بين إفريقيا وأزمة التقويم.. لماذا فوز محمد صلاح بجائزة "ذا بيست" صعب؟

"ليس فقط إفريقيا التي لا يُنظر إليها. الأمر يبدو وكأنه لا يهم عندما تفوز في المسابقات التي لا تدر الإيرادات الأكبر أو لا تهم الجمهور الأكثر".

كتب : أحمد أباظة

الإثنين، 17 يناير 2022 - 13:28
محمد صلاح

"ليس فقط إفريقيا التي لا يُنظر إليها. الأمر يبدو وكأنه لا يهم عندما تفوز في المسابقات التي لا تدر الإيرادات الأكبر أو لا تهم الجمهور الأكثر".

هذا ما قاله بيتسو موسيماني مدرب الأهلي مبررا عدم تواجده في قائمة جائزة الاتحاد الدولي "فيفا" للمدربين رغم تتويجه بلقب دوري أبطال إفريقيا للمرة الثانية على التوالي وحصده برونزية كأس العالم للأندية.

هذا ليس تصريح موسيماني الأول بذلك المضمون، وربما لست بحاجة لسماع موسيماني أصلا إن اصطدمت بأي تصريح على لسان صامويل إيتو في الآونة الأخيرة، ربما قال إيتو واحدا منهم بالفعل.

في حقيقة الأمر أنت لست بحاجة لسماع أي شخص، يكفيك فقط مشاهدة مستوى كأس أمم إفريقيا لتعرف إلى أي مدى ترك العالم القارة السمراء خلفه بعد قرون من الاستعمار الغربي، قرون قد خلت، وقرون ربما لن تخلو أبدا.

ربما علينا النظر فقط لكم التعالي في مطالبات الكيانات الأوروبية بعدم إقامة البطولة من الأساس.

خارج دائرة الضوء

هنا ليس مجالا لإلقاء أوراق المظلومية هباء، فبعض الأحداث لا تخطئها أعين التاريخ. إفريقيا بدأت كرة القدم متأخرة كثيرا.

فعلى سبيل المثال، أول منتخب جزائري تأسس في الخمسينات على يد مجموعة من اللاعبين الهاربين رغم أنف فرنسا. هذا من الناحية الزمنية فقط دون ذكر فوارق الإمكانات الرهيبة، هذه الإمكانات التي ربما ما كانت لتتاح أبدا لولا اعتصار أوروبا لكل خيرات إفريقيا.

على مر تاريخ الكرة الذهبية وجوائز فيفا بدمجها وانفصالها، إفريقي واحد عانق هذا المجد في قرابة 70 عاما، هو جورج ويا رئيس جمهورية ليبيريا الحالي، ربما سمعت إيتو يقول شيئا كهذا، ولكنه على الأرجح لم يفعل.

ألم يستحق أي لاعب إفريقي آخر على مر التاريخ هذه الجائزة في مرحلة ما من مسيرته؟ رابح ماجر مثلا حين توج بدوري الأبطال مع بورتو؟ لم يتواجد أي لاعب من بورتو أصلا في هذا العام فما بالك بإفريقيا؟ ديدييه دروجبا؟ صامويل إيتو نفسه؟ ألم يكن هناك أي إفريقي يستحق؟ في الواقع لم يتواجد أي إفريقي في ثلاثي الكرة الذهبية عدا ويا.

أما في جائزة "فيفا".. لم يصل لاعب إفريقي إلى الثلاثي الأخير سوى مرتين، الأولى من نصيب محمد صلاح في 2018، ولكن تحطيم الرقم القياسي لهداف الدوري الإنجليزي الممتاز لم يكن كافيا للتغلب على لوكا مودريتش، أما الثانية، فهي موضع حديثنا الآن، وبطلها مرة أخرى هو محمد صلاح.

لأنه إفريقي؟

اليوم وللمرة الثانية في التاريخ، نرى لاعبا مصريا بين أفضل ثلاثة في العالم وفقا لجائزة الأفضل "ذا بيست" المقدمة من الكيان الحاكم لكرة القدم حول العالم.. فهل ستحرمه هويته الإفريقية من معانقة هذا المجد؟

الحقيقة أن إفريقيا تعاني اضطهادا يتقلص تدريجيا على مر التاريخ، والحقيقة أن منافسات القارة الإفريقية لا ينظر لها بعين الاعتبار، والحقيقة أن المنظومة العالمية لا تبالي إلا بمحترفي القارة أو مجنسيها، ولكن هذه المرة على وجه التحديد، اضطهاد القارة السمراء ليس طرفا في هذه المعادلة.

