أحمد عز الدين

الشيطان مورينيو.. تلك كانت الأيام يا صديقي

"في يوم من الأيام كنا نرفع كأسا أو اثنين.. كم كنا نضحك.. نتذكر كل الأشياء العظيمة التي فعلناها".
الأربعاء، 05 سبتمبر 2018 - 20:05
جوزيه مورينيو

"في يوم من الأيام كنا نرفع كأسا أو اثنين.. كم كنا نضحك.. نتذكر كل الأشياء العظيمة التي فعلناها". "تلك كانت الأيام يا صديقي"..

"تخيلنا أنها أيام لن تنتهي"..

"نختار الحياة التي نريدها.. نحارب ولا نخسر أبدا"..

"كنا شبابا نعرف كيف نفوز".. "وتلك كانت الأيام يا صديقي".

أغنية Those were the days أحبها بصوت بينج كروسبي.

وعدم فهم كلوب للمشكلة بسيط. مورينيو لا يحارب على إثبات أحقيته في أنه الأفضل حاليا في إنجلترا رقميا، بل يحارب لسبب أخر.

--

الشيطان

جوزيه ليس ملاكا، لكن لماذا تظهر صورته كشيطان؟

هناك سببان أولهما جوارديولا.

مورينيو كان استثنائيا في زمنه. الرجل الذي يفوز بطريقته التي ربما لا تعجبك، لكنك معه تضمن النجاح لدرجة دفعت برشلونة لمفاوضته في عام 2008 رغم أنه يمثل فنيا عكس كل قيم النادي الكتالوني.

هذا يوضح كم كان استثنائيا. لكن حين قرر برشلونة عدم المضي قدما في التوقيع مع مورينيو واختيار بيب جوارديولا الذي يستهل رحلته التدريبية، تغير التاريخ.

ظهر برشلونة في النسخة الأفضل مع بيب. النتيجة الطبيعية أن هناك من ظهر في كرة القدم يحقق نفس نتائج مورينيو وأفضل، لكن مع كرة قدم يحبها الجميع.

كرة قدم من طرف واحد. هذا كان تخصص جوارديولا، وهذا ما جعل الجميع وقتها يغير نظرته في مورينيو من "رجل منتصر" إلى "رجل منتصر يلعب كرة قدم غير تلك التي نراها مع بيب".

هكذا توجوا جوارديولا ملاكا في كرة القدم. إذا فليكن منافسه الأكبر هو الشيطان.

هكذا تم توزيع الأدوار وحصل كل على ما يستحقه. الشخص اللطيف الذي يلعب كرة جميلة والآخر سليط اللسان المغرور الذي يختال بهاء. وليستمر السباق بينهما إلى الأبد كما يستمر بين ميسي ورونالدو..

لكن خلال تلك المرحلة لم يكن وصف الملاك أو الشيطان ينكر على أي منهما نجاحه. قدرة بيب خلق مباريات من طرف واحد، وقدرة مورينيو أن يجعل الاستثناء عادة في فريق تعاني.

ثم خفت بريق نتائج مورينيو. وهذا هو السبب الثاني.

السبب كما يتضح من الحكايات أن جوزيه كان يشعر أنه أكبر عمرا وربما يحتاج إلى وتيرة حياة مختلفة.

--

جوزيه مورينيو: "ربما لا أقف على الخط كالمهرج كما كنت أفعل سابقا. تعلمت أن علي التحكم في مشاعري وانا أكسب تماما كما أفعل وأنا أخسر. أنا أكبر عمرا الآن وأكثر نضجا".

--

كان جوزيه يريد أن يتحول من مدرب إلى مدير، يحلم بالصعود إلى مكتب أليكس فيرجسون لمتابعة التدريبات عن بعد بدلا من النزول إلى أرض الملعب أثناء رص أقماع المران.

يتمهل ظنا منه أنه يتحرك في حكمة وهو يدرس قرار بيع لاعبين لا يراهم يصلحون للنادي. يمنحهم فرصة ثم أخرى، والنتيجة أن القائمة متخمة بمن لا فائدة لهم والإدارة تلومه لأنه لم يبع دارميان وماركوس روخو.

