أدب المونديال - بين الشمس والظل (1).. الكرة كراية أمة وقصص عن القوى الخفية

FilGoal.com يقدم سلسلة "أدب المونديال"، ويقتبس أبرز الكلمات التي كُتبت عن كرة القدم، وفي هذا الحلقة ضيفنا سيكون كتاب "كرة القدم بين الشمس والظل" من تأليف الكاتب الأوروجوائي إدواردو جاليانو وترجمة صالح علماني.

كتب : لؤي هشام

الثلاثاء، 05 يونيو 2018 - 16:11
منتخب إيطاليا في مونديال 1934

تعشق كرة القدم وانجرفت نحو مشاهدة المباريات بشراهة مُهملا القراءة ومطالعة الكلمات؛ أو أدمنت القراءة والإطلاع ليل نهار مفوتا على نفسك فرصة الاستمتاع بمشاهدة كرة القدم؟ لا مشكلة.

أدب كرة القدم يفتح جسرا آمنا بين الشاطئين، ويجعل كرة القدم مقروءة، والقراءة ملعوبة بوصفها لواحدة من أكثر الألعاب الجماعية شعبية على مستوى العالم.

FilGoal.com يقدم سلسلة "أدب المونديال"، ويقتبس أبرز الكلمات التي كُتبت عن كرة القدم، وفي هذا الحلقة ضيفنا سيكون كتاب "كرة القدم بين الشمس والظل" من تأليف الكاتب الأوروجوائي إدواردو جاليانو وترجمة صالح علماني.

مُتشبعا بأفكاره اليسارية ورؤيته الحالمة وشغف اللاتينيين بكرة القدم دوٌن جاليانو عن اللعبة بكلمات مبتكرة وأوصاف مبدعة تشرح الكثير والكثير وتضعك في الصورة كما لم يضعك أحدا من قبل. زاوية أخرى من الصورة ستراها كنت قد غفلت عنها.

"كرة القدم بين الشمس والظل" واحد من أشهر أدبيات كرة القدم وفيه يستعرض جاليانو نظرته إلى اللعبة كما لم ينظر أحد إليها، ويستفيض في وضع تصوراته عن الكرة وعناصرها كاللاعب والمدرب والحكم والجماهير والملاعب وغيرها من عوامل مؤثرة.

وكي لا يطول الحديث فقد اقتبسنا لكم بعضا من روايات الكاتب اليساري عن بطولات المونديال المختلفة، والتي استعرض جاليانو فيها تاريخ الكأس الذهبية منذ 1930 وحتى 1994.

_ _

اعـتراف المؤلــف

"لقد رغبت مثل جميع الأورجوايين فـي أن أصبح لاعب كرة قدم. وقد كنت ألعب جيدا، كنتُ رائعا، ولكن فـي الليل فقط، فـي أثناء نومي: أما فـي النهار فأنا صاحب أسوأ قدم متخشبة شهدتها ملاعب الأحياء فـي بلادي".

"لقد مرت السنوات، ومع مرور الوقت انتهيت إلى القناعة بهويتي: فأنا مجرد متسول أطلب كرة قدم جيدة. أمضى عبر العالم حاملا قبعتي، وأتوسل فـي الاستادات:

ـ لعبة جميلة حبا بالرب".

الصناعة والمتعة

بنظرة اليساريين واللاتينيين اعتبر جاليانو أن تحول الكرة إلى صناعة أفقدها جزءا كبيرا من متعتها، كما أشار إلى أن تدفق الأموال إليها لن يصنع تاريخا ملهما، مثلما شرح في الجمل الآتية.

"فـي استاد ويمبلي ما زالت تدوي ضجة مونديال 1966، الذي كسبته إنجلترا؛ ولكنك إذا أصغيت جيدا فستسمع زفرات آتية من عام 1953، عندما فاز المجريون على المنتخب الإنجليزي. واستاد الذكرى المئوية (ثينتيناريو) فـي مونتيفـيديو يتنهد حنينا لأمجاد كرة القدم الأورجوايية.

