يورو 2020 - سر العداء بين هولندا وألمانيا.. الحرب تنتهي بعودة الموتى

"أجهدتني مبارياتنا ضد هولندا كثيرا وكلفتني سنوات من عمري، تلك المباريات دائما ما جمعت بين المشاعر والتوتر أكثر من أي مواجهة أخرى"

كتب : محمد سمير

الخميس، 10 يونيو 2021 - 19:42
سر عداء هولندا وألمانيا

"أجهدتني مبارياتنا ضد هولندا كثيرا وكلفتني سنوات من عمري، تلك المباريات دائما ما جمعت بين المشاعر والتوتر أكثر من أي مواجهة أخرى" تصريح سابق لفرانز بيكنباور أسطورة ألمانيا تعليقا على مواجهة منتخب هولندا.

وصل منتخب هولندا إلى نهائي كأس العالم ثلاث مرات وخسرهم جميعا، أكبر إنجازاته كانت التتويج بلقب أمم أوروبا 1988 ويعتبر ذلك لقبهم الوحيد وكان في قلب ألمانيا.

من الطبيعي والمنطقي أن المباراة النهائية بين هولندا والاتحاد السوفيتي تكون الأشهر والأفضل للشعب الهولندي، تلك المباراة التي شهدت تتويجهم الوحيد لكن ذلك لم يحدث.

"الفوز باللقب أمر رائع بالتأكيد، لكن الجميع يعلم أن نصف النهائي كان هو النهائي الحقيقي والمباراة الأهم" كان ذلك تعليق رينوس ميتشيلز المدير الفني لهولندا عقب التتويج بلقب أمم أوروبا وذلك لأن هولندا أقصت ألمانيا من نصف النهائي على أرضها.

ولكن لماذا كل ذلك؟ كيف نهائي البطولة القارية الوحيدة في تاريخ هولندا لا تكن أهم من مواجهة نصف النهائي؟ الحقيقة أن السبب في ذلك هو وجود عداوة تاريخية بين الدولتين الجارتين وسببها الحرب العالمية الثانية في الفترة من 1939 إلى 1945.

ربما العلاقة السياسية هادئة جدا بين البلدين لكن الشعب الهولندي لا ينسى فترة الحرب التي شهدت خمس سنوات من احتلال ألمانيا ونتج عنها وفاة ما يقرب من 250 ألف مواطن بين عسكريين ومدنيين وفقا للتقارير.

"الحرب ستنتهي عندما يعود الموتى" مقولة شهيرة لستانلي بالدوين رئيس وزراء بريطانيا الأسبق عن توابع الحروب والعلاقات بين البلدان بعدها، وهي مقولة تجسد شعور الشعب الهولندي تجاه ألمانيا حتى الآن.

بعد الاحتلال

عقب نهاية الغزو الألماني على هولندا وقبل كأس العالم 1974 لعب المنتخبان 4 مباريات ودية في محاولة لإعادة طبيعة العلاقات بين الجارتين وكانت أول مواجهة رسمية بينهم في مونديال 74 والمفارقة أنها كانت في ألمانيا والمباراة النهائية.

المنتخب الهولندي كان مشحونا من قبل المباراة لدرجة أن رينوس ميتشيلز مدرب الفريق صرح قبلها "بالنسبة لي، الآن كرة القدم هي الحرب".

الشعب الهولندي لم يكن يبحث عن التتويج بلقب كأس العالم لكن الثأر ورد الكرامة، لكن المباراة انتهت بفوز ألمانيا الغربية وقتها 2-1.

"خدعونا مرة أخرى" كان ذلك تعليق حزين من هيرمان كويبهوف معلق التليفزيون الهولندي بعد صافرة النهاية.

وصفت الصحافة الهولندية المباراة بـ "أم الهزائم" وكانت هناك ردود فعل كبيرة في الصحافة الهولندية والألمانية إذ وصفت الأخيرة المباراة بنهاية سيطرة هولندا على الكرة "بيد ألمانيا".

تم تنظيم حفل للفريقين عقب المباراة لكن غاب عنه ويليام فان هانيجم لاعب وسط هولندا وقال وقتها: "أكره هؤلاء النازيون، أكبر خطأ في المباراة أننا أردنا إذلالهم".

وبسؤاله عن سبب الغياب عن الحفل "قتلوا عائلتي، والدي وشقيقتي واثنين من إخوتي، كلما لعبنا ضدهم امتلئ بالغضب".

مواجهتان في عامين

عقب "أم الهزائم" كما وصفتها الصحافة الهولندية لعب منتخبهم ضد ألمانيا مرتين في عامين، الأولى بمونديال 78 والثانية في يورو 80 ورغم أن المباراتين في دور المجموعات وليست إقصائية لكن لم يغب عنها الاشتباكات والعدوانية.

في مونديال 78 انتهت المباراة بالتعادل 1-1 لكن شهد اللقاء اشتباكات ليس فقط داخل الملعب لكن أيضا على مقاعد البدلاء.

تم طرد ديك نانيجا لاعب هولندا البديل الذي شارك في الدقيقة 79 وتم طرده بعد 9 دقائق فقط بعد اشتباك مع بيرند هولزينباين.

