أحمد عز الدين

الجزء الناقص من صورة زيدان

خط زيدان ليس جميلا. ربما هذا هو الشيء الوحيد غير الجميل فيما يخص أسطورة ريال مدريد. لكنك لو فككت هذه الخطوط وحولتها إلى كلمات ستكتشف في رحلة البطولات الجزء الناقص في الصورة التي ترسمها في خيالك لزيزو.
الإثنين، 20 يوليه 2020 - 19:57
زيدان

خط زيدان ليس جميلا. ربما هذا هو الشيء الوحيد غير الجميل فيما يخص أسطورة ريال مدريد. لكنك لو فككت هذه الخطوط وحولتها إلى كلمات ستكتشف في رحلة البطولات الجزء الناقص في الصورة التي ترسمها في خيالك لزيزو.

هذه الورقة تحكي كل شيء. أدعوك للنظر إلى كل سهم فيها. وسأعينك على ترجمة هذه الخطوط الصعبة للتعرف على المدير الفني لريال مدريد.

إنها تعليمات زين الدين زيدان لأول كلاسيكو خاضه في حياته كمدير فني لريال مدريد ضد برسا المزدان وقتها بـ(ميسي-سواريز-نيمار).

كانت الظروف صعبة لأن ريال خسر الكلاسيكو الذي يسبقه مع بينيتث في سانتياجو برنابيو 4-0 في غياب ليونيل ميسي. فما بالك مع مدرب جديد غير خبير مثل زيزو، في حضور ليو، وعلى أرض كامب نو.

حضر زيدان خطته وكتب ملخصها في ورقة تم نشرها بعد ذلك كمستند يمكنك من خلاله قراءة كيف يفكر المدير الفني الجديد آنذاك لريال مدريد؟ كيف يحضر فريقه؟ وهذا ملخص ما جاء فيها من كتابة وخطوط:

• في بداية بناء لعب برشلونة، علينا الضغط عليهم بطريقة 4 ضد 3.

• رونالدو عليك منع التمرير بين الحارس وقلب الدفاع. بنزيمة مع بوسكتس. بيل قلب الدفاع الثاني.

• هكذا نجبر بوسكتس على العودة للخلف ليبدأ برشلونة اللعب، فيخسرون الكثافة العددية في الوسط.

• كروس ومودريتش عليكما منع الكرة من الوصول إلى إنيستا وراكيتيتش.

• سيحاول إنيستا التسلل إلى العمق، هنا لا تترك مكانك يا كروس. إنها خدعة لتفريغ هذا الجانب حيث يدخل سواريز إلى العمق أو ينزل ميسي لإدارة اللعب. لهذا كاسميرو تولى أنت إنيستا وقتها.

• لو تسلم راكي أو إنيستا الكرة علينا ضغطهما بكل ما نملك حتى يضطران للعودة إلى بوسكتس.

• هدفنا غلق زاويا التمرير في العمق أمام بوسكتس، افتحوا له الجناحين فقط. فليلعب إلى الجناح.

• هكذا نجبر سواريز على أن يظل في الجناح لفتح الملعب أمام رفاقه. هناك سواريز ليس خطرا.

• رقابة ميسي مسؤولية الجميع. يتحدد من يتولى ضغطه بحسب موقع ليو في الملعب.

• ولو حاول نيمار دخول العمق وركض قطريا، على الظهير الأيمن التحرك معه ليصبح مدافعا ثالثا.

• احذروا من موقف 1 ضد 2 مع نيمار.

--

وربما لا تكون الكلمات سهلة الفهم. ولأن الغرض ليس تحليل كلاسيكو قديم، بل البحث عن أفكار خاصة بزيدان طبقها مرارا وتكرارا. البحث عن أسراره الخططية، التي استعصت على غير محبيه.

ويمكن توضيح ما طلبه زيدان من فريقه دفاعيا في الكلاسيكو من خلال مباراة سان جيرمان في الموسم الثالث لزيزو:

أسينسيو يضغط فيراتي ارتكاز سان جيرمان ليجبره على التراجع إلى الخلف:

ثم يجبر سان جيرمان على الذهاب إلى الجناح الذي يسيطر عليه ريال مدريد:

من تلك التعليمات والصور بات واضحا أن زيدان لديه حسابات خططية..