وما يزال استاد ماراكانا يبكي الهزيمة البرازيلية فـي مونديال 1950. أما فـي استاد بومبونيرا فـي بوينوس آيرس، فتدوي الطبول منذ نحو نصف قرن. ومن أعماق استاد الأزتيك فـي المكسيك تتردد أصداء الأناشيد الشعائرية للعبة الكرة المكسيكية القديمة.

واستاد كامب نو فـي برشلونه يتكلم الكتلانية، وتتبادل الحديث مدرجات استاد سان ماميس فـي بلباو باللغة الباسكية. وفـي ميلان، يهز شبح جوسيبس مياتسا وهو يسجل الأهداف جنبات الاستاد الذي يحمل اسمه. ونهائي مونديال 74 الذي كسبته ألمانيا، يُلعب يوماً بعد يوم، وليلة إثر ليلة فـي استاد ميونخ الأولمبي.

أما استاد الملك فهد فـي المملكة العربية السعودية، ففـيه منصة من الرخام والذهب ومدرجات مغطاة بالسجاد، ولكنه لا يملك ذاكرة وليس لديه ما يقوله".

_ _

أهي أفيون الشعوب؟

يتساءل جاليانو في هذه الجزئية عن النظرة الشهيرة والمعتادة لكرة القدم باعتبارها أفيون الشعوب ووسيلة الأنظمة لإلهاء شعوبها، ولكنه في تلك المرة يتناول زاوية مختلفة ونظرة أكثر تعمقا فسر خلالها السبب خلف تلك النظرة.

كما استشهد بواقعة حدثت في مونديال 78 بالإضافة إلى تغير تلك النظرة لاحقا من قبل بعض المثقفين.

"ما ھو وجه الشبه بين كرة القدم والإله؟ إنه الورع الذي يبديه كثيرون من المؤمنين والريبة التي يبديھا كثيرون من المثقفـين. فـي 1880، فـي لندن، سخر ريديارد كيبلينج من كرة القدم ومن «الأرواح الصغيرة التي يمكنھا أن ترتوي برؤية الحمقى الذين يلعبونھا».

وبعد قرن من ذلك، كان خورخي لويس بورخيس، فـي بوينوس آيرس، أكثر خفة: فقد ألقى محاضرة حول موضوع الخلود فـي اليوم نفسه، والساعة نفسھا، التي كان فـيھا المنتخب الأرجنتيني يخوض مباراته الأولى فـي مونديال 1978.

احتقار الكثير من المثقفـين المحافظين لكرة القدم كان يستند إلى اليقين بأن عبادة الكرة ھي الشعوذة التي يستحقھا الشعب. فالغوغاء المصابة بمس كرة القدم تفكر بأقدامھا، وھذا من خصائصھا.

وفـي ھذه المتعة التبعية تجد نفسھا. فالغريزة البھيمية تفرض نفسھا على الجنس البشري، والجھل يسحق الثقافة، وھكذا تحصل الدھماء على ما تريده. وھناك بالمقابل مثقفون يساريون كثيرون يزدرون كرة القدم لأنھا تخصي الجماھير وتحرفھا عن النشاط الثوري. خبز وسيرك، سيرك دون خبز: فالعمال المنومون بالكرة التي تمارس، يصابون بضمور الوعي، ويتيحون لأعدائھم الطبقيين أن يسوقوھم كالقطيع.

عندما لم تعد كرة القدم شيئا خاصا بالإنجليز والأغنياء ولدت فـي منطقة ريو دي لا بلاتا (أي الأرجنتين وأوروجواي) أول الأندية الشعبية، فجرى تنظيمھا فـي ورش السكك الحديدية وفـي ترسانات الموانئ.

وفـي ذلك الحين، استنكر بعض القادة الفوضويين والاشتراكيين ھذه الآلية البرجوازية لمنع الإضرابات وللتستر على التناقضات الاجتماعية. فانتشار كرة القدم فـي العالم كان برأيھم مؤامرة إمبريالية للإبقاء على الشعوب المقھورة فـي طور الطفولة.

