، الطريقة الوحيدة للتعامل مع المشاكل أن تكون صارما للغاية في معاقبة من يرتكب أخطاء".

وشدد الإيطالي "يجب أن يتم قبولك في الملعب ليس لأنك الحكم ولكن لأن الناس يثقون بك".

وكشف كولينا "هذا يعني أنه يمكنك الوصول إلى أفضل نتيجة يمكن للحكم الوصول إليها، والتي يتم قبولك حتى عندما تكون مخطئا".

واعترف هنا الحكم الإيطالي بالأخطاء ولكن ثقة الناس بك تجعل الأمور أفضل حتى عندما تخطيء.

وأوضح الإيطالي ذلك "لا يوجد حكم يكون جيدا في كافة المباريات وعليه تطوير قدرته ويصبح مثل الحرباء ليكون قادرا على التكيف مع متطلبات المباراة".

طريقة الإدارة

ولكن ما هو سر نجاح كولينا كحكم؟ تلك المهنة التي يعاني صاحبها بكثير من الجدل واللغط حتى وإن أدار المباراة بشكل جيد.

عُرف عن كولينا أن شعاره هو كلما عرفت أكثر كلما كان أداؤك أفضل، تلك القاعدة التي ساعدته في إدارة المباريات ربما بشكل مختلف عن باقي أقرانه.

تحدث الحكم الإنجليزي جراهام بول باستضافة عن طريقة إدارة كولينا المختلفة للمباريات في تصريحات لصحيفة تيليجراف.

وكان جراهام بول ممثل إنجلترا في كأس العالم 2002 والتي أقيمت في دولتي كوريا الجنوبية واليابان.

وتم اختيار جراهام بول كحكم رابع في مواجهة اليابان ضد تركيا في ثمن النهائي والتي تم إسنادها إلى كولينا لإدارتها.

وقال جراهام بول عن كولينا: "يستعد للمباراة بمشاهدة الفريقين على شاشة التليفزيون مرة واحدة على الأقل وأول شيء يحاول حفظه كيف تلعب الفرق وخططهم على أرض الملعب".

وعن ذلك قال كولينا نفسه: "من المهم كيف يتم لعب الحركات المختلفة والكرات الثابتة يجب أكون أكثر استعدادا من اللاعبين".

وتحدث جراهام بول عن تجربته مع كولينا موضحا "لقد رسم تشكيلات الفريقين على السبورة وأخبرنا كيف سيلعبون".

وأضاف "تحدث الحكم الإيطالي معنا أيضا عن أبرز اللاعبين ونقاط الاشتعال المحتملة وما الذي قد يتوقعه كل مساعد في الجزء الخاص به من الملعب".

واختتم حديثه عن تلك التجربة "أعتقد أنه غطى كل شيء في المباراة، كولينا كان شخصا لا يُصدق، أرى أنه كان في مستوى أعلى من البقية".

الماضي والحاضر

يؤمن كولينا أن هناك فارق بين التحكيم خلال فترته في الماضي وبين الحاضر الحالي وبالرغم من ذلك يرى الحكم الإيطالي أن هناك أمور متشابهة يجب أن تتم.

وكشف كولينا في تصريحات سابقة أن الحكم في الماضي كان يكفيه معرفة قواعد إدارة المباراة وأن يمتاز بلياقة بدنية جيدة.

وأشار الحكم الإيطالي إلى أن ذلك الأمر ليس كافيا في العصر الحالي، إذ يحتاج الحكم مع ذلك أن يكون ملما بكل شيء عن المباراة وأن يكون قادرا على التنبؤ بما سيحدث.

كما شدد كولينا على أن الحكم عليه معاملة كافة اللاعبين بنفس الصورة سواء كان ذلك اللاعب مشهورا أو غير معروف.

يؤمن الحكم الإيطالي أن اهتمام الحكم بمزيد من التفاصيل هو كلمة السر من أجل نجاحه.

وكان كولينا يزور الملعب قبل المباراة المقرر أن يديرها بيوم من أجل التجول والتعود على الأجواء خوفا من الشعور بالارتباك وقت المباراة.

ويأتي ذلك بجانب تحدثه بخلاف الإيطالية لغته الأم، كل من الإنجليزية والإسبانية والفرنسية إذ يرى أن ذلك كافيا للتحدث مع اللاعبين بصورة واضحة.

الاعتزال المفاجيء

الثقة، كما كانت هي السر في نجاح كولينا خلال مسيرته كانت أيضا كلمة السر في اعتزاله.

قرر الحكم الإيطالي توقف مسيرته التحكيمية في عام 2005 وقبل عام واحد من الموعد المحدد لكأس العالم 2006 والذي كان مقررا أن يصبح آخر محطاته.

قرار اعتزال كولينا جاء كرد فعل من الحكم على خلاف مع الاتحاد الإيطالي حول عقد دعائي لشركة إنتاج سيارات شهيرة.

ورفض وقتها الاتحاد تعاقد كولينا لأن نادي ميلان كان يحمل شعار الشركة نفسها وهو ما قد يثير شبهة الانحياز وتضارب المصالح.

وقتها تم إسناد مواجهة في افتتاح الدرجة الثانية وهو ما عجل باتخاذ قراره بالاعتزال.

كان الاتحاد الإيطالي قبلها قد وافق على التمديد لمدة عام لكولينا عن سن الاعتزال من أجل أن يلحق بالمشاركة في كأس العالم 2006 ولكن الصدام بينهما بعد ذلك عجّل بقراره.

وعن قراره قال كولينا فيما بعد: "في 2005 وبعد 28 عاما قررت تسليم استقالتي".

وشدد "يجب أن يؤمن الناس بالحكم في النهاية خسرنا جميعا، نمت أقل في هذه الليالي القليلة الماضية مما كنت عليه في عشية نهائي كأس العالم".

ويرى كولينا أنه إذا لم تكن هناك ثقة من الاتحاد في الحكم فذلك سيؤثر حتما على الأجواء بشكل عام لذلك فضّل إسدال الستار على مسيرته التحكيمية.

لكن بالطبع توقف مسيرة كولينا كان عن التحكيم داخل الملعب فقط إذ يتولى الحكم الإيطالي رئاسة لجنة الحكام في الوقت الحالي بالاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".

ملهم

بات كولينا ملهما ليس فقط للحكام الذين يحلمون بمسيرة مشابهة للحكم الإيطالي ولكن أيضا للمصابين بمرض ألوبيسيا.

تحدث الحكم الإيطالي في حوار سابق عن طفل إيطالي يبلغ من العمر 11 عاما وكان مولعا بكرة القدم قبل أن يصاب بالإحباط بسبب تعرضه لمرض ألوبيسيا.

وقال كولينا عن ذلك: "قرأت عن صبي إيطالي يبلغ 11 عاما كان يحب كرة القدم وأصيب مؤخرا بنفس المرض".

ومد كولينا يده على رأسه موجها رسالة للطف "أنت أصغر من أن تعلم من أنا، إذا لعبت بلايستيشن ربما تراني أدير لقاء".

وشدد "عدم امتلاك شعر جعلني مميزا أكثر، لا تنتبه أي شخص يقول أي شيء يشعر بالحسد لأنه لا يزال بإمكانك فعل ما تريد سواء بشعر أو بدون".

ومازح كولينا الطفل قائلا: "العديد من الشخصيات حتى الأبطال العظماء يحلقون رؤوسهم ولدي الحظ لأنني لست بحاجة للقيام بذلك".

ليصبح كولينا نموذجا للنجاح وقدوة للتغلب على مصابك.