يبدو هذا القول ساذجا لأن كل مدرب لديه خطة يتلقى الإشادة إن فاز بها واللوم لو خسر.

لكن زيدان كان الاستثناء في نظر منتقديه، فلم يرتبط اسمه أبدا بخطة ناجحة. ظل محبوسا في خانة "المدرب المحظوظ، صاحب السبحة".

لم ينجح أي فوز في رفع تقييمه أمام. رغم أنه فاز في تلك المباراة التي قرأنا خطتها بخط يده ضد برسا قوي وبهدفين من لعبة تكتيكية واضحة:

يركض كريستيانو عكس كل التوقعات إلى الجناح – وليس إلى العمق كما اعتاد - وذلك ليشغل بال الظهير الأيمن لبرسا، فيحصل مارسيلو على فرصة اختراق العمق.

ثم يلعب مارسيلو للزاوية العكسية فيسجل ريال مدريد الهدف الأول مستغلا أن الظهير الأيسر طبعا لا يملك ترف النظر لمن يركض من خلفه:

وهدف جاريث بيل الملغي كان نموذجا طبق الأصل:

لماذا لم يشر أحد إلى أن زيدان لعب بخطة جيدة في هذا اليوم؟ ربما لأن الجميع ظن تلك تحركات يقوم بها اللاعبون بمفردهم، دون تلقين من المدير الفني.

حسنا في الموسم الأول لزيدان كان هذا مقبولا لأنك لا تعرف هل ستتكرر تلك التحركات لاحقا أم أنها مرتبطة بأصحابها فقط.

لكن ألا تلاحظون أن تحرك مارسيلو للعمق هذا تكرر كثيرا بل ولم يكن الوحيد الذي يفعل ذلك. هدف فيرلان ميندي الأخير في الليجا خير دليل على أن ما كان يحدث هو خطة لعب.

ركض إيسكو على الجناح عكس الطبيعي من صانع ألعاب، وذلك كما فعل رونالدو من سنوات لجذب انتباه الظهير، ففتح مساحة لتمريرة من ميندي إلى كريم أو مساحة اختراق من الظهير الفرنسي نفسه.

لكن تلك الإشادة بأفكاره الفنية لم تأت أبدا. ظل التحكيم هو العنوان الرئيسي في تغطية انتصارات ريال مدريد، متجاهلا عددا مهما من الأسئلة:

• كيف يصل ظهيرا الجنب في مدريد إلى داخل منطقة جزاء الخصوم بهذا التكرار الذي أدى إلى احتساب ركلتي جزاء صحيحتين للفريق في المراحل الهامة الأخيرة من عمر الليجا؟

والإجابة تظهر جزء جديدا من خطة زيدان. وهي بناء اللعب. دعونا نتابعه في الصور التالية:

1) أثناء بناء اللعب لا يتحرك كارباخال كالمعتاد على الجناح، بل يدخل إلى العمق. والهدف هو سحب الجناح الأيسر لخيتافي معه.

2) في اللقطة السابقة يتسلم فالفيردي الكرة بسهولة ناحية اليمين لأن الجناح الأيسر مشغول مع كارباخال. وينقلها فالفيردي إلى أسينسيو الذي يحتضن الخط هو الآخر.

3) الهدف هو أن يلعب أسينسيو الكرة تمريرة قصيرة إلى كارباخال، فيلعبها كارباخال إلى بنزيمة ويركض من جديد لاستلام تمريرة كريم.

والنتيجة أن ثنائية (فالفيردي-كارباخال ثم اسينسيو-كارباخال ثم بنزيمة-كارباخال) تخلق طريقا للظهير الأيمن لريال مدريد حتى يصل إلى خلف خطوط خيتافي.

وبالمثل تتم تلك اللعبة ناحية اليسار حيث يبدأ مارسيلو التحرك من العمق، يسحب معه الرقابة. يظهر جناحا يتسلم الكرة ثم يمررها لمودريتش. ومودريتش ينقل مارسيلو إلى الأمام ليحصل على ركلة جزاء أمام بلباو.