ومع ذلك، فإن نادي جونيورز الأرجنتيني ولد أول الأمر باسم نادي شھداء شيكاغو، للعمال الفوضويين الذين شنقوا تكريما فـي أول مايو، وكان أول مايو كذلك ھو اليوم الذي اختير للإعلان عن ميلاد نادي تشاكاريتا، الذي جرى تعميده فـي مكتبة فوضوية فـي بوينوس آيرس.

فـي تلك السنوات الأولى من القرن، لم يُعدم وجود مثقفـين يساريين يحتفلون بكرة القدم بدل ازدرائھا كمخدر للوعي. ومن بينھم الماركسي الإيطالي أنطونيو جرامتشي الذي امتدح «مملكة الوفاء البشري ھذه التي تمارس في الهواء الطلق».

_ _

الكرة كراية

يشير المفكر اليساري إلى اعتبار كرة القدم كوسيلة لإعلاء القوميات والاستفادة أيضا من قبل الأنظمة، وهو ما تطرق إليه فيما خص مونديالي 34 و38 وارتباطهما بانتصار النظام الفاشي في إيطاليا بقيادة بينيتو موسوليني.

"كرة القدم والوطن مرتبطان على الدوام؛ وكثيرا ما يضارب السياسيون والدكتاتوريون بھذه الروابط. ففصيلة كرة القدم الإيطالية ربحت مونديالي 34 و38 باسم الوطن وموسوليني، وكان لاعبوها يبدؤون وينھون كل مباراة بصرخة تحيا إيطاليا وبتحية الجمھور ببسط راحاتھم المرفوعة.

وقد كانت كرة القدم بالنسبة للنازيين مسألة دولة أيضا وھناك نصب فـي أوكرانيا ّ يذكر بلاعبي فريق دينامو كييف فـي 1942 .ففـي أوج الاحتلال الألماني، أقترف أولئك اللاعبون حماقة إلحاق الھزيمة بمنتخب ھتلر فـي الملعب المحلي. وكان الألمان قد حذروھم: إذا ربحتم ستموتون.

دخلوا الملعب وھم مصممون على الخسارة، وكانوا يرتجفون من الخوف والجوع، ولكنھم لم يستطيعوا كبح رغبتھم في الجدارة والكرامة. فأعدم اللاعبون الأحد عشر وهم بقمصان اللعب، عند حافة ھاوية، بعد انتھاء المباراة مباشرة.

كرة القدم والسياسة، كرة القدم والشعب: فـي عام 1934، وبينما كانت بوليفـيا وباراجواي تتذابحان فـي حرب التشاكو، متننازعتين قطعة أرض مقفرة على الخريطة، ّشكل الصليب الأحمر فـي باراجواي فريق كرة قدم، لعب فـي عدد من مدن الأرجنتين وأوروجواي وجمع ما يكفـي من المال لمعالجة جرحى الجانبين فـي ميدان المعركة.

بعد ثلاث سنوات من ذلك، وخلال الحرب الأهلية الإسبانية للمقاومة الديمقراطية كان ھناك فريقان مغتربان شكلا رمزا فبينما الجنرال فرانكو يمسك بذراعي ھتلر وموسوليني، ويقصف الجمھورية الإسبانية، كان المنتخب الباسكي يجوب أوروبا وفريق برشلونة يخوض مباريات فـي الولايات المتحدة والمكسيك".

_ _

القوى الخفية ومصادر النكبة

دون إنكار أو استنكار يستعرض جاليانو كيف أن الإيمان بوجود قوى خفية يتداخل مع كرة القدم بشكل كبير. سوء الطالع وحسن الطالع والحظ والخوف من تنبؤات المشعوذين والمنجمين.

ويبرز الكاتب الأوروجوائي عدة وقائع حدثت في مونديال 30 و86 و94 بسبب الإيمان بالنبؤات والتمائم.

"كان المغني الأرجنتيني المشھور كارلوس جارديل قد غنى للاعبي الأرجنتين فـي الفندق الذي ينزلون فـيه. ولكي يمنحھم حسن الحظ دشن لھم أغنية تانجو جديدة بعنوان داندي.

