أفشة.. العزف على جيتار في الملعب دون أن تشعر بصعوبة الأمر

في كثير من الأحيان عندما نشاهد مسرحية أو نقرأ كتابا أو نجلس أمام التلفزيون فإننا نجد حبكة. سلسلة من الأحداث التي يجب علينا أن نكتشفها حتى نحصل على نهاية دراماتيكية. نهاية تترك الجمهور في البكاء ربما أو تلك التي تجعلهم يصرخون من جمال كل شيء. هناك...

كتب : عمر مختار

الأربعاء، 11 أغسطس 2021 - 13:44
أفشة

في كثير من الأحيان عندما نشاهد مسرحية أو نقرأ كتابا أو نجلس أمام التلفزيون فإننا نجد حبكة. سلسلة من الأحداث التي يجب علينا أن نكتشفها حتى نحصل على نهاية دراماتيكية. نهاية تترك الجمهور في البكاء ربما أو تلك التي تجعلهم يصرخون من جمال كل شيء. هناك حبكة في كرة القدم أيضا، وقد وَجدتُ سيدها الآن في بلادي. رجل ذو رؤية رباعية الأبعاد، شخص يكاد يكون أخذ الكرة بعيدا عنه مستحيلا، تماما مثل إبقاء عنتر وعبلة منفصلين.

إذا كنت تحب كرة القدم، فأنت على الأرجح تحب الأهداف. لا تبلغ اللعبة ذروتها عندما تنطلق صافرة النهاية، أو عندما يتصافح الفريقان ويتبادلان القمصان ثم يعودان إلى غرف خلع الملابس. لا، كل لحظة من المباراة، كل تمريرة، كل ثانية، كل شوط، كل تلك التفاصيل تجتمع معا لتصل إلى النقطة التي تتخطى فيها الكرة الفريق المدافع، ثم حارس المرمى الذي يصنع الموقف الأخير لتصطدم بالجزء الخلفي من الشبكة.

تبدأ مشاهد الإثارة والغضب كلما اقترب فريقك المفضل من شبكة الفريق المنافس، وبعد ذلك، بالترادف تقريبا، يصل الملعب إلى ذروته، وفي وسط كل ذلك، ينضم أحد عشر صوتا. إنها أكثر اللحظات المجيدة في اللعبة، وإذا كنا محظوظين، فإنها تحدث أكثر من مرة خلال الـ 90 دقيقة.

لحظات الزئير، اللكمات التي لا تكمل مسارها نحو السماء، عناق لن يحدث أبدا. يتعلق الأمر بالاحتفال بالأشخاص الذين وضعوا أجسادهم في طريق تلك اللحظة المثالية التي لن تأتي أبدا بالنسبة إليك كمشاهد.

نحن نحب مشاهدة المباريات والبطولات الكبيرة لأن الكثير من النقاش يدور هناك، حيث يُشكّل المشجعون رسما بيانيا عاطفيا ناتج عن انفعالات لحظية في احتضان حار واحد. غالبا ما يتم الحكم على الأبطال الرياضيين من خلال أدائهم في تلك المعارك الكبرى، وحينها ستتجاوز أي رياضة مبدأ الكفاءة البدنية والتقنية. يتطلب الأمر أكثر بكثير من مجرد عضلات قوية ومهارة تقنية لعدّاء في سباق 100 متر يَود الحصول على ميدالية ذهبية في أحداث أولمبية.

محمد مجدي "أفشة"، صانع الألعاب الصغير، رياضي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا يشبه لاعبي اليوم في العصر الحديث، ولا يريد حتي منافستهم للحصول على لقب أفضل قصات الشعر. لقد أصبحت رياضة لا يهيمن عليها اللاعبون الفنيون والمبدعون، ولكن أولئك الذين يتمتعون بلياقة بدنية مثالية والذين يستطيعون الحفاظ عليها لسنوات متتالية، لاعبو كرة القدم اليوم أقوياء، ذو بنية جيدة ولديهم نقطة ضعف واحدة فقط، تمزق عضلة في ذلك الجسد المثالي.

على عكس ذلك تماما، لم يكن أفشة المولود في الجيزة وسط عائلة تعشق كرة القدم شيئا من هذا القبيل. إنه شخص قصير القامة ونحيف لكن بإمكانه فعل أشياء بالكرة يحلُم الآخرون بفعلها.

via GIPHY

تقوم الرياضيات بشرح كرة القدم. إنها تمنحنا منظورا جيدا ربما لم يظهر للعين المجردة، وتضيء طريق البيانات نحو أذهان أعمق مفكري وفلاسفة اللعبة، كما تمنحنا وسيلة لتحليل وتقدير وهندسة وتحسين كل تفصيلة صغيرة، لكنها بالنسبة للبعض تقلل من كرة القدم أيضا لأنها بالنسبة لهم تحوّل اللعبة إلى مجموعة من الاحتمالات الحسابية، وتسمي اللاعبين بالأرقام، وتصنع مقياسا للحكم على مهاراتهم المختلفة والمنفصلة. والأهم من ذلك، أنها تفشل في الاعتماد على العاطفة، الخيط العالمي الذي يربط أي رياضة، وموزعيها، والمستهلكين معا.

إلى أفشة وإلى جميع لاعبي الوسط الذين جعلوا كرة القدم جميلة تستحق المشاهدة، أشكركم وأحييكم. هذا هو الأمل في أن تأتي سنوات عديدة من التألق من منتصف الملعب إلى ذاكرتك.