يترك مورينيو المساعدين يضعون خطط الكرات الثابتة، والكشافين يتعاقدون مع لينديلوف، والحرية لمهاجميه في الملعب دون "دايناميكا" كالتي خلقها في مدريد.

هكذا كانت بداية مورينيو الحكيم الناضج مع يونايتد. وباقي الطريق نعرف ما حدث فيه.

لم يكن مورينيو استثنائيا بسبب حكمته بل على العكس.

محاولته لعب دور الحكيم الهادئ الذي لا يتعجل الفوز أهدرت وقتا وخلقت صورة ذهنية جعلت الناس تقول إن الرجل الذي كان مفعما بالحماس يقفز على الخط وقد كان استثنائيا في وقت رصين لفيرجسون ولفينجر انتهى بعدما ظهر كونتي وكلوب وشخصيات عديدة جعلت جوزيه عجوزا في ملعب الشباب.

--

"أعرف أن من يكرهوني كانوا يعيشون أياما صعبة حين كنت أفوز"..

"أعرف أنكم تكرهون عناوين صحافتكم حين تكتبون مورينيو فاز مجددا. مورينيو ذهب إلى ناد جديد وفاز مجددا. مورينيو يفوز. مورينيو يفوز. الآن يمر 10 شهور ولم أفز بلقب فتقولون إني ميت!"..

"أنا حي. وسعيد من أجلكم. سعيد لأنكم سعداء بسبب نتائجي الأخيرة".. جوزيه مورينيو.

--

ومورينيو خاسر سيء. حين يخسر يلوم التحكيم، يلوم الإدارة التي لم توفر له الصفقات، يلوم اللاعبين بأن يضرب مثالا لماتيتش حتى يفهم الكل أن بوجبا كان سيئا.

لكني كنت أحب في مورينيو أنه خاسر سيء.

حسام حسن خاسر سيء. لكن أليس هذا الأمر سر قوته.

جوارديولا خاسر سيء بالمناسبة لكنه لا يخسر كثيرا.

لكن في السنة الفائتة تحول مورينيو من خاسر سيء إلى مجرد خاسر مزعج.

--

"هل تعلم كم انتهت النتيجة؟ 3-0.. هل تعني معنى الرقم 3؟ أنا فزت بـ3 ألقاب دوري إنجليزي وهذا الرقم أكبر مما حصده كل مدربي باقي فرق الدوري مجتمعين".

--

كان جوزيه يفترض أن تاريخه يجعله حصينا.

كان يظن أن الإعلام لن يحمله مسؤولية خسائر يونايتد.

أنا بالفعل بطل. أنا بالفعل رجل ناجح ولدي رصيد كبير في إنجلترا. أنا كنت مطلوبا في المنتخب لأنكم كنتم تروني الأفضل. هكذا يؤمن.

أنا الاستثنائي وإن خسر يونايتد عليكم البحث عن سبب آخر غيري لأني بالتأكيد بتاريخ مثل تاريخي لست السبب.

ربما المشكلة في اللاعبين. لو امتلكوا شخصية ماتيتش سنفوز. أو ربما المشكلة في المدافعين لو أجادوا التمرير للأمام سنفوز. المشكلة في الإدارة لو اشتروا لي مدافعين سنفوز. المشكلة في بوجبا لو اهتم أكثر بالكرة سنفوز. المشكلة في أليكسس لو استغل الحرية التي منحتها إياه سنفوز.

كيف ترفضون طلبي لرحيل مارسيال. ألم يبع فيرجسون من قبل ديفيد بيكام وهو في أوج تألقه؟ ألم يطرد رود فان نيستلروي مضحيا بأحد أعظم المهاجمين في التاريخ من أجل لويس ساها؟

لكن أحد لم يلم السير لأنه كان يفوز.

أنت تفوز = أنت صاحب الكلمة العليا

أنت تخسر = أفكارك سيئة ولن نجلب لك ألدرفيلد لأنه عجوز ونحن نبني فريقا للمستقبل وسنجدد عقد مارسيال حتى لا نكرر غلطتك مع صلاح.

