جاريث ساوثجيت.. اسرِق مثل فنَّان

في كتابه "اسرق مثل فنان" يعتقد أوستن كلاون أن الفنان الجيد يفهم أن لا شيء يأتي من العدم. كل الأعمال الإبداعية مبنية على ما جاء من قبل.

كتب : عمر مختار

الجمعة، 09 يوليه 2021 - 11:20
جاريث ساوثجيت - اسرق مثل فنان

في كتابه "اسرق مثل فنان" يعتقد أوستن كلاون أن الفنان الجيد يفهم أن لا شيء يأتي من العدم. كل الأعمال الإبداعية مبنية على ما جاء من قبل.

"أنت لا تريد سرقة الأسلوب، تريد سرقة التفكير وراء الأسلوب".

تخيل أنك توم كروز وتقوم بالإعلان عن فيلمك الجديد. في غضون 5 ثوانٍ، سيحكم عليك العالم بأسره، ويلقي توقعاتهم العالية بجنون عليك، ثم يقولون: "من الأفضل أن يكون هذا الفيلم جيدًا!".

يرغب معظم الفنانين في أن يصبحوا مشهورين، وهذا أمر جيد، ولكن إذا حصلت على الشهرة مبكرًا، فلن تكون مستعدًا لذلك، ناهيك عن القدرة على التعامل مع الجوانب السلبية.

عندما لا يعرف الكثيرون اسمك حتى الآن، فأنت حر في فعل ما تريد، وإجراء جميع أنواع التجارب الغريبة، والتي سيفشل معظمها، وسترتكب أكبر عدد من الأخطاء كما تريد.

لكن لا تنسي، كن مملاً، إنها الطريقة الوحيدة لإنجاز العمل، وهذا ما فعله جاريث ساوثجيت مدرب إنجلترا تماماً حتي الآن.

وتمكَّن منتخب إنجلترا من تحقيق فوزا صعبا على منافسه الدنمارك بهدفين مقابل هدف، في إطار مباريات الدور نصف النهائي من بطولة يورو 2020، ليضرب بذلك موعدًاً تاريخيًا مع المنتخب الإيطالي الفائز بجميع مبارياته في البطولة حتى الآن في النهائي يوم الأحد المقبل.

في الثالث من يوليو واجه المنتخب الدنماركي نظيره التشيكي في إطار الدور ربع النهائي من البطولة، مباراة انتهت بفوز الأول بهدفين لهدف، لكن على الرغم من ذلك، فقد أظهر ياروسلاف شيلهافي المدير الفني لجمهورية التشيك نقطة ضعف لم تكن واضحة بشكل كبير آنذاك. في الواقع هي نقطة الضعف الوحيدة الموجودة لدي منتخب الدنمارك المذهل.

أمام جمهوية التشيك ظهرت في بعض اللحظات مساحة كبيرة بين يواكيم مايلي الجناح الأيسر ويانيك فسيترجارد قلب الدفاع الأيسر، ومع عدم تغطية الأول بشكل جيد وبطء حركة الأخير فقد تعرضوا لمشاكل نوعاً ما لكن مع قلة جودة منافسهم فقد مر الأمر مرور الكرام.

لكن قبل الدخول في التفاصيل أريد إلقاء الضوء بشدة على ستيف هولاند المدرب المساعد لجاريث ساوثجيت مع منتخب إنجلترا، والذي ظهر في أكثر من لقطة وهو يحاول تنبيه ساوثجيت نحو نقاط ضعف خصمه وكيفية استغلالها، والجيد أيضًا أن ساوثجيت تفهَّم ذلك لأبعد حد ممكن.

شهدت بداية المباراة امتصاص المنتخب الدنماركي لحماس أصحاب الأرض والجمهور وذلك عن طريق مزيج من أسلوب الضغط الموجه للموضع والرجل بإستخدام الكتلة المتوسطة بـ 5-2-3.

إذ أن منتخب الدنمارك هدف إلى إغلاق العمق سواء في أنصاف المساحات في الجهتين أو المساحة المركزية وذلك بميل الأجنحة ميكيل دامسجار ومارتن برايثوايت للداخل أكثر مع تغطية ثنائي الوسط توماس ديلاني وإيميل هويبيرج للمساحات التي يتحرك فيها هاري كين وماسون ماونت ومراقبة المهاجم كاسبر دولبيرج لديكلان رايس عن طريقة تغطية ظله.

via GIPHY

كان استلام ساكا للكرة ثم الدوران ووجهه للمرمي يعني أنه سيتفوق على مراقبه مايلي وبالتالي سيكون فيسترجارد مضطراً للصعود ومواجهة جناح أرسنال الشاب، لذا أعطي ذلك محفز حركة بالنسبة إلى كين في المساحة خلف فيسترجارد قبل ان يستلم تمريرة ساكا ويضع ستيرلينج في مواجهة شمايكل.

بعدها بدقيقة يقوم ووكر بتمرير الكرة بنفس الكيفية نحو ساكا، لذلك يسقط دامسجارد لمساعدة مايلي أمامه، يتحرك فيليبس للطرف لسحب مراقبه ديلاني مما يمنح ووكر مساحة كبيرة لتمرير الكرة نحو كين الذي يسقط لنصف المساحة اليسرى وهنا لا يتبعه فيسترجارد لأنه انشغل بتحرك ساكا في المساحة، يمرر كين ببراعة نحو ساكا الذي يمرر لستيرلينج ويتعادل المنتخب الإنجليزي.