• والسؤال الثاني: بالتأكيد كعب بنزيمة كان مبهرا. لكن ما الذي يفعله كاسميرو داخل منطقة جزاء إسبانيول أصلا؟

مع رحيل كريستيانو وطرد بيل، أصبحت العناصر التي تتحرك من الوسط لخط الهجوم في ريال كلها غير قوية في ألعاب الهواء. سواء لوكا مودريتش أو فينيسيوس أو أسينسيو أو هازارد أو إيسكو أو رودريجو.

لهذا بدأ زيدان يستخدم حيلا يدفع بها كاسميرو إلى مناطق جزاء الخصوم مثلما حدث في مباراة إسبانيول، لقطة تساوي 3 نقاط أخرى في مشوار اللقب.

كاسميرو لم يكن موجودا بالصدفة في منطقة الجزاء لتسلم كعب بنزيمة، بدليل أنه كان موجودا أيضا في منطقة جزاء إسبانيول قبل ذلك بدقائق في فرصة أخرى أهدرها هازارد.

ثم استمر اللعب لدقيقتين وجاء الهدف بتوقيع كاسميرو.

وهذه الصورة تستحق التحليل:

يلعب إسبانيول كما يظهر في الصورة السابقة بأربعة مدافعين، ولو كان كارباخال هو من اندفع يمينا لاضطر الجناح الأيسر لإسبانيول إلى العودة معه.

لكن ولأن كارباخال يقف في الدفاع في مكانه، فلم ينتبه الجناح الأيسر لإسبانيول أن هناك لاعبا آخر يندفع من ظهره وهو كاسميرو.

هكذا سقطت الكرة في طريق كاسميرو، دخل منطقة الجزاء وسجل لريال مدريد هدفا حاسما في سباق الليجا.

وبالمناسبة هي مغامرة من زيدان أن يدفع بكاسيميرو في تلك المناطق، لكنها مغامرة مطلوبة من فريق ينافس على اللقب. كما أنها محسوبة بوجود كارباخال، مارسيلو، فاران في الخط الخلفي، وكروس أمامهم.

مغامرة وقد أثمرت عن هدف في إسبانيول، ومن قبله هدفين في إشبيلية.

• أما السؤال الثالث فقد كان متى يحصل زيدان على ختم الجودة الفنية من الجماهير إن لم يكن بعد حصد 3 دوري أبطال أوروبا و2 ليجا؟

لماذا لا يرتبط اسم زيدان بأي أمور فنية أو خططية؟ هل لأنه لا يمتلك فعلا شيئا، أم لأن السؤال عما يميز زيزو عن باقي أقرانه فقط لم تتم الإجابة عليه من قبل.

فالكل شرب من بيب أفكار تيكي تاكا وبات يتغزل في أقل تحرك للاعبيه. كلوب ارتبط بالضغط الرهيب. إحياء 3-5-2 رفع اسم كونتي مع جرعات جرينتا عالية. وجودة دفاع مورينيو وسيميوني استثنائية.

لكن ماذا عن فلسفتك يا زيدان إن كنت تملك واحدة؟

--

"أنا لاعب في المقام الأول. أنا واحد منهم. لهذا أفهم جيدا أن لاعب كرة القدم يستطيع تحقيق كل أفكار المدرب حين يمتلك الكرة بين قدميه ويجد التمرير سهلا".. زيدان يتحدث عن فلسفته الكروية.

--

فلسفة زيدان

دعونا نعود إلى عام 1999. يدخل كارلو أنشيلوتي المشهد ليحكي قصة فلسفة زيدان: "حين كنت مديرا فنيا ليوفنتوس اخترت طريقة 4-4-2 لتطويرها وتطويعها في الملعب. كانت الخطة السائدة".

واستدرك "ثم بعد فترة من العمل مع زيدان تغيرت فلسفتي في كرة القدم بكل ما تحمله الكلمة من معنى".

وأوضح "سحر زيدان أقنعني بأن وجود صانع ألعاب صريح سيجعلني أحكم أي مباراة".

وأن تحكم المباراة هو عنوان الدستور الفني زيدان.

والتحكم الكامل يحدث حين تستطيع رفع الإيقاع أو خفضه كما تشاء. هذا كان هدف زيدان كمدير فني. وعودة صانع الألعاب الكلاسيكي سلاحه لتحقيق ذلك، وبصمته على عالم المدربين.