وقد تكررت القصة نفسھا بعد سنتين من ذلك: فقد عاد جارديل إلى غناء داندي متمنيا النجاح للفريق الأرجنتيني. وكانت ھذه المرة الثانية عشية المباراة النھائية فـي مونديال 30 ،التي كسبتھا أوروجواي أيضا.

كثيرون يقسمون بأن نية جارديل كانت سليمة لا ريب فـيھا، ولكن أكثر من واحد يعتقد أن ما حدث ھو دليل على أن جارديل كان أوروجوايا وليس أرجنتينيا".

ويحكي واقعتين أخرتين لكلا من كارلوس بيلاردو مدرب الأرجنتين وفريدي رينكون لاعب كولومبيا في مونديال 94 وأخيرا تمائم مدرب المكسيك الخائبة في مونديال 30.

"الجميع يعرفون أنه مما يجلب سوء الطالع أن يطأ المرء ضفدعا، أو يمر من تحت درج، أو يدوس على ظل شجر أو يكسر مرآة، أو يجلس بالمقلوب، أو ينام بالمقلوب، أو يفتح مظلة تحت سقف، ولكن ھذه القائمة تبدو قصيرة جدا فـي عالم كرة القدم.

فكارلوس بيلاردو، المدير الفني للمنتخب األرجنتيني فـي مونديالي 1986 و1990، لم يكن يسمح للاعبيه بأن يأكلوا لحم الدجاج، لأنه يجلب لھم سوء الطالع، وكان يجبرھم على أكل لحم البقر، مع أنه يسبب لھم زيادة فـي نسبة حمض اليوريك.

وفريدي رينكون، المارد الأسمر فـي المنتخب الكولومبي، خيب آمال معجبيه الكثيرين فـي مونديال 1994 .فقد لعب دون إظھار أدنى قدر من الحماس. ُوعرف فـيما بعد أن الأمر لم يكن بسبب انعدام الرغبة لديه، وإنما بسبب الإفراط فـي الخوف. ذلك أن متنبئا من توماكو، وھي مسقط رأس رينكون كان قد تنبأ له بنتائج البطولة، وقد جاءت النتائج مطابقة لما تنبأ به.

وأخبره بأنه سيكسر إحدى ساقيه ما لم يلتزم الكثير الكثير الكثير من الحذر. قال له: «حذار من النمشاء» مشيرا بذلك إلى الكرة. «ومن الكبدية، ومن الدامية» مشيرا إلى البطاقة الصفراء والبطاقة الحمراء اللتين يرفعھما الحكم.

وعشية المباراة النھائية فـي مونديال 1994، ضمن اختصاصيو العلوم الخفـية الإيطاليون فوز فريق بلادھم بالكأس. وأكدت جمعية المنجمين الإيطاليين للصحافة أن «شؤم سحرنا سيحول دون فوز البرازيل». ولكن النتيجة المخالفة لم تؤثر على سمعة ھذه الھيئة النقابية.

المنتخب المكسيكي وصل إلى مونديال 1930 مثقلا بالنبوءات المشؤومة. وعشية مباراته ضد فرنسا، وجه المدرب المكسيكي خوان لوكي دي سيرايونجا كلماته التشجيعية إلى اللاعبين فـي فندقھم بمونتيفـيديو: أكد لھم أن عذراء جوادالوبي (شفـيعة المكسيك) كانت تصلي من أجلھم فـي الوطن، فوق جبل تيبياك.

يبدو أن المدرب لم يكن مطلعا جيدا على مھمات السيدة العذراء المتعددة. فقد سجلت فرنسا أربعة أھداف، واحتلت المكسيك الموقع الأخير فـي البطولة".

في قادم الحلقات يستعرض جاليانو تاريخ النسخ المختلفة من المونديال ولكن بطريقة أكثر ربطا بأحداث العالم المختلفة في ذلك التوقيت ليضعك في الأجواء كأنك عايشتها.