مع بداية الشوط الثاني ركز المنتخب الإنجليزي أكثر على منع المنتخب الدنماركي من اختراق جهته اليسرى، حيث كان ستيرلينج يذهب للخارج أكثر لمنع مسار التمرير نحو ستراير مع ضغط أكثر شراسة من كين على كريستنسن واقتراب رايس وفيليبس اكثر من شو وماجواير لمنع استلام برايثوايت ودولبيرج للكرة هناك.

لكن تحرك كتلة المنتخب الإنجيلزي نحو جهة الدنمارك اليمنى أكثر كان يعني وجود مساحة في الجهة الأخرى لذلك بدأ كريستنسن بتمرير الكرة أكثر للوسط ثم تحريكها نحو فيسترجارد الذي وجد مساحة للتقدم للأمام والتمرير إما لمايلي على الطرف أو في نصف المساحة اليسرى.

في الواقع كان ساوثجيت على علم تام بذلك لكنه وضع ثقته كاملة في ديكلان رايس وقلوب دفاعه فحتي مع تلك المساحة هناك كانت جودة لاعبي المنتخب الإنجليزي تسمح لهم بالتغلب على ذلك بخلق تفوقات عددية ونوعية مع ضغط استباقي جيد خصوصًا من ماجواير أثناء الدفاع باسلوب الضغط الموجه نحو الأفراد.

بعد مرور ساعة على اللقاء، طلب ساوثجيت من ووكر بالصعود لأعلى على الطرف خصوصًا مع تحرك دامسجارد لداخل الملعب أكثر لغلق مسارات التمرير نحو ماونت، كما أعطي تعليمات لساكا بالتحرك أكثر للعمق ودخول منطقة الجزاء.

بعدها بدقائق قام كاسبر شولاماند بثلاث تبديلات وذلك بدخول الظهير الجناح دانييل فاس بدلاً من ستراير، يوسف بولسن بدلاً من دولبيرج وكريستيان نوجارد بدلاً من دامسجارد، وحوَّل الطريقة إلى 3-5-2 (5-3-2 في الحالة الدفاعية).

هدف شولماند إلى وضع عدد إضافي من اللاعبين في الوسط لتغطية العمق وخلق تكافؤ عددي عند الأطراف، وكذلك جعل ساوثجيت مضطرًا إلي نقل ووكر مرة أخرى كقلب دفاع ثالث لعدم ترك ستونز وماجواير في مواقف 2 ضد 2 في الحالات الإنتقالية وكذلك للخروج من ضغط الدنماركيين الذين عادوا مرة أخرى لتطبيقه.

في المقابل قام ساوثجيت بإشراك جاك جريليش بدلاً من ساكا ووضعه في الجهة اليمنى ونقل ستيرلينج إلى الجهة اليسرى.

استخدم شولماند أيضا نمطًا آخرًا من ضمن أفكاره عن طريق تحرك ديلاني في الممر الداخلي في الجهة اليسرى، يبدأ الأمر كالعادة من الخط الخلفي لكن مع وجود ثلاثي وسط لدي الدنمارك فقد كان جريليش في حيرة لتغطية نصف المساحة والعمق أكثر أو الذهاب نحو الطرف.

فإذا فعل الأمر الأول فسيسمح ذلك بتكرار ما حدث في الشوط الأول حيث يمرر كريستنسن نحو فاس على الخط الجانبي، ليبدأ ديلاني بالتحرك من الوسط نحو الممر الداخلي هناك.

وإذا فعل الثاني فسيترك هويبيرج حرًا في استلام الكرة خصوصًا مع رقابة ماونت لنورجارد وانشغال رايس بديلاني.

كان العامل المشترك في كل المرات هو نجاح المنتخب الإنجليزي في التعامل مع الأمر بفضل التفوق العددي وسرعة ارتداد لاعبيه.

استمر الحال حتي وصل الفريقان إلى الأشواط الإضافية وهناك تغير الأمر، بعد مرور خمس دقائق على أحداث الشوط الإضافي الأول قرر ساوثجيت إدخال جوردان هندرسون بدلاً من رايس وكذلك فيل فودين بدلا من ماونت.

كان الهدف هو العودة مرة أخرى لنفس فكرة الدقائق الأخيرة من شوط المباراة الأول وذلك باللعب خلف مايلي وفيسترجارد خصوصًا مع خروج ديلاني المجهد ونزول ماتياس يانسين.

كان هندرسون يميل للجهة اليمنى وكأنه ظهير وهمي مع اقتراب كل من فودين، ستيرلينج وجريليش من نفس الجهة، هنا يمرر هندرسون نحو ماونت على الخط الجانبي ثم يقوم بالتداخل خلفه ليحصل على الكرة في المساحة خلف يانسن.

هنا تبادل ستيرلينج وفودين الأدوار، حيث عانق الأول الخط الجانبي بينما سقط الثاني في نصف المساحة اليمنى لسحب فيسترجارد، في حين قام كل من فيليبس وجريليتش بالتباعد قليلاً لعزل هويبيرج ويانسن عنهم بينما انشغل يانسن بالضغط على هندرسون، ليحصل المنتخب الإنجليزي على ركلة جزاء بفضل وضع سيترلينج في موقف فردي.

بعد تسجيل المنتخب الإنجليزي للهدف الثاني قام شولماند بإجراء تبديل وذلك بإشراك يوناس فيند بدلاً من فيسترجارد وحوَّل الطريقة إلى 4-3-3 حيث حاول استخدام أطرافه أكثر للعب الكرات العرضية ليرد عليه مباشرةً ساوثجيت بإخراجه جريليش وإشراك كيران تربيير ليحوِّل هو الآخر الطريقة إلى 3-4-3 (5-4-1 في الحالة الدفاعية).