أما في يورو 80 مواجهة جديدة في دور المجموعات لكن المباراة سميت بـ "ساحة الملاكمة" وانتهت بفوز ألمانيا 3-2 على هولندا.

شهدت المباراة اشتباكات متعددة ففي كرة مشتركة ركل جوني ريب لاعب هولندا توني شوماخر حارس ألمانيا في البطن وأثار ذلك جنون الحارس الألماني وبعد تهدئته تعرض بيرند شوستر لاعب ألمانيا للكمة في العين من رينيه فان دير كيركوف.

عقب المباراة صرح كارل هاينتس فورستر لاعب ألمانيا "هم يكرهوننا أكثر مما نكرهم، كنا نعلم أن ضربنا هو شيء الأهم لهم لكن أقسمنا فيما بيننا أن علينا الفوز ضدهم".

العدالة الهولندية

عقب 8 سنوات مواجهة جديدة وهذه المرة في يورو 88 بألمانيا مباراة نصف النهائي، واحدة من أكثر مواجهات البلدين شراسة.

تقدم لوثر ماتيوس للماكينات الألمانية من ركلة جزاء وتعادل رونالد كومان لهولندا من ركلة جزاء في الدقيقة 74، قبل أن يسجل فان باستن الهدف القاتل في الدقيقة 88.

انفجر إيفرت تن نابيل المعلق الهولندي بعد هدف فان باستن "العداااااالة أخيرا جاءت العداااالة" احتفال تاريخي لهولندا وصدمة كبرى لألمانيا حتى أن بيكنباور صرح "كانت صدمة بالنسبة لنا، اللاعبون افترشوا أرض الملعب لأكثر من نصف ساعة واضطررت لرفعهم للخروج.

احتفالات هولندا كانت للسخرية من ألمانيا حتى أن أحد مشجعي هولندا رفع لافتة "جدتي وجدت دراجتك هنا" في إشارة لمصادرة قوات ألمانيا دراجات الهولنديين وقت الاحتلال، وغضب الجمهور الألماني من احتفال رونالد كومان بوضع قميص ألمانيا بطريقة غير لائقة بعد تبادل القمصان عقب اللقاء.

ميتشيلز مدرب هولندا قال أن نصف النهائي كان النهائي الحقيقي، وهانز فان برويكلين حارس هولندا أهدى الفوز للجيل الذي عاش وقت الحرب، واستفز الهولنديون الشعب الألماني بوضع لافتة كبيرة على الحدود وكتب عليها باللغة (الألمانية) "مرحبا بكم في بلاد أبطال أوروبا".

مونديال 90

بعد ثأر هولندا هل انتهت العداوة؟ الحقيقة أنها ستنتهي بعودة الموتى وهذا ما ظهر في مواجهة جديدة بين الفريقين في مونديال 90 والتي شهدت طرد ثنائي بعد 22 دقيقة فقط.

المباراة التي كانت على ملعب سان سيرو في إيطاليا بدأت بصافرات استهجان من كل جمهور ضد نشيد الفريق الآخر ومع بداية المباراة كان هناك خشونة متعمدة من لاعبي هولندا.

تدخل عنيف من فرانك ريكارد بعد 20 دقيقة ضد رودي فولر، بعد قيام اللاعب الألماني تفاجأ ببصق ريكارد عليه، دخل الثنائي في مشادة ليحصل فولر على بطاقة صفراء أيضا.

وبعد دقيقة عقب الركلة الحرة مشادة جديدة لكن بين هانز فان بروكلين حارس هولندا وفولر استغلها ريكارد لجذب اللاعب الألماني من أذنه ووقتها قرر الحكم طرد الثنائي للسيطرة على المباراة ولم يكتف ريكارد بذلك ليبصق على فولر مجددا وقت خروج الثنائي.

اعتذر ريكارد عن تصرفه بعد ست سنوات وانتهت القصة بتصوير إعلان دعائي لأحد شركات الزبدة الهولندية بجانب فولر لمحاولة الوصول للتهدئة وإزالة التوتر، كان شعار الإعلان الهولندي الدعائي هو مثل ألماني "كل شيء في الزبدة مرة أخرى" وهو مثل يعني أن كل شيء أصبح على ما يرام. (المزيد من التفاصيل)

ما بعد مونديال 90

عقب مواجهة مونديال 90 الشهيرة تواجه المنتخبان أكثر من مرة ورغم هدوء الأحداث قليلا لكن لم تنته التعليقات الساخرة بين صحافة البلدين أو حالات الشحن.

وفي يورو 2012 لعب المنتخبان في مجموعة الموت وكان منتخب هولندا عليه الفوز لتفادي شبح الخروج وقتها صرح ماتس هوملس مدافع ألمانيا "منتخب هولندا سيحارب أمامنا من أجل التأهل، وليس ذلك فقط ولكن لأنهم يواجهون عدوا قديما".

وشهد يورو 2016 غياب منتخب هولندا ورغم صعود ألمانيا إلا أن ذلك لم يثني الصحافة الألمانية للسخرية من هولندا بعنوان "سنذهب إلى أوروبا بدون هولندا".

هل إذا تواجه المنتخبان في يورو 2020 تمر المواجهة بسلام؟ أم سنشهد حالة من المشاحنات جديدة؟