إذن هل انتهى مورينيو؟

هل يعيش مورينيو على ذكريات إنجازاته السابقة وينتهي فجأة كأنما نزع أحدهم "الفيشة" كما حدث مع أساطير قبله مثل فابيو كابيللو وأريجو ساكي وأرسين فينجر؟

هل يكون مدربا يعيش على أغنية قديمة تتردد دوما في ذهنه وهو يشاهد كل شيء ينهار من حوله؟

--

"اليوم أشعر أن لا شيء يبدو كما كان".

"في المرآة وجدت صورة غريبة أمامي. هل فعلا هذه الصورة لهذا الشخص الوحيد هي صورتي أنا؟".

--

اسمحوا لي أن أتخفف من معايير الكتابة الرصينة وأكتب أني أحب مورينيو وأزعم أني لم أترك ثانية في مباراة له منذ بدأ مشواره مع بورتو ولم يفتني أي تصريح من الرجل أو عنه.

أن يقول أحد إنه فاشل أو يفوز بالمال فهذا غير منطقي يأتي غالبا من محبين لجوارديولا يفكرون بمنطق ميسي ورونالدو، أحدهما جيد والأخر فاشل.

أنفق ملايين؟ نعم لكنه تسلم الفريق فارغا من النجوم التي تصنع الفارق باستثناء ديفيد دي خيا، متأخرا في السباق عن بيب الذي بدأ حقبته معه سيلفا وأجويرو ودي بروين.

يريد مدافعين رغم أنه ضم لينديلوف وبايي؟ تعاقد كلوب مع كاريوس ثم بيكر. بيب جلب برافو ثم إديرسون. لا مشكلة.

ثم بالمناسبة في أول موسم مع يونايتد اهتزت شباكه 29 مرة، أقل من أرسنال 44 وليفربول 42 وسيتي 39 وتشيلسي حامل اللقب 33. وفي الموسم الماضي كان يونايتد أفضل ثاني دفاع بعد سيتي بفارق هدف واحد.

المشكلة أن عدم استقبال الأهداف سهل حين لا تكون أولويتك الهجوم.

لكن كيف يبني مورينيو فريقه هجوميا دون مدافعين جيدين. ألم يخسر بيب كل مبارياته الكبرى مع جايل كليشي وباكاري سانيا وفاز مع كايلي ووكر.

يقولون مورينيو لا يبني فريقا للمستقبل؟ فعلا! ربما يكون الاكتشاف المقبل لك ولإدد وودوورد أن جوزيه مدرب صاحب فكر دفاعي.

لماذا اصلا جلب مانشستر مدربا مثل مورينيو. ببساطة ليحقق بطولة سريعة والإدارة تعلم تماما من هو هذا الرجل وعليه ألا يشعر أنه مصدوم من شخصيته.

ولنضع كل شيء في نصابه.

كل ما سبق يحلل لماذا تأخر نجاح مورينيو مع يونايتد، لكن كلمة فاشل ليست مناسبة أبدا لوصف هذا الرجل.

ولا حتى منتهي.

--

“Oh my friend we are older but not wiser.. For in our heart the dreams still the same”.

"آه يا صديقي.. نحن أكبر سنًا وأكثر حكمة، لكن في قلبنا الحلم مازال نفسه"

مقطع أخر من أغنية Those were the days my friend.

--

الطريق إلى النجاة

يضع جاري نيفيل أحد أبرع المحللين في العالم تلك اللائحة كمعيار منه يمكننا القياس: هل هذا فريق بطل أم لا؟

يبدو بناء الهجمات في كرة القدم كأهم شيء حاليا. الكل يبحث عن مدافعين يجيدون التمرير والتمركز عاليا. الكل يبحث عن أكبر عدد من التمريرات لصناعة الفرص.

وفي مباراة توتنام قدم يونايتد شوطا من طراز مورينيو إلى درجة تجعلني أؤمن بأن فكرة أن هذا الرجل توقف به الزمن محل شك.

دخل توتنام المباراة وهو يضغط بثنائي هجومي ظنا من بوتشيتينو المدير الفني للفريق أن مانشستر يونايتد سيلعب بثنائي دفاعي فقط.

لكن مورينيو كان يطلب من هيريرا النزول كمدافع ثالث أثناء بناء يونايتد للهجمات.