وفكرة العثور على خطة تستطيع فيها رفع الإيقاع وخفضه في المباراة أمر لا يتواجد في أغلب المدارس ذات الإيقاع العالي والسريع دائما والتي تستنزف طاقة اللاعبين فتتكشف ثغراتهم بشكل أكبر. ولا تتواجد في أغلب المدارس ذات الإيقاع المنخفض التي تشهد اعتماد الفريق على خصمه لدرجة تقلل إبداع لاعبيه.

ومباراة ريال مدريد وفالنسيا في كأس السوبر الإسباني المنصرم ستكون النموذج لفهم العلاقة بين صانع اللعب وباقي كتيبة زيدان خاصة وأنها شهدت مشاركة صانعي لعب وليس واحدا، إيسكو ومودريتش.

مباراة وجد زيدان فيها غايته مع ثلاثي ارتكاز يتشارك كل أدوار الملعب وصانع لعب، يتحكم في تحركات ريال مدريد.

صانع لعب يطلب الكرة في المكان الخطر، خلف دفاعات فالنسيا كما يظهر في الصورة التالية من إيسكو ومودريتش:

لكن الأهم من هذا هو قانون يمكن ملاحظته في تحركات لاعبي ريال مدريد: ينظر اللاعبون إلى مكان إيسكو، ويتحركون على أساسه.

الصورة التالية تبدو طبيعية جدا: إيسكو في العمق خلف دفاعات وسط فالنسيا يطلب الكرة، ومندي على اليسار يفتح الملعب إلى آخره.

لكن ماذا لو تحرك إيسكو هو إلى الجناح؟ نعم. يتحرك فيرلاند مندي الظهير الأيسر عكسه، أي إلى العمق.

ونفس المشهد تكرر بعدها بدقائق: إيسكو على الجناح وميندي في العمق. خطة إذن ليس اجتهادا.

الآن انسوا ميندي ودعونا ننظر إلى الصورة الثانية ونلاحظ أنه: حين يتحرك إيسكو إلى العمق ناحية اليسار، أي مكان توني كروس. ستجد أن الألماني يتحرك هو مكان إيسكو.

ماذا تفهم من الصورتين: أن مكان صانع الألعاب مهم جدا أن يظل مشغولا، لو ذهب إيسكو مكان مندي، فليذهب مندي مكان إيسكو. ولو ذهب إيسكو مكان كروس فليذهب كروس مكان إيسكو

المهم أن يكون هناك دائما لاعب يستطيع تسلم الكرة خلف خطوط فالنسيا. ومهم جدا أن يحصل إيسكو عىل حريته لأسباب ستتضح بعد قليل.

وفي الصورة التالية ستعرف لماذا تحرك كروس إلى هناك. لأنه حين يلتقط الكرة، سيكون إيسكو قد بدأ الانطلاق حتى يتسلم منه تمريرة حريرية تضعه في مواجهة دفاع فالنسيا وبحرية كبيرة:

إذن الهدف هو أن يصل إيسكو إلى حدود منطقة جزاء الخصم غير مراقب، من خلال تحرك زملائه كل خارج مكانه على أن يشغل هو مكانهم.

هذا عن إيسكو. والأمر نفسه يخص لوكا مودريتش:

وهنا تجدر الإشارة إلى أن إيسكو ومودريتش يتحركان بالتناوب كمهاجمين متأخرين. واحد منهما صانع لعب، إذن الثاني يلعب كمهاجم. وهكذا.

حسنا، الآن إلى اللقطات الأهم. الآن نرى كيف يتحرك إيسكو ومودريتش معا.

نرى رسمة حقيقية من زيدان. ولوحة فنية من ريال مدريد في المملكة العربية السعودية.

في الصورة الأولى نرى ريال مدريد تحت ضغط فالنسيا، ونضع أعيننا على إيسكو الذي تراجع جدا لتخفيف الضغط عن رفاقه واستلام الكرة منهم وتحويلها إلى مرتدة:

وحين وصل إيسكو إلى حدود المنطقة شكل المثلث الذي يعشقه: أمامها ثنائي هجوم أحدهما مودريتش طبعا:

لكن إيسكو وجد الطريق مغلق في العمق، فنقل الملعب إلى ناحية اليمين. ليهرع لوكا مودريتش إلى الجبهة التي فيها الكرة لتقديم المساعدة.

الآن ريال مدريد بمهاجم واحد مع تراجع تام من فالنسيا. ليس من المفروض أن يحدث ذلك. يجب أن يظل الفريق بكثافة عددية تتكون من 2 مهاجمين:

لهذا اندفع إيسكو إلى العمق ليكون هو المهاجم الثاني:

وسلم مكانه ودوره لكروس:

ما أريد توضيحه أن ريال مدريد حافظ على توزيع لاعبيه في الملعب، بغض النظر عن التحرك غير الطبيعي بينهم جميعا.

وهكذا استطاع ريال مدريد الوصول إلى مراده. إيسكو قادم من الخلف حر طليق ليسجل الهدف الثاني للميرنجي ويحسم الوصول لنهائي السوبر.

هكذا تلاعب ريال مدريد بفالنسيا. وهذه فكرة زيدان. التحرك وبنظام بحيث إن عاد إيسكو هبط الإيقاع وإن زاد بات أسرع.

ومن يعرف قصة زيدان التدريبية يستطيع بسهولة قراءة إسهام إيسكو فيها.

كيف كان على وشك الرحيل بعد مرحلة أنشيلوتي، ثم نجما مع زيدان، ثم على وشك الرحيل مع لوبوتيجي، ثم نجما حين عاد زيزو في الولاية الثالثة، وتحديدا في مباراة سان جيرمان.

فمن يعرف كيف يمنح صانع الألعاب الظروف المناسبة للنجاح أكثر من زيدان؟

صانع اللعب يحتاج إلى أهداف متحركة.

هكذا ترى بعين الخيال الجناح ينطلق إلى العمق وكريم بنزيمة من خارج منطقة الجزاء إلى داخلها حتى يتحولان إلى أهداف متحركة لتمريرة من إيسكو إذا كان الفريق يلعب 4-1-2-1-2 أو مودريتش مع 4-3-3.

ويحتاج كذلك صانع الألعاب إلى حماية لأن إبداعه قد يؤدي إلى فقدان الكرة سريعا. لهذا يجب أن يظل أحد لاعبي الارتكاز في أثر إسكو طوال الطريق لتأمينه واسترداد الكرة له إن ضاعت.

في الصورة التالية يظهر نفس تحرك إيسكو، لكن هذه المرة ليس لصناعة اللعب بل للتسديد. هنا يقرر رونالدو التضحية بنفسه ويظل ثابتا على الخط حتى لا يغلق الطريق أمام إيسكو الذي يتقدم للعمق:

ومن ضمن الظروف المناسبة لإنجاح صانع الألعاب هو منحه الفرصة للإبداع، تشجيعه على اتخاذ القرار الجريء بالتمرير أو بالمراوغة حتى لو ضاعت الكرة.

فإن ضاعت وجد ارتكاز يتحرك خلفه مباشرة حتى يسترد الكرة سريعا. ابدع كما تشاء إيسكو، ولا تقلق كاسميرو دائما في ظهرك.

وما يجعلك تتيقن من أن هذا التحرك دستوري وليس حرية من اللاعبين أن الأمر لم يختلف برحيل رونالدو ولا بتحويل مودريتش إلى صانع الألعاب الصريح وترك إيسكو على الدكة في الولاية الثالثة لزيدان.

دعونا نرى ما حدث في الهدف الأول من مباراة تتويج الميرنجي بالليجا الثانية في تاريخ زيزو:

في الصورة التالية بداية هدف تتويج ريال مدريد في مباراة:

أما الصورة التالية ففيها نفس المنظر، فقط في مباراة أخرى هذا الموسم أيضا. وكان الخصم فالنسيا.

وهنا يظهر السؤال: كيف يتسلم إيسكو أو مودريتش الكرة في تلك المنطقة؟ بالتأكيد ليس الأمر صدفة لأن الرقابة الفردية ووجود ثنائي ارتكاز من الخصوم لا يجعل تلك اللقطات سهلة التطبيق في الملعب.

هكذا نبدأ في البحث عن طريقة تفريغ المساحات في ريال مدريد وهل تحدث بشكل عشوائي نظرا لقوة اللاعبين أم أن هناك تحركات يدرسها الجالاكتيكوس في تدريبات زيزو:

هناك قاعدة ذهبية لزيزو: على حامل الكرة أن يمرر في المساحة. لا تمرر لزميلك بل مرر في المساحة الخالية. ومسؤولية زميلك أن يجد تلك المساحة.

كيف يجدها؟

يمكنك تقسيم الملعب إلى 3 أجزاء: مجموعة اليمين ومجموعة العمق ومجموعة اليسار.

حين يبدأ اللعب مع مجموعة اليمين، فإن مجموعة الوسط تستعد لاستلام الكرة. والعكس صحيح. والأمر نفسه ينطبق يسارا.

ربما الصور ستجعل الأمر مفهوما بشكل أسهل:

اللعب يدور بين أقدام مجموعة اليسار. وحين ظهرت المساحة انطلق كريستيانو من مجموعة العمق لتسلم الكرة.

وانظروا إلى الصورة التالية:

اللعب يدور ناحية اليسار، تظهر المساحة فيتحرك لاعب من مجموعة العمق هذه المرة يدعى كاسميرو لالتقاط الكرة.

مرة أخيرة؟

الفكرة الثانية هي خلق المساحة عن طريق تبادل الأماكن.

وبنزيمة تحديدا كان نموذجيا لمتطلبات زيدان. لا يكف عن الحركة. ويعرف جيدا كيف يكشف المساحات لزميله الذي بدوره طاقة لا تنضب من حيث الحركة كريستيانو رونالدو.

هل تتذكرون تلك التحفة الفنية:

في الصورة الماضية يبدأ بنزيمة التحرك من اليسار للعمق، ويتحرك كريستيانو رونالدو من العمق إلى اليسار في تبادل يربك دفاع برشلونة.

أما في الصورة التالية فتجد بنزيمة بعدما تسلم الكرة من مودريتش لعبها بالكعب لكريستيانو ليسجلها في الشباك.

أما الحيلة الثالثة فهي: القادمون من الخلف

أسمعك تقول هذا ليس تكتيكا، هذه لعبة يستخدمها الجميع. لكن في الحقيقة ريال مدريد يتدرب عليها وينظمها بحيث تصبح سلاحا أليا، لا شيء تصنعه الصدفة.

هذه خطوات التمرير إلى الخلف:

1) يتحرك المهاجم إلى الجناح. رونالدو أو بنزيمة على سبيل المثال.

2) يأخذ المهاجم وهو يتحرك انتباه قلب دفاع. يحركه من مكانه، ينتقل به من العمق إلى الجناح.

3) هكذا تظهر ثغرة في عمق دفاع الخصم، إما يستغلها لاعب من ريال مدريد.

4) أو يهرع لاعب ارتكاز الخصم إلى منطقة الجزاء. يدخل هو المنطقة ويترك حدودها لتوني كروس.

الصورة التالية من كريستيانو إلى توني كروس. وجول.

والأمر نفسه يحدث هذا الموسم بإعادة مشاهدة هدف ريال مدريد في إيبار، أول مباراة بعد توقف كورونا. هدية من بنزيمة إلى كروس.

والحيلة الرابعة التي أزعم أني لم أر أفضل من ريال مدريد في تطبيقها هي تغيير الملعب عن طريق توني كروس.

يغيره يسارا:

ثم يغيره يمينا:

يجمع ريال مدريد اللعب في اتجاه، ثم يرسل كرة مباشرة إلى الاتجاه العكسي. واثقا من قدرته على إيصال الكرة، ومن قدرة الظهير الطائر على استلامها.

وبالتأكيد مودريتش لا يقل قدرة عن كروس في هذا الشأن:

هكذا يبطئ ريال مدريد الإيقاع بالتمرير القصيرة، يتجمع اللعب في جبهة ثم تنتقل الكرة إلى الجبهة الأخرى ويرتفع الإيقاع سريعا.

وربما يفكر أحدكم في أن تغيير اتجاه اللعب لا يتم بناء على خطة، أو تعليمات من المدير الفني. لكن هناك صورتان رائعتان قد تثبتان عكس هذا الرأي:

في مباراة فالنسيا تجمع اللعب يمينا، وفي اللحظة التي تسلم فيها كاسميرو الكرة اندفع ميندي راكضا لأنه يعلم أن هذه هي لحظة تغيير اتجاه اللعب لضرب دفاعات فالنسيا.

لكن الكرة لم تأت. ورفع ميندي يده كأنه يقول كان عليك التمرير لي. ولأن كاسميرو يعلم أنه أخفق، وأن تغيير اتجاه اللعب كان الاتفاق، فقد اعتذر مباشرة كما يظهر في الصورة التالية:

وفي الصورة التالية ستجد إيسكو في العمق، وقبل وصول الكرة إلى قدميه بلحظات إنظر إلى أين تتجه عينا صانع ألعاب ريال مدريد؟ إلى اليسار حيث يتواجد ميندي في موقف واحد ضد واحد:

وحين وصلته الكرة غير الملعب في ثانية:

هل هذه الحيل المتكررة كافية لمنح زيدان ختما جماهيريا بأنه مدير لديه فنيات كبيرة؟

أظنها على الأقل تكمل باقي الصورة التي تحفظها عن زيدان المميز في إدارة غرفة خلع الملابس الذي سيطر على كريستيانو، وأعاد الاتزان للدفاع بتقديم كاسميرو، ثم بتطوير لاعبين شباب كفيدي فالفيردي.

والاتزان هو أن تجعل فريقا استقبلت شباكه 46 هدفا في الموسم التالي صاحب أقوى دفاع في الدوريات الخمس الكبرى وفي الوقت نفسه لديه أعلى معدل صناعة فرص في الليجا.

وكلمة السر كانت فالفيردي.

• فالفيردي

في الموسم الماضي أشارت التقارير إلى رغبة بيريز في تفجير قائمة ريال مدريد بإعارة مارسيلو ليوفي، مودريتش لإنتر وكروس لمانشستر. بدأ الجميع يتحدث عن وجود كانتي بدلا من كاسميرو، وانضمام بوجبا للكتيبة.

ثم فاز ريال مدريد بالليجا رغم أن الفريق لم يتغير به أي شيء سوى عودة زيدان. حتى الصفقات الجديدة كان أغلبها لدعم مقاعد البدلاء وفقط إدين هازارد للتشكيل الأساسي، ولم يلعب للإصابة.

كيف غير زيدان الآية وجعل ريال مدريد يعود لطريق البطولات؟ هذه حكاية تحتاج إلى العودة لعام واحد حيث كان المدير الفني للفريق هو جولين لوبيتيجي، وتحديدا لمباراتي إشبيلية وروما.

انهار نظام الضغط على الخصم مع لوبيتيجي، ولملاحظة ذلك انظروا إلى الصورتين التاليتين من لقاء إشبيلية:

وفي مباراة روما ظهرت مساحات شاسعة جاء منها هذا الانفراد: وقد وضعت لك علامات على ثلاثي ارتكاز ريال مدريد لتسأل نفسك كيف وصلوا لهذا الوضع.

كيف لفريق يلعب بثلاثي ارتكاز يصل إلى صورة فيها ارتكاز يقف على حدود المنتصف، وثان يقف كأنه ظهير أيسر، وثالث يلهث خلف حامل الكرة؟

حسنا لنشرح لك الهجمة من بدايتها حتى تفهم أصل المشكلة التي أدت إلى هذا الانفراد بمرمى كيلور نافاس.

ركز في تفاصيل الصورة السابقة:

1) مساحة كبيرة في العمق يحتلها لاعب روما دون رقيب. بالتالي الفشل في الضغط نتيجته كارثية.

2) لوكا مودريتش يقف ثابتا وحتى لغة جسده لا توحي بنيته التدخل في المشهد.

3) الجناح الأيمن الذي أسقطت عليه الضوء يقف متقدما للغاية ولم يرتد للوسط للدفاع.

4) مارسيلو أمام الكرة وليس خلفها.

ماذا فعل زيدان خططيا حين عاد في الولاية الثانية؟ تعالوا نشاهد لقطة الهدف الأول لريال مدريد في فياريال مرة أخرى.

وتعالوا نقيم الصورة الماضية من مباراة يقودها زيدان بنفس النقاط التي تحدثنا عنها في لقطة لوبيتيجي:

1) الظهير الأيسر ميندي لا يظهر في الصورة لأنه يحافظ على مساحته في الخلف.

2) الجناح الأيمن رودريجو لم يلتزم بمكانه وتحرك مع لاعب فياريال وتداخل في المشهد رغم أنها ليست منطقته. وهذا عكس ما حدث فترة لوبيتيجي في مباراة روما.

3) مودريتش تحول من ارتكاز ثالث عليه الركض والضغط والعودة إلى صانع لعب، دوره غلق زاوية التمرير التي يحرسها.

استعاد ريال مدريد نظامه في الضغط، وما منح زيدان القدرة على فعل ذلك هو فيدي فالفيردي، الذي بات الارتكاز الثالث القادر على اللعب ناحية اليمين.

هكذا دخل فالفيردي حسابات زيدان كارتكاز أيمن، يضغط، يفتح الملعب يمينا، والأهم أنه يقلل من المسافات المطلوب قطعها من لوكا مودريتش فيتفرغ الكرواتي للإبداع كصانع لعب رئيسي، يجلس له إيسكو بديلا.

هكذا كانت معادلة زيدان لعودة التوازن إلى بيت ريال مدريد.

الصورة التالية توضح كيف يتفاعل فالفيردي مع الضغط العالي على لاعبي برشلونة لإجبار تير شتيجن على إرسال كرة طولية.

أما الصورة التي تليها فتوضح كيف مرر لاعبو فالنسيا كرة ضربت تمركز كاسميرو، فتدخل فالفيردي من الخلف بامتياز لانتزاعها من الخفافيش مجددا في السوبر الإسباني.

اللاعب الذي اخترعه زيدان جعل الفريق أنشط، أصبى. انخفض بسببه معدل أعمار خط وسط ريال مدريد، وباتت جبهته اليمنى حصينة دفاعيا.

كيف؟ تعالوا نتذكر مباراة الكلاسيكو التي قادها جولين لوبيتيجي وخسرها في كامب نو. مباراة جوردي ألبا.

لعب جاريث بيل جناحا أيمن في تلك المباراة. وكانت النتيجة الصور التالية:

لاحظ في الصورة السابقة كيف لا يضغط جاريث بيل. لا ينظر أصلا إلى جوردي البا، رغم أن أي مشجع لريال مدريد ستسأله ما هي أخطر حيل برشلونة بعد ميسي؟ سيقول لك بكل ثقة: جوردي ألبا.

حسنا لننظر كيف عالج زيدان ذلك في أول كلاسيكو بعد عودته مديرا فنيا لريال مدريد للمرة الثانية وذلك بإقحام اكتشافه الخاص، فالفيردي.

عفوا ألبا، هذه الجبهة مغلقة. لدى ريال مدريد مدير فني يجيد تصحيح الأخطاء وقراءة خصومه والتحضير لغلق مفاتيح لعبهم. (نقطة من نقاط تقييم المدير الفني).

والميزة العظيمة في فالفيردي، هي امتلاكه السرعة الكبيرة والقوة لترك موقعه إن احتاج الأمر والضغط على حامل الكرة مثلما فعل عديد المرات في الكلاسيكو ذاته مع فرانكي دي يونج الذي لم يستطع التنفس.

هكذا فاز زيدان على برشلونة. فاز بالمواجهات المباشرة، ليس فقط حتى يحسم بها الدوري، بل وليدافع بها عن ريال مدريد حين يقولون إن فريقه لم يكن الأحق بالفوز بالليجا.

--

"زيدان يذكرني بالمدربين الألمان. يهتم برفع الأحمال البدنية إلى درجة كبيرة جدا. وتعاطيه مع تفاصيل المباريات مذهل".. توني كروس الذي تدرب مع بيب وأنشيلوتي والعديد من المدارس التدريبية العظيمة.

--

بعد التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا. ما هي طموحاتك مع ريال مدريد في المستقبل؟

أجاب زيدان بعد تلقيه تحية من زميله راؤول بعد نهاية مباراة ليفركوزن "طموحي في المستقبل؟ الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا التالي، ثم الذي يليه ربما".

ولم يكن زيزو يعلم أن كلماته ستتحقق بل ومعها يمكنك إضافة كلمة التالي مرة ثالثة ورابعة.

فهل يطمح معه جمهور ريال مدريد للفوز بالخامسة والسادسة مع زيزو؟ ربما نعم لو منحته الإدارة ما يحتاج. لكن الأكيد أن الفريق يمتلك المدير الفني الذي يستطيع فعلها.