المشكلة أكثر تعقيدا.. مثلا أبرز أوراق اعتماد ليونيل ميسي -غير كونه ميسي بالطبع- كان فوزه ببطولة كوبا أمريكا مع منتخب الأرجنتين بعد طول انتظار، ماذا لو فاز صلاح بكأس أمم إفريقيا مع مصر؟

لم نسمع بلاعب يفوز بالكرة الذهبية لأنه فاز بكأس أمم إفريقيا، ولكن بأي حال حتى وإن تم ذلك، فإنها ستضاف إلى فاتورة العام المقبل.

أين المعيار؟

سؤال العام وكل عام.. الحكم للتصويت، والتصويت لا تحكمه قواعد بعينها. فلان سيصوت لفلان لأنه من نفس البلد، وفلان آخر سيصوت لفلان ثالث لأنه يروق له، أو لأن الآخر لا يروق له، هذه أشياء لا يمكن السيطرة عليها أبدا.

ليفاندوفسكي حطم الرقم القياسي لعدد الأهداف بالدوري الألماني في موسم واحد، وهو ما يرشحه بقوة في هذا السباق، ولكن صلاح -كما أسلفنا- حين فعل الشيء ذاته في الدوري الإنجليزي، جل ما ناله كان المركز الثالث. قبل بضعة أعوام حطم جونزالو هيجوايين الرقم القياسي في الدوري الإيطالي، ولم نسمع به أصلا في أي قائمة.

لا يوجد أي ألقاب خارقة للغاية في سباق الأفضل لهذا العام: ليفاندوفسكي فاز بالدوري والسوبر في ألمانيا. ميسي فاز بكوبا أمريكا وكأس الملك مع برشلونة. صلاح لم يفز بأي ألقاب. أما أصحاب الألقاب الأبرز فلا يمكنك العثور على مؤثر فردي بما فيه الكفاية بينهم.

ليفاندوفسكي يملك تفوقا رقميا خارقا، بينما يأتي ميسي دون أن يلعب بانتظام منذ يوليو الماضي. ظهور ميسي كان خافتا للغاية منذ انتقاله إلى باريس سان جيرمان ليس فقط على صعيد عدد الأهداف والتمريرات الحاسمة، بل حتى عدد الدقائق نفسه.

على الجانب الآخر أنقذ صلاح موسما سيئا لليفربول، فلولاه لما رأينا الريدز في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، ولكن هذا ليس كافيا، فانفجاره الأقوى والأجدر بالإشادة أتى في النصف الأول من الموسم الحالي، وهو ما يقودنا مباشر إلى السؤال الذي حان أخيرا وقت طرحه.

لماذا العام الميلادي؟

موسم كرة القدم يبدأ تقريبا في أغسطس وينتهي في يونيو، فلماذا تعتمد الجوائز الفردية على التقويم الميلادي من الأساس؟

كما ذكرنا، ميسي هنا وفاز بالكرة الذهبية وقد يفوز بجائزة الأفضل أيضا بظهوره الخافت منذ يوليو، وكأن بقية العام لا يهم في شيء.

حالات نادرة شهدت حصول النصف الثاني من العام (النصف الأول من الموسم التالي) بعض الأهمية، مثل حصيلة كريستيانو رونالدو الرقمية عام 2013، لكن في المعتاد لا جدوى حقيقية من ذلك.

الفائز بشيء كبير في نصف العام الأول أو النصف الثاني للموسم، عادة ما ينتهي به الأمر حاملا للكرة الذهبية أيا كان نصف عامه الثاني، أو بالأحرى النصف الأول لموسمه الجديد.

إذا كان صلاح يخوض هذه المعركة عن موسم 2021-2022، لا يوجد سبب واحد يجعله لا يفوز بالجائزة. أما في الوضع الحالي، السبب بوضوح سيكون التصاق نصف 2021 الأول، أي نصف 2020-2021 الثاني، لسبب ما يصر عالم كرة القدم على العيش في هذا الارتباك وكأنه لم يسمع بالسنة المالية مثلا.

ربما ليس علينا الإفراط في التفاؤل، على الأرجح لن نحتفل بفوز صلاح الليلة، ولكن لنأمل أن يعود بالكأس الإفريقية ثم يواصل موسمه الرائع مع ليفربول ويحقق شيئا في نهايته، لعل وعسى.