لهذا أصبح ثنائي هجوم توتنام يضغط على 3 من يونايتد. فظهر فريق مورينيو بشكل أفضل.

ولأن مورينيو يعرف أن توتنام يلعب في العمق، ويستخدم ظهيري الجنب بشكل كبير هجوميا، فقد حضر خطة يونايتد لضرب تلك الثغرة في الفريق اللندني.

كلما خرج داني روز للهجوم ذهب جيسي لينجارد أو لوكاكو خلفه. ويتحول فريد أو بوجبا إلى مهاجم ينطلق في العمق لأخذ مكان لوكاكو.

قدم يونايتد شوطا ممتازا. ولولا الفرص المهدرة ربما لتغيرت النتيجة.

وصحيح كل مشاكل مانشستر عادت للحياة في 10 دقائق انتهت فيهم المباراة، لكن ما اهتممت به شيء أخر.

وهو أن مانشستر لم يبدو مستسلما. عكس تماما لقاء برايتون الذي شعرت فيه أن اللاعبين لا يملكون أوامرا فنية أصلا، وثقتهم منعدمة في أن يكون لهم كلمة عليا في اللقاء.

شعرت أمام برايتون أن المشروع انتهى. وأن رحيل مورينيو هو قرار اتخذه الفريق قبل إدارة النادي.

لكن أمام توتنام أشارك جاري نيفيل وجهة نظره: "اليوم شعرت أن اللاعبين يقاتلون ليستفيقوا. كذلك رأيت أفكارا جيدة توصلهم لمرمى الخصوم".

وضد برنلي لعب فيلايني في عمق الدفاع بدلا من ماتيتش لمنع الكرات الطولية لخصوم مانشستر، وقلل فريق مورينيو سرعة هجماته حتى يضمن عدم خروج مرتدات ضده ونجح.

لهذا أرى أن يونايتد على بعد خطوة من الوصول إلى الطريق الذي قد لا تكون في نهايته ألقابا لكنه على الأقل يضمن لهم الحصول على فرصة ثانية للحياة.

تلك الخطوة هي اصطفاف اللاعبين خلف مورينيو.

--

جوزيه مورينيو: "حين أخسر أكون أخر شخص يخرج من الملعب، وأول شخص يدخل أرض الملعب في المباراة التالية. أقف أمام المدرجات وأسمع الجمهور".

--

وهذا ما أحبه في مورينيو. من يقف أمام الأزمات شخصية غير مستسلمة تنتهي بسهولة.

نحن ضد العالم

كنت سعيدا بما فعله مورينيو بعد مباراة توتنام.

ذهب جوزيه للاعبين مع صافرة النهاية ومنحهم الشعور بأن هناك أمرا ما جيدا في الخسارة المذلة بثلاثية، ذهب للجمهور واستمع لتحيتهم، وباع تلك اللقطة في المؤتمر الصحفي: الجمهور معنا.

وبدأ مورينيو لعبة نحن ضد العالم.

بعد مباراة توتنام قال مورينيو: "الجمهور صفق لنا بعد الخسارة لأننا كنا جيدين. لهذا أقول لكم حاولوا كما تريدون. حاولوا وحاولوا وحاولوا تشويه صورتي. ما يهمني هو الجمهور وقد قال الجمهور كلمته".

يحب مورينيو لعبة نحن ضد العالم. يحب أن يجعل اللاعبين يشعرون بأنهم في جبهة ضد جبهات أخرى. هذا يجعل الفريق أكثر لحمة.

وربما يستخدم مورينيو لعبة نحن ضد العالم للم شمل الفريق. وهذا هو ما يحتاجه. التوقف عن الصدام مع بوجبا ومارسيال وكل لاعب يمرر بشكل خاطئ.

لا بطولة؟ أوك. لكن لنذهب إلى خط النهاية دون كوارث. بعدها لنتفق على البحث عن مسار مختلف أو الافتراق والبحث عن بداية جديدة.

--

جوزيه مورينيو: "في البرتغال لدينا مثل شهير يقول: كل حائط يقف أمامك هو باب ينتظر أن تجد سبيلا